• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1444هـ) .
              • الموضوع : 583-صور أخرى من الصحة والبطلان الشرعيين: في الترتب والتعارض .

583-صور أخرى من الصحة والبطلان الشرعيين: في الترتب والتعارض

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(583)

الصحة والبطلان الشرعيين في (الترتّب)
ويمكن أن نتصور صوراً أخرى للصحة والبطلان الشرعيين غير العقليين، أي المجعولين للشارع من دون أن يكون للعقل حكم وذلك في (الترتّب) على كلا القولين من استحالته وإمكانه:
أ- بناءً على استحالته
أما على القول باستحالة الأمر بالمهم على تقدير عصيان الأهم (أو على تقدير ترك الأهم) كما هو رأي الشيخ ((قدس سره)) فإنه لو أتى بالمهم أمكن للشارع أن يعتبره صحيحاً كما أمكن له أن يعتبره باطلاً، مع تفسير الصحة بترتيب الأثر بالقبول والإثابة مثلاً، فإنّ صحة العقد بمعنى ترتيب الأثر هي بحصول النقل والإنتقال الإعتباريين وصحة العبادة ههنا بمعنى ترتيب الأثر هي بالقبول والإثابة، إذ لا أمر كي تفسر بمطابقته.
والحاصل: أن الأثر المطلوب في العقد النقل والإنتقال، والأثر المطلوب في العبادة القبول والإثابة.
وعلى أي فليس أحدهما، الصحة والبطلان، قهرياً إذ لا يوجد أمر بالمهم كي يقال بأنّ فعله إن طابقه فصحيح قهراً وإلا فباطل قهراً، بل هما ههنا من باب السالبة بانتفاء الموضوع([1]) فمعناهما كمعناهما في العقود ترتب الأثر وعدمه.
والحاصل: أنّ للشارع أنْ يعتبر عمله المطابق للمهم صحيحاً ويرتب أثره، وأما مصحِّحه فهو كونه ذا مصلحة ملزمة في حد نفسه وإن لم يتعلق به الأمر لمزاحمته للأهم، وله أن يعتبره باطلاً ولا يرتب أثره، وأما مصححه فهو عصيانه وتضييعه للمصلحة الملزمة في الأهم.
ب- بناءً على إمكانه
وأما على القول بإمكان الترتب، كما هو رأي الميرزا الشيرازي الكبير ((قدس سره)) فإنّ المهم وإنْ كان مأموراً به، إلا أنّ للشارع أن يرتب الأثر لأنه مأمور به كما له أن لا يرتبه لأنه مزاحَم بالأهم سواء أقلنا بأنه مقدمة لتفويته أم لا بل كان مجرد متعارض([2]) معه.
والحاصل: أنّ الصحة والبطلان بمعنى المطابقة والمخالفة ليستا بجعل الشارع ههنا ولا ندعيهما ولا ننقض بهما على الشيخ، بل الصحة والبطلان بمعنى ترتّب الأثر وعدمه هما اللذان ننقض بهما على الشيخ ونقول أن أمرهما بيده.
لا يقال: على إمكان الترتب، الأمر فعلي، فالصحة قهرية؟
إذ يقال: كلا، إذ ظهر أنّ الصحة بمعنى المطابقة قهرية، أما بمعنى ترتّب الأثر فلا إذ لكل منها مصحح كما سبق.
لا يقال: على إمكان الترتب، الأمر فعلي، فالقول بالبطلان تناقض؟.
إذ يقال: يعلم جوابه مما سبق، إذ لا تساوق فعليةُ الأمر صحةَ الفعل المطابق له بمعنى([3]) ترتيب الأثر إلا إذا لم يكن مزاحماً بالأهم.
لا يقال: لو زوحم بالأهم لما كان الأمر فعلياً؟.
إذ يقال: ذلك على مبنى الإستحالة (وعليه نرجع إلى الفرض السابق)، والمختار كونه فعلياً رغم التزاحم كما صوَّرنا ذلك أيضاً في باب التعارض وأنّ الأمر بالمتعارضين يمكن أن يكون فعلياً رغم تعارضهما، لكن مع رفع اليد عن التعيين.
والحاصل: أنه لا يلزم من البعث الفعلي نحو كلا المتعارضين أو كلا المتزاحمين إشكال التناقض وشبهه، أما الأول فلرفع اليد عن قيد التعيين، ومآله إلى التخيير، وأما الثاني فللوجدان إذ أننا نجد بالوجدان صحة أن يأمر المولى عبده بالذهاب إلى المدرسة ويأمره على تقدير تركه أو عصيانه بكنس الدار أمراً مولوياً من غير أن يرفع يده عن أمره بالأهم ومن دون أن يكون الأمر بالمهم إرشادياً فقط، وقدرة العبد([4]) على التخلص من العصيان بإتيان الأهم كافية في مصححية الأمر بهما والخروج عن عهدة إيقاع العبد في الإتيان بالمتضادين مع عجزه عن الإتيان بهما؛ وذلك لأن له المندوحة بفعل الأهم. وتمام الكلام في بحث الترتّب.
الصحة والبطلان لدى التخيير في المسألة الأصولية
كما يمكن أن نتصور صورة أخرى للصحة والبطلان الشرعيين، وهي صورة التخيير الأصولي بين الطريقين:
توضيحه: أنه إذا تعارض الخبران فهناك أراء: التساقط والرجوع إلى الأصل، التخيير كأصل أولي، التساقط كأصل أولي والتخيير كأصل ثانوي، لقوله ((عليه السلام)) (فتخيّر) وذلك في المسألة الفرعية كما لو تعارض خبر دال على وجوب الجمعة زمن الغيبة وآخر دال على وجوب الظهر.
وأما التخيير والتساقط في المسألة الأصولية فبأن يقال: إنّه مخيّر بين الأخذ بالخبر الدال على التخيير عند التعارض وبين الأخذ بالخبر الدال على التساقط عند التعارض([5])، نظراً لشمول ((يَأْتِي عَنْكُمُ الْخَبَرَانِ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَان‏)) للمتعارضين في الطرق نفسها، وعلى التخيير قد يقال بالتخيير الإبتدائي فقط وقد يقال بالتخيير الإستمراري سواء في المسألة الفقهية أم الأصولية وأنه يمكن أن يأخذ بهذا الخبر اليوم ويأخذ بالآخر غداً. فتأمل
ومنه يعلم: انّ كلّاً من التخيير والتساقط سواء في المسألة الأصولية أم الفقهية، أمره بيد الشارع فيكون أمر الصحة والبطلان بيده إذ كان مبناه ومصدره ومنشؤه بيده، عكس المطابقة واللامطابقة فإنه وإن أمكن أن يأمر أو لا يأمر لكنه إذا أمر كان المأتي به المطابق له صحيحاً قهراً وغير المطابق باطلاً قهراً، أما إذا لم يأمر فلا معنى للصحة والبطلان، للسالبة بانتفاء الموضوع، عكس المقام إذ له أن يحكم بالتساقط ويحكم بالصحة في الوقت نفسه وذلك بأن يقصر التساقط على الحكم التكليفي، وهو الوجوب، دون الوضعي وهو الصحة بناء على إمكان التفكيك مع البناء على إمكان جعل الوضعي باستقلال، فتأمل([6]).


وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الباقر ((عليه السلام)): ((وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا عِلْمَ كَطَلَبِ السَّلَامَةِ، وَلَا سَلَامَةَ كَسَلَامَةِ الْقَلْبِ، وَلَا عَقَلَ كَمُخَالَفَةِ الْهَوَى، وَلَا خَوْفَ كَخَوْفٍ حَاجِزٍ، وَلَا رَجَاءَ كَرَجَاءٍ مُعِينٍ، وَلَا فَقْرَ كَفَقْرِ الْقَلْبِ، وَلَا غِنَى كَغِنَى النَّفْسِ‏)) (تحف العقول: ص286)

-------------------

([1]) إذ لا أمر كي يقال بأنه مطابق له (وصحيح) أو مخالف له (وباطل).
([2]) أي متزاحم.
([3]) تفسير للصحة.
([4]) دفعُ دخلٍ مقدّر.
([5]) كما يمكن تصويره بأنه مخيّر بالأخذ بهذا الخبر الدال على وجوب الجمعة، أو الآخر الدال على وجوب الظهر، وفرقه عن التخيير في المؤدى (بأن يخيّر بين أن يصلي هذه أو تلك) فرق الدال عن المدلول والدليل عن الحكم المستدل به عليه إضافة إلى فوارق أخرى.
([6]) لأكثر من وجه.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4340
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 26 ربيع الاول 1444هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14