بقلم السيد نبأ الحمامي
ورد في تحديد عمر البلوغ في الصبي ثلاث طوائف من الروايات،
الأولى: حددته بثمان سنوات.
والثانية: بثلاث عشرة سنة.
والثالثة: بخمس عشرة سنة.
والروايات التي حددت بخمس عشرة سنة موافقة للعامة، أما المحددة بثلاث عشرة سنة، فهي وإن كان المشهور على خلافها لكنها مخالفة للعامة, وهنا يأتي البحث عن تقديم الأشهر الموافق للعامة، على الأقل شهرةً المخالف، أو العكس.
ومن الروايات التي تقول بأن البلوغ بثمان سنين، ما رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار، عن سليمان بن حفص المروزي، عن الرجل (عليه السلام) قال: (إذا تم للغلام ثماني سنين فجائز أمره، وقد وجبت عليه الفرائض والحدود، وإذا تم للجارية تسع سنين فكذلك) ([1]).
وقد ذكرنا في البحث اثني عشر وجهاً بل وأكثر، لمعالجة تعارض هذه الروايات، فراجع.
الإرشادي والمولوي
الضابطة والمقياس في الإرشادية والمولوية، بحسب ما اخترناه: (ما صدر من المولى بما هو مولى مُعْمِلًا مقام مولويته). وأما الإرشادي: فهو ما لم يدخل المولى نفسه ومقامه وشأنه في المعادلة، بل إنما يوضح له أن في عملها مصلحة، وفي تركها مفسدة، ولكن من دون إلزام مولوي. كأوامر ونواهي الطبيب، فهي ليست صادرة من مقام مولوي، بل من المرشد الذي يبين للمريض مرضه ودواءه وأن في استعماله مصلحته، وفي تركه مفسدته.
وقد فصلنا ذلك في كتابنا (الأوامر الإرشادية والمولوية)، وقد ذكرنا هناك ثمانية مبان في الضابط فيها، فراجع.
والروايات التي ورد في التحديد العمري للبلوغ وجواز أمر الصبي والجارية كلُّها بلسان واحد، والإمام (عليه السلام) يصدر حُكْمًا واحدًا، وهو: أنه لا تجوز معاملاته ولا تجب عليه الفرائض ولا يؤاخذ بالحدود إلا إذا بلغ هذا العمر، ثمان سنوات، أو ثلاث عشرة سنة، أو خمس عشرة سنة، وظاهرٌ منها المولوية وليس الإرشادية؛ وذلك لأنّ الذي أوجب هذه الفرائض وفرض الحدود وأمضى المعاملات هو الله تعالى المولى، وهو الذي حدّد موضوعها أيضاً وهو البالغ، على خلاف التحديد العرفي الذي لا ينيطها بالاحتلام أو بسن خمس عشرة سنة مثلاً، ولا يمكن صرفها إلى الإرشاد إلا بدليل، إضافةً إلى أن الأصل في الأوامر هي المولوية، وأما الإرشادية فهي خلاف الظاهر ولا يصار إليها إلاّ بدليل([2]).
|