• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 074-دفع دخلٍ على مبنى المحقق النائيني .

074-دفع دخلٍ على مبنى المحقق النائيني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(74)

ب- وجواز الإحتياط يستلزم حجية الظن أيضاً

وذلك لأنه بعد الفراغ عن عدم إهمال الأحكام، والبناء على انسداد باب العلم والعلمي، والقول بعدم وجوب الإحتياط (لا حرمته) نظراً للعسر والحرج (دون اختلال النظام لأن كل ما أوجب اختلاله فهو محرم، سواء في ذلك الإحتياط وغيره) فإن المكلف يكون مخيّراً حينئذٍ بين العمل بالإحتياط وبين اتباع الظن المطلق.

أما الإحتياط فلجوازه([1]) إذ الفرض عدم وجوبه من جهة لأن وجوبه يستلزم العسر والحرج، وعدم حرمته من جهة أخرى لأنهما لم يبلغا حد تحريمه.

وأما الظن فلفرض أن السابق عليه رتبةً، وهو الإحتياط الذي يسد وجوبُه بابَ الظن، جائزٌ فلم ينسدّ بابُ الظن، إذاً فبكل منهما يتحقق الإمتثال: أما الإحتياط فلأنه محرز للواقع على مستوى العمل (والعقل العملي) وأما الظن فلأنه حجة على مستوى العقل النظري وكاشف وفرض أن الشارع لم يوجب الإحتياط وأنه، أي الظن، لا أرجح منه؛ لما فُصّل في بحثه من عدم صحة الرجوع إلى أي قسيم آخر يفرض له كالقرعة والبراءة ومطلق الأصول العملية في محالّها، ولذا قال الأخ الأكبر (قدس سره): (وإن بُني على الثاني: فلا إشكال في الإجتزاء بالإمتثال التفصيلي الظني، كما لا إشكال في الإجتزاء بالإمتثال الإجمالي العلمي)([2]) إذ كلاهما أي الإمتثال الظني والعلمي الإجمالي، في عرض الآخر. فراجع ما سبق ليندفع ما قد يعلق بالبال من الإشكال.

إكمال وإيضاح وزيادة

سبق ما محصله: أن الإحتياط الكلي واجب في أطراف العلم الإجمالي الكبير في الشبهات الحكمية، على حسب ما قرر في مقدمات الإنسداد، وهنا نقول: إن العسر والحرج في الإحتياط الكلي بعد تسليم تنجِّز العلم الإجمالي من حيث هو إنما يستلزمان رفع اليد عن تنجِّزه([3]) في خصوص ما لزم منه العسر والحرج دون غيره، على مبنى المحقق النائيني([4]) فينتجان لزوم التبعيض في الإحتياط، ولزوم التبعيض في الإحتياط ينتج حجية الظن.

لزوم التبعيض في الإحتياط ينتج حجية الظن

بعبارة أخرى: إن لزوم التبعيض في الإحتياط عند تعسر بعض الأطراف أو حرجيتها، على القول به، ينتج حجية المظنونات. توضيحه:

إنه مع فرض انسداد باب العلم والعلمي إلى الأحكام، تبرز أمامنا ثلاث دوائر إليها: دائرة المظنونات، دائرة المشكوكات، ودائرة الموهومات، فدائرة المظنونات كالمسانيد من صِحاحٍ وموثّقات وحِسان، كما تسمى على الإنفتاح والتي صارت مظنونات بالظن المطلق على الإنسداد، ودائرة المشكوكات كالمراسيل، كمراسيل تحف العقول أو الكتب الأربعة، ودوائر المشكوكات كالضعاف كأخبار الوضّاعين كأبي هريرة وأضرابه.

فإذا أمكن الإحتياط الكلي فيها بأجمعها من دون لزوم عسر وحرج، لزم، وإلا فان ارتفع العسر والحرج بالإقتحام في الموهومات خاصة (ومَصْدَقَةِ المضطر إليه في دائرتها) وجب الإحتياط في الباقي من مشكوكات ومظنونات وإن لم يرتفع العسر والحرج إلا بترك المشكوكات أيضاً، وجب الإحتياط بالإتيان بكافة المظنونات فتكون المظنونات هي الحجة أي لازمة الإتباع، وكونها لازمة الإتباع يكشف بالبرهان الإنّي عن حجيتهما بمعنى الكاشفية إذ لا يعقل لزوم إتباعها دون قسيميها (الموهومات والمشكوكات) إلا لرجحانها الذاتي وكاشفيتها وإن كانت الناقصة، كما سبق، فثبت المطلوب وهو حجية الظن والمظنونات.

ويتعين الإمتثال في المظنونات دون قسيميها

إن قلت: كما يندفع العسر والحرج بالإقتحام في الموهومات والمشكوكات، فتكون المظنونات لازمة الإتباع، كذلك يندفعان بالإقتحام في المظنونات، فتكون الموهومات لازمة الإتباع فلا يكون الظن حينئذٍ حجة لازم الإتباع، كما يندفعان أيضاً بالإقتحام في ما يتوزع بين الدوائر الثلاث فيكون اللازم إتباعه بعضٌ من كل من الدوائر الثلاث دون الظن خاصة.

قلت: كلا؛ وذلك لما ذكره المحقق النائيني بقوله: (وبالجملة: لـمّا كانت التكاليف المعلومة بالإجمال منتشرة بين المظنونات والمشكوكات والموهومات وكان الإحتياط في الجميع موجباً للعسر والحرج تعيّن التبعيض في الإحتياط على وجه لا يلزم منه محذور العسر والحرج؛ ولكن ليس المكلف بالخيار بترك الإحتياط في أيّ من الطوائف الثلاث، فإن الخيار في دفع الإضطرار بأي واحد من أطراف العلم الإجمالي إذا كان الإضطرار إلى غير المعيّن إنّما هو فيما إذا كانت الأطراف متساوية الأقدام بالنسبة إلى التكليف المعلوم بالإجمال فيها ولم يكن لأحدها مزيّة توجب أقوائية احتمال تعلق التكليف به، وإلا كان اللازم عقلاً دفع الإضطرار بما يكون الإحتمال فيه أضعف فإن الإحتياط في أطراف العلم الإجمالي إنما استقل به العقل لأجل رعاية التكليف المعلوم بالإجمال. فبالمقدار الذي يمكن رعاية التكليف ـ ولو بقوة الإحتمال ـ يتعين عقلاً؛ ففي المقام ليس للمكلف الإحتياط في الموهومات والمشكوكات وترك الإحتياط في المظنونات، فإن احتمال ثبوت التكاليف في المظنونات أقوى من ثبوتها في المشكوكات، كما أن احتمال ثبوتها في المشكوكات أقوى من ثبوتها في الموهومات، فإذا امتنع الإحتياط في الجميع ـ لمكان العسر والحرج ـ تعيّن الإحتياط في المظنونات أو مع المشكوكات وترك الإحتياط في الموهومات، لما في المظنونات من المزيّة التي توجب تعيّنها عقلاً وهي كونها أقرب الإصابة إلى الواقع من الموهومات؛ وذلك كلّه واضح)([5]).

لأن الحاكم في كل تلك القضايا هو العقل

وبعبارة أخرى موجزة: إن الحاكم بوجوب الإحتياط الكلي لدى انسداد باب العلم والعلمي، هو العقل، والحاكم بعدم وجوب الأطراف المضطر إليها هو العقل، والحاكم بوجوب التبعيض في الإحتياط والإحتياط في الأطراف غير المضطر إليها([6]) هو العقل، والعقل نفسه هو الحاكم بعدم تساوي الدوائر الثلاث بالنسبة للتكاليف المعلومة بالإجمال فإنه يحكم بأن على المكلف أن يحتاط بالإلتزام بالمظنونات لأنها الأقرب للإيصال إلى أحكام المولى دون الموهومات التي لا شك في كونها الأبعد في الإيصال، إذ الفرض تسليم كونها موهومات كما هو بديهي واضح.

وقد يتعين الإمتثال في الظنون الأقوى خاصة

فرع: بناءً على ما مضى، فإن المظنونات لو كانت على درجات: أقوى وأضعف وما بينهما، وكان العسر والحرج لا يندفعان بالإقتحام في المشكوكات والموهومات فقط، بل والإقتحام في بعض المظنونات أيضاً، فانه لا شك أن العقل لا يجيز إلا اقتحام الأضعف من درجاتها، فيُلزم بالإحتياط بالإتيان بالمظنونات بالظن القوي والمتوسط دون الضعيف، ولو لم يندفع العسر والحرج إلا بالاقتحام في المتوسطات أيضاً، تعيّن التبعيض في الإحتياط بكونه في دائرة المظنونات بالظن الأقوى، مما ينتج حجية الصحاح دون الموثقات والحسان، ونقصد حجيتها بالظن المطلق حينئذٍ وتسميتها بهذه الأسماء الثلاثة للمشاكلة. فتدبر جيداً.

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

قال الإمام الجواد (عليه السلام): ((لَنْ يَسْتَكْمِلَ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُؤْثِرَ دِينَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ، وَلَنْ يَهْلِكَ حَتَّى يُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَى دِينِهِ))

(كشف الغمة: ج2 ص348).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) أما وجوبه فهو فرض آخر أوضحنا في الدرس السابق الحال عليه أيضاً.

([2]) السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي، تبيين الأصول، دار العلم ـ قم: ص287.

([3]) أو عن أصل التكليف، كما هو مختار صاحب الكفاية في عام ما يضطر إليه، وكما أوضحناه مفصلاً.

([4]) أما على مبنى الآخوند فإن العلم الإجمالي غير منجز مع الإضطرار إلى بعض أطرافه معيّناً كان أو لا، كما سبق، قال في الفوائد: (وأمّا ما أفاده من المنع عن التبعيض في الإحتياط على تقدير تسليم الحكومة: فلم يبيّن وجهه، ولعلّه مبني على ما اختاره: من الملازمة بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية، فإذا لم تجب الموافقة القطعية للعسر والحرج لم تحرم المخالفة القطعية. أو مبني على ما ذهب إليه: من أنّ العلم الإجمالي مع الإضطرار إلى بعض الأطراف لا يقتضي التنجيز مطلقاً، سواء كان الإضطرار قبل العلم الإجمالي أو بعده، وسواء كان الإضطرار إلى المعيّن أو غير المعيّن، بدعوى: أنّ الإضطرار لما كان من حدود التكليف وقيوده، فلا يحصل العلم بالتكليف المطلق ليقتضي التنجيز والإجتناب عما عدا المضطر إليه) (فوائد الأصول: ص255-256) وعلى أي فإن وجه وجوب الإمتثال في الأطراف غير المضطر إليها، هو الإحتمال حينئذٍ لا العلم الإجمالي، لضرورة عدم إهمال الأحكام.

([5]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج3 ص254.

([6]) حسب مبنى النائيني.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=4114
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 12 رجب 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14