• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 087 - إذا شك في الماء انه مطلق أو مضاف. - صور عديدة وتعليقات وقيود على كلام العروة .

087 - إذا شك في الماء انه مطلق أو مضاف. - صور عديدة وتعليقات وقيود على كلام العروة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(87)


الشك في سائلٍ انّه مضا ف أو مطلق
قال في العروة: (مسألة 5: إذا شكّ في مايع أنّه مضاف أو مطلق، فإن علم حالته السابقة أخذ بها، وإلّا فلا يحكم عليه بالإطلاق، ولا بالإضافة، لكن لا يرفع الحدث والخبث، وينجس بملاقاة النجاسة إن كان قليلاً، وإن كان بقدر الكرّ لا ينجس؛ لاحتمال كونه مطلقاً والأصل الطهارة)[1].
ولنبدأ ببعض الإيضاحات والتعليقات والقيود، بإيجاز، لنتوقف بعدها عند مواطن الأخذ والرد منها، وذلك ضمن أمور:


أمثلة للماء المشكوك
الأول: يمكن التمثيل لما شك في انه مطلق أو مضاف بماء بعض الآبار المالحة، وبالماء الآجن أو الآسن ببعض مراتبه، وبالماء الطيني كماء النهر عند اضطرابه وكثرة التراب المختلط به، وبالمياه الزاجية والكبريتية.
ونظير هذه المسألة ما سيأتي في المسألة الثانية من فصل الماء الجاري، فيما إذا شك في الماء الجاري في أن له مادة أو لا، وذلك إذا شك ابتداءً انه وجد مع مادة أو من دونها لا ما سُبِق بالمادة أو العدم إذ تُستصحب حينئذٍ الحالة السابقة، وكذلك ما سيأتي في المسألة السابعة من فصل الماء القليل من الماء المشكوك كريته، إما لفرض وجوده دفعةً، أو للجهل بحالته السابقة نظراً لتتابع حالتي الكرّية والقلة عليه.


تأسيس الأصل في المقام مفيد لكل أبواب الفقه
الثاني: إنّ فائدة تأسيس الأصل ههنا عامة، إذ تنفع في سائر الأبواب أيضاً، ومن ذلك ما لو شك انه رجل أو امرأة بعد إجراء عملية جراحية له، فإنه تارة يعلم ببقاء رجوليته كما لو قطع عضوه الخاص فقط، وتارة يشك في تحوله إلى امرأة وعدمه كما لو زرّق بما أحدث فيه بعض التغييرات الهرمونية، لا ما أوجب تحوله كاملاً.
وكذا من كان واجداً خِلقةً لعضوي الرجل والمرأة أو فاقداً لهما فإنه قد يعلم انه رجل وقد يعلم انه أمرأة وقد لا يعلم انه أي منهما وقد يدعى انّه رجل وأمرأة أو انه لا هو رجل ولا أمرأة، والكلام في صورة الشك.
وكذا لو شككنا انها شاة أو ذئب، في المتولد من حيوانين مثلاً.
أو لو شك انه تزوجها دواماً أو متعةً، مع علمه إجمالاً بانه أجرى عليها العقد، فإنها ترث منه إن كانت دائمة دون المتعة، وعدتها حيضة أو حيضتان، على الخلاف إن كانت متعة دون الدائمة.. وهكذا


الثالث: انّه إن عُلِمت حالته السابقة وكانت الشبهة مصداقية (أو فقل موضوعية – مصداقية) أُخِذ بها، فبذلك يقيّد متن العروة على مبنى من فصّل بين المفهومية والمصداقية بعدم جريان الاستصحاب في الأولى.


الرابع: ويقيّد أيضاً بما إذا لم تكن طرفاً للعلم الإجمالي ابتداءً أو بقاءً، والأول كما لو كان أحد الإنائين مطلقاً والآخر مضافاً فاختلطا، لأن كلا منهما حينئذٍ لا تعلم حالته السابقة، أي أن الركن الأول من أركان الاستصحاب مختلٌّ إذ إنك إذا أشرت إلى أي منهما فليس لك فيه يقين سابق.
والثاني: كما لو علم بوقوع مادة كيماوية في أحدهما فجعلته مضافاً؛ إذ يتعارض الاستصحابان حينئذٍ.


حكم الشك في الشبهة المفهومية للماء
الخامس: وأما إن كانت الشبهة مفهومية، ففي الفقه: (ثم إن الشبهة قد تكون مصداقية، كما إذا علم مفهوم الماء المطلق والماء المضاف بحدودهما، ولكن لسبب أمر خارجي اشتبه فرد خاص: أنه ماء مطلق أو مضاف، كما لو كانت هناك ظلمة مانعة عن رؤية الماء مثلاً، وقد تكون مفهومية وهي على قسمين
الأول: أن تكون الشبهة في أصل المعنى كاللفظ المجمل الذي لم يعلم المراد منه أصلاً، ولا كلام لنا في هذا القسم.
الثاني: أن تكون الشبهة في حدود المفهوم على نحو يوجب الشك في صدقه على بعض الأفراد، كما لو كان الماء المطلق واضحاً مفهوماً، إذ يعرف معناه العرف، وكذا الماء المضاف، وإنما يقع الشك في بعض المصاديق كالماء المخلوط بالطين الكثير، فإن حد المطلق وحد المضاف غير واضح، ولذا يشك في أن هذا الفرد من المخلوط بالطين مطلق أو مضاف)[2] فهنا صورتان:


أ- الشك في أصل المعنى
مثال المجمل: القرء، والنجم المردد بين نجم السماء والنبات الذي لا ساق له، وأمّة المرددة بين الجماعة من الناس وبين الفترة من الزمن، وكالنكاح المردد بين العقد وبين نفس الدخول، فلو ورد مثل قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[3]، وترددنا في القرء أنّ المراد به الحيض أو الطهر فقد يكون حالها معلوماً انه مضى عليها ثلاث حيضات وطهران فقط، أو العكس: مضى عليها طهران وثلاث حيضات، لكنّ الموضوع في لسان الشارع حيث كان القرء وهو مشترك لفظي فهو مردد بين الوجود والعدم فلا يمكن استصحاب عدم مضي ثلاثة اقراء، في الصورتين السابقتين، لأنه مردد بين معلوم الوجود ومعلوم العدم، والمعلوم إنما هو ما لم يكن بنفسه موضوع الحكم.
وكذا الناصية، المأمور في بعض الروايات بمسحها ببلة الوضوء، وهي مرددة بين الربع المقدم من الرأس وبين النصف المقدم، وبين ما كان بين النَزَعتين فوق الجبهة من الربع المقدم فقط[4].


أمثلة للشبهة المفهومية
والأمثلة من باب الطهارة كثيرة سواء الشبهة المفهومية للإجمال أم الشبهة المفهومية للشك في الحدود:
ومنها: ما لو تردّد المني المختبري أي المصنّع مختبرياً، بين كونه منياً أو لا، بأن جهل وضع المني انه للأعم منهما أو للأخص[5]؟
ومنها: ما لو تردّد في الدم الذي يخرج من بعض الأشجار يوم عاشوراء، وفي الدم العبيط الذي وجد تحت كل حجر وحصاة يوم شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) وعلى الجدران، انه دم إنساني مصنوع إعجازاً أو حقيقة أخرى تشابه الدم الإنساني، ككونه شبيهاً بالصمغ النباتي أو غيره ولكن مع خلقه إعجازاً، فقد يقال: ان لفظ الدم والمني وأشباهها مجمل من حيث وضعه للأعم أو لخصوص الطبيعي منهما.
ومنها: ما لو تردد في الطهارة والتطهر و... الواردة في لسان الشارع بين إرادة الطهارة من الحدث أو الخبث، أي الوضوء والاغتسال من الحدث، أو التطهر من الخبث، وكذا الوضوء لو تردد فيه نظراً لإطلاق الشارع الوضوء بالضم[6] والتوضأ على الوضوء المعروف وعلى غسل اليدين والاستنجاء، وإن أمكن القول بأن الاستعمال الأخير مجاز غالب، لا انه مشترك في لسان الشرع بينهما، بل على الغلبة يكون مجملاً أيضاً.


ب- الشك في حدود المعنى والمفهوم
السادس: انّ الشبهة المفهومية (وقد أسماها بعضهم في المقام بالحكمية، ومقصوده: المفهومية الحكمية، لا الحكمية المحضة) وهي الناشئة من الشك في وضع اللفظ للأعم أو الأخص كما فيما سبق من الأمثلة، اختلف في كونها مجرى الاستصحاب على قولين وتفصيل، وسيأتي تفصيل الأخذ والرد في ذلك.
 

هل الأصل في المياه الإطلاق؟
السابع: انّه إن لم تعلم للمائع المشكوك كونه مطلقاً أو مضافاً حالةٌ سابقةٌ فقد حكم صاحب العروة بـ (وإلّا فلا يحكم عليه بالإطلاق، ولا بالإضافة) وقد سكت عنه جميع المعلقين إلا السيد القمي، فقال: (يمكن القول بكونه محكوما بالإطلاق، فإنّ جميع المياه المضافة تكون حالتها السابقة هي الإطلاق، أمّا في الماء الممزوج بغيره فواضح، وأمّا في مثل ماء الرمّان والتفّاح فلأنّه قبل جريان الماء في عروق الأرض وفي عروق الشجر وامتزاجه مع الموارد الرمّانيّة أو التفّاحيّة كان ماء مطلقاً، فنقول: هذه المادّة المائعة كانت في أوّل تكوّنها ماء مطلقاً، ونشكّ في امتزاجه مع غيره، أو جريانه في عروق الأرض والشجر وامتزاجه مع موادّ الفواكه وصيرورته مضافاً، والأصل عدمه، وعليه فيرفع الحدث والخبث، ومع ذلك فلا يترك مقتضى الاحتياط. حسن القمّي)[7].
ولكن يرد عليه: ما سبق من انه لا يعلم كون جميع مياه الأرض مطلقة في أصلها، إذ يحتمل، وهو الذي التزم به العديد من العلماء الجدد، أن تكون مياه الأرض قد تكوّنت في باطن الأرض، ثم برزت إلى سطح الأرض فتبخّرت فتكوّن منها المطر[8]، ولا يعلم انها حين تكوّنت هل تكوّنت مطلقةً أم مضافة مختلطة بالمعادن والأملاح.
بل وكذلك ماء البحر إذ لا يعلم انه منذ بدء خليقته هل خلق مالحاً أو خلق حلواً عذباً ثم أضيف إليه الملح[9].
ثم إن من[10] كان مبناه كمبنى السيد القمي، من أن جميع مياه الأرض أصلها من السماء، كان عليه أن يعلق على متن العروة كما علّق السيد القمي فيحكم بأصالة الإطلاق.


 
قال النبي (صلى الله عليه وآله): «أَقْرَبُكُمْ مِنِّي غَداً فِي الْمَوْقِفِ، أَصْدَقُكُمْ‏ لِلْحَدِيثِ‏، وَآدَاكُمْ لِلْأَمَانَةِ وَأَوْفَاكُمْ بِالْعَهْدِ وَأَحْسَنُكُمْ خُلُقاً وَأَقْرَبُكُمْ مِنَ النَّاسِ» تحف العقول: ص46.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

__________________________

[1] العروة الوثقى والتعليقات عليها: ج1 ص373-376.
[2] موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر ـ بيروت: ج2 ص73.
[3] سورة البقرة: 228.
[4] وقد يصل إلى منتصف الربع المقدم ارتفاعاً.
[5] أي خصوص المني الإنساني.
[6] أما بالفتح فأسم مصدر.
[7] العروة الوثقى والتعليقات عليها (تعليقة 41 مرجع)، مؤسسة السبطين (عليهما السلام) العالمية ـ قم: ج1 ص375.
[8] فلا يتنافي مع {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً} (سورة الفرقان: 48).
[9] وقال بعض الجدد بالتفصيل وان معظمها كان عذباً فامتزج بالملح، وبعضها كان مالحاً خلقةً.
[10] ولعله ظاهر المستفاد من عبارات السيد الخوئي وغيره (راجع مثلاً شرح العروة: ج2 ص7) ولكن ان بنى على الملازمة بين نزوله من السماء وكونه مطلقاً.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4683
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 09 شوال 1446هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 20