• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الظن (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 010-أدلة أخرى على حجية الظن-الإشكال : بـ (أنَّ الظن لا يغني ...)-الأجوبة :انه إشارة إلى نكتة إرتكازية ... .

010-أدلة أخرى على حجية الظن-الإشكال : بـ (أنَّ الظن لا يغني ...)-الأجوبة :انه إشارة إلى نكتة إرتكازية ...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(10)

التناقض بين مبنيي المشهور

وقد يناقش مبنى المشهور الذين ذهبوا إلى عدم حجية الظن بذاته وطبعه أي عدم اقتضائه الحجية، بانه متنافٍ مع استدراكهم بالقول بحجية أنواع من الظنون بجعل الشارع أو إمضائه، فلاحظ مثلاً ما قاله المحقق العراقي (وبهذه الجهة نقول: بأنّ الظن بنفسه لا يغني من الحق شيئاً، بل يحتاج في التحريك على وفقه إلى جعل من قبل المولى كي به تصل النوبة إلى المرتبة الأولى من حكم العقل)([1]).

أقول: أما قوله (بأنّ الظن بنفسه لا يغني من الحق شيئاً) وهو مضمون الآية الشريفة فسيأتي بعد قليل الكلام حوله، إلا ان الشاهد هنا ان قوله، كالمشهور، بان الظن بحاجة إلى جعل من قبل المولى (أقول: أو إلى الإمضاء ولو بعدم الردع، إن لم نقل بان الإمضاء جعل كما اخترناه في محله) يناقض ذلك المبنى إذ نقول: ان هذا الجعل ليس عبثاً قطعاً، بالنظر لحكمته تعالى، بل إنما هو لمرجِّح في الظن نفسه، إذ لا يتصور مرجح غيره، وإلا لوجب أو صح ان يجعل الوهم أو الشك حجة، فاما ان يرفعوا اليد عن القول بان الظن ليس مقتضياً للحجية، أو يرفعوا اليد عن جعل الشارع الظن، ولو ببعض أنواعه كخبر الثقة والظواهر، حجة.

حجية الظنون الخاصة دليل على اقتضاء الظن للحجية

بل لنا ان نعتبر هذا دليلاً مستقلاً فنقول: ان جعل الشارع ما سمّي بالظنون الخاصة، حجةً، دليل على وجود اقتضاء للحجية فيها وإلا لكان ترجيحاً بلا مرجح، ولكان له ان يجعل الوهم، حجة / أو لجعله، لكنه قبيح في الحكمة، بعبارة أخرى: جعله للظنون الخاصة، كخبر الثقة، حجة ليس للتعبد المحض، بل إمضاء لطريقة العقلاء الذين اعتبروه حجة لما وجدوه فيه من رجحانه الذاتي الاقتضائي، كما سبق.

النقض علينا بوهم الوسواس، والجواب

لا يقال: الشارع جعل وهم الوسواس حجة، مع انه لا رجحان ذاتياً فيه، فمع انه يظن بالعدم مثلاً إلا ان الشارع حكم على طبق وهمه بالوجود (لو ظن عدم الركوع، أو ظن عدم الصلاة ثانياً وثالثاً([2]) وهكذا...)

إذ يقال: أولاً: لم يجعل الشارع بعض أنواع الوهم حجة، عكس الظن الذي جعل بعض أنواعه حجة، بل إنما جعله بمنزلة الأصل العملي إذ انه حكم في صورة وهمه بان يبني على الوجود أو يرتب آثار الصحة، نعم احتملنا فيما مضى ان الشارع لاحظ أغلبية مطابقة وهمه (بالوجود، أو بالصحة) للواقع وأغلبية مخالفة ظنه له، لكنه مجرد احتمال لا دليل عليه.

ثانياً: سلّمنا، لكن الفرق بين الظن والوهم ان الشارع جعل الظن حجة لجهة قائمة به بينما جعل الوهم حجة لجهة قائمة بالمتوهِّم، وهو كونه غير معتدل المزاج، مريضاً، فأراد التخفيف عنه، بعبارة أخرى: الفرق وضوح كون الظن مُرِيا للواقع وكاشفاً عنه ولو ناقصاً لذا جعله حجة أو أمضى حجيته، عكس الوهم الذي لا يُرِي الواقع، ومع ذلك نجد الشارع قد أمر في الوسواس بالعمل على طبقه، أي ترتيب آثار الصحة على ما توهمه من البطلان والنقص، فليس لأجل انه وهم بل رعاية لحال الواهم.

هذا تمام الكلام في اقتضاء الظن الحجية.

الاعتراض بـ((إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً))

ولكن قد يورد على ذلك بقوله تعالى: ((إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً))([3]) فانه ظاهر في ان الظن بطبعه ليس بحجة إذ لا يغني من الحق شيئاً، فكيف تقولون بانه حجة بطبعه؟

ويمكن الجواب عن ذلك بوجوه:

الأجوبة

الآية إشارة لأمر ارتكازي فخروج الظنون العقلائية تخصصي

الأول: ما أجابوا به عن الآية الشريفة عند احتجاجهم على حجية بعض الظنون الخاصة فانه يجري بأدنى تغيير فيما ندعيه من حجية الظن المطلق إلا ما خرج، قال في المحكم: (وأما ما دل على عدم الاعتماد على الظن، فهو وإن كان ظاهراً في عدم حجيته في مقام العمل، إلا أنه إنما يدل على عدم حجية الظن من حيث هو ظن، ولا ينافي حجية بعض ما يوجب الظن نوعاً بخصوصيته، كخبر الثقة وغيره.

مع أنه ظاهر في الإشارة إلى أمر ارتكازي عقلائي، لا تأسيسي للشارع تعبدي، ولذا ورد مورد الذم والتبكيت والاحتجاج على الكفار، ولا يحسن الاحتجاج عليهم بالقضايا التعبدية الصرفة. وحينئذٍ فهو مختص بالظنون غير المعتمدة عند العقلاء، ولا يشمل ما يحسن الاعتماد عليه عندهم، كخبر الثقة، وقول أهل الخبرة وغيرهما)([4]).

أقول: سيأتي الكلام عن جوابه الأول ومدى إمكان تكييفه مع الظن المطلق غير الشاذ، وأما جوابه الثاني فتوضيحه مع إضافةٍ: ان هذا الجواب يفيد الخروج التخصصي للظنون الخاصة عن قوله تعالى: ((إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْني‏ مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)) لا التخصيصي، أي ان الآية منصرفة عن الظنون العقلائية، بقرينة كونها واردة مورد الاحتجاج على الكفار ومورد ذمهم وتقريعهم على إتباعهم الظن، ولا شك ان مقام تقريعهم والاحتجاج عليهم في أصول الدين بكونهم يتبعون الظن مما لا يصح على التعبدّية بان يقول الشارع مثلاً لأنني أتعبد بعدم حجية الظنون لذا أذمكم واحتج عليكم ببطلان إتباعكم لها إذ هذا الاحتجاج دَوْري([5])، وثبِّت العرشَ ثم انقش، لذلك فانه لا بد ان يكون إرشادياً وإرجاعاً إلى أمر ارتكازي عقلائي، وهو عدم حجية الظن بطبعه، كي يصح الاحتجاج عليهم بانكم كيف تتبعون في العقائد الظنَّ مع ان عقولكم تشهد بعدم حجيته وعليه: فإذا كانت الآية إشارة لأمر ارتكازي عقلائي فان العقلاء لا يرون الظن الحاصل من خبر الثقة والظواهر مصداقاً لـ(الظن الذي لا يغني) بل يرونها مصداقاً لـ(الظن الذي يغني).

وحينئذٍ إذ تم ذلك في الظنون الخاصة يتمّ، بنفس الوزان، في الظنون المطلقة، غير الشاذة كالأحلام وغير ما ردع عنه الشارع كالقياس، إذ العقلاء يرون الظن([6]) لرجحانه الذاتي مما يغني من الحق عكس الوهم، وقد سبق تفصيله وبرهانه، فخروج الظنون المطلقة أيضاً تخصصي من الآية الشريفة، فتدبر.

الثمرة في دعوى اقتضاء طبع الظن الحجية

وتظهر الثمرة، كما سبق وسيأتي بتفصيل أكثر، في صورة الشك، فانه إذا علم حجية ظن معين، كخبر الثقة والظواهر في الأحكام والإقرار والبيّنة في الموضوعات، فهو، كما انه إذا علم عدم حجيته، كالقياس والاستحسان، فهو، إنما الكلام فيما لم يعلم حجيته أو عدم حجيته بخصوصه، كالظن الحاصل من التحاليل المختبرية العصرية، فإن قلنا ان الظن يقتضي عدم الحجية أو لا يقتضي شيئاً كانت غير حجة، كما هو المشهور، وإن قلنا ان الظن يقتضي الحجية كان حجة بعد إمضاء الشارع له ولو بعدم الردع أي مادام لم يرد نهي عن إتباعه من الشارع بخصوصه.

وعلى سبيل المثال: لو وجد لقيط لا يعلم والده، فإذا أجرينا فحص الدِّنا (DNA) وأفاد بنسبة 90% مثلاً انه ابن زيد، فهل هو حجة؟ نعم لو أفاد القطع فانه حجة ذاتية على ما قالوا لكن ماذا لو أفاد الظن؟

لا يقال: [الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَ لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ]([7]).

إذ يقال: نفرض كون الفراش لهما كما لو وطآها شبهةً، أو نفرض عدم كون الفراش لأي منهما كما لو زنيا بها ونريد معرفة ان الطفلة تولدت من أيهما كي لا يصح لمن تولدت من مائه الزواج منها مثلاً ويصح للآخر، أو نفرض عدم معلومية كون الفراش لأيهما كما لو زوّجها الوكيل عن كليهما في تزويجها، لأحدهما ومات ولم نعلم انه زوّجها من أيهما وتوهم كل منهما انها زوجته فوطأها بدون علم الآخر.

فمع عدم وجود حاكم كـ(الولد للفراش) فهل الظن الحاصل من التحاليل المختبرية حجة، ههنا تظهر قيمة تأسيس الأصل، وللبحث صلة.

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين


قال الإمام الجواد عليه السلام: [لَا يَسْتَكْمِلُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ خِصَالٌ ثَلَاثٌ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ وَحُسْنُ التَّقْدِيرِ فِي الْمَعِيشَةِ وَالصَّبْرُ عَلَى الرَّزَايَا‏‏] (تحف العقول: ص446).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) الشيخ ضياء الدين العراقي، مقالات الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم، ج2 ص13.

([2]) مع جريان عادته على الصلاة أول الوقت أو مطلقاً.

([3]) سورة يونس: الآية 36.

([4]) السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم، الـمُحكم في أصول الفقه، دار الهلال ـ قم، ج3 ص168.

([5]) إذا وقع مقابله الوهم، بل مطلقاً كما سبق.

([6]) لأنه يريد إثبات حقانيته بهذا الكلام المتوقف على حقانيته، أو يريد إبطال كلامهم بكون كلامه حقاً المتوقف على بطلان كلامهم في مقام الاحتجاج.

([7]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران، ج5 ص491.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3917
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 23 ربيع الأول 1443هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15