• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 600- هل العمد والخطأ ضدان أم ملكة وعدما؟ تحقيق فقه (عمد الصبي وخطأه واحد) .

600- هل العمد والخطأ ضدان أم ملكة وعدما؟ تحقيق فقه (عمد الصبي وخطأه واحد)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(600)

سبق: (من فقه (العمد والخطأ)

والعمد وكذا الخطأ في قوله (عليه السلام): ((عَمْدُ الصَّبِيِّ وَخَطَأُهُ وَاحِدٌ))([1]) و((عَمْدَ الصَّبِيِّ خَطَأٌ))([2]) من (الملكة وعدمها) فإنهما لا يصدقان إلا على المحل القابل، ولذا لا يقال للشجرة إذا سقطت على زيد فقتلته أو شجّت رأسه، أنها قتلته عمداً، كما لا يقال إنها قتلته خطأً، إذ ليس المحل قابلاً، كما لا يقال لها أنها عمياء أو مبصرة، أو عالمة أو جاهلة، ونعني بالملكة وعدمها أن كلّاً منهما بالنسبة إلى عدمه ملكة وعدمها لا أن أحدهما ملكة للآخر والآخر عدم له، فتدبر)([3]).

وقال السيد الوالد (قدس سره): (ثم العمد والخطأ من الضدين اللذين لا ثالث لهما بالنسبة إلى الموضوع القابل، فلا يقال: فِعلُ غير المميز طفلاً أو مجنوناً أو نائماً أو ما أشبه شقٌ ثالث لعدم صدق أي منهما عليه فانه مثل عدم صدق العاقل ولا المجنون على الجدار)([4]).

هل العمد والخطأ ضدان أو ملكة وعدمها؟

ومن المقرر: ان الضدين أمران وجوديان متعاقبان على موضوع واحد، وأما الملكة وعدمها فأحدهما وجودي والآخر عدمي مشترط فيهما أن يكون المحل قابلاً، فهل العمد والخطأ ضدان كما ذكره (قدس سره) أو من العدم والملكة كما سبق؟

التحقيق: انه لا مانعة جمع بينهما في المقام نظراً لتعدد المضاف إليه، وذلك لأن المقصود من الملكة وعدمها ان العمد ملكة وعدمه عدمها، والخطأ ملكة وعدمه عدمها فكل منهما مع نقيضه ملكة وعدمها، لكن العلاقة بين العمد والضد أنفسهما هي علاقة الضدين لكونهما أمرين وجوديين، إذ الخطأ يراد به القصد إلى الأصل والخطأ في الخصوصيات أو القصد إلى خصوصية ما والخطأ بوقوع فعله على غيرها، كما لو قصد رمي غزال فأصاب إنساناً فهو أمر وجودي، أو([5]) قصد مطلق الرمي، تمريناً مثلاً، فأصاب إنساناً، فالخطأ ليس عدم العمد، نعم عدم العمد أعم منه مورداً([6])، ولا الخطأ عدم الفعل، اللهم إلا لو أريد انه تَرَكَ كذا خطأ فانه يقع في مقابل تَرَكَ كذا عمداً، لكنه أيضاً من قصد الأصل أو الخصوصية فالترك عدمي أما الخطأ بالترك فوجودي، فتدبر.

والحاصل: الخطأ ضد العمد فهما ضدان، أما عدم الخطأ وعدم العمد فكل منهما عدم ملكة بالقياس إلى نقيضه.

وهل لهما ثالث؟

وهل العمد والخطأ ضدان لا ثالث لهما أو لهما ثالث؟

قد يقال: لهما ثالث هو شِبه العمد فانه كالبرزخ بينهما، إذ شبه العمد قسمان: ان لا يقصد القتل بآلة تقتل عادة، أو أن يقصد القتل بما لا يقتل عادة كما لو ضربه بريشةٍ لا تقتل عادة فقتله اتفاقاً أو صدفة، أي على خلاف العادة، وأما الأول فكما لو ضربه بسكينة حادة لكن بقصد جرحه فقط فقتله، فانه برزخ وضد ثالث لأنه مركب من (عدم قصد القتل مع كونه بما يقتل) أو (قصد القتل ولكن بما لا يقتل) فتأمل.

وعلى أي، لو ثبت انه قسم ثالث موضوعاً فهو وإلا فانه قسم ثالث حكماً بمعنى انه حينئذٍ إما من أصناف العمد أو من أصناف الخطأ، لكنّ الشارع جعل حكمه غير حكمهما، فحكم في العمد بالقصاص وفي الخطأ بالدية على العاقلة وفي شبه العمد بالدية في أمواله هو.

هل يراد بـ(واحد) التنزيل موضوعاً أو الوحدة حكماً؟

وهل قوله: (واحد) يراد به التنزيل الموضوعي أو الاتحاد الحكمي؟، أي هل يُقصد به ان عمده منزّل منزلة خطأه موضوعاً بان نزّله الشارع في عالم اعتباره منزلته فجعله هو، كما نزّل الطواف بالبيت منزلة الصلاة فقال: ((الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ))([7]) وفي عكسه: لا شك لكثير الشك، أو لا بل يُقصد به ان حكمه حكمه؟ فهو نظير البحث في ان ((لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ))([8]) هل هو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما قال به الآخوند، أو لا بل هو نفي للحكم بان يكون من المجاز في الحذف والتقدير هو (لا حكم ضررياً) فكذلك المقام، والثمرة التي تتصور هنالك تتصور ههنا. هذا.

الخوئي: الأثر لعدم العمد لا للخطأ

وقد سبق بعض الكلام عن الوجه الذي ذكره السيد الخوئي (قدس سره) في مصباح الأصول والمحاضرات، كدليل على تخصيص قوله (عليه السلام): ((عَمْدُ الصَّبِيِّ وَخَطَأُهُ وَاحِدٌ)) بباب الجنايات، ولكنه (قدس سره) في كتاب الإجارة قرره بوجه أدق فقال، بحسب تلخيص السيد القمي له، (أنه لا يستفاد المدعى من الرواية فانه لو قال عليه السلام عمد الصبي كلا عمد، لكان دالاً على المدعى ولكنه جعل عمد الصبي كخطائه، وظاهر هذه العبارة مشاركة هذين العنوانين فيما يترتّب عليهما من الأحكام وان كل حكم مترتب على الخطأ في غير الصبي يترتب على عمده لأن عمده خطاء فيختص بباب الجنايات ولا يشمل بقية الموارد فلا تدل الرواية على سلب الاعتبار عن كلامه كي يقال: انه لا أثر لإيجابه.

وإن شئت قلت: انه لو باع داره([9]) فقال: (بعت فرسي) خطأً، لا يترتب عليه الأثر لعدم العمد لا لأجل الخطأ فلا بد من اختصاص الرواية بمورد يكون لكل من العمد والخطأ حكم كي يصح تنزيل عمده منزلة الخطأ)([10]).

وبعبارة أخرى مع إضافة: ههنا ثلاثة أمور: العمد، عدم العمد، الخطأ، والخطأ مغاير لعدم العمد ذاتاً لأنه وجودي وذاك عدمي، ومورداً فانه أعم منه، إذ كل خطأ عدم عمد وكل مخطئ ليس بعامد حتماً، ولا عكس: إذ ليس كل عدمِ عمدٍ خطأً فان من ترك الصلاة لكونه نائماً، أو لجهله بوجوبها أو لغفلته عنها، لا يقال انه ترك الصلاة خطأً لكنه يقال انه لم يتعمد ترك الصلاة أي يقال: لم يتركها عمداً لكن لا يقال لم يفعلها خطأً، كما يقال: ليس بعامد في تركها لكنه لا يقال انه مخطئ في تركها، فهذا كبرىً وأما صغرىً فان بطلان البيع هو أثر عدم العمد (وقد سبق مساواة العمد للقصد في نظرهم) أي انه أثر عدم القصد لا أثر الخطأ وإن تطابقا في موردٍ.

الجواب: الإهمال([11]) محال، فللخطأ حكم هو عدم الأثر له

وأجاب عنه السيد القمي بقوله: (أقول: يرد عليه أولاً ان الإهمال غير معقول في الواقع في الأحكام الشرعية ففي كل مورد يصدر فعل عن المكلف خطأ فاما يترتب عليه أثر ذلك الفعل في حكم الشارع واما لا يترتب ولا يمكن الإهمال فنقول: لو أراد شخص بيع داره فقال: بعت فرسي خطأ لا يترتب عليه الأثر وبعبارة أخرى: الشارع الاقدس لا يرتب الأثر المرغوب على الخطأ بلا إشكال، وعليه: يستفاد من الحديث المذكور ان عمد الصبي كخطائه فكما لا يترتب على الخطاء أثر كذلك لا يترتب على عمد الصبي)([12]).

الرد: الحكم لملازِمِهِ وليس له

ولكن قد يناقش هذا الجواب بانه: لا شك في ان الإهمال الثبوتي غير معقول في أحكام الشارع لأن الشيء إما حامل للمصلحة الملزمة فيوجبه أو للمفسدة الملزمة فيحرمه أو للراجح منهما فيحبّذه أو يكرهه أو لا فيبيحه (إباحة إقتضائية لو تزاحم ملاكا المصلحة والمفسدة وتكافئا، أو لا إقتضائية كما لو لم يكن له أي ملاك) ولكن لو وجد عنوانان ملازمان وكان أحد المتلازمين حاملاً للمصلحة لأوجبه هو دون ملازمه إذ لو أوجبه أيضاً لزم جعل وجوبين وهو لغو ولو أوجب ملازمه دونه لزم ترجيح المرجوح، وكذا لو اجتمع عنوان جنسي مع عنوان نوعي (كما في الإنسان الذي هو حيوان أيضاً) فان كان الأثر للجنس جُعِل الحكم له، لا للنوع، وفي المقام: الأثر أثر عدم العمد أي عدم القصد، لا أثر الخطأ أي لو لم يقصد البيع بطل ولم يقع فهو العلة التامة للبطلان سواء لاحظنا اجتماعه أو وحدته مع عنوان الخطأ أم لا.. والحاصل: ان الأثر لا يترتب لا لأنه خطأ بل لأنه لا يوجد عمد وقصد.. وللبحث تتمة فانتظر.


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أعوَنُ الأَشياءِ عَلى تَزكِيَةِ العَقلِ التَّعليمُ‏)) (غرر الحكم: ص43)

---------------------------------

([1]) الشيخ الطوسي، التهذيب، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ج10 ص233.

([2]) وسائل الشيعة: ج29 ص88.

([3]) الدرس (599).

([4]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه / البيع، ج3 ص48.

([5]) اللف والنشر مشوّش.

([6]) لا انه جنسه.

([7]) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء ـ قم، ج2 ص167.

([8]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ج5 ص280.

([9]) المقصود: لو أراد بيع داره.

([10]) السيد تقي الطباطبائي القمي، مباني منهاج الصالحين، منشورات قلم الشرق، ج8 ص302-303.

([11]) أي الإهمال الثبوتي.

([12]) السيد تقي الطباطبائي القمي، مباني منهاج الصالحين، منشورات قلم الشرق، ج8 ص303.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4381
  • تاريخ إضافة الموضوع : الإثنين 25 ربيع الأخر 1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14