• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 308- قاعدة (من له الغنم فعليه الغرم) .

308- قاعدة (من له الغنم فعليه الغرم)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(308)

 

(من له الغنم فعليه الغرم) دليل على غرم ذي المصلحة

مضى (ولكن الإشكال العمدة على إشكاله وغيره على المشهور هو قاعدة (من له الغنم فعليه الغرم) التي تقتضي ان تكون الخسارة كلها على ذي المصلحة في تخليص ماله وتفكيك المالين، فإذا كان مالك الدينار هو ذو المصلحة والمطالِب ولم تكن لصاحب المحبرة مصلحة في إخراج دينار الغير منها، فانه كما ان له الغنم باسترجاعها ونمائها كارتفاع قيمتها السوقية مثلاً، فعليه الغرم بدفع خسارة كسر محبرة الغير الذي توقف عليه إسترجاعها، فهل ذلك تام أم لا؟)([1]).

 

مدرك القاعدة

والعمدة هو ذكر مدرك هذه القاعدة ودليلها فانها إن كانت قاعدة مصطيدة من أبواب شتى من الفقه أو كان الدليل السيرة وبناء العقلاء، فهي على فرض تسليمها أدلة لبّية لا إطلاق لها، على انه لا سيرة ولا بناء للعقلاء إلا في موارد خاصة وربما بوجوه أخرى، والموارد المصطيدة موارد قليلة لا تصطاد منها قاعدة عامة بل ان كثرة الموارد حالها كذلك، والعمدة الاستدلال بالروايات، والروايات المستدل بها على القاعدة هي:

 

1- ((لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ))

ما نقل عنه صلى الله عليه واله وسلم ((لَا يُغْلِقِ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ))([2]).

ولكن هذه الرواية مستشكل عليها سنداً ودلالةً، اما السند فلإرسالها، واما الدلالة فلاختصاصها بالرهن ولا إطلاق في لفظها ليعم غيره إذ الضمير فيها يعود إلى الراهن ((لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ)) ومعناها ان الراهن حيث انه المالك للعين المرهونة فان منافعها له (من نمو منفصل كالولد للدابة، أو متصل كالسمن، ومن مثل ارتفاع القيمة) كما ان خسارتها عليه (كما لو نقصت قيمتها أو تلفت لا بتفريط من المرتهن فانه أمين وليس على الأمين إلا اليمين).

 

2- ((أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ احْتَرَقَتْ لَكَانَتْ مِنْ مَالِهِ))

موثقة إسحاق بن عمّار قال: أخبرني من سمع ابا عبد الله عليه السلام قال: ((سَأَلَهُ رَجُلٌ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: رَجُلٌ مُسْلِمٌ احْتَاجَ إِلَى بَيْعِ دَارِهِ، فَمَشَى إِلَى أَخِيهِ، فَقَالَ لَهُ: أَبِيعُكَ دَارِي هَذِهِ وَتَكُونُ لَكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِكَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِطَ لِي إِنْ أَنَا جِئْتُكَ بِثَمَنِهَا إِلَى سَنَةٍ أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا، إِنْ جَاءَ بِثَمَنِهَا إِلَى سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ، قُلْتُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ فِيهَا غَلَّةٌ كَثِيرَةٌ فَأَخَذَ الْغَلَّةَ، لِمَنْ تَكُونُ؟ فَقَالَ: الْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ احْتَرَقَتْ لَكَانَتْ مِنْ مَالِهِ))([3])

والرواية موثقة، ولكن المشكلة في الدلالة إذ هي في الشرط والبيع، والتعدي منهما إلى غيرهما، كالمقام([4]) الذي لا بيع فيه ولا شرط، تنقيح مناط ظني، نعم قوله عليه السلام (أَلَا تَرَى...) مشعر بالعلية لكنه لا يصلح دليلاً، بعبارة أخرى: لا شك انه حِكمة لكن من أين انه علة لتكون معمّمة؟ على انه على فرض التعميم فلا يشمل المقام إذ هي فيما كان للشيء نفع ووقعت عليه بنفسه مضرة، دون المقام الذي نشأ الضرر لا من ديناره بل من كسر محبرة غيره لإنقاذ ديناره، فتأمل.

وحاصل معنى الرواية: انه إذا استهلك المشتري الغلة، كما لو أكل الحنطة، فليس عليه ان يعيد ثمنها إلى المالك، بعد الفسخ، بدعوى انه كما أعاد الأصل فعليه إعادة المنافع، وذلك لأنها لو كانت قد تلفت في هذه المدة فانها كانت عليه([5]) وليس له ان يسترجعها من البائع، فكذلك منافعها له.

ونظير هذه الرواية: (ما رواه معاوية بن ميسرة قال: ((سَمِعْتُ أَبَا الْجَارُودِ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ بَاعَ دَاراً لَهُ مِنْ رَجُلٍ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّجُلِ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ الدَّارَ حَاضِرٌ، فَشَرَطَ أَنَّكَ إِنْ أَتَيْتَنِي بِمَالِي مَا بَيْنَ ثَلَاثِ سِنِينَ فَالدَّارُ دَارُكَ، فَأَتَاهُ بِمَالِهِ، قَالَ: لَهُ شَرْطُهُ، قَالَ لَهُ أَبُو الْجَارُودِ: فَإِنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ قَدْ أَصَابَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ قَالَ: هُوَ مَالُهُ، وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الدَّارَ احْتَرَقَتْ مِنْ مَالِ مَنْ كَانَتْ؟ تَكُونُ الدَّارُ دَارَ الْمُشْتَرِي))([6])) و(ما رواه في "دعائم الإسلام" عن أبي عبد الله عليه السلام: ((أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ دَارَهُ عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ إِنْ جَاءَ بِثَمَنِهَا إِلَى سَنَةٍ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِهَذَا، وَهُوَ عَلَى شَرْطِهِ، قِيلَ: فَغَلَّتُهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ قَالَ: لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهَا لَوِ احْتَرَقَتْ لَكَانَتْ مِنْ مَالِهِ))([7])).

 

3- ((كَذَلِكَ يَكُونُ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ لَهُ))

موثقة أخرى لاسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: ((الرَّجُلُ يَرْهَنُ الْغُلَامَ وَالدَّارَ فَتُصِيبُهُ الْآفَةُ([8]) عَلَى مَنْ يَكُونُ؟ قَالَ: عَلَى مَوْلَاهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَتَلَ قَتِيلًا عَلَى مَنْ يَكُونُ؟ قُلْتُ هُوَ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ، قَالَ: أَلَا تَرَى فَلِمَ يَذْهَبُ مَالُ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ ثَمَنُهُ مِائَةَ دِينَارٍ فَزَادَ وَبَلَغَ مِائَتَيْ دِينَارٍ لِمَنْ كَانَ يَكُونُ؟ قُلْتُ لِمَوْلَاهُ، قَالَ: كَذَلِكَ يَكُونُ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ لَهُ))([9]) والرواية كما ترى خاصة بالرهن ومرجع الضمير إليه خاصة: (يَكُونُ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ لَهُ).

 

4- ((الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ))

رواية الخراج (بالضمان)، وقد وردت بأنحاء متعددة كلها من طرق العامة، ولم ترد من طرقنا إلا ما رواه غوالي اللآلئ مرسلاً.

فقد نقلوا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ : ((أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتَغَلَّهُ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ قَدْ اسْتَغَلَّ غُلَامِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ"))([10]) ومعناها انه قبل الردّ، بخيار العيب، فكما ان ضمانه عليه (على المشتري) إذ لو تلف لكان هو الخاسر فكذلك منفعته له كما لو استغل ذلك الغلام في زراعة أو تجارة أو صناعة أو غير ذلك، والرواية وإن اشتهرت عند أهل العامة لكنها جميعاً تنتهي إلى شخص واحد هو عروة الذي يرويها عن عائشة.

نعم في عوالي اللآلئ: وروي عنه صلى الله عليه واله وسلم: ((أَنَّهُ قَضَى بِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ))([11]) وقد يقال بان الشهرة عليها وهي جابرة.

وعلى أي فالعمدة البحث في فقه الرواية فان المحتملات في معناها خمسة كما سيأتي.

 

كافة الروايات وردت في موارد خاصة

تنبيه: كافة الروايات التي ادعي استفادة قاعدة (من له الغنم فعليه الغرم) منها واردة اما في العيب أو الشرط أو الرهن، والمورد وإن كان لا يخصص الوارد لكن المشكلة في ان عمدة الروايات لا إطلاق لها، وما كان فيه مفرد محلى بـ(الـ) فهو للعهد أو محتمله كما سيأتي.                                        

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا غَرِيبٌ لَا يَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا وَلَا يُنَافِسُ أَهْلَهَا فِي عِزِّهَا)) (تحف العقول: ص370).

 

 

 

---------------------------------------------------

([1]) الدرس (307).

([2]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام ـ قم: ج1 ص221.

([3]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص171.

([4]) وهو ضمان صاحب الدينار لخسارة كسر المحبرة، وإن لم يكن مقصراً عامداً في إدخال ديناره فيها، فراجع ما سبق.

([5]) أي الخسارة عليه.

([6]) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية – طهران: ج7 ص176.

([7]) نعمان بن محمد التميمي المغربي، دعائم الإسلام، دار المعارف ـ مصر: ج2 ص44.

([8]) كما لو عمي الغلام، لا بتفريط من المرتهن، فنقصت قيمته.

([9]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص234.

([10]) محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة ( ط دار الجيل ): ح2243، ج3 ص576.

([11]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام ـ قم: ج1 ص57.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3824
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 24 جمادي الاخرة 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29