• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 461- نقض الشيخ على كاشف الغطاء بالشرط الفاسد ، والمناقشة .

461- نقض الشيخ على كاشف الغطاء بالشرط الفاسد ، والمناقشة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(461)

 

نقض الشيخ على كاشف الغطاء، بالشرط الفاسد

وقد نقض الشيخ على كاشف الغطاء بالشرط الفاسد أيضاً، في ضمن نقوض خمسة، مستدلاً بها على ان تخلف العقد عن مقصود المتابعين كثير، وعليه: فلا يصح إشكال كاشف الغطاء على رأي المشهور القائلين بان المعاطاة تفيد الإباحة مع ان البائع والمشتري قصدا التمليك والتملك (فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد) بان هذا القول مستلزم لتأسيس قاعدة جديدة؛ إذ يجاب بالنقض بالشرط الفاسد وبأمور أخرى يثبت بها ان تخلف العقد عن القصد كثير فلم يلزم من القول بتخلف المعاطاة عما قصده المتعاطيان تأسيس قاعدة جديدة) قال الشيخ: (وكذا الشرط الفاسد لم يقصد المعاملة إلّا مقرونة به، غير مفسد عند أكثر القدماء)([1]).

 

الردّ: الشرط الفاسد إن كان شرطاً لأصل العقد، فلا عقد([2]).

ولكن قد يناقش بعدم تمامية نقض الشيخ، بدعوى ان العقد لم يتخلف عن القصد إذا كان الشرط فاسداً؛ وذلك لأن الشرط الفاسد تارة يفسد صحة العقد وأخرى يفسد لزومه:

أ- فإن كان الشرط شرطاً للصحة (وهو المعبّر عنه بانه شرط لأصل العقد لأن العقد يراد به العقد الصحيح([3])) فلا عقد أصلاً كي يقال بان العقد تخلف عن القصد إذ سبق ان المراد من (العقود تتبع القصود) أي (العقود الصحيحة) فهو سالبة بانتفاء الموضوع.

 

صور للشرط المفسد لأصل العقد

والعقد المفسد للأصل يتصور في مواطن عديدة:

منها: ما كان مصداقاً لأكل المال بالباطل، وذلك كما لو باعه الخشب بشرط ان يعمله صنماً أو العنب بشرط ان يعمله خمراً، فانه شرط فاسد في نفسه ومفسد للعقد بأدلة عديدة منها قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)([4]) على التفصيل الذي حققناه سابقاً من إفادته الحكم الوضعي، وعليه الإجماع.

ومنها: ما لو علق أصل العقد عليه، بان جعل الشرط شرطاً لأصل انعقاد العقد، فان التنجيز من شرائط صحة البيع والتعليق مبطل له عند المشهور، بل لعله إجماعي؛ بدعوى ان الإنشاء لا يحتمل التعليق لأنه إيجاد والإيجاد اما متحقق منجزاً أو لا ولا يعقل تحققه معلقاً (ويجب التفريق بين التعليق في الإنشاء بمعنى تعليق الـمُنشَأ لا الإنشاء نفسه فانه ممكن بل هو واقع كما في الوصية التمليكية، وبين التعليق في نفس الإنشاء بذاته، كما في مفروض المقام فانه محال إلا ان يقال بانه اعتبار وهو خفيف المؤونة أمره بيد المعتبر. فتأمل) وذلك كما لو قال بعتك داري هذا بمليون بشرط ان تطلق زوجتك الآن، مثلاً، وإلا فلا بيع (قاصداً تعليق أصله عليه لا تعليق لزومه أو شبهه).

ومنها: ما لو كان الشرط فاسداً لجهالته وكان له عرفاً قسط من الثمن، فصار الثمن بفساد الشرط مجهولاً لسريان جهالته إليه، قال الشيخ في بحث (القول في الشرط الفاسد) أواخر المكاسب: (ولا تأمّل أيضاً في أنّ الشرط الفاسد لأجل الجهالة يفسد العقد؛ لرجوع الجهالة فيه إلى جهالة أحد العوضين، فيكون البيع غرراً)([5]) على كلام ونقاش في إطلاقه وانه ليست مجهولية الشرط موجبة لمجهولية الثمن مطلقاً إذ كثيراً ما لا يقابَل الشرط بالثمن عرفاً، نعم ذلك صحيح فيما قوبل به([6]).

 

وإن كان شرطاً للّزوم، فلم يتخلف العقد عن الشرط لأنه مطلق

ب- وإن كان الشرط شرطاً للّزوم، لا لأصل العقد فقد يقال: ان العقد تخلف عن القصد إذ انه قصد، بالشرط، جوازَه، أي ان يكون له الخيار إذا تخلف البائع، مثلاً، عن الشرط وانه إذا التزم البائع بالشرط لزم العقد وإن لم يلتزم كان جائزاً، لكن الشرط إذا ظهر فاسداً، فانه يكون؛ لفساده، كالعدم المحض فلا يوجب تخلُّفه الخيارَ، فقد تخلف العقد عن القصد إذ قصد ان لا يكون لازماً – لكنه كان لازماً شرعاً.

وأجيب بوجهين: الأول: ان العقد وقع مطلقاً وإن اشترط فيه شرطاً؛ فان الشرط التزام في التزام. الثاني: ان تخلفه وإن كان فاسداً موجب للخيار، والعقد المتزلزل هو ما قصده وقد وقع متزلزلاً.

قال في التنقيح: (وأمّا إذا كان الشرط الفاسد شرطاً للوفاء بالعقد والبقاء على الالتزام به لا لأصل العقد فكذا لا يلزم التخلّف، وذلك لأنّ العقد المقصود حينئذ مطلق وقد وقع مطلقاً، فلم يتخلّف العقد عن القصد .

ولا فرق بين الشرط الصحيح والفاسد من هذه الجهة، فالشرط مطلقاً سواء كان صحيحاً أم فاسداً إن كان شرطاً للعقد بأن كان العقد معلّقاً عليه، كان العقد باطلا للتعليق، وإن كان شرطاً للوفاء والالتزام بالعقد كان العقد مطلقاً وقد اُمضي كذلك، نعم يجب الوفاء بالشرط الصحيح لقوله صلى الله عليه واله وسلم ((الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ))([7]) ولا يجب في الشرط الفاسد لما ورد من أنّ ((شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِكَ))([8]) فيخصّص به عموم ((الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ)) ويختصّ بما لم يخالف الكتاب والسنّة، وفي كلا الشرطين الصحيح والفاسد يثبت الخيار عند تخلّفه على المختار كما سيأتي وإن كان في ثبوت الخيار مع تخلّف الشرط الفاسد خلاف)([9]).

 

مناقشة الردّ

أقول: قد يورد عليه بوجوه ثلاثة:

 

أ- العقد المشروط قد لا يكون مطلقاً لأن الشرط كيفيةٌ له

الأول: ان قوله: (لأنّ العقد المقصود حينئذ مطلق وقد وقع مطلقاً، فلم يتخلّف العقد عن القصد) يرد عليه انه لا إطلاق له؛ لأن العقد المقصود تارة يكون مطلقاً وأخرى مقيداً، وذلك لأن الأمر تابع لقصده (وهو محل البحث) فانه تارة يريد العقد بكل صورةٍ ويريد لزومه حتى لو لم يلتزم الآخر بالشرط (وفي هذه الصورة يصح كلامه H) وأخرى يريد العقد اللازم مع تحقق الشرط والمتزلزل إذا لم يلتزم بالشرط (ولعل هذا الصورة هي الغالبة ويكفي انها كثيرة، بل يكفي وقوعها ولو قليلاً) وهذه الصورة الثانية هي التي يتم بها نقض الشيخ H.

وبعبارة أخرى: تارة يعتبر المشتري الشرط كيفية للعقد أي يعتبره شرط لزومه بحيث لو لم يكن لأوقعه بثمن أقل، وأخرى لا يعتبره كيفية له بل يراه أمراً منضماً إليه فهو يريد العقد مطلقاً ويريد الشرط منظماً إليه بحيث إذا لم يتحقق الشرط لم يؤثر ذلك على إرادته العقد ولا على إرادته لزومه (كما فيما سيأتي من صورة اشتراطه ليكون له الأرش فقط لا الخيار، أو ليكون له مجرد إلزامه بالعمل بالشرط لا ليكون العقد متزلزلاً جائزاً إذ انه يريده على كل تقدير). وسيأتي مزيد تحقيق وبيان فانتظر.

تنبيه: قوله: (نعم يجب الوفاء بالشرط الصحيح لقوله صلى الله عليه واله وسلم ((الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ))) تام على ما بنى عليه، واما إذا قلنا بان الشرط كيفية للعقد فان وجوب الوفاء بالشرط غير محتاج إلى مثل ((الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ)) إذ يكفي في لزوم الوفاء به دليل العقد نفسه كـ(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعِلْمُ؟ قَالَ: الْإِنْصَاتُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الِاسْتِمَاعُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْحِفْظُ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: الْعَمَلُ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ مَهْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَشْرُهُ.))

(الكافي: ج1 ص48).

 

 

 

----------------------------------------------

([1]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط تراث الشيخ الأعظم: ج3 ص47.

([2]) فلم تنقض قاعدة العقود تتبع القصود لأنه سالبة بانتفاء الموضوع، كما سيأتي في المتن.

([3]) فإذا كان فاسداً فليس بعقد أصلاً.

([4]) سورة النساء: آية 29.

([5]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط تراث الشيخ الأعظم: ج6 ص89.

([6]) كما لو قال: بعتك داري هذه بمائة مليون على ان تُشرِف على إدارة مزرعتي عشر سنين (وكان ثمنها مائة مليون، وكان الإشراف على المزرعة عشر سنين يسوى مائة مليون مثلاً).

([7]) الشيخ الطوسي، الاستبصار، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج3 ص232.

([8]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج7 ص151.

([9]) الشيخ ميرزا علي الغروي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح المكاسب، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج1 ص86.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3802
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 13 جمادي الاخرة1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15