• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 588-أجوبة ثلاثة عن كلام المحقق الايرواني (تأثير التكويني في الاعتباري، تكوينيٌ) .

588-أجوبة ثلاثة عن كلام المحقق الايرواني (تأثير التكويني في الاعتباري، تكوينيٌ)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(588)

تأثير التكويني في الاعتباري، إعتباري
سبق (ج- تأثير التكويني في الإعتباري، كتأثير الحيازة في تحقق الملكية أو حق الإختصاص، وكذا تأثير العقد في أحدهما([1]).
فقد يقال: إنّ تأثير التكويني في الإعتباري حيث كان من عالم التكوين لأن تأثير التكويني تكويني سواء أكان المؤثَّر فيه تكوينياً أم اعتبارياً، فلا يمكن أن يرفعه حديث الرفع)([2]).
فيشمله حديث الرفع
ولكن الصحيح هو: أن تأثير التكويني في الإعتباري سواء أقلنا بكونه([3]) اعتبارياً أم قلنا بكونه تكوينياً، أمرُه بيد المعتبر فله وضعه ورفعه فيشمله حديث الرفع.
أما إذا قلنا بكونه اعتبارياً بأن اعتبر الشارع، أو أي مشرِّع أو معتبِر آخر ممن كان بيده الإعتبار، أنّ لهذا الأمر التكويني، كالحيازة، هذا الأثر الإعتباري، كالملكية أو حق الإختصاص، فواضح، حيث أنه، على هذا، اعتباري محض وإنما رتّبه المعتبر على أمر تكويني، بإرادته، من غير مدخلية للأمر التكويني فيه، فله أن يعتبر وله أن لا يعتبر، فيشمله (رفع القلم عن الصبي) ونظائره.
وأما إذا قلنا بكونه، أي تأثير التكويني في الإعتباري، تكوينياً، فلما سبق من: (ولكنّ الصحيح كما سبق أن تأثير التكويني في الإعتباري ليس بنحو العلّية كي لا يمكن رفعه تكويناً([4]) فكيف برفعه اعتباراً، بل تأثيره اقتضائي فإذا كان اقتضائياً، وهنا الجديد في البحث، أمكن أن يكون له شرط إعتباري فيمكن أن يكون تأثير التكويني في الإعتباري مشمولاً لحديث الرفع لأن أمر هذا الشرط بيد الشارع فإذا اشترطه لم يقع المقتضَى والمؤثَّر فيه من دونه([5]) وإن وُجِد مقتضِيه، فأمكن إذاً رفعه (أي المؤثَّر فيه) بجعل شرط إعتباري، وحيث كان أمر جعل الشرط ورفعه بيد الشارع كان أمر تأثير المقتضي التكويني في تحقق مقتضاه بالفعل، بيده، وسيأتي التمثيل له)([6]).
وأمثلته تملأ الفقه، فإن الحيازة لو فرضت مقتضياً تكوينياً لاعتبار ما حازه ملكاً له أو حقاً له، أو فرض كون العقد كعقد البيع والهبة... إلخ، مقتضياً لاعتبار نقل الملكية من البائع والواهب للمشتري والمتهب، فإن للشارع، ومطلق من بيده الإعتبار أن يعتبر أمراً ما شرطاً في فعلية التأثير، كأن يشترط كونه طِلقاً لا وقفاً، أو يشترط أن تكون له منفعة محللة مقصودة، لا خمراً وخنزيراً مما منفعته محرمة، ولا مما لا يُقصد لتفاهته وحقارته كحبة رمل أو دودة لا فائدة منها في حديقة منزله، وحيث أن المعلول لا يوجد إلا بوجود علته بكل شرائطها وانتفاء موانعها فإن أمر المعلول (الملكية والإنتقال) أي أمر تحققه وحصوله يكون حينئذٍ بيد المعتبِر إذ له أن يعتبر أمراً شرطاً فيوجد المعتبَر مع وجوده بعد وجود مقتضيه ولا يوجد مع عدمه وإن وجد مقتضيه، وفي المقام: له أن يعتبر البلوغ شرطاً في تحقق الملكية بالبيع وشبهه.
من الأدلة على اعتبارية تأثير التكويني في الإعتباري
والذي يدلّ على أن تأثير التكويني في الإعتباري، اعتباري وإن كان التكويني مقتضياً له، أمور:
الأول: فرض كون المؤثَّر فيه إعتبارياً، فيكون أمر وضعه ورفعه بيد المعتبر، وإلا لما كان إعتبارياً ولما كان معتبَراً. هذا خُلفٌ.
بوجه آخر: إنه مادام قد فُرِض اعتبارياً، فقد توسطت إرادة الفاعل المختار بين المقتضِي التكويني والمقتضَى الإعتباري، فكان أمر رفعه ووضعه بيده، وإنما لا يكون أمر رفعه ووضعه بيده لو كان فاعلاً بالقسر، بأن يكون مجبراً مقسراً على اعتبار الملكية لزيد، كلما تحققت حيازته لشيء أو شراؤه له فمن يقول بجبر المشرِّع يمكن له أن يقول بعدم شمول حديث الرفع، دون من يقول بكونه مختاراً.
الثاني: أن النتيجة تتبع أخس المقدمتين، والمعتبَر هو النتيجة والمعلول، والمقدمتان هما المقتضِي وهو الأشرف، والشرط وهو الأخس، فيكون المقتضَى تابعاً للأخس إعتبارياً اختيارياً كاعتبارية واختيارية ما عدّ شرطاً لتأثير علته.
الايرواني: تأثير الإنشاء في المنشأ تكويني في اعتباري([7])
ولكن قال المحقق الايرواني، خلافاً لذلك كله، (ورابعاً: إنّا لو سلّمنا عموم الحديث وشموله لرفع كلّ حكم تكليفي أو وضعي، لا يجدي ذلك في صحة الإستدلال بالحديث لرفع التأثير عن إنشاء الصغير؛ وذلك أنّ تأثير الإنشاء في حصول عنوان الـمُنشَأ كعنوان النكاح والبيع تأثير تكويني في أمر اعتباري فيكون كتأثير سيفه في القطع وقلمه في الكتب، وهذا لا يرفعه حديث الرفع)([8]).
وقد أذعن لهذا الإشكال في العقد النضيد بقوله: (أقول: أمّا ما جاء في صدر كلامه فلا نقاش فيه، لأن تأثير الإنشاء في العنوان والمنشأ تأثير تكويني بالنسبة إلى الأمر الإعتباري، فإنّ الإنشائيات تتحقق من خلال الإنشاء تكوينياً، سواءً كان الإنشاء صادراً عن الصبي أو البالغ، إذ بإنشائهما يتحقق العنوان)([9])
المناقشات
ولكن: قد يورد عليه بما مضى وغيره:
1- تأثير التكويني في الاعتباري إعتباري
أولاً: كبرىً: إن تأثير التكويني في الإعتباري إما إعتباري أو اقتضائي، وعلى كلا التقديرين فأمره بيد المعتبر رفعاً ووضعاً.
2- مدار الكلام على الإعتباريات الشرعية لا الشخصية
ثانياً: ما سبق مع تطوير: من أن مدار الكلام في الفقه كله وفي دلالة حديث الرفع، على الـمُنشأ العقلائي الذي أمضاه الشارع وعلى المنشأ الشرعي إذا كان تأسيسياً، لا المنشأ الشخصي، أي أن مدار المسائل الشرعية والبحوث على اعتبار العقلاء أو الشارع الملكية لزيد عند الحيازة أو بها أو عند العقد أوبه، وهذا المعتبر العقلائي والشرعي أمره بيد العقلاء والشارع فيشمله حديث الرفع، وهو محل الكلام والنقض والإبرام، وليس الكلام عن المنشأ الشخصي والمعتبر الشخصي، أي ما يعتبره شخص أو ينشؤه من غير أن يعتبره الشارع أو ينشؤه، فإنه مما لا أثر له في عالم تشريع الشارع سلباً ولا إيجاباً فلا ينفع عدم شمول حديث الرفع له كما لا يضر شموله له.
بعبارة أخرى: من يقول، وهم المشهور، بعموم حديث الرفع للآثار والمعتبرات التكليفية والوضعية يقول، بعمومه للآثار والمعتبرات التكليفية والوضعية الشرعية التي جعلها الشارع، فترتفع عن الصبي، وهو محل الكلام، وليس كلامه عن عموم حديث الرفع. للآثار والمعتبرات الشخصية التي لم يعتبرها الشارع من الأصل، إذ لا حاجة حينئذٍ لأن يرفعها حديث الرفع أو غيره لأنه من السالبة بانتفاء الموضوع، فإن كان قد اعتبرها من الأصل شملها حديث الرفع سواء أجعلها الصبي في عالمه الشخصي أم لا.
ولذا قال السيد الوالد: (فإنّ تأثير الإنشاء في حصول العنوان جعلي عقلائي قد يؤيده الشارع لواجديته لما اعتبره من الشرائط والأجزاء وفقده الموانع والقواطع وقد لا يؤيده لعدمها كما أن ما يعتبره الشارع قد يعتبره العقلاء وقد لا يعتبروه كذلك.
وحيث أن البلوغ والرشد من قيود الشارع لم يكن بدونها أثر)([10]).
فرق تأثير السيف في القطع عن تأثير العقد في الملك
تتميمٌ: تأثير السيف في القطع وتأثير النار في الإحراق تأثير تكويني في أمر آخر تكويني، وليس للشارع أن يرفعه أو يضعه بما هو شارع لأن شروطه وموانعه كلها تكوينية (كالمحاذاة في النار والحدة في السيف والقوة في يد الصبي الضارب وكعدم وجود مانع على الجسم الملقى في النار) فإنها كلها تكوينية لذا لا مسرح لإرادة المشرِّع بما هو مشرِّع فيه، عكس مثل الحيازة للبيع وللملكية مما كان من دائرة تأثير التكويني في الإعتباري حيث كانت شروطه وموانعه شرعية فكان المجعول والمعتبر مما أمره بيده بما هو مشرِّع. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله ((صلى الله عليه و اله و سلم )): ((قَالَتِ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى: يَا رُوحَ اللَّهِ مَنْ نُجَالِسُ؟ قَالَ: مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ‏)) (الكافي: ج1 ص39)

------------------------------

([1]) الدرس (586).
([2]) الدرس (587).
([3]) أي التأثير.
([4]) إلا بهدم عِلّته.
([5]) الشرط.
([6]) الدرس (587).
([7]) فلا يشمله حديث الرفع.
([8]) الحاج ميرزا علي الايرواني الغروي، حاشية المكاسب، الناشر: ذوي القربى ـ قم، ط3 ج2 ص168.
([9]) الشيخ محمد رضا الانصاري القمي، العقد النضيد، دار التفسير ـ قم، ج2 ص430.
([10]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، كتاب البيع، ج3 ص43.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4350
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 4 ربيع الأخر 1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14