• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 539-تتمة المناقشة مع الجواهر في رده احتمال التقية في روايات ال15 سنة .

539-تتمة المناقشة مع الجواهر في رده احتمال التقية في روايات ال15 سنة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(539)

المحتملات الخمس في روايات بلوغ الأنثى بالتسع

وبعبارة جامعة: أن روايات التسع سنين، كصحيحة ابن محبوب عن الإمام الباقر (عليه السلام) التي ورد فيها: ((إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا وَلَهَا تِسْعُ سِنِينَ ذَهَبَ عَنْهَا الْيُتْمُ، وَدُفِعَ إِلَيْهَا مَالُهَا، وَجَازَ أَمْرُهَا فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ وَأُخِذَ لَهَا بِهَا)) يدور أمرها بين خمسة محتملات:

الأول: أن يكون قوله (عليه السلام) ((إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا)) لغواً، وهو بديهي البطلان كلامياً.

الثاني: أن يكون قيداً، كما هو ظاهره، مقيّداً لروايات التسع المطلقة كحسنة أو صحيحة الكناسي عن الإمام الباقر (عليه السلام) ((الْجَارِيَةُ إِذَا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ ذَهَبَ عَنْهَا الْيُتْمُ وَزُوِّجَتْ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ عَلَيْهَا وَلَهَا)) وهذا هو مقتضى القاعدة والصناعة، لكنّ صاحب الجواهر، كالمشهور، لا يقبلون بذلك ويرون الـمِلاك هو بلوغ التسع.

الثالث: أن تكون قد وردت مورد التقية على ما بيّناه سابقاً وسيأتي أيضاً، لكنّ صاحب الجواهر يرفض التقية إذ أطلق (وهو أقوى شاهد على عدم خروجها مخرج التقية) وإن كان الظاهر أنه يتكلم عن أصل الحكم لا عن الخصوصية التي ذكرناها([1]) على أنه لو أذعن بالتقية في الخصوصية لكفى كما سيأتي.

الرابع: أن تحمل على الأفضلية، لكنه بعيد جداً بل لا وجه له، إذ الأمر دائر بين الوجود والعدم وأنها يذهب عنها اليتم وتبلغ التاسعة أو لا، فكيف يعقل أن يحمل ((إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا...)) على الأفضلية؟

بعبارة أخرى: الأفضلية إنما تجري في المستحبات، أما في الواجبات والأحكام الوضعية، فهي مما لا مسرح لها أبداً؛ إذ الحكم الوضعي، كجواز البيع والشراء أي مضيّه ونفوذه، إما متحقق أو لا، والـيُتم حقيقة تكوينية أو اعتبارية دائر أمرها كذلك بين الوجود والعدم، ووجوب دفع المال إليها إن كان ثابتاً عند التسع سنين فقط فلا معنى لأن يقال أن الأفضل أن يكون مع كونها قد تزوجت ودخل بها، وكذا حال الحدود الشرعية الواجبة قطعاً بعنوانها الأولي.

الخامس: أن تكون مجملة، فإنه إن لم يذهب الفقيه إلى إحدى الخيارات السابقة، كان لا بد من المصير إلى كونها مجملة وإذا كانت مجملة لم تعارض الروايات الواضحة الدلالة التي تصرح بكون البلوغ في الثالثة عشرة كموثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) ((سَأَلْتُهُ عَنِ الْغُلَامِ مَتَى تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: إِذَا أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِنِ احْتَلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ، وَالْجَارِيَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إِنْ أَتَى لَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، وَجَرَى عَلَيْهَا الْقَلَمُ))([2]).

لا يقال: (ولها تسع سنين) ظرفية لا شرطية؟

إذ يقال: لا شك أنها، وبالإجماع القطعي، شرطية بالنسبة للأقل إذ لا تبلغ قطعاً ببلوغها ثمان سنين وإن تزوجت ودخل بها، على أنه محرم الدخول بها حينئذٍ. هذا.

وجه التقية في روايات التسع

وقد سبق: (وأما في بلوغ الفتاة عند التاسعة، رغم أنه مخالف لكافة أهل العامة، فلأن الإمام (عليه السلام) لو لم يتقّ لكان عليه أن يذكر بلوغها عند التاسعة ولا يُدخِل أمراً آخر لا ربط له أصلاً بجهة البلوغ والخروج عن اليتم (على مبنى صاحب الجواهر وغيره من أجنبية النكاح والدخول بها عن البلوغ) لكنه حيث أدخله، وهو غير داخل، دلّ([3]) على أنه (عليه السلام) كان في حالة تقية على نفسه أو على من تبلغه الرواية من شيعته؛ إذ أنه قيّد بقيد لا يكون معه ذكر البلوغ عند التاسعة مخالفاً واضحاً للعامة؛ لأن تحديد البلوغ بالتاسعة والإكتفاء به مخالف للعامة (فلا يمكن أن يكون القائل به قد اتقى) لكنه مع تقييده بنكاحها والدخول بها ومع اعتضاده بروايات عديدة واردة عن العامة في أن رسول الله (صل الله عليه واله) قد تزوج بعائشة ثم دخل بها وعمرها تسع سنين، لا يكون مخالفاً لقولهم مخالفةً يُخشى منها إذ أنه (عليه السلام) أدخل عنصراً جديداً في الضابط يستند إلى وجه قوي لا يجدون فيه مجالاً للتهجم عليه ورميه بالخلاف.

بعبارة أخرى: العامة ساكتة عن التسع المقيّدة بالنكاح والدخول، فليس ذكرها من قبل الإمام (عليه السلام) شاهداً على عدم خروجها مخرج التقية كما ادعاه الجواهر، بل إن إضافة ما ليس بشرط في البلوغ بتعبيرٍ ظاهرُهُ أنه شرطٌ، دليلٌ على أنه (عليه السلام) كان في حالة تقية ولو في طريقة البيان([4]) وأنه قد اتقى في ذكر الـ15 سنة كمقياس لبلوغ الصبيان حيث كان مذهب مشهور العامة ذلك واتقى في الـ9 سنوات في بلوغ الفتيات بذكر ما هو أجنبي عن الشرطية كعلامة على أن في جهةِ كلامهِ (عليه السلام) خللاً ما)([5]).

التقية في الـ15 سنة في أصل الحكم وفي الـ9 سنة في بيانه

وببيان آخر: إن تحديد الـ15 سنة كمقياس لبلوغ الصبي، تقيةٌ؛ لموافقته للعامة وهو من التقية في أصل الحكم، وإنّ ذِكر تزوجها والدخول بها حين التاسعة، تقية أيضاً لكنه تقية في البيان أي أنه (عليه السلام) اتقى في كيفية بيان الحكم لا في أصله، إذ أصله (وهو بلوغها تسع سنوات) ليس تقية لبداهة مخالفته لكافة العامة، فالتقية هي في كيفية بيانه بحيث لا يثير العامة ضد الإمام أو ضد الشيعة، هذا إن لم نقل بكونهما قيداً لبلوغها.

والحاصل: إن التقية في صدر كلام الإمام عن سن بلوغ الذكر، هي في أصل الحكم بينما التقية في ذيل كلامه، هي في كيفية أداء الحكم وبيانه، فلا يتم كلام الجواهر في قوله: (على أن في جملة من تلك النصوص تحديد بلوغ الأنثى بالتسع، المخالف لما أجمع عليه العامة، و هو أقوى شاهد على عدم خروجها مخرج التقية)([6]) فتأمل.

الجواهر: احتمال التقية في روايات ابن سنان واردٌ

وقال صاحب الجواهر: (وهو أقوى شاهد على عدم خروجها مخرج التقية التي لو بنى فيها الأمر على الإحتمال كما اختاره بعض المحدثين، كان حمل خبر ابن سنان عليها أولى، باعتبار معروفيته عند العامة واتصاله بالمنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد من خلفاء بني عباس)([7]).

الأجوبة الأربعة عن كلامه

أقول: قد يجاب عنه:

أولاً: النقض فإن بعض روايات ابن سنان صرّح في صدرها بأن بلوغ الذكر في الـ13 سنة وبلوغ الأنثى في التسع سنوات، فلاحظ موثقة عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: ((إِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً كُتِبَتْ لَهُ الْحَسَنَةُ، وَكُتِبَتْ عَلَيْهِ السَّيِّئَةُ، وَعُوقِبَ، وَإِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَكَذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَحِيضُ لِتِسْعِ سِنِينَ))([8]) وجرياً على كلام الجواهر فانه لا يكون صدرها تقية للقطع بأن ذيلها ليست تقية، حذْوَ ما قاله H في روايات الـ15 سنة والـ9 سنوات حيث ردّ احتمال كون تحديد سن البلوغ بالـ15 سنة تقية بالقطع بأنها ليست كذلك لمجرد أن ذيلها قد صرح فيه ببلوغ الأنثى 9 سنوات المقطوع بأنه ليس تقية.

ثانياً: أنه لا تحتمل التقية في حق عبد الله بن سنان في ذكره هذا الحكم (تحقق البلوغ بـ13 سنة) في (صحيحه الآخر، عنه (عليه السلام) أيضاً: ((إِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ أَشُدَّهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَى الْمُحْتَلِمِينَ، احْتَلَمَ أَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَكُتِبَتْ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ، وَكُتِبَتْ لَهُ الْحَسَنَاتُ، وَجَازَ لَهُ كُلُّ شَيْ‏ءٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفاً أَوْ سَفِيهاً))([9])) وذلك لأن التقية في مثل المقام إنما هي فيما يتحسّس منه السلاطين، وكون البلوغ بالثلاث عشرة سنة أو غيرها ليس مما يتحسس منه السلاطين عادة أبداً كما لم ينقل أبداً تحسس أحدهم من ذلك، خاصة وأن ابن سنان كان مقرّباً كما قاله الجواهر من المنصور والمهدي والهادي والرشيد فكان متحصّناً بقربه منهم عن أذى الفقهاء، بل كان مقتضى القاعدة أن يخشوا منه وأن يراعوا جانبه لا العكس.

فالظاهر أن احتمال التقية في ذكره هذا الحكم (البلوغ بالـ13 سنة) منتفٍ خاصة إذا وجدنا إصراره، أي عبد الله بن سنان، على ذكر هذا الحكم، المخالف للعامة أجمع، حيث أنه وردت عنه فيما بأيدينا من الروايات خمس روايات يصرح فيها بمدارية الـ13 سنة سواء فيما رواه عن الإمام الباقر (عليه السلام) أم ما رواه عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ومن الواضح أن التقية تندفع بالمرة وأنه لا وجه للإصرار حينئذٍ.

ثالثاً: وفوق ذلك كله فان الـ13 سنة مخالفة للعامة فكيف يحتمل أن تكون تقية؟

رابعاً: يضاف إلى ذلك أن رواة آخرين غير ابن سنان رووا المضمون، مثل (موثق عمار، عن الصادق (عليه السلام)، ((سَأَلْتُهُ عَنِ الْغُلَامِ مَتَى تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: إِذَا أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِنِ احْتَلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ، وَالْجَارِيَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إِنْ أَتَى لَهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، وَجَرَى عَلَيْهَا الْقَلَمُ))([10]).

ويضاف إليه ما أشار إليه بعض حضار مجلس البحث من أن فتح هذا الباب (كونه مقرباً من السلاطين لذا فاحتمال التقية وارد في روايته هذه) يستلزم عدم حجية رواياته وروايات كل من كان قريباً منهم كابن يقطين، لكنّ هذا الإشكال إنما يرد فيما يحتمل في حقه أن يكون قد صدر تقية، كما فيما يمس شأن السلطان، دون غيره.

الجواهر: أقوال العامة بعد الباقرين (عليهما السلام) فلا تقية

وقال الجواهر: (على أن أكثرها عن الباقر‌ والصادق عليهما ‌السلام، وزمان الباقر عليه ‌السلام متقدم على زمان القائل بالخمس عشر من أهل الخلاف، بل وكذا الصادق عليه ‌السلام عدا الأوزاعي)([11]).

الجواب

أقول: ذلك وإن صح إلا أنه يُقطع من إجماع أئمة المذاهب الأربعة وأضرابهم، مما نقلت أقوالهم إلينا، على كون البلوغ بـ15 سنة أو 18 سنة، بأن من سبقهم من العامة من معاصري الباقرين (عليهما السلام) وممن سبقهم، كانوا على هذا الرأي أيضاً إذ يستحيل عادة انقلاب رأي كافة الفقهاء فجأة من الـ13 سنة مثلاً إلى 15 سنة (حتى تكون روايات الـ15 سنة بعد الباقرين فلا تكون الروايات المصرحة بمقياسية الـ15 سنة تقية) وبعبارة أخرى: إنه مما يقطع بأنه لو كان لبان. فتدبر والله العالم.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): ((وَاعْلَمُوا أَنَّ الْكَلِمَةَ مِنَ الْحِكْمَةِ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَعَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَرَفْعُهُ غَيْبَةُ عَالِمِكُمْ بَيْنَ أَظْهُرِكُم)) (تحف العقول: ص392).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أصل الحكم: أن تبلغ تسع سنين، الخصوصية: كونها متزوجة مدخولاً بها.

([2]) التهذيب: ج2 ص380.

([3]) أو احتمل كونه دالّاً.

([4]) سيأتي مزيد إيضاح بإذن الله تعالى.

([5]) الدرس (538).

([6]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت: ج26 ص36.

([7]) المصدر.

([8]) الكافي: ج7 ص68.

([9]) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص221.

([10]) التهذيب: ج2 ص380.

([11]) الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت: ج26 ص35-36.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4150
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 2 شعبان 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14