بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الحديث حول وجوب او عدم وجوب الاجتهاد والنظر في اصول الدين والادلة العقلية التي اقيمت والتي يمكن ان تقام على ذلك,وذكرنا دليلين ثم تطرقنا لاشكال وهو ان النظر مظنة الانحراف عن الدين والهلاك الابدي فيحرم واجبنا عنه بوجوه سبعة تقدمت
الجواب الثامن:وهو جواب منهجي واساسي وعليه تدور الكثير من المباحث ومن حق هذا الجواب ان يبحث في شهرين او ثلاثة لكن سوف نقتصر على يوم او يومين في البحث كمفتاح لمن اراد ان يقتحم هذا الحقل فنقول :
النظر والاستدلال يكون مظنة الوقوع في الانحراف غالبا لو كان المنهج المستخدم للوصول للحقائق الغيبية منهجا خاطئا اما لو كان المنهج سليما فان احتمال الخطأ يتضائل بشكل كبير,توضيح ذلك:
ان الحقائق مختلفة بذاتها هذا اولاً ، وحيث ان الحقائق مختلفة بذاتها فان الكواشف عنها وطرق الوصول اليها مختلفة ايضا هذا ثانيا ، فلو استخدم المجتهد الطريق الممهد للايصال الى هذه السلسلة من الحقائق في الوصول الى نمط اخر ونوع اخر من الحقائق فانه سيخطئ لا محالة او غالبا والعكس بالعكس,وهذا البحث في العلم الحديث مطروق بشكل مفصل لكنه في حوزاتنا العلمية ، لم يبحث فيما اعلم الا بشكل عابر ومن حقه ان يبحث بشكل مفصل
لقد تقدم ان الكثير من الاخطاء تنشأ من المنهج المستخدم للوصول للحقيقة ،واصول المناهج اربعة:
الاول:المنهج الحسي التجربي الثاني:المنهج الذوقي العرفاني الثالث:المنهج العقلي الاستدلالي الرابع:المنهج النقلي وهو الذي استند اليه الاخباريون بشكل عام وهناك مناهج متفرعة وليس كلامنا في استقصائها وانما كلامنا في المناهج الرئيسية ، والخلط في ان بين هذه المناهج الاربعة ايها الموصل الى اي نوع من الحقائق هو السبب الاساس في خطأ غالب الفلاسفة الغربيين وغالب فلاسفة المسلمين وغيرهم , توضيح ذلك : ان المنهج الحسي التجربي استخدمه الكثير من الفلاسفة في دائرة القضايا العقلية فلم ينتج الا الخطأ دائما او غالبا ولو اصاب فانه محض مصادفة كما ان العكس صحيح فان استخدام المنهج العقلي في القضايا الحسية لا ينتج الا الخطأ دائما او غالبا ولو اصاب فليس الا من باب الصدفة والاتفاق توضيح ذلك بمثال : استخدم فلاسفة الغرب المسمون بالحسيين المنهج الحسي في القضايا العقلية فاخطأوا ومن ذلك انهم انكروا قانون العلية والمعلولية نتيجة لهذا الخطأ المنهجي لا غير حيث انهم تصوروا ان الحس هو النافذة الوحيدة المشرعة للوصول الى الحقائق ، هذه الكبرى
اما الصغرى فحيث انهم رأوا ان (العلية) مثلا لا ترى ولا تحس ولا تلمس و انما الذي نراه هو التعاقب فقد انكروا العلية لذلك . فمنشأ الخلط هو هذه الكلية(ان الذي نراه هو التعاقب فقط فعند حدوث العامل الف وجدنا دائما يحصل العامل باء على اثره لا غير اما العلية فهي اقتضاء ذاتي من هذا لانتاج ذاك لكنما لا ترى ولا تحس فليس موجودة ! والحاصل انهم يؤمنون بالتعاقب كالتقارن , ولا يرون رابطة ذاتية بين الامرين .
اذن هذا المنهج خلله هو توهم ان الحس هو النافذة الوحيدة للوصول للحقيقة ,نقول نعم الحس نافذة , لكن ليس لكل الحقائق بل للمحسوسات او الماديات فقط اما العلية فقانون عقلي وليس قانونا حسيا نعم اثرها هو التعاقب وهو محسوس اما العلية فلا يكتشفها الا العقل لأنها لا ترى كما هو واضح اذن استخدام المنهج الحسي للوصول للعقليات قد يكون هو منشأ الخطأ في الاستدلا ل والنظر وبالعكس اي على عكس ما صنعه فلاسفة المسلمين ، حيث استخدموا المنهج العقلي في الطبيعيات ، مع ان العقل ليس طريقا للوصول الى الطبيعيات والمحسوسات ، والنتيجة انا نرى في كتب الفلسفة في مباحث الطبيعيات ما يضحك الثكلى وان صدر من عبقري وفيلسوف لا يشق له غبار في القضايا العقلية ، والمشكلة لعلها لا تكون فيه بل هي في المنهج الذي سلكه اذ انه ليس من الطرق المشرعة للوصول للطبيعيات هو العقل المجرد ولذا الغيت الطبيعيات من الفلسفة الان حتى ممن يعشقون الفلسفة لأن استعمال العقل المجرد في اكتشاف العالم العلوي والسفلي و حركة الكواكب والمجموعة الشمسية وغيرها نتيجته الخطأ ، ولذا نجدهم بنو على ذلك مباني مضحكة ، منها قضية الخرق والالتئام حيث صرح العديد من الفلاسفة باستحالة الخرق والالتئام والنتيجة استحالة الوصول للسماء والنتيجة استحالة المعراج الجسماني لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن شاء فليراجع كلماتهم فستجد استدلالا عقليا قويا ، لكن النتيجة خاطئة بوضوح وما ذلك الا لان العقل لا يستخدم للوصول للمحسوسات وعلى انكارهم الخرق والالتئام انكروا بديهية من بديهيات الدين وهو المعراج الذي تلى الاسراء (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى)
مثال اخر:قبل حوالى 200سنة نقل لأحد الفلاسفة المشهورين ان في الغرب جهازا يوضع هنا فتنطبع صورتك انت البعيد بمجرد ضغطة زر فاقام الادلة العقلية على استحالة ذلك وكيف تقفز صورتك من هنا الى هناك ! وان هذا يلزم (الطفرة) وذلك محال عقلا واقام ادلة اخرى ,وهناك امثلة كثيرة في هذا الحقل
المنهج الثاني الذوقي العرفاني :فاستخدامه للوصول الى الحقائق العقلية ايضا خطأ فانه لا ضابطة له وقد يصيب لكن صدفة ، فليس منهجا موصلا للحقيقة كما ان المنام ليس منهجا موصلا للحقيقة وان اصاب احيانا فاستخدام المنهج الذوقي العرفاني للوصول للحقائق الغيبية والعقلية هو منشأ الخطا ايضا ومثال ذلك ما نجده كثيرا في كتب ابن عربي حيث استخدم المنهج الذوقي العرفاني حتى في مقابل بديهيات العقل ومن ذلك ما تقدم من قوله بجواز التكليف بما لا يطاق مستدلا بمكاشفة حصلت له ! مع ان هذا بحث عقلي ولا يعقل ان يكلفنا الله بما لا نطيق ثم ان لم نمتثل يعاقبنا ! فهل يعقل ان يكلفنا الله بصلاة مائة الف ركعة في اليوم –اواي حكم اخر- وان لم نفعل عاقبا ؟لكن على رأي ابن عربي يجوز ان يكلفنا بما لا نطيق وحال هذا الكلام حال من يقول بامكان اجتماع النقيضين او ان شريك الباري موجود لانه رأى ذلك في المكاشفة ! والحاصل : ان الخطأ من المنهج فهو يتصور ان الذوق او الكشف او ما يسميه الشهود ، طريق للوصول للحقائق العقلية!
المنهج الثالث: المنهج العقلي ودائرته فقط المستقلات العقلية فلا يصح ان يستخدم للوصول الى حقائق ثلاث:
(اولاً)ملاكات الاحكام ،على عكس اهل الخلاف حيث يرون ان القياس طريق لكشف ملاكات الاحكام ونحن نقول ان ملاكات الاحكام هي عند الله لا نعلمها ، الا لمحات وشذرات وبنحو المقتضي لا العلة التامة (ثانياً)شؤون الغيب بشكل عام الا المستقلات العقلية منها، اما شؤون الغيب كالحشر والصراط والميزان فالعقل المجرد لا يستطيع ان يتوغل في معرفتها الا بعض الاوليات البديهية العقلية كوجود الله وعدله و وحدانيته مثلا ، فخطأ الفلاسفة الاسلاميين غالبا يكون منشؤه من هذه القضية فكما تصوروا ان العقل طريق للطبيعيات ، والعلم الحديث كشف كثيرا من اخطائهم حتى ان بعض ما قالوه يخالف البداهة العلمية ، كما تصوروا خطأ قدرة العقل على كشف الكثير من الغيبيات مثلا مشككية الوجود وان الله هو مرتبة الوجود الاكمل الاتم لكل هذه الموجودات وان الوجودات مراتب نازلة من وجود الحق جل اسمه ، فالنتيجة ستكون الوحدة في عين الكثرة والكثرة في عين الوحدة والنتيجة وحدة الوجود ثم وحدة الموجود
نحن نقول:الخطأ المنهجي هو ان ذات الله سبحانه غائبة عنا فكيف يعقل ان يحيط بها عقلك؟ من قال ان سنخ وجود الله هو من سنخ وجودنا حتى نقول بالتشكيكية ثم الوحدة ؟ فان سنخ وجود الله مباين لوجودات خلقه تماما لأن الله عين الغنى وانا عين الفقر والله واجب الوجود بالذات وانا ممكن الوجود فلا يعقل ان يكون سنخ ما يمتنع عليه العدم هو نفس سنخ ما يتساوى اليه بالنظر لذاته الوجود والعدم .
اذن المشكلة ان الفيلسوف تصور انه بسلاح العقل يستطيع ان يستكشف الرّب تعالى فاسس على ذلك ما انهاه الى وحدة الوجود او الموجود مع بداهة بطلان ذلك اذ بناءا على قولهم باصالة الوجود فلا شيء غير الوجود فعلى القول بوحدة سنخ وجود الممكنات مع الله تعالى عن ذلك و على القول بمشككية الوجود فسيكون هناك وجود واحد ممتد ,اذن ما الفرق وما المائز بين وجودي ووجود الخالق ؟ فيجيب الفيلسوف ان الفرق في الماهية ؟ فنقول الماهية عدم محض عندك –على اصالة الوجود- اذن لافرق بيني وبينك وبين الخالق حسب كلامك فان الله لا ماهية له ، وانا ماهيتي اعتبارية اي لا وجود لها في عالم الثبوت والخارج والا للزم اصالة الوجود واصالة الماهية معا –وهو ما يرفضه القائلون باصالة الوجود قطعا- اذن لا مائز لكن الواقع اننا حقائق متباينة بالوجدان فوجودي غير وجودك وغير وجود الله
وهنا نقول :هذا خطأ منهجي ، فمن اين تعرف ان الله هو وجود شديد كشدة النور ؟ وانت الذي لا تعرف روحك ونفسك(يسألونك عن الروح قل الروح من امر ربي)فاعظم الفلاسفة لا يعرف حقيقة الروح ولا يعرف حقيقة نفسه بل ولا اجزاء بدنه فمن اين لك ان تعرف ان الله من سنخ وجودنا ؟ والعقل ليست له القابليبة على كشف ذلك فان العقل محدود والله غير محدود فكيف يكتشف غير المحدود اللامحدود ؟ والحاصل اننا نعرف ان الله موجود اما سنخ وجوده فلا طريق اليه ، والفيلسوف الذي عجز عن معرفة (الطبيعيات) فارتكب الاخطاء الفادحة كيف يستطيع معرفة الله وسنخ وجوده ؟ (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا)فحد معرفته الدنيا بل ظاهرها اما باطن الدنيا فخفي علينا فكيف بعالم الغيب ؟ مثال اخر : ان واحدة من مأسي العقل الفلسفي الذهاب الى قدم العالم بسبب التدخل و التوغل في ما ليس للعقل مجال فيه فانه لا يعرف حقيقة القديم ولا حقيقة الخالق ولا حقيقة سائر معادلاته فكيف تتحدث عن كيفية ربط القديم بالحادث مستندا للعقل المجرد ؟
والحاصل :ان المشكلة تنشأ من المنهج واقحام العقل في ما ليس له مجال فيه وهي امور او دوائر ثلاثة: ملاكات الاحكام وعالم الغيب والثالث الطبيعيات ، وللحديث صلة وتتمة تأتي ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين... |