• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1442-1443هـ) .
              • الموضوع : 010- مناقشات في مرجعية العرف في تحديد الضرر - التصوير 6 الاخوند: لا ضرر لا يشمل الضرر المقتضي للحكم جواب الشهيد الصدر، ومناقشته - الجواب السابع: لا ضرر نهي وليس نفياً - المناقشة .

010- مناقشات في مرجعية العرف في تحديد الضرر - التصوير 6 الاخوند: لا ضرر لا يشمل الضرر المقتضي للحكم جواب الشهيد الصدر، ومناقشته - الجواب السابع: لا ضرر نهي وليس نفياً - المناقشة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(321)

 

مناقشة: الشرع مرجع([1]) قبل العرف

سبق التصوير الخامس للخروج التخصصي لكثير من الموارد عن لا ضرر، بان الضرر عنوان عرفي والعرف لا يرى أمثال الخمس والزكاة والضمانات والحدود والديات ضررية لما يلاحظونه فيها من المصالح العامة، ولكن هنا تأملان:

أولاً: اننا لسنا بحاجة إلى اللجوء إلى العرف وانه لا يرى هذه الأحكام ضررية، بعد علمنا بان الشارع لا يراها ضررية؛ لبداهة تبعية الأحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات، فنكتشف بالبرهان الإني من جعل الشارع لها انها ليست ضررية لديه، بعد الكسر والانكسار، وإلا لما جعلها، وقد سبق توضيحه، بل الشرع هو المرجع فيها دون العرف، ولذا لو تخالف فعليه المدار دونهم.

وبعبارة أخرى: ان الشارع: إما انه لاحظ مصلحة النوع خاصة في مثل الجهاد والزكاة ورجحها على الضرر الذي يلحق بالشخص إذ لا شك في رجحانها على مفسدة الأضرار التي تصيب الفرد الواحد من المجاهدين أو المزكّين.

وإما انه لاحظ مجموع ضرري الشخص والنوع ومصلحتهما، فحكم بالجهاد والزكاة، بعد ترجيح منافعهما على أضرارهما؛ فان للجهاد منافع للمجتمع كما سبق ومنافع للفرد المجاهد نفسه كعِزّته في أمته وشرفه في أسرته وكصونه لعرضه، كما انه عندما يزكّي يطهره الله تعالى ويزكيه بنص الآية الكريمة.

وإما انه لاحظ مصلحة الفرد نفسه حتى في الأحكام الاجتماعية ورأى انها أكثر من مضرتها حتى بالنسبة له.

وأظهر الاحتمالات هو الوجه الثاني ثم الأول، بل ان الثالث تام إذا لوحظت المصالح الاخروية والمعنوية أيضاً واما من دونهما ففي إطلاقه تأمل وإن تمّ في بعض الموارد.

 

والعرف مرجع في المفاهيم لا المصاديق

ثانياً: وهذه مناقشة مبنائية، ان العرف مرجع في تحديد المفاهيم دون المصاديق على ما ذهب إليه الآخوند الخراساني والميرزا النائيني (قدهما) وجمهرة تلاميذهما وقيل انه المشهور؛ إذ يقول تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ)([2]) فالعرف مرجع في اللسان ومعرفة المعاني أما المصاديق فالانطباق عليها عقلي، عقلائي – علمي أي انه في مرحلة الإثبات منوط بالعلم والمعلومات، وذلك مقابل مبنى الشيخ عبد الكريم الحائري، مؤسس الحوزة العلمية بقم، وجمهرة تلاميذه، والسيد الوالد وآخرين، الذين ذهبوا إلى أن العرف مرجع في تحديد المفهوم والمصداق معاً؛ لأن ذلك هو المتعارف في كل الملل والمتفاهم لديهم عندما تلقى إليهم الأحكام بموضوعاتها.

وعلى المبنى الأول: فالمرجع في تحديد معنى الغناء والضرر ومفهومهما هو العرف واما كون هذا الصوت الصادر من هذا الشخص أو الجهاز غناءً أو لا، وكون هذا الحكم، كالخمس والزكاة، ضرراً أو لا فليس من شأن العرف، نعم على المبنى الثاني فالأمر كما ذكره دام ظله وإن امكنت المناقشة في بعض المصاديق المذكورة فان كثيراً من الأعراف ترى الضرائب (وهي المعادل العرفي للخمس والزكاة) ضرراً خاصة في البلاد المستبدة، أما من لا يرونها ضرراً فلأنهم لثقتهم بحكوماتهم يعتقدون انها تُرجع الضرائب إليهم على شكل خدمات كبناء المستشفيات وتشييد الجسور والطرق والأنفاق.. الخ، على انها في الواقع ولدى الفحص تهدر بعضها وتسيء استخدامه أو تسرقه.

ومن المهم الإشارة إلى انه حتى على المبنى الثاني (ان العرف مرجع في المفهوم والمصداق) فانه مرجع فيما لو لم يخطّأه الشارع، وفي مثل الخمس فان العرف حتى لو رأى الخمس ضرراً لكنه لو أحاط علماً بان الشارع لم يملّك الغانم مقدار الخمس لا انه ملّكه ثم أخرجه من ملكه، لعلم بانه كان عدم نفع، نظير إرث أحد الابنين النصف فإن عدم إرثه النصف الآخر عدم نفع لا ضرر، ولو انه توهم عدم وجود أخٍ له ثم بانَ له وجوده (من زوجة أخرى مثلاً) فان تعبيره تضررت كاشف عن جهله وعمّا بنى عليه من وهمه ولكن العرف العالم بحقيقة الحال يرى انه عدم نفع.

 

الآخوند: لا ضرر لا يشمل ما كان الضرر بنفسه مقتضياً للحكم

التصوير السادس: للخروج التخصصي ما نقل عن (المحقق الخراساني قدس سره من أنّ حديث (لا ضرر) ظاهر في كون الضرر مانعاً عن الحكم، فلا يشمل فرض كون الضرر بنفسه مقتضياً للحكم، كما في الموضوعات التي تكون من أصلها ضرريّة، فهو يختصّ بالحكم بما لا يكون ضرريّاً في نفسه، وتتّفق ضرريّته في بعض الأوقات، فيرفع إطلاقه)([3]).

بعبارة أخرى: الظاهر ان الضرر، في لا ضرر، هو في رتبة المانع عن الحكم أي من دائرته إذ يمنع وجوب الوضوء الضرري مثلاً، وذلك كرطوبة الورقة مثلاً بالنسبة للاحتراق، فلا يشمل (لا ضرر) ما وقع منه في رتبة المقتضي للحكم بان اقتضى الضرر بنفسه ثبوت الحكم فمثلاً: الضرر اقتضى الحكم بوجوب الجهاد إذ لولاه لتضرر المجتمع كما انه اقتضى الحكم بوجوب الزكاة والقصاص و... الخ فانه لولا وجوبها تضرر النوع.

 

ردّ الشهيد الصدر الأول

ولكن الشهيد الصدر الأول ناقش الآخوند (قدهما) بقوله: (ويرد عليه: أنّ المتعلّقات الضرريّة كالجهاد، والخمس، والزكاة وغير ذلك ليس المقتضي للحكم فيها الضرر المترتّب عليها، وإنّما المقتضي له المصالح المترتّبة عليها، فليدلّ الحديث على مانعيّة الضرر فيها)([4]).

 

مناقشة الردّ

أقول: لو كان مقصود المحقق الخراساني ما ذكره الشهيد لتم الإشكال عليه، ولكنه مما يستبعد ان يقصده الطالب العادي فكيف بمثل صاحب الكفاية إذ كيف يعقل ان يتوهم قدس سره ان المقتضي للحكم بوجوب الجهاد هو الضرر في الجهاد أو للضرر المترتب على الجهاد، بل الظاهر ان مقصوده قدس سره هو ان ضرر استيلاء العدو على بلادنا([5]) يقتضي الحكم بوجوب الجهاد (وليس ضرر الجهاد يقتضي الحكم بوجوبه!) وكذلك ضرر إتلاف مال الغير هو المقتضي للحكم بالضمان (وليس ضرر الضمان يقتضي الحكم بوجوبه كي يقال ان المقتضي لوجوبه هو المصلحة الكامنة في الضمان وليس الضرر!) وكذلك ضرر الاعتداء على الغير مقتضٍ للحكم بالدية أو القصاص.

وعلى أي فان الآخوند لو قصد هذا المعنى لكان وجهاً تاماً، وإخراجاً لهذه الموضوعات بهذه اللفتة الدقيقة عن دائرة لا ضرر موضوعاً لأنه منصرفٌ إلى الضرر المانع عن الحكم (كضرر الوضوء للمريض) المانع عن وجوبه دون الضرر المقتضي للحكم (كضرر إتلاف مال الغير المقتضي لتضمينه).

 

لا ضرر نهي وليس نفياً

الجواب السابع: ان لا ضرر نهي لا نفي، نظير (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ)([6]) وقوله صلى الله عليه واله وسلم ((لا غِشَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ))([7]) فلا غش يعني لا تغشوا ولا رفث يعني لا ترفثوا ولا ضرر يعني لا تضروا أي لا يضر بعضكم ببعض، والوجه فيه: ان الإخبار عن عدم تحققها (الغش، الضرر، الرفث...) هو كناية عن مبغوضيتها لديه، فعلى هذا فكافّة الموارد التي توهّم كونها تخصيصاً للاضرر (كالجهاد والحج والزكاة والضمانات والحدود والديات) تخرج موضوعاً عن لا ضرر لانها أفعال الله تعالى أي تشريعاته وليست تلك الأحكام أفعال العباد وإضرار بعضهم ببعض.

أقول: هذا وإن دفع الإشكال ظاهراً لكنه ثبته مآلاً إذ، على فرض صحته مبنى، فان مآله عدم صحة التمسك بلا ضرر في الموارد المشكوكة (في الأحكام الشرعية) لأنه لم يشملها لا ضرر من أصلها فكيف بصورة الشك فيها؟ فتدبر جيداً. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((‏إِنَّ الْحَازِمَ مَنْ شَغَلَ نَفْسَهُ بِجهادِ نَفْسِهِ فَأَصْلَحَهَا وَحَبَسَهَا عَنْ أَهْوِيَتِهَا وَلَذَّاتِهَا فَمَلَكَهَا وَإِنَّ لِلْعَاقِلِ بِنَفْسِهِ عَنِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَأَهْلِهَا شُغُلًا)) (غرر الحكم: ص475).

 

 

 

 


([1]) أي في مصداق أحكامه الضررية.

([2]) سورة إبراهيم: الآية 4.

([3]) لم نعثر عليه في الكفاية طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم.

([4]) السيد كاظم الحسيني الحائري، مباحث الاُصول، القسم الثاني، الناشر: دار البشير ـ قم، ج4 ص559، راجع الكفاية: ج2، ص269 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني.

([5]) وهو المقصود من قوله (الموضوعات التي تكون من أصلها ضررية) لا (الجهاد).

([6]) سورة البقرة: الآية 197.

([7]) سنن الدارمي 2: 248.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3884
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 18 ذو القعدة 1442هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14