• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الطهارة (1446هـ) .
              • الموضوع : 082-تحديد معروض النجاسة حسب الروايات من بين المحتملات الخمسة .

082-تحديد معروض النجاسة حسب الروايات من بين المحتملات الخمسة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


سبق: (وبعد تسليم أن الاستحالة من المطهرات، فنقول: ان الحكم بنجاسة الماء المطلق المتنجس والمضاف المتنجس بعد تبخير كل منها ثم عودته ماء مطلقاً أو مضافاً، مبني على أن موضوع النجاسة ما هو، أي المتنجس ما هو؟ فإن المحتملات خمسة: أن يكون موضوعه الشيء، أو الجسم، أو المائع مطلقاً أو المائع غير المعاد، أو الماء، أو الماء المضاف، وقد أشار إلى عدد من هذه الاحتمالات عدد من الأعلام) و(ولكن عمدة الكلام هو أن الروايات هي الحَكَم الفيصل في كون موضوع المتنجس هو أي عنوان من العناوين الخمسة الماضية وليس البحث العقلي عن كونه ملحقاً بهذا أو ذاك أو استبعاد هذا أو ذاك كما صنعه جمع)[1].
العناوين التي أخذت في الروايات كموضوعات للنجاسة
وعند مراجعة الروايات نجد انها على طوائف بين ما كان الموضوع فيها الماء، لا الشيء ولا الجسم ولا المائع ولا الماء المضاف، وما كان الموضوع فيها الماء مع قيد الآجن وشبهه، وما كان الموضوع فيها الحياض أو الغدير، وما كان الموضوع فيها ماء الورد، وما كان الموضوع السمن أو الزيت، وما كان الموضوع المرق، وما كان الموضوع فيها هو: مما شرب منه وشبهه، وما كان الموضوع فيها السؤر وما كان الموضوع فيها الفضل، نعم توجد رواية واحدة موضوعها الشيء، فلاحظ الروايات حسب طوائفها الماضية متسلسلةً:
الماء
1- ما ورد فيها لفظ الماء أو مع قيد الآجن أو النقيع كموضوع للنجاسة، وهي كثيرة جداً، منها:
عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((كُلَّمَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى رِيحِ الْجِيفَةِ فَتَوَضَّأْ مِنَ الْمَاءِ وَاشْرَبْ، فَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ أَوْ تَغَيَّرَ الطَّعْمُ، فَلَا تَوَضَّأْ مِنْهُ‏ وَلَا تَشْرَبْ‏))[2]، فالموضوع هو الماء ووصفه التغير وحكمه النجاسة، وهو محمول على الكر (الغدير إذا كان كراً).
الماء الآجن / النقيع
عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ((فِي الْمَاءِ الْآجِنِ تَتَوَضَّأُ مِنْهُ، إِلَّا أَنْ تَجِدَ مَاءً غَيْرَهُ فَتَنَزَّهْ‏ مِنْهُ‏))[3].
فالموضوع الماء الآجن ((فَتَنَزَّهْ‏ مِنْهُ))، وقد سبق ان الماء الآجن درجات منها مطلق ومنها مضاف، فلو ثبت ذلك وثبتت عمومية السيرة على استعماله فهو استثناء فراجع ما سبق.
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَاءِ النَّقِيعِ‏ تَبُولُ‏ فِيهِ الدَّوَابُّ؟ فَقَالَ: إِنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ فَلَا تَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ أَبْوَالُهَا فَتَوَضَّأْ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الدَّمُ إِذَا سَالَ فِي الْمَاءِ وَأَشْبَاهُهُ))[4].
عن أبي خالد القماط، أنَّه سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ((فِي الْمَاءِ يَمُرُّ بِهِ الرَّجُلُ وَهُوَ نَقِيعٌ فِيهِ الْمَيْتَةُ الْجِيفَةُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): إِنْ كَانَ الْمَاءُ قَدْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ فَلَا تَشْرَبْ وَلَا تَتَوَضَّأْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ رِيحُهُ وَطَعْمُهُ فَاشْرَبْ‏ وَتَوَضَّأْ))[5].
عن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالْمَاءِ وَفِيهِ دَابَّةٌ مَيْتَةٌ قَدْ أَنْتَنَتْ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّتْنُ‏ الْغَالِبَ‏ عَلَى‏ الْمَاءِ فَلَا يَتَوَضَّأْ وَلَا يَشْرَبْ))[6].
عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ((قُلْتُ لَهُ: رَاوِيَةٌ مِنْ مَاءٍ سَقَطَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ جُرَذٌ أَوْ صَعْوَةٌ[7] مَيْتَةً؟ قَالَ: إِذَا تَفَسَّخَ فِيهَا فَلَا تَشْرَبْ مِنْ مَائِهَا وَلَا تَتَوَضَّأْ، وَصُبَّهَا؛ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَفَسِّخٍ فَاشْرَبْ مِنْهُ وَتَوَضَّأْ، وَاطْرَحِ الْمَيْتَةَ إِذَا أَخْرَجْتَهَا طَرِيَّةً؛ وَكَذَلِكَ الْجَرَّةُ وَ حُبُّ الْمَاءِ وَالْقِرْبَةُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ‏ مِنْ‏ أَوْعِيَةِ الْمَاءِ))[8].
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: ((مَاءُ الْبِئْرِ وَاسِعٌ‏ لَا يُفْسِدُهُ شَيْ‏ءٌ إِلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ بِهِ))[9]
 فالمدار هو الماء وهو كلي طبيعي ينطبق على أفراده قهراً، وعليه: فالماء قبل التصعيد وبعده، حيث انطبق على كليهما عنوان الماء فإذا تنجس الأول، شمل دليل نجاسة الماء الثاني أيضاً لأنه ماء لاقاه نجس، ولئن شك في مغايرته له فالاستصحاب محكم.
الغدير أو الحياض
2- ما ورد فيه لفظ الغدير أو الحياض:
عن العلاء بن فضيل، قال: ((سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنِ الْحِيَاضِ يُبَالُ فِيهَا؟ قَالَ: لَا بَأْسَ إِذَا غَلَبَ لَوْنُ‏ الْمَاءِ لَوْنَ‏ الْبَوْلِ‏))[10]
ومن الواضح ان الحياض إنما توجد فيها المياه المطلقة، ويندر بل قد لا توجد حياض يوجد فيها ماء البرتقال أو سائر المياه المضافة، على ان جواب الإمام (عليه السلام) كفيل بحصر موضوع السؤال في الماء المطلق لاختصاص الحكم الذي ذكره (عليه السلام) به. (مع قيد كونه كراً المستفاد من الجمع بين الروايات).
وعنه (عليه السلام) أنّه: ((سُئِلَ عَنِ الْغَدِيرِ يَكُونُ بِجَنْبِ الْقَرْيَةِ تَكُونُ فِيهِ الْعَذِرَةُ وَيَبُولُ فِيهِ الصَّبِيُّ وَتَبُولُ فِيهِ الدَّابَّةُ وَتَرُوثُ؟ قَالَ: إِنْ عَرَضَ بِقَلْبِكَ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ فَافْعَلْ هَكَذَا وَتَوَضَّأْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ أَيْ حَرِّكْهُ‏ وَأَفْرِجْ‏ بَعْضَهُ‏ عَنْ‏ بَعْضٍ‏ وَقَالَ: إِنَّ الدِّينَ لَيْسَ بِضَيِّقٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)‏))[11] والغدير كالحياض فيما سبق.
وعن عبد الله بن سنان، قال: ((سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) وَأَنَا جَالِسٌ عَنْ غَدِيرٍ أَتَوْهُ وَفِيهِ جِيفَةٌ؟ فَقَالَ: إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَاهِراً وَلَا يُوجَدُ فِيهِ الرِّيحُ فَتَوَضَّأْ))[12].
محمد بن علي بن الحسين، قال: سئل الصادق (عليه السلام) ((عَنْ غَدِيرٍ فِيهِ جِيفَةٌ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْمَاءُ قَاهِراً لَهَا لَا تُوجَدُ الرِّيحُ مِنْهُ فَتَوَضَّأْ وَاغْتَسِلْ‏))[13]
ماء الورد
3- وما ورد فيه، من بين المضافات جميعاً، ماء الورد
عن يونس، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: ((قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَغْتَسِلُ‏ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ))[14] فالمدار صدق ماء الورد قبل وبعد التصعيد.
وفيه: انه لو لم يقرأ بكسر الواو (أي ماء الوِرد أي الغدير الذي ترده الحيوانات) فالمراد به الماء الذي فيه ورقات ورد لكنه بقي على إطلاقه، لا انه تغير وصار مضافاً، على المشهور خلافاً للشيخ الصدوق (قدس سره).
السمن والزيت
4- ما ورد فيه السمن والزيت:
عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ((إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَمَاتَتْ، فَإِنْ كَانَ جَامِداً فَأَلْقِهَا وَ مَا يَلِيهَا وَكُلْ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ ذَائِباً فَلَا تَأْكُلْهُ وَاسْتَصْبِحْ بِهِ، وَالزَّيْتُ‏ مِثْلُ‏ ذَلِكَ‏))[15].
وعن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ((أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةٍ فِيهَا سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ فَمَا تَرَى فِي أَكْلِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): لَا تَأْكُلْهُ؛ قَالَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: الْفَأْرَةُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَتْرُكَ طَعَامِي مِنْ أَجْلِهَا! قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِنَّكَ لَمْ تَسْتَخِفَ‏ بِالْفَأْرَةِ وَإِنَّمَا اسْتَخْفَفْتَ بِدِينِكَ؛ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ))[16] فالمدار صدق السمن والزيت بعد التصعيد، وإلا فمع الشك يستصحب موضوعاً أو حكماً.
والتعميم لغيرهما مبني على تنقيح المناط وإلغاء الخصوصية وشبه ذلك، والأمر فيه على ما مضى.
المرق
5- ما ورد فيه لفظ المرق.
عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) سُئِلَ عَنْ قِدْرٍ طُبِخَتْ فَإِذَا فِي الْقِدْرِ فَأْرَةٌ؟ قَالَ: يُهَرَاقُ مَرَقُهَا وَيُغْسَلُ‏ اللَّحْمُ‏ وَيُؤْكَلُ‏))[17].
فالمدار صدق المرق، فإذا تنجس فصعّد وتبخر فتكثف فعاد ماءً، فإن صدق عليه المرق فهو نجس وإلا فلا، إذ الموضوع للنجاسة المرق، وأما الجسم والمائع فهما مناط، نعم لاستصحاب الموضوع إن شك فيه، أو الحكم مجال، على ما سيأتي.
ما يشرب منه
6- ما ورد فيه (شرب من إناء) و(ما يشرب منه) وشبه ذلك.
عن موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث قال: ((وَسَأَلْتُهُ عَنْ خِنْزِيرٍ شَرِبَ‏ مِنْ‏ إِنَاءٍ كَيْفَ‏ يُصْنَعُ‏ بِهِ؟ قَالَ: يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ))[18].
وما في الإناء عادةً ماء، ولكن قد يقال انه لا يقلّ وجود المضاف وأمثال الزيت فيه، وعليه: فكلما صدق انه (من إناء) ترتب عليه حكمه ولو بعد التصعّد ثم التقاطر[19].
وعن عمار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((سُئِلَ عَمَّا تَشْرَبُ‏ مِنْهُ‏ الْحَمَامَةُ؟ فَقَالَ: كُلُّ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَتَوَضَّأْ مِنْ سُؤْرِهِ وَاشْرَبْ، وَعَمَّا شَرِبَ مِنْهُ بَازٌ أَوْ صَقْرٌ أَوْ عُقَابٌ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَيْ‏ءٍ مِنَ الطَّيْرِ تَوَضَّأْ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَرَى فِي مِنْقَارِهِ دَماً، فَإِنْ رَأَيْتَ فِي مِنْقَارِهِ دَماً فَلَا تَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَا تَشْرَبْ))[20].
عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((لَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَوَضَّأَ مِمَّا شَرِبَ‏ مِنْهُ‏ مَا يُؤْكَلُ‏ لَحْمُهُ))[21].
السؤر أو الفضل
7- ما ورد فيه السؤر أو الفضل
عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((لَيْسَ بِفَضْلِ‏ السِّنَّوْرِ بَأْسٌ‏ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيُشْرَبَ، وَلَا يُشْرَبُ سُؤْرُ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَوْضاً كَبِيراً يُسْتَسْقَى مِنْهُ))[22].
فهل يصدق على سؤره بعد تصعيده وتكثيفه وتقطيره انه سؤره؟ المرجع العرف، فإن قال نعم فنجس، أو قال لا فطاهر، أو شك فنستصحب.
ونظيرها: عن سعيد الأعرج، قال: ((سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَنْ سُؤْرِ الْيَهُودِيِ‏ وَالنَّصْرَانِيِ‏؟ فَقَالَ: لَا))[23].
الشيء
8- ما ورد فيه لفظ الشيء، وهو العمدة في محورية الشيء، دون عنوان الماء أو المضاف أو المائع فقط، لو تمّ، وهو (كل شيء نظيف):
عن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ‏ حَتَّى‏ تَعْلَمَ‏ أَنَّهُ‏ قَذِرٌ، فَإِذَا عَلِمْتَ فَقَدْ قَذِرَ، وَمَا لَمْ تَعْلَمْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ))[24].
هل ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ)) يفيد الحكم الواقعي أو الظاهري؟
أقول: الاستدلال بها على مدارية الشيء لا يتم في المقام على المشهور[25] إذ ذهبوا إلى أن الظاهر منها هو الكلام عن الحكم الظاهري (وعالم الإثبات) بقرينة ((حَتَّى‏ تَعْلَمَ)) بل بصراحة ((فَإِذَا عَلِمْتَ فَقَدْ قَذِرَ)) إذ القذارة الواقعية غير متوقفة على العلم، بل الظاهرية فقط.. وبوجه آخر: لو أراد الحكم الواقعي لأناط الغاية بالنجاسة الواقعية، لا بالعلم، بأن يقول مثلاً (كل شيء نظيف حتى يقذر أو حتى يصيبه النجس ثبوتاً) وعليه: فهي أجنبية عن المقام (الذي هو انه ثبوتاً ما الذي جعله الشارع موضوعاً للنجاسة: الشيء، الجسم، المائع.. إلخ).
لكنّ المنصور ان الأمر في الرواية ليس دائراً بين شقين واحتمالين (كونها لبيان الطهارة والنجاسة الواقعيين، أو كونها لبيان الظاهريين، كي تكون إقامة القرينة على إرادة الثاني نافية للأول، بل هناك شق ثالث هو المستظهر وهو انها تبينهما معاً أي كل شيء نظيف ثبوتاً وإثباتاً، أي واقعاً وظاهراً، ثم جاءت الغاية محددة لأحدهما، ولا يوجد فيها لسان نفي للآخر ولا تحديد لغايته، فيبقى على إطلاقه.
بعبارة أخرى: نتمسك أولاً بظهور ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ))، وأن المراد به: واقعاً وظاهراً نظراً لإطلاقه، ثم نقول: جاءت الغاية محددةً لأمد الحكم الظاهري بـ ((حَتَّى‏ تَعْلَمَ)) أما الحكم الواقعي فأمده محدد بسائر الروايات الدالة على منجسية أعيان النجاسات أي كل شيء نظيف واقعاً حتى يصيبه البول أو الغائط.. إلخ.
فهذا ما نستظهره، لكن المشهور على خلافه، وعلى أي فإن المرجع العرف، والذي نستظهره: أن العرف لو عرض عليه الخبر لفهم الأعم، أو على احتمال آخر: انه يفهم النظافة الواقعية وإنها مستمرة في حقك حتى تعلم فإذا علمت فقد قذر أي ظاهراً، وذلك بقرينة ((وَمَا لَمْ تَعْلَمْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ)) الظاهر في انه وإن كان نجساً واقعاً لكنه ليس عليك شيء، ولعل الاحتمال الثاني هو ما يفهمه العرف خاصة مع لحاظ قاعدة أن الأسماء موضوعة لمسمياتها الثبوتية، والله العالم، هذا.
إضافة إلى ذلك: قد سبق[26] انّ روايات النجاسات خاصة بعناوين ستة (الثوب، الجسد، الأواني، الفراش، الطنفسة، الجِص) ولا توجد رواية بـ (الشيء يصيبه البول) حسب استقراء شبه تام، لكن المرجو من الأفاضل الفحص فإن وجدوا غير رواية ((كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ)) وما يناظرها فليتحفونا بها فإنه المطلوب.
هل البخار ماء مفكّك؟
كما سبق تعليقة الآملي على العروة في (مسألة 4: المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد؛ لاستحالته بخاراً ثمّ ماءً) ، قال: (فيه منع، بل الأقوى بقاؤه على النجاسة لبقاء الموضوع حقيقة وعرفا بتبدّله بخارا، فإنّ غاية ما هناك هو تفكّك أجزاء المائيّة، وإن أبيت عن بقاء الموضوع حقيقة فبقاؤه عرفا محلّا لاستصحاب النجاسة. الآملي)[27].
أقول: يرد عليه انه ليس كذلك عرفاً ولا من الناحية العلمية أي لا في العرف العام (وعليه المعول) ولا الخاص (أي علم الفيزياء) إذ الماء غير البخار عرفاً ونستعين على ذلك ببحث المشتق إذ بناءً على المشهور من أنه مجاز فيما انقضى عنه المبدأ فإنه يقال عن البخار انه كان ماء ولا يقال له انه ماء الآن، بعبارة أخرى: يصح السلب دون شك، كما يشهد بذلك اختلاف أحكامهما العرفية فإنه لو قال: جئني بماء، فجاءه ببخار فإنه غير ممتثل قطعاً، أو قال: رأيت ماء وقد رأى بخاراً في الصحراء أو في الحمّام فإنه يعد كاذباً أو مدّلساً أو ممازحاً. وللبحث صلة بإذن الله تعالى فانتظر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام علي عليه السلام: ((لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآْخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ وَيَرْجُو التَّوْبَةَ بِطُولِ الْأَمَلِ، يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ وَيَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِبِينَ، إِنْ أُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ... يَسْتَكْثِرُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِهِ مَا يَحْتَقِرُ مِنْ غَيْرِهِ، يَخَافُ عَلَى غَيْرِهِ بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِهِ وَيَرْجُو لِنَفْسِهِ بِأَدْنَى مِنْ عَمَلِهِ، فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ وَلِنَفْسِهِ مُدَاهِنٌ... الْخَبَرَ)) تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله: ص157.
أسئلة:
- ابحث عن روايات أخرى أخذ فيها موضوع النجاسة غير ما ذكرناه.
- هل المدار في غيرية البخار للماء أو اتحادهما خواصهما الكيماوية أو الفيزياوية أو غير ذلك؟

_________________________

[1] الدرس (1102/82).
[2] تهذيب الأحكام: ج1 ص217.
[3] الكافي: ج3 ص4.
[4] تهذيب الأحكام: ج1 ص40.
[5] تهذيب الأحكام: ج1 ص41.
[6] تهذيب الأحكام: ج1 ص216.
[7] الصعوة: طائر من صغار العصافير أحمر الرأس (مجمع البحرين – صعا).
[8] تهذيب الأحكام: ج1 ص412.
[9] الكافي: ج3 ص5.
[10] تهذيب الأحكام: ج1 ص415.
[11] دعائم الإسلام: ج1 ص111.
[12] الكافي: ج3 ص4.
[13] من لا يحضره الفقيه: ج1 ص16.
[14] الكافي: ج3 ص73.
[15] تهذيب الأحكام: ج9 ص86.
[16] تهذيب الأحكام: ج1 ص420.
[17] الكافي: ج6 ص261.
[18] تهذيب الأحكام: ج1 ص261.
[19] بأن يقال هذا من إناء شرب منه الخنزير.
[20] الكافي: ج3 ص9.
[21] الكافي: ج3 ص9.
[22] تهذيب الأحكام: ج1 ص226.
[23] الكافي: ج3 ص11.
[24] تهذيب الأحكام: ج1 ص285.
[25] أو ما لعلّه المشهور.
[26] في الدرس (1100/80)
[27] العروة الوثقى والتعليقات عليها: ج1 ص372-373.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4675
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 17 شعبان 1446هـــ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23