• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 465- النقض ببيع أمرين أحدهما باطل - النقض ببيع الغاصب .

465- النقض ببيع أمرين أحدهما باطل - النقض ببيع الغاصب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(465)

 

3- بيع ما يُملك وما لا يُملك بمعاملة واحدة

النقض الثالث: قال الشيخ: (وثانياً: أنّ تخلّف العقد عن مقصود المتبايعين كثير، فإنّهم أطبقوا على أنّ عقد المعاوضة إذا كان فاسداً يؤثّر في ضمان كلٍّ من العوضين القيمة؛ لإفادة العقد الفاسد الضمان عندهم فيما يقتضيه صحيحه، مع أنّهما لم يقصدا إلّا ضمان كلٍّ منهما بالآخر... وكذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة إلّا مقرونة به غير مفسد عند أكثر القدماء، وبيع ما يملك وما لا يملك صحيح عند الكلّ)([1]) ويصح قراءتها يُملَك ويَملِك على المعلوم والمجهول إذ هما مسألتان حكمهما واحد. فقد تخلف العقد عن القصد إذ كان قصده بيعهما معاً لكن الذي أمضاه الشارع ووقع هو أحدهما فقط.

 

جواب عدد من المعلقين

وأجاب عنه جمع من المعلقين بجواب موحد وننقل هنا عبارة التنقيح قال: (وأمّا النقض الثالث فهو مندفع بما سيصرّح به هو (قدّس سرّه) من أنّه ليس معاملة واحدة في الحقيقة بل هو بيعان قد أبرزهما بمبرز واحد وأنشأهما بانشاء فارد، ومعناه أبيعك الخنزير وأبيعك الشاة أو أبيعك داري وأبيعك دار غيري، والشارع قد أمضى أحدهما ولم يمض الآخر، لا أنّه أمضى المعاملة على خلاف ما قصده المتعاملان، لما عرفت من أنّ عدم الامضاء وفساد المعاملة ليس من باب التخلّف، فهناك بيعان أحدهما ممضى شرعاً دون الآخر غاية الأمر أنّه ضمّ أحدهما إلى الآخر، وهذا أيضاً ليس من موارد تخلّف العقود عن القصود كما هو في غاية الظهور)([2]).

 

المناقشة في الجواب: الصور ثلاثة

ولكن هذا الجواب مناقش فيه؛ وذلك لأن بيع ما يملك وما لا يملك بعبارة واحدة وبإنشاء واحد كقوله (أبيعك الشاة والخنزير بدينار) من حيث نوع القصد فيه على ثلاثة أنحاء:

الأول: ان يكون قصده بيع كل منهما مستقلاً لا بشرط الآخر، بحيث لو طلب المشتري أحدهما فقط لباعه، لكنه حيث طلبهما باعه كليهما بإنشاء واحد أي انه جمع الإنشائين في إنشاء تسهيلاً للأمر، فإذا كان كذلك فالأمر فيه كما ذكره.

الثاني: ان يكون قصده بيع كل منهما بشرط الآخر فيكونان ارتباطيين، فههنا يتم إشكال الشيخ (أي عدم تبعية العقد للقصد إذ انه قصد بيع كل منهما مشروطاً بالآخر لكن الشارع أمضى المشروط وهو العقد على الشاة دون الشرط وهو بيع الكلب) وقد سبق ان الشرط كيفية للعقد وليس صِرف مقارن له كي لا يرتبط بالعقد بوجهٍ، بل يكفي ان نقول: انه قصد المجموع الارتباطي ولم يُمضِ الشارع إلا أحدهما.

الثالث: ان يكون قصده بيع كل منهما مقيداً بالآخر، فحينئذٍ مقتضى القاعدة بطلان العقدين معاً، لا صحة بيع الشاة دون بيع الخنزير فلا يصح إطلاق القول بصحة بيع ما يملك، نعم لم يتبع العقد القصد من باب السالبة بانتفاء الموضوع كما سبق.

 

4- بيع الغاصب

النقض الرابع: بيع الغاصب لنفسه، قال الشيخ: (وبيع الغاصب لنفسه يقع للمالك مع إجازته على قول كثير)([3]).

 

جواب التنقيح وغيره

وأجاب عنه عدد من المعلقين بجواب واحد ونذكر هنا جواب السيدين اليزدي والخوئي، وجوهرهما واحد لكن مع فوارق سنشير إليها:

قال في التنقيح: (وأمّا النقض الرابع فهو أيضاً يندفع بما أفاده هو قدس سره في محلّه على ما سيأتي من أنّ حقيقة البيع ليست إلاّ التبديل بين المالين ولا نظر في المعاملة إلى خصوص البائع أو المشتري أبداً، فهل رأيت أن يسأل البقّال الذي تريد أن تشتري منه شيئا أنّه لمن تشتريه؟، بل هو يأخذ الفلوس ويعطي الجبن فقط .

وهذا بخلاف باب النكاح فانّ النظر فيه إلى خصوص الزوج والزوجة فلو تزوّج امرأة وحكم الشارع بأنّها صارت امرأة لرجل آخر فهو من باب التخلّف لا محالة، وعليه فالغاصب في الحقيقة إنّما بدّل المغصوب بمال آخر وقد أمضاه الشارع بعد إجازة المالك على نحو ما قصده المتعاملان، وأمّا صيرورته ملكاً للمالك أو الغاصب فهو أمر آخر، والغاصب وإن قصد كونه لنفسه إلاّ أنّه قصد فضولي وأمر على حدة خارج عن المعاملة، فلا يكون هناك تخلّف في البين أصلاً)([4]).

 

المناقشة في الجواب:

أقول: قد يناقش بوجوه، أولها مبنوي:

 

1- مبنوياً: البيع تبديل الإضافتين

الوجه الأول: ان هنالك خلافاً، سبق تفصيله، في حقيقة البيع، وإجماله: أ- ان حقيقة البيع تبديل المالين أو فقل المبادلة بين المالين، ب- ان حقيقته تبديل الإضافتين، ج- ان حقيقته تبديل المتعاقدين، وقد سبق ان المحقق النائيني قال: (ثم انك عرفت أن ههنا أموراً ثلاثة: مالك ومملوك وملكية اعني ذلك الخيط الموجود في عالم الاعتبار، وهذه الأمور الثلاثة متحققة في ملك كل واحد من الخبز والماء في المثال المتقدم (فح) يمكن في المقام أن يكون التبديل بين المالكين أو يكون بين الملكيتين أو يكون بين المملوكين:

والتبديل بين المالكين هو بإلقاء مالك الخبز مثلا طرف الخيط الاعتباري المتصل بينه وبين الخبز عن عتقه وجعله على عنق مالك الماء وكذا عكسه في مالك الماء فانه يلقيه عن عتقه ويجعله على عتق مالك الخبز هذا كله في عالم الاعتبار، وعلى هذا فالخيطان الاعتباريان باقيان بنفسهما وبطرفهما المشدود المرتبط بالمالين وانما التحويل والتبديل في الطرف المتصل بالمالك، وهذا كما في باب الإرث حيث أن الوارث يقوم مقام المورث، ويتفرع عليه أنه لو كان المال متعلقاً لحقٍ آخر يكون بما هو كذلك موروثاً، والسرّ في ذلك: هو عدم حدوث التغيير والتحويل في ناحية الملكية بل انما التبديل في طرفها المتصل بالمالك.

وأما التبديل بين الملكيتين فهو بنقل الاضافة والخيط الذى بين مالك الخبز وخبزه مكان الخيط الذى بين الماء ومالكه مع بقاء المال ومالكه على حالهما، فلو فرض حسية ذاك الخيط كان تبديله عبارة عن نقله عن مكانه الخارجي ووضعه في مكان الخيط الاخر بلا تغيير مكاني في طرفيه.

وأما التبديل بين المالين فهو برفع مالك الخبز طرف الخيط المتصل بالمال وحله عن الخبز وشده على الماء في عالم الاعتبار وكذا عكسه في مالك الماء فانه يحل الطرف المشدود من ذلك الخيط الاعتباري عن الماء ويشده على الخبز مع بقاء الخيطين على ما هما عليه وكذا طرفهما المتصل بالمالك بلا تبديل في ذلك اصلاً (ولا إشكال) في أن اعتبار البيع بحسب العرف ليس تبديل المالكين وانتقال أحدهما مكان الآخر كما كان في باب الإرث، وانما الكلام في أن الارتكاز العرفي هل هو مساعد مع الاعتبار الثاني أعني تبديل نفس الاضافتين؟ أو أنه يساعد مع الأخير اعني تبديل المملوك بالمملوك؟ فتعريفه بأنه مبادلة مالٍ بمال يتناسب مع الأخير، وأنه تمليك عينٍ بعوض يناسب مع كونه تبديل الملكية بالملكية)([5]) انتهى وقد نقلناه بطوله لفائدته.

وقد ظهر ان هذا الجواب عن إشكال الشيخ إنما يتم – لو تم – بناء على ان البيع تبديل المالين، أما لو قلنا انه تبديل المالكين فلا، واما إذا قلنا انه تبديل الإضافتين فلا يتم الجواب أيضاً إذ الإضافة قائمة بالمضاف إليه وهي إضافة بين المالك والملك فهي قائمة بهما ولا يعقل عدم تغيرها مع تغيرهما، فإذا أمضى الشارع الإضافة للمالك دون الغاصب وكان الصادر من الغاصب الإضافة إليه، فلم يتبع العقد القصد. فتأمل.

 

2- سلّمنا انه تبديل المالين، لكن المتعاقدين من أركانه

الوجه الثاني: سلّمنا ان حقيقة البيع هي مبادلة المالين، لكن أركانه ليست المالان فقط بل أركانه أربعة هي المالان (العوض والمعوض) كما سبق، والمتعاقدان، بل أركانه ستة إذ يضاف لها الإنشاءان (الإيجاب والقبول) ويدل على ذلك ان المحجور عليه لا يصح منه البيع مع ان المثمن لا مشكلة فيه كما لا مشكلة في الثمن، وإنما لا تصح مبادلة المالين نظراً لإشكال في المتعاقدين، فهما ركنان في العقد، بل حتى الفضولي والغاصب فإنما أمضاه الشارع بعد إمضاء المالك، بعد تصحيح النسبة إلى المالك الأصلي، كما يدلك على ذلك ان الشيخ في المكاسب بنى صحة البيع على تحقق شروط العقد كالتنجيز والترتيب والتطابق والماضوية والعربية، على خلاف في بعضها، وعلى تحقق شروط المتعاقدين كقصدهما لمدلول العقد والاختيار والبلوغ (أو التمييز) وعلى تحقق شروط العوضين ككونهما متمولين، مقدوراً على تسليمهما، طِلقين، معلوماً ثمنهما ومثمنهما، فكلها ذات مدخلية في العقد. فتأمل([6]).

 

أو فقل: خصوصية المشتري قد تؤخذ شرطاً أو قيداً

وبعبارة أخرى: أدق ان المعاملة قد لا يكون النظر فيها إلى خصوص البائع أو المشتري أصلاً، وهنا يتم جوابه، ولكن قد يكون للبائع نظر إلى خصوص هذا المشتري، بنحو الشرط أو القيد، بان يبيعه له خاصة ولا يبيعه لغيره بحيث إذا كان غيره المشتري لم يبع له أصلاً، أو يبيعه بسعر أغلى أو بشروط أخرى، فإذا كان ذلك كذلك وأمضى الشرع البيع دون إمضاء كونه لهذا البائع فقد تخلف العقد عن القصد وبذلك يظهر ما في قول السيد الحكيم الآتي غداً إن شاء الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((قَدْ يَكُونُ حُبٌّ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَحُبٌّ فِي الدُّنْيَا، فَمَا كَانَ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا فَلَيْسَ بِشَيْ‏ءٍ)) (الكافي: ج2 ص127).

 

 

 

--------------------------------------------------

([1]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط تراث الشيخ الأعظم: ج3 ص47-48.

([2]) الشيخ ميرزا علي الغروي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج1 ص86-87.

([3]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط تراث الشيخ الأعظم: ج3 ص47.

([4]) الشيخ ميرزا علي الغروي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج1 ص87.

([5]) الشيخ محمد تقي الاملي، تقرير بحث الميرزا النائيني، كتاب المكاسب والبيع، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: ج1  ص85-87.

([6]) سيأتي وجهه (الخلط بين حقيقة العقد وعلته الفاعلية وآلة تحققه).


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3816
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 20 جمادي الاخرة 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14