• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 094 - وجوب الجمع بين الوضوء والتيمم لدى الشك، والأقوال الأربعة. .

094 - وجوب الجمع بين الوضوء والتيمم لدى الشك، والأقوال الأربعة.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(94)


الماء المردد لا يرفع الحدث لكن يجب الوضوء به لدى الانحصار
سبق قول صاحب العروة: (مسألة 5: إذا شك في مايع أنه مضاف أو مطلق، فإن علم حالته السابقة أخذ بها، وإلا فلا يحكم عليه بالإطلاق، ولا بالإضافة، لكن لا يرفع الحدث والخبث)[1]، ومضى بعض الكلام عن جريان الاستصحاب في الشبهة المفهومية وعدمه، وبقي تفصيل الكلام عن جريانه في المرتبة الثانية أي في الشبهة الحكمية أي على تقدير عدم جريان الاستصحاب الموضوعي فهل لنا أن نجري الاستصحاب الحكمي أم لا؟ سيأتي ذلك بإذن الله تعالى، ولكن قبل ذلك لا بد من التعليق على قوله (لكن لا يرفع الحدث والخبث) لأن الرافع لها هو الماء المطلق وهذا الماء لا يعلم انه مطلق أو مضاف و(ثبت العرش ثم انقش) وقد مضى، والتعليق: هو أن هذا الماء وإن لم يرفع الحدث[2]، ولكن يجب التوضؤ به، مع ضم التيمم إليه، في صورة انحصار الماء به، وهو ما أشار إليه السيد الجد (قدس سره) ونقله عنه السيد الوالد بقوله (قدس سره): (وفي حاشية الوالد على هذه العبارة ما لفظه: "مع عدم الانحصار، أما معه فلابد من الجمع بين وظيفتي واجد الماء وفاقده"[3] انتهى. وذلك للعلم الإجمالي فيما لم يكن أصل حاكم)[4].
وتوضيحه: انه لو لم يجد إلا هذا الماء (المجهول كونه مطلقاً يصح الوضوء به أو مضافاً لا يصح) فإن عليه أن يجمع بين الوضوء به والتيمم؛ وذلك لأنه من مصاديق الشك في المكلف به، مع قيام العلم الإجمالي، ومع إمكان الاحتياط فيجب؛ وذلك لأنه إن كان هذا ماء مطلقاً وجب الوضوء به وإن كان مضافاً وجب التيمم (إذ الفرض عدم وجود ماء آخر) فهو عالم إجمالاً بأنه يجب عليه إما الوضوء أو التيمم، وحيث انّ المقسم معلوم مسلّم وهو وجوب التطهر للصلاة ودار الأمر بين تحققه بالوضوء أو بالتيمم وجب الاحتياط بالجمع.
ولكنّ ذلك إنما هو لو لم يكن أصل حاكم كالاستصحاب، كما لو كان فاقداً للماء قبل ذلك، وهو في الصحراء مثلاً، ثم جاء رجل فأعطاه هذا الماء المردد بين كونه مطلقاً او مضافاً فإنه سيتصحب فقدانه للماء (إذا كان معلوماً ومع مجيء هذا الماء المردد شك) فينحل العلم الإجمالي به فعليه التيمم إذ وظيفة الفاقد هي التيمم.
وبعبارة أخرى: التيمم معلق على {فَلَمْ تَجِدُوا ماءً}[5] وهذا الشخص مردد أمره بين أن يكون قد وجد الماء، فيجب عليه الوضوء، أو لم يجده فعليه التيمم، وحيث لا يوجد أصل ينقح انه فاقد أو واجد تبقى الحيرة والتردد والعلم الإجمالي فعليه الاحتياط.
وقد طرح صاحب العروة هذه المسألة بعد ذلك أيضاً وكرر ما ذكره ههنا، وقد علّق العديد من الأعلام عليها بمثل ما علّق به السيد الجد ههنا (والسيد السبزواري أيضاً) بينما لم يعلقوا ههنا مع أنّه كان الأولى[6] أن يعلقوا ههنا بذلك، خاصة مع كونها مسألة سابقة.
وقال: (مسألة 3: إذا لم يكن عنده إلّا ماء مشكوك إطلاقه وإضافته، ولم يتيقّن[7] أنّه كان في السابق مطلقاً يتيمّم[8] للصلاة ونحوها، والأولى الجمع[9] بين التيمّم[10] والوضوء به[11])[12].
مسألتان مقاربتان:
كما طرح صاحب العروة مسائل مقاربة نختار اثنتين منها:
لو كان لديه ترابان أحدهما نجس
الأولى: (مسألة 2: إذا كان عنده ترابان مثلا أحدهما نجس يتيمّم بهما، كما أنّه إذا اشتبه التراب بغيره يتيمّم بهما)[13]، وفي الحواشي (3 - يعني مع جفاف الترابين وجفاف الأعضاء عن الرطوبة المسرية. زين الدين.
* بعد إزالة ما علق بأعضائه من التيمّم الأوّل. آل ياسين)، و(عليه إزالة الأثر عن مواضع التيمّم بعد الفراغ من التيمّم الأوّل على الأقرب، ومن الثاني على الأولى. المرعشي.
* ويزيل ما علق بأعضائه من التيمّم بالأوّل قبل التيمّم بالثاني، والأحوط أن يزيل ما علق بها من الثاني قبل الصلاة. زين الدين)[14].
أما إزالة آثار الأول فلاحتمال كونه من التراب النجس، ويشترط في التيمم (الثاني) أن تكون الأعضاء طاهرة (على خلاف وكلام) وأما الثاني فلاحتمال كونه نجساً فينفضه كي لا يعلق التراب النجس به حال صلاته، على كلام.
الأقوال في اشتباه الماء أو التراب المباح بالمغصوب
الثانية: وقال (وأمّا إذا اشتبه المباح بالمغصوب اجتنب عنهما، ومع الانحصار انتقل إلى المرتبة اللاحقة، ومع فقدها يكون فاقد الطهورين، كما إذا انحصر في المغصوب المعيّن)[15].
أقول: الأقوال في المسألة ثلاثة:
المشهور: اجتنابهما
الأول: وهو المشهور شهرة عظيمة ما اختاره صاحب العروة وسكت عنه جميع المعلقين إلا ثلاثة، ووجهه: انه مأمور بتجنب المغصوب وقد دار بين المائين أو الترابين فقد علم أن أحدهما مغصوب فوجب الاجتناب عنهما، ولا يصح إجراء الأصل الموضوعي أو الحكمي في أحدهما بأن يقول: الأصل عدم كون هذا مغصوباً أو محرّماً استعمالُه (في الوضوء وغيره) لأنه معارض بالأصل الجاري في الآخر (وإجراؤهما معاً لا يمكن لأنه مخالف للعلم الإجمالي مصطدم معه، أو فقل يكذِّبهما العلم الإجمالي) وحيث لا مرجّح يتعارضان ويتساقطان فيبقى العلم الإجمالي منجّزاً في الطرفين إذ لم يوجد مؤمّن.
السيد القمي: له إجراء الأصل في أحد الطرفين
الثاني: ما اختاره السيد تقي القمي تبعاً لمبناه الأصولي الذي خالف به الأصوليين، إذ ارتأى صحة إجراء الأصل في أحد أطراف العلم الإجمالي والعلم على طبقه ولذا قال في الحاشية: (ما أفاده مبنيّ على ما ذهبوا إليه من تنجّز العلم الإجمالي بالنسبة إلى جميع الأطراف، ولكن قد ذكرنا في محلّه أنّه لا مانع بحسب الأدلّة عن جريان الأصل في بعض الأطراف؛ وعليه لا وجه للاجتناب المطلق، ولا يتحقّق موضوع فاقد الطهورين. تقي القمّي )[16].
وعليه: فإن كان هناك ماء مباح اشتبه بماء مغصوب، فله إجراء الأصل في أحدهما فيتوضأ به، وإن كان المشتبه تراب مباح اشتبه بتراب مغصوب (والفرض انه لا ماء) فله إجراء الأصل في أحدهما فيتيمم به.
ويمكن أن نتبرع لمبناه ببعض الوجوه:
منها: أنّ قولهم: الأصل لا يجري في أحد الطرفين نظراً لمعارضته بالأصل الجاري في الطرف الآخر ولا مرجح، يمكن أن يجاب فلسفياً بأن المرجح هو اختيار المكلف لأحدهما، فهو كما أجيب به عن شبهة طريقي الهارب ومائي الشارب، من ان المرجح هو إرادة الشخص، فليس إذاً من الترجّح بلا مرجح، وفيه ما فيه؛ إذ الظاهر لزوم كون المرجح قائماً بأحدهما لا بأمر أجنبي.
ومنها: أن يقال: بأنّ ملاك جريان الاستصحاب هو اللحاظ لا الواقع أي وجود حالة سابقة متيقَنة ملاحَظة وحالة لاحقة مشكوكة، فلو لم تكن الحالة ملاحظة لما جرى. وفي المقام: له أن يلاحظ وجود يقين سابق له في هذا الإناء وشك لاحق له فيه، ويقطع النظر عن وجودهما في الإناء الآخر، فإن اللحاظ اختياري.
وفيه ما فيه: إما لأن المراد من اللحاظ النوعي، أو لأن المراد به الشأني، لا الإعراض عنه رغم الالتفات إليه. بعبارة أخرى: المدار (لأنك كنت على يقين فشككت) فعلمه بوجود يقين سابق له وشك لاحق هو المدار لا لحاظه أو قطع النظر عنه.
ومنها: ما علّله هو (قدس سره) به ولعله يأتي.
السيد الخوئي: يجب التيمم بأحدهما
الثالث: ما اختاره السيد الخوئي (قدس سره) من وجوب التيمم بأحدهما، قال: (لا يبعد وجوب التيمّم بأحد الترابين حينئذ. الخوئي)[17].
أقول: ووجهه هو دوران الأمر بين المحذورين، وهو الذي صرح به في المسألة 3 من العروة قال: (مسألة 3: إذا كان عنده ماء وتراب وعلم بغصبية أحدهما لا يجوز الوضوء، ولا التيمّم، ومع الانحصار يكون فاقد الطهورين)[18]، قال: (لا يبعد وجوب الوضوء؛ لأنّه من دوران الأمر بين المحذورين في كلّ من الوضوء والتيمّم، فيحكم بالتخيير، وإذا جاز الوضوء لم ينتقل الأمر إلى التيمّم. الخوئي)[19].
وتوضيحه: في دوران الأمر بين ترابين أحدهما مغصوب والآخر مباح وقد اشتبها: اننا عندما نضع اليد على أي منهما يدور الأمر بين محذورين: فإنه إن كان مباحاً وجب التيمم به وإن كان مغصوباً حرم، وحيث أن الفرض عدم جود أصل منقح فيدور الأمر بينهما وحيث لا تمكنه الموافقة القطعية نظراً لحرمة المخالفة القطعية، ينتقل الأمر إلى الموافقة الاحتمالية فيتخير، وكذا الحال في المائين المشتبهين.
وقد يجاب: بأنّ ملاك الغصب أشد وأقوى من ملاك التيمم للصلاة، أما إذا قلنا بأن الصلاة لا تسقط عن فاقد الطهورين فلإحراز قبح الغصب وشدة ملاكه أما ترك هذا القسيم أي التيمم (الذي لا يؤدي إلى ترك الصلاة) فلا إحراز لقبحه أو شدة ملاكه، وأما إذا قلنا بأنها تسقط فيدل ذلك على انه لا يوجد للصلاة ملاك حينئذٍ فإن كان التراب مباحاً كان ملاكها محققاً، وحيث لا يعلم فيبقى احتمال وجود ملاكها ولم يعلم من الشارع الإلزام أو شدة مطلوبيته حينئذٍ به بينما علم منه الإلزام بتجنب ملاك الغصب المحتمل في دائرة العلم الإجمالي فيبقى ملاك الغصب سليماً عن المعارض. وتحقيق ذلك[20] موكول إلى محله، ولعلنا نشير إلى بعض أطرافه غداً إذا شاء الله تعالى.


قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إِنَّ عَظِيمَ الْبَلَاءِ يُكَافَأُ بِهِ عَظِيمُ الْجَزَاءِ فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً ابْتَلَاهُ بِعَظِيمِ الْبَلَاءِ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ الْبَلَاءَ فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ السَّخَطُ» الكافي: ج2 ص253.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

__________________________

[1] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: ج1 ص66.
[2] أي على فرض عدم جريان الاستصحاب الموضوعي ولا الحكمي.
[3] تعليقة السيد ميرزا مهدي الشيرازي: ص4 فصل في المياه ح5.
[4] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر ـ بيروت: ج2 ص75.
[5] سورة النساء: 43، سورة المائدة: 6.
[6] الأولى وليس المتعين، لأنها مسألة لاحقة، ووجه الأرجحية، الغفلة عن لزوم الوضوء به (مع التيمم)، مادمنا قلنا انه لا يرفع الحدث.
[7] إمّا للشكّ في إطلاقه وإضافته من الأوّل، وإمّا لتوارد الحالتين بالتعاقب، وشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر، بناء على عدم جريان الاستصحاب أو سقوطه. (المرعشي).
[8] بل يحتاط بالجمع. (محمّد رضا الگلپايگاني، الآملي).
[9] بل الأقوى الجمع؛ لأنّه شكّ في المكلّف به مع العلم الإجمالي وإمكان الاحتياط، فيتوضّأ أوّلا ثمّ يتيمّم. (الفيروزآبادي).
* بل هو الأحوط. (النائيني).
* بل لا يترك الاحتياط بما ذكر في المتن. (الحائري).
* بل لا يترك الاحتياط بالجمع. (الإصفهاني، محمّد تقي الخونساري، عبد اللّه الشيرازي، الأراكي).
* بل لا يترك. (حسين القمّي).
* بل هو الأحوط إن لم يكن أقوى، إلّا إذا كان مسبوقا بعدم الوجدان قبله فله الاقتصار على التيمّم في وجه قويّ. (آل ياسين).
* لا يترك الاحتياط بذلك. (الكوه كمرئي).
* بل هو المتعيّن للعلم الإجمالي بأنّ تكليفه إمّا الوضوء أو التيمّم، وفقدان الماء غير معلوم. (كاشف الغطاء).
* بل الأحوط. (الاصطهباناتي، جمال الدين الگلپايگاني).
* بل يجب على الأقوى. (البروجردي، أحمد الخونساري).
* بل الأقوى. (مهدي الشيرازي).
* بل الأحوط بنحو لا يترك. (الحكيم).
* بل لا يترك الجمع. (الشاهرودي).
* لا يترك الاحتياط به. (الميلاني).
* بل هو الأقوى في صورة عدم جريان أصالة عدم وجدان الماء، كما إذا كان مسبوقا بوجود الماء المعلوم إطلاقه. (البجنوردي).
* بل الأحوط، كما يشير إليه في نظيره في المسألة الخامسة، والفرق ضعيف. (الفاني).
* الأحوط ذلك لو لم يكن أقوى. (المرعشي).
* بل يحتاط بالجمع بين التيمّم والوضوء. (الآملي).
* لا يترك الاحتياط به، كما سيأتي منه في مسألة 5. (السبزواري).
* بل وجوب الوضوء به لا يخلو من قوّة، ولا يترك الاحتياط بالتيمّم أيضا . (حسن القمّي).
* بل هو الأحوط وجوبا في غير ما إذا كانت الحالة السابقة هي الإضافة، وأمّا في هذه الصورة فيتيمّم. (السيستاني).
[10] بل يجب الجمع على الأقوى. (الشريعتمداري).
[11] الاحتياط بالجمع لا يترك. (زين الدين).
* بل الجمع متعيّن؛ لدوران تكليفه بينهما، وعدم انحلال العلم بالأصل؛ لأنّه إن كان مسبوقا بالإطلاق يجب عليه الوضوء فقط، وإن كان مسبوقاً بالإضافة يجب عليه التيمّم، وفي فرض عدم العلم بالحالة السابقة يتعيّن عليه الجمع بينهما. (مفتي الشيعة).
[12] العروة الوثقى والتعليقات عليها (تعليقة 41 مرجع)، مؤسسة السبطين (عليهما السلام) العالمية ـ قم: ج2 ص18-20.
[13] العروة الوثقى والتعليقات عليها (تعليقة 41 مرجع)، مؤسسة السبطين (عليهما السلام) العالمية ـ قم: ج5 ص432.
[14] المصدر.
[15] المصدر.
[16] المصدر.
[17] المصدر.
[18] المصدر: ص433.
[19] المصدر.
[20] وأنّ مقتضى القاعدة أن نحرز المقام وانه من باب التعارض أو التزاحم.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4690
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 20 شوال 1446هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 20