• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 275- اقوال اخرى في معنى لا ضرار - السيد العم: لاضرار شامل لكل المعاني .

275- اقوال اخرى في معنى لا ضرار - السيد العم: لاضرار شامل لكل المعاني

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(275)

 

وهذا الرأي السابع في معنى باب المفاعلة، سبق إليه المحقق العراقي إذ يقول في قاعدة لا ضرر (واما الثاني: فهو مصدر المفاعلة، ولا يلزم فيها صدور المبدأ من الطرفين بل مُطلق التكرار يصحّح صِدق هذه الهيئة، كما ترى في صدق المسافر والـمُعالج. فهو كناية عن الإصرار على الضَرَر)([1]) وهو كما ترى نص في المقصود، نعم طوّره السيد السيستاني بذكر الكبرى الكلية الصرفية التي ذهب إليها خلافاً للمشهور.

 

8- الضِرار المجازاة على الضرر

المعنى الثامن: وقد فسّر (ضِرار) في بعض كتب اللغة بـ(المجازاة على الضرر)، كما قاله ابن الأثير في النهاية (والضِّرَار: فِعال، مِنَ الضَّرّ: أَيْ لَا يُجَازِيهِ عَلَى إِضْرَاره بِإِدْخَالِ الضَّرَر عَلَيْهِ)([2]) ولعلّه فسّره به بلحاظ الجملة لا بلحاظه بما هو، وعلى أي فالمجازاة على الضرر تنقسم إلى الجائز والمحرم فان القصاص جائز وكذا رد الاعتداء بالمثل، بل قد يقال بان الأصل في المجازاة بالمثل الجواز والخارج خارجٌ بالدليل الخاص أو باشتراط معين من الشارع (ككون القصاص أو التقاص باستئذان الحاكم الشرعي على رأي)، كما انه بعيد عن مورد رواية سمرة، بل على الضد منه، وعن سياقها.

 

9- الضِرار التصدي للضرر

المعنى التاسع: ما نقل عن المحقق الاصفهاني من ان (الضِرار) هو (التصدي للضرر لا مطلق الضرر) مستشهداً بموارد استعماله في القرآن الكريم كـ(يُخادِعُونَ اللَّهَ)([3]) و(شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ)([4]) و(يُقاتِلُونَ في‏ سَبيلِ اللَّهِ)([5]).

والإشكال عليه واضح مما مضى، وإجماله: أن الاستعمال أعم من الحقيقة وان إرادة التصدي من (يُخادِعُونَ اللَّهَ) و(شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وأشباههما إنما هو لقرينة المتعلَّق والقطع بان الله تعالى لا يمكن خداعه ولا مشاقّته على وجه الحقيقة فذلك أوجب التجوز فيه بإرادة التصدي مع ان عناوين الأفعال ظاهره في الفعلية لا التصدي لها، وان بعض الموارد إنما استفيد منه التصدي أو السعي، من خصوصية المادة (المبدأ الجلي فيما نرى، أو الخفي على الرأي الآخر) كما في (يُقاتِلُونَ...) فتدبر.

 

10- (ضِرار) مجهول المعنى فالمراد كل المعاني الممكنة

المعنى العاشر: ما ذهب إليه السيد العم (دام ظله) وهو مبتني على مقدمات:

 

أ- عُرفُنا جاهل، بمعنى الضِرار وحدوده

الأولى: ما ذكره بقوله: (أقول: أمّا الضرر: فانّ له مفهوماً عرفياً في زماننا، وبمعونة استصحاب عدم النقل – الامارة العقلائية – يحمل في عصر المعصومين عليهم السلام على هذا المعنى، وهو المتبع في الأحكام المترتبة على "الضرر" شرعاً سعة وضيقاً حتى ولو خالف اللغة، لتقدم العرف عليها – كما حقق في مباحث الألفاظ –

وأما الضرار: فان العرف في زماننا لا يعرف معناه وحدوده، لقلة استعماله، ولذا ينحصر – ولو للانسداد على قول غير منصور عندنا – طريق استكشاف معناه المتداول في عهد الشارع في استطراق باب اللغة، فانها امارة عند فقدان العرف)([6]).

وبعبارة أخرى: ان معنى الضرار في زماننا مجهول للعرف، لندرة استعماله، وحيث جُهل، جهلنا معناه إذ الأذهان مرائي للعرف في ما يفهم من الكلمات وما يراد منها، وانما نفهم معانيها من تكرر سماعنا لاستعمال العرف لها، فالطفل – مثلاً – منذ ولادته يسمع أباه وأمه وأخاه وزميله وغيرهم يستعملون هذا اللفظ في هذا المعنى وذاك في ذلك المعنى وهكذا.. فكلما وجدهم يستعملونه فيه بقرينةٍ عرف انه مجاز([7])، وإذا وجدهم يستعملونه فيه بلا قرينة مقالية أو حالية عرف انه حقيقة، فهذا طريق تعليم أطفال العالم اللغات، ثم تبدأ مرحلة التعلم بالمدرسة أو عبر مطالعة كتب اللغة وغيرها.

وأما الضرار فان أعرافنا لا تستعمله إلا نادراً لذا فقد انسد طريقنا إلى معرفته عبر العرف وعبر الرجوع إلى ارتكازنا، لأن ارتكازنا كما سبق يتولّد من كثرة سماع العرف واستعمالاته، وحيث انسد هذا الباب فيبقى لنا الرجوع إلى باب اللغة واللغويين، ويكون قولهم حجة، على الانسداد، من باب الظن المطلق، نعم المنصور ان قول اللغوي حجة من باب الظن الخاص كما حققناه في السابق وكما عليه مشهور من سبق المحقق النائيني، وإن كان العرف مقدماً عليه لدى التعارض.

 

ب- وأهل اللغة اختلفوا فيه

الثانية: ان أهل اللغة اختلفوا في معنى الضرار (وحيث إن اللغة اختلفت في تفسير الضرار، فقد يقال: ان مقتضى الجمع – لعدم التنافي الموجب للتساقط – هو: اعتبار كل المعاني المذكورة، معاني للضرار مستقلاً، أو كالكلّي والمصاديق)([8]).

 

المحتملات الثلاث في معنى ضِرار

وبعبارة أخرى مع إضافة: ان المحتملات في المعاني المتعددة التي ذكرها اللغويون للضِرار ثلاثة: انها على نحو الاشتراك اللفظي بان تكون ضِرار موضوعةً بوضع على حده لكل معنى من تلك المعاني، أو انها على نحو المشترك المعنوي بان تكون ضِرار موضوعة للجامع بين كل تلك المعاني، أو ان احدها هو الموضوع له الحقيقي والبقية مجازات، فهذا حسب المشهور لكن المنصور انتفاء الأخير لما حققناه سابقاً من ان دأب اللغوي ذكر المعاني الحقيقية فقط وانه لا يذكر المعاني المجازية إلا نادراً جداً (ولذا لا نجده يذكر من معاني القمر الوجه المنير أو من معاني الأسد الرجل الشجاع مثلاً) غاية الأمر ان يفسروا بالأعم أو الأخص من الموضوع له ولا غير، وعلى أي فعلى المشهور فالاحتمالات ثلاثة.

 

فالبحث صغرى (تعارض الأحوال)

إذا اتضح ذلك نقول: ان ذلك يدخل في مبحث تعارض الأحوال وقد كان من مباحث الأصول المهمة فلاحظ القوانين وما سبقه، ثم ألغاه الأصوليون إلا إشارة إذ لم يحرزوا وجود أصل مرجعي يعتمد عليه فيها إذا لم يعلم حال الوضع وانه بأي الأنحاء الثلاثة.

 

نتيجة البحث

والجامع: أ- انه إن علم انه بنحو المشترك المعنوي شمل المعاني العشرة كلها([9]).

ب- وإن علم أيها الحقيقة وأيها المجاز كانت هي المرادة.

ج- وإن علم الاشتراك اللفظي فان قيل باستحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى فلا يعقل إرادتها جميعاً وحيث لم يتحدد المراد كان مجملاً فان كان لها قدر متيقن خصه الحكم، وإن قيل بإمكانه فانه لا ينفع لدعوى ان كل المعاني مرادة لأن الإمكان أعم من الوقوع.

لا يقال: الدليل تعلق (لا) بـ(ضِرار) من غير قرينة على التخصيص باحد المعاني.

إذ يقال: صِرف تعلق النفي أو النهي بلفظٍ وضع لمعانٍ متباينة بأوضاع متعددة، لا يولِّد ظهوراً عرفياً في إرادتها جميعاً، إذ كما يحتمل إرادة هذا ويحتمل إرادة ذاك أو ذياك يحتمل إرادتها جميعاً، وصرف عدم وجود القرينة المعيِّنة لا يوجب الظهور العرفي في إرادة الأعم ولا تكفي صلاحية الجامع العنواني وهو لفظ الضرر بنفسه لصنع الظهور مع كون الحكم منصبّاً على الطبيعي أو على اللفظ بما هو مرآة لهذا الطبيعي أو ذاك. فتأمل

د- واما لو تردد بين الثلاثة فلا أصل يرجع إليه كما سبق، وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

عن علي بن الحسين عليه السلام قال: ((كَانَ آخِرَ مَا أَوْصَى بِهِ الْخَضِرُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام أَنْ قَالَ لَهُ: لَا تُعَيِّرَنَّ أَحَداً بِذَنْبٍ، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ: الْقَصْدُ فِي الْجِدَةِ، وَالْعَفْوُ فِي الْمَقْدُرَةِ، وَالرِّفْقُ بِعِبَادِ اللَّهِ، وَمَا رَفَقَ أَحَدٌ بِأَحَدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا رَفَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرَأْسُ الْحِكَمِ مَخَافَةُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى)) (الخصال: ج1 ص111).

 

 

------------------------------------------------

([1]) قاعدة لا ضرر ولا ضرار، السيد مرتضى الموسوي الخلخالي، تقرير أبحاث المحقق العراقي، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي – قم: ص130ـ131.

([2]) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت،  ج3 ص81.

([3]) سورة البقرة: آية 9.

([4]) سورة الأنفال: آية 13.

([5]) سورة التوبة: آية 111.

([6]) السيد صادق الحسيني الشيرازي، بيان الأصول: الناشر: جلال الدين، مركز التوزيع: دار الأنصار ـ قم: ج5 ص33-35.

([7]) وإن كانت قرينة معينة فمشترك لفظي.

([8]) السيد صادق الحسيني الشيرازي، بيان الأصول: الناشر: جلال الدين، مركز التوزيع: دار الأنصار ـ قم: ج5 ص34.

([9]) باستثناء البعض – كرأي الأصفهاني – فتدبر.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3738
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 28 ربيع الاخر 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14