• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 296- لو تساوى الضرران فما المرجع ؟ .

296- لو تساوى الضرران فما المرجع ؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(296)

 

د- شمول الأدلة لحكمي الفقيهين

والحكم غير الفتوى والفرق بينهما من جهات: منها: ان الحكم إنشاء والفتوى إخبار، وعلى أي فانه حيث ان أدلة نفوذ حكم الحاكم الشرعي في الشؤون العامة، بناء على تماميتها، عامة لكل من جمع الشرائط بوِزان واحد، فلا وجه لدعوى نفوذ حكم أحدهم دون الآخر لمجرد كونه ذا سلطة ظاهرة وقوة قاهرة، فان السلطة القاهرة ليست من مرجحات نفوذ حكمه دون الفقيه الآخر الذي لا يملكها، إذ أدلة النيابة أو الولاية مطلقة ولم تقيد الولاية ونفوذ الحكم في شيء منها باستلام زمام السلطة ولا دلّ دليل على استثناء من ليست السلطنة بيده من أدلة النيابة ونفوذ الحكم، فراجع ما فصّلناه في كتاب شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية.

ولذلك فان كافة المراجع سواء الداخلون منهم في السلطة والخارجون، لهم الحق في إصدار الحكم الولوي في شؤون الحرب والسلم والمعاهدات الدولية وغيرها، ولا يحق للفقيه الحاكم منعهم بل إن حكموا أو حكم أحدهم نفذ عليه أيضاً على المشهور من نفوذ حكم السابق، نعم المنصور ان (الحكم) يعود لأكثرية شورى الفقهاء وليس لأحدهم سواء أكانت السلطنة بيده أم لا، لقوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ)([1]) وكون أدلة النيابة عامة، فاما ان لا تشملهم لدى التعارض، أو يكون المراد منها بقرينة الآية الشريفة حاكمية أكثريتهم، فالآية حاكمة على أدلة النيابة العامة كما فصّلناه في ذلك الكتاب.

 

هـ – شمول أدلة الحجية للبينتين المتعارضتين

وذلك إن لم يكن لأحداهما أحد المرجحات المنصوصة، فإن كان، كان هو الحجة وإن لم يكن فان تعدّينا إلى غير المنصوصة فكذلك، وإلا فان المحتملات هي: التساقط ولعله المشهور، أو التخيير وهو المنصور في غير الماليات([2])، وفيما لو تعارضتا في حق الشخص الواحد، لا الشخصين([3])، بالنسبة إلى كل منهما، أو القرعة لكنها تحتاج إلى عمل الأصحاب، أو قاعدة العدل والإنصاف، لكنها، على القول بها كما ذهب إليه صاحبا الجواهر والفقه، خاصة بالماليات، أو الاحتياط إن لم تتم أدلة التخيير والقرعة والعدل والإنصاف ولم يلزم منه عسر وحرج، وقد يفصّل بحسب الموارد كما هو المنصور.

ولنمثل له بما إذا عقد على احدى الاختين، فمات ولم يعلم انه تزوج أية واحدة منهما، أو تزوج بكلتيهما بنحو التعاقب ولم تعلم السابقة منهما (إذ اللاحقة باطلة) فمات، فمن هي التي عليها ان تعتد؟ ومن هي التي ترث منه؟ فقد يقال بالتفصيل بإجراء قاعدة العدل والإنصاف في الإرث، وبالاحتياط في العدة فتجب عليهما، وقد يقال بعدم وجوبها على أية واحدة منهما نظير واجدي المني في الثوب المشترك فانه لا يجب على أحدهما الغُسل رغم علمهما بجنابة أحدهما، والسرّ ان حكم الآخر خارج عن محل ابتلاء الأول فلا يتنجز العلم الإجمالي في حقه من هذه الجهة، والعدة في شأنها وحدها والجنابة في شأنه وحده، احتمال بدوي، فلا يجب الاحتياط وإن كان حسناً. فتأمل.

 

الامتنان شخصياً كان أو نوعياً، يفيد اختصاصَ لا ضرر بالأشدِّ

المطلب الرابع: ان قوله قدس سره (إذ مقتضى نفي الضرر عن العباد في مقام الامتنان عدم الرضا بحكمٍ يكون ضرره أكثر من ضرر الحكم الآخر، لأنّ العباد كلّهم متساوون في نظر الشارع، بل بمنزلة عبدٍ واحدٍ...)([4]) تامٌ صحيحٌ سواء على مبنى ان الامتنان على النوع كمجموع وان الشارع لاحظ كافة المكلفين كمكلف واحد، أم على مبنى ان الامتنان انحلالي وان كل شخص تشمله إمتنانية لا ضرر باستقلاله وبحياله، عكس ما ذهب إليه صاحب الكفاية من التفصيل بين الصورتين باختصاص ترجيح الضرر الأشد وكونه مشمولاً للاضرر دون الضرر الأخف لدى التعارض، بما لو كان لا ضرر وارداً مورد الامتنان على الأمة، دون ما لو كان وارداً مورد الامتنان على الأفراد، إذ كل فرد له حكمه حينئذٍ، وقد سبق الجواب عنه مفصلاً وإجماله انه وإن توهم ان المكلف حيث شمله لا ضرر الامتناني فله دفع الضرر الخفيف عن نفسه وإن كان يستلزم ابتلاء الآخر بالضرر الأشد، لكنه مندفع بان لا ضرر الامتناني لا يشمله مع تدافع ضرره الأقل مع ضرر الآخر الأشد وذلك لأن المشرّع الحكيم لا يعقل، وإن جعله الامتنان آحادياً، ان يعتبر حكم الضرر مرفوعاً عن ذي الضرر الأخف دون الأشد، فذلك ما تقتضيه الحِكمة، لأن عكسه ترجيح للمرجوح، فهذا في عالم الثبوت وأما في عالم الإثبات فان إطلاق الخطاب والحكم بلا ضرر منصرف عن ذي الضرر الأخف إلى ذي الضرر الأشد فيشمل الأخير دون الأول بل انه ليس في مقام البيان من جهته، فراجع ما سبق.

 

المرجع لدى تساوي الضررين، العمومات وإلا فالقرعة

وقال الشيخ: (ومع التساوي فالرجوع إلى العمومات الأخر، ومع عدمها فالقرعة).

ومقصوده H انه مع تساوي الضررين بالنسبة إلى المكلفين فالمرجع العمومات الأخر، والمراد بها مثل دليل السلطنة ومثل دليل لا حرج ومثل دليل الإكراه والتقية وشبه ذلك، ومثال الأول هو الصورة الثالثة التي كانت مورد البحث فان تصرف المالك في داره لو كان مضراً بجاره وكان عدم تصرفه مضراً به هو، وكان الضرران متساويين، فان لا ضرر لا تشمل أياً منهما أو تشملهما معاً ويتكافئان فيتساقطان فيرجع إلى دليل السلطنة فللمالك ان يتصرف في ملكه حينئذٍ لأنه مسلط على ماله والمانع إنما كان لا ضرر ولا ضرار وقد سقط عن المانعية الفعلية بالتعارض، وقد سبق تفصيل الكلام حوله وسبق المختار فراجع.

والثاني: كما لو تساوى الضرران بالنسبة للشخصين ولكن كان أحدهما يقع في حرج أيضاً إضافة إلى الضرر، فان لا ضرر لا تُسعِف أياً منهما حينئذٍ إذ يتعارض الضرران فيرجع إلى لا حرج مع تحققه في أحدهما دون الآخر، وهكذا حال الإكراه والتقية، مما سبق بيانه وبيان المختار فيه.

ولكن كلام الشيخ تامٌ وغير تامٌ: فانه تامٌ على مبنىً وغير تامٍ على مبنىً آخر وسيأتي بيانه بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الباقر عليه السلام: ((وَاطْلُبْ رَاحَةَ الْبَدَنِ بِإِجْمَامِ الْقَلْبِ، وَتَخَلَّصْ إِلَى إِجْمَامِ الْقَلْبِ بِقِلَّةِ الْخَطَإِ، وَتَعَرَّضْ لِرِقَّةِ الْقَلْبِ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ فِي الْخَلَوَاتِ، وَاسْتَجْلِبْ نُورَ الْقَلْبِ بِدَوَامِ الْحُزْنِ)) (تحف العقول: ص284).

 

 

 

-------------------------------------------------------------

([1]) سورة الشورى: آية 38.

([2]) إذ فيها تجري قاعدة العدل والإنصاف.

([3]) إذ لو تعارضتا في الشخصين فلكل منهما إجراء البراءة عما يلزمه لو لم يكن للبينة معارض.

([4]) الشيخ مرتضى الانصاري، رسائل فقهية، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ص125.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3795
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 8 جمادي الاخرة 1441 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15