• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 19- تتمة التحقيق اللغوي ـ المستظهر في الموضوع له للفظة (الزور) ـ لو شككنا فما المرجع ؟ ـ استدلال (مصباح الفقاهة) لعدم شمول الاية لاعدام كتب الضلال ومناقشته .

19- تتمة التحقيق اللغوي ـ المستظهر في الموضوع له للفظة (الزور) ـ لو شككنا فما المرجع ؟ ـ استدلال (مصباح الفقاهة) لعدم شمول الاية لاعدام كتب الضلال ومناقشته

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
كان الحديث حول قوله تعالى: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور), وإنها هل تدل على حرمة حفظ كتب الضلال وسائر التقلبات في مسببات الفساد او لا؟ 
وقد ذكرنا رأي (مصباح الفقاهة) من ان قول الزور معناه هو الكذب , وكذا الغناء بحسب الروايات, وعلى هذا فالآية أجنبية عن الاستدلال على حرمة حفظ كتب الضلال عنده. 
وأشرنا إلى أنه ينبغي علينا أن نراجع كتب اللغة و أقوال المفسرين لنرى ما الذي فسروا به كلمة الزور، ثم لنرى ما هو المستظهر، واستعرضنا بعض ذلك, 
وقد ظهر الكثير من اللغويين ذكروا أن الزور يطلق على الكذب والتهمة وشهادة الزور والباطل وغير ذلك مما أسلفناه 
وجود الجامع والاصل الواحد لمعاني كلمة الزور : 
ونحن عند الملاحظة للمعاني المختلفة لكلمة الزور نجد إن لها جامعا واحدا لها وهو الباطل , وقد ذكر ابن الفارس في معجم مقاييس اللغة رأيا جدير بان يتوقف عنده فانه يقول : إن الزور أصل واحد صحيح , أي: إن له جامعا واحدا بحسب تعبيرنا وهو( الميل والعدول ) . 
بيان كلامه : انه عند ملاحظة المعاني المذكورة للزور نجد إن هذا الجامع موجود وهو جامع الميل والعدول , فالكذب هو ميل وعدول عن الحق وعن الخبر الصحيح المطابق للواقع, وكذلك الصنم يسمى زورا لأنه ميل عن طريق التوحيد والحق. 
ومنه الزائر سمي زائرا لأنه عدل عن غيرك إليك فزارك , وكذلك يقول ابن فارس : الزور بالفتح هو الميل يقال : ازورّ عنه أي مال عنه. 
ونضيف: إن الزوراء وهي بغداد سميت بذلك لميلان قبلتها ؛ فان البيوت فيها سابقا كانت مبنية بطرقة هندسية بحيث إنها لا تواجه الكعبة , بل الاتجاه مائل فيها، وكذلك (القوس) فإنها سميت بـ(الزوراء) لتقوسها وعدم استقامتها وكذلك فإن الزَّور يطلق على الصدر لان فيه ميلا واعوجاجا بالاضلاع , وكذلك (التهمة) سميت زوراً لأن فيها انحرافاً وميلاً عن طريق الصلاح والإصلاح. 
والمتحصل من كل ذلك : 
إننا نجد هذه المعاني المختلفة يجمعها جامع واحد واصل فارد وهو الميل والعدول 
والنتيجة : هي ان المستظهر إلى الآن ان الزور موضوع إما للباطل – والذي صرح اللغويون بذكره -, وإما للميل والعدول – كما استنبطه ابن فارس - وذلك بلحاظ إننا لو وجدنا لفظاً قد استعمل لغة وعرفاً في معاني متعددة بعضها كلي و باقيها أصناف له , فان الظاهر – عرفا – من ذلك إن الكلي هو الموضوع له لذلك اللفظ وهذه الأصناف قد استعمل فيها ذلك اللفظ لأنها مصاديق لذلك الكلي، لا لوضعه لكل منها بوضع على حده. 
وفي المقام : المستظهر ان الباطل هو الموضوع له, أو المعنى الآخر وهو الميل والعدول وهو وإن كان اجتهاداً من ابن الفارس؟ فإنه لابأس به وقد ذكره بعض اللغويون أيضاً. 
وعليه : فالمستظهر, ان اللفظ لو استعمل في الكلي وأصنافه, فانه حقيقة في الكلي, وقد أطلق على الأصناف لأنها مصاديقه, لا لأنه مشترك لفظاً بينها وليس ذلك من باب الأصل وأنه كلما دار الأمر بين الحقيقة والمجاز وبين الاشتراك اللفظي وبين الحقيقة والمصاديق فالأصل – مثلا – هو الأخير. 
وبعبارة أخرى: الظاهر ان اطلاق اللفظ على المصاديق هو إطلاق حقيقي , 
إلا إن السؤال هو: هل ان هذه المصاديق هي الموضوع له اللفظ بنحو الاشتراك اللفظي؟ او بسبب ان الكلي هو الموضوع له اللفظ وقد أطلق على المصداق واستعمل فيه لأنه مصداقه الظاهر عرفاً الأخير. 
المرجع عند الشك : إذا ظهر ذلك فنقول: 
الاحتمال الاول والثاني : الاشتراك المعنوي والاشتراك اللفظي 
1- اننا لو استظهرنا ان اللفظ موضوع للجامع الكلي فالمشكلة محلولة موضوعا. 
2- واما لو استظهرنا الاشتراك اللفظي فان المشكلة كذلك محلولة ولكن محمولا وذلك ببركة كلمة (اجتنبوا) والإطلاق فيها. 
بيانه : لنفرض ان كلمة الزور قد وضعت على نحو الاشتراك اللفظي وبأوضاع متعددة لكل معنى من المعاني على حدة فببركة (اجتنبوا) نستفيد ان كل المعاني يجب الاجتناب عنها . 
وبتعبير اوضح : لو كان هنالك لفظ مشترك بين معان عديدة فوقع هذا اللفظ متعلقاً لاجتنبوا لوجب الاجتناب عنها باجمعها, فلو قال المولى اجتنب العين, ولم تكن هناك قرينة معينة للمراد , فلابد من اجتناب كل معاني العين المتعددة المحتمل (كالجارية، أن يسقط فيها، والجاسوس، أن يكشف النواقص والثغرات ويسرّبها للأعداء). 
الاحتمال الثالث : " وهو احتمال تنزلي " 
وفيه نقول : 
3- إننا لو لم نحرز الاشتراك اللفظي ولا المعنوي, ولم نعرف المعنى الحقيقي من المجازي ووجدنا أنه قد استعمل قول الزور في كل هذه المعاني, واحتملنا ان المعنى الحقيقي واحد والباقي هي مجازات منه , فهل هناك وجه للشمول ؟ 
والجواب : نعم , فإن الظاهر انه يوجد وجه للتعميم في المقام , وذلك من خلال الاستناد والتمسك بالعلم الإجمالي بعد ورود كلمة اجتنبوا, 
وذلك : لان الأمر بالاجتناب قد تعلق بمردد بين هذا المعنى او ذاك, والامتثال لا يُعلم إلا بالاجتناب عن كليهما , فلابد من الاجتناب عن الكل. 
توضيحه : وهنا نذكر – وبإيجاز – ان العلم الإجمالي منجز في صور ثلاثة : 
1/ الصورة الاولى : 
ان يكون هناك تردد مصداقي , فلو قال المولى مثلا لعبده : جئني بإناء وقد خيم الظلام , ولا يعلم العبد أيا منها هو الإناء , فعليه ان يأتي بكل ما يحتمل انه إناء ؛ وذلك لان الاشتغال اليقيني بالتكليف يستدعي البراءة اليقينية من خلال الإتيان بكل المحتملات لمتعلق التكليف , حيث ان التردد المصداقي هو مجرى للاحتياط إذ الشك في المكلف به. 
الصورة الثانية والثالثة : وفي هاتين الصورتين نقاش وكلام , ولكننا نقول بان بناء العقلاء هو على منجزية العلم الإجمالي في هاتين الصورتين أيضا , 
أما الصورة الثانية: أن يكون هناك تردد مفهومي, ولكن لا بسعةٍ وضيقٍ حتى ينحل العلم الإجمالي بالبراءة عن الأكثر, بل بالتباين بين طرفي التردد المفهومي. 
وهنا أيضا المجرى هو مجرى الاشتغال , فلو كان لدينا إناء وكانت هناك شبهة مفهومية في انه هل يشمل قاعدة الغرشة او هل يشمل ماعون الشاي او الصينية او القدح او الطشت او المنخل ؟ وفي مثالنا: لو ان المولى قال لعبده جئني بإناء فان التردد في انطباق أمر المولى على عدة محتملات، ناشئ من شبهة مفهومية لعدم وضوح المفهوم، لكنه منجز، للعلم الإجمالي, وعليه أن يأتي بكلا الإناءين. 
وأما الصورة الثالثة: والعلم الإجمالي منجز فيها أيضا وهي : ما اذا دار الأمر ابتداء بين تعلقه بمباين أو تعلق أمر آخر بمباين آخر . 
والمستظهر: ان الشك هو في المكلف به وان المقام هو مجرى للاحتياط .صغرى بحثنا : (اجتنبوا قول الزور) 
ونأتي الآن الى ما نحن فيه من صغرى البحث وهي : ( اجتنبوا قول الزور ) , فانه لو قلنا بان الظاهر أن (الزور) موضوع للباطل وهو الجامع فالمشكلة محلولة, 
ولو استظهرنا ان قول الزور موضوع بنحو الاشتراك اللفظي لكل من الكذب والتهمة وشهادة البزور والباطل وغيره فان المشكلة محلولة كذلك , وسنسلك بذلك سلوك الموسعين – لا المضيقين – في الآية , إلا انه لو لم يمكن استظهار هذا او ذاك , وانما كان المقام مقام تردد بين المعاني الموضوع لها اللفظ فهنا - والحال هذه - لا نتمسك بأصل لفظي أو ظهور لفظي، وانما نتمسك بـ(اجتنبوا) وبمعونة العلم الإجمالي بوجود ردع تعلق بأمر وعنوان مردد بين عناوين. 
فان تم ما قلناه فان التوسعة في الآية ستكون واضحة فتشمل مختلف أنواع الباطل من كذب وتهمة والحاد وغيرها . 
عودا لمناقشة صاحب المصباح ونعود لتتميم مناقشة ما ذكره السيد الخوئي في مصباحه حيث انه ناقش نقاش محموليا ونذكر عبارته مرة أخرى - لنكملها - حيث يقول : 
"لا يقال الاية تدل على اعدام كتب الضلال لكونها من اظهر مصاديق الكذب بل هي كذب على الله ورسوله (ص) فانه يقال : غاية ما يستفاد من الآية وجوب الاجتناب عن التكلم بالكذب اي عن إيجاده واما إعدامه فلا , وإلا لوجب اعدام جميع ما فيه كذب كأكثر التواريخ ونحوها ولم يلتزم به احد من المحصلين فضلا عن الفقهاء " 
مناقشة كلام السيد الخوئي : ونذكر ثلاثة وجوه وإشكالات قد ترد على ما ذكره السيد الخوئي (قد ) : 
الوجه والاشكال الاول : وفيه نقول : كان الأولى ان يقول :( وإلا وجب إعدام الكذب الموجود في هذه الكتب ) هذا هو التالي الفاسد , وليس إعدام جميع ما فيه كذب ؛ حيث انه ليس كل ما في الكامل في التاريخ مثلا كذبا , بل فيه مواطن معينة للكذب وهي التي يجب اعدامها لانها قول زور أما غيرها فليس بكذب وقول زور فلا وجه لإعدامه, هذا أولا , وهو إشكال فني ؛ لانه لعل مقصود السيد ما بيناه , ولكن لو اننا جمدنا على ظاهر اللفظ لكان الاشكال وارداً عليه. 
الاشكال الثاني : - وهو الذي عليه المعول – حيث نقول فيه : 
انه كلما وجد لفظ مطلق ثم ثبت بعد ذلك خروج صنف منه بدليل – كشبيه الإجماع الذي استدل به السيد الخوئي او دعوى الانصراف منا – فان اللفظ سيبقى على اطلاقه في سائر الموارد الأخرى ولا يُخِلّ خروج صنفٍ بالدليل باطلاق المطلق بالشمول, وكلام السيد الخوئي واستدلاله هو من هذا القبيل ظاهرا فهو قد استدل بخروج صنف , إلا إن ذلك لا يدل على عدم الإطلاق.توضيحه: ان مدعى الموسعين هو شمول الآية للكذب وغيره وانها تشمل الإيجاد والإعدام وسائر التقلبات. 
ولكن نقول: لنا أن نلتزم بالشمول للإعدام في كافة الموارد ونخرج عنه في خصوص الكتب التاريخية المشتملة على كذب (لكن مما لا يصدق عليه الضلال) وذلك نظراً لأنه لم يلتزم باعدامها احد من المحصلين فضلا عن الفقهاء, أما ما عدا ذلك فلا. 
فانه في كتب الضلال مثلا لا يجري محذور عدم التزام أحد, فان صاحب المسالك قد التزم بلزوم إعدامها وكذا صاحب الجواهر وآخرون 
وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين ... 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=41
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 22 ذي القعدة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23