• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 258- الوجه في اعتبار الفقهاء عنواناً حكمةً او علةً .

258- الوجه في اعتبار الفقهاء عنواناً حكمةً او علةً

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(258)

 

الأذكرية حِكمة للـمُضِيِّ أو تمام الموضوع؟

والحاصل: ان المستظهر من مبنى الميرزا النائيني انه يرى كون (الأذكرية) علّةً لا حكمةً وانها دائرة مدار الشخص لا النوع، وانها امارة كاشفة عن الواقع والشرع تمّم كشفها باعتباره إياها حجة، عكس المحقق العراقي الذي اعتبرها (حِكمة للجعل، لا موضوعاً له) قال: (أقول: على تقدير هذه الغلبة ظهور اخباره المأخوذ في موضوعها الشك ينادي بإلغاء جهة كشفه؛ وما في بعض الأخبار: من التعليل بالأذكرية، محمول على بيان حكمة الجعل، لا انه موضوع الجعل تتميم كشفه، بقرينة الأخبار الاخر الظاهرة في كونها في مقام التعبّد بوجود المشكوك في ظرف الشك؛ كما لا يخفى)([1]).

فانه لو كانت الأذكرية موضوعاً (أي تمام الموضوع) كانت علّة لثبوت الحكم كأن يقال: (الأذكر يمضي في صلاته ولا يأتي بالجزء المشكوك وجوده أو صحته، بعد دخوله في جزء آخر) فـ(الأذكر) تمام الموضوع على رأي الميرزا وهو جزء الموضوع على رأي العراقي وهذا شأن الحِكمة وذاك شأن العلّة، كالاستبراء للرحم فانه جزء العلّة لثبوت حكم العِدّة([2]).

 

الحرج في الشبهة غير المحصورة حِكمة أو علّة؟

العنوان السادس: (الشبهة غير المحصورة) فان المشهور عدم تنجز التكليف فيها، وقد استدل لذلك بأدلة منها الإجماع والضرورة وغير ذلك مما ليس الكلام فيه الآن، إنما الكلام فيمن استدل بدليل الحرج لثبوتها فانه عليه يلزم أن يدور تنجزها وعدمها مدار الحرج الشخصي وعدمه، فمن كان تجنّب أطراف هذه الشبهة غير المحصورة (كإناء نجس بين ألف إناء أو امرأة محرمة عليه بين مائة ألف امرأة) حرجياً عليه لم يجب عليه الاجتناب، ومن لم يكن حرجياً عليه وجب عليه الاجتناب لأن دليل (لا حرج) شخصي أي المناط فيه الأشخاص، فإن قال قائل بانه في الشبهة غير المحصورة مثلاً نوعي وان المدار حرج النوع وإن لم يكن للشخص حرجياً، احتاج إلى الدليل، فما هو الدليل؟

 

اليقين والشك في الاستصحاب، علّة، شخصية

العنون السابع: (اليقين والشك) في الاستصحاب فانه شخصي أي المدار حصول الشك للمكلف نفسه بعد حصول اليقين له سابقاً، وليس المدار حصول اليقين والشك لاحقاً، للنوع؛ فان كافة الناس لو حصل لهم يقين فشك في أمرٍ، دون زيد، فانهم يجرون الاستصحاب دونه، ولذلك فان المرجع ليس حتى يقين مرجع تقليده وشكّه، ولذا لو تيقن المكلف ثم شكّ ببقاء زوجيتها له مثلاً أجرى الاستصحاب، ولا يصح للمرجع ان يأمره بعدم إجراء الاستصحاب (إلا بإزالة شكّه، فيخرج عن كونه شاكاً مسبوقاً باليقين) إذا كان المجتهد شاكاً في زوجيتها له ولكن من دون ان يسبقه يقين بزوجيتها له، أو كان متيقناً بزوجيتها الآن أو عدمها، فان لكلِّ مكلَّفٍ حكمُهُ التابع لتحقق موضوعه فيه.

وذلك نص لسان الروايات التي جعلت المدار يقين المكلف وشكّه كقوله عليه السلام في صحيحة زرارة ((لِأَنَّكَ كُنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ طَهَارَتِكَ ثُمَّ شَكَكْتَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَنْقُضَ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ أَبَداً))([3])

 

التقية شخصية أو نوعية؟ حِكمة أو علّة؟

العنوان الثامن: (التقية) فان التقية (شخصية) دون شك أي المدار فيها، الضرر المتوجه للمكلف نفسه، فإذا كان الضرر من عدم التكتف مثلاً متوجهاً لغالب المكلفين بل لعامتهم، دون زيد، وجب عليهم التكتف دونه، وبالعكس فانه إذا توجه الضرر إلى زيد خاصة (كما لو كان هو دون غيره في حالة تقية) فانه يحل أو يجب عليه دونهم، والروايات ظاهرة في ان المدار الشخص نفسه ومنها قوله عليه السلام: ((التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ ضَرُورَةٍ وَصَاحِبُهَا أَعْلَمُ بِهَا حِينَ تَنْزِلُ بِهِ))([4]) فكل شخص وضرورته.

ومن اللطيف الإشارة إلى أن الضوابط الشرعية الملقاة للرواة تارة تكون مما تحتاج إلى إعمال اجتهاد وفكر، وهذه ملقاة للمجتهدين، وتارة تكون مما لا تحتاج إلى فكر واجتهاد وهذه ملقاة لعامة الناس وحيث ان (التقية) هي مما قد يبتلى به كل مكلف في ظروف شتى وكثيراً ما لا يمكنه ان يرجع إلى المجتهد فيها لذلك اعطى الإمام عليه السلام الضابط السابق الواضح لكل مكلف، فهذا هو النوع الأول من التقية، وهو شخصي.

ولكن هناك نوع آخر من التقية هو (تقية النوع) وثالث هو (التقية على النوع) و

والثاني نوعي كأسمه، والثالث شخصي وإن كان متعلَّقه أي الـمُتقَى عليه النوع وسيأتي إيضاحه بإذن الله تعالى، فما السر في عدّ النوع الأول والثالث شخصيين دون الأوسط؟ ولما ذكر تتمات ستأتي إن شاء الله.

 

الضابط العام في تمييز العلّة عن الحكمة

ولنذكر الآن الضابط العام لتمييز العلّة عن الحكمة ومعرفة وجه عدّ ما كان ظاهره إنه علّة، حِكمةً، فنقول: إن ما كان ظاهره انه علّة، لا بد ان يحمل على كونه حِكمة إذا أضافت روايات أخرى إليه قيوداً مخصصة، أو ما إذا عمّمته لغير مورد تحقق تلك الحكمة.

 

في روايات الشفعة: تقييدات الروايات تفيد ان (لا ضرر) حِكمة

ومن ذلك روايات الشفعة فانه وإن كان لسان (لا ضرر ولا ضرار) في روايات الشفعة نفس لسان (لا ضرر ولا ضرار)، في رواية سمرة (إذ النص هو نفسه بلا أدنى تغيير) لكن الفقهاء ابقوا رواية سمرة على ظاهرها لعدم مجيء رواية أخرى مفصّلة ومقيّدة أو معمِّمة، عكس رواية الشفعة إذ وردت روايات أخرى عديدة مقيِّدة لها بما يُخرج (لا ضرر) الوارد في رواية النبي صلى الله عليه واله وسلم عن كونه حِكمة إلى كونه علّة.

فلاحظ الروايات التالية بالقيود التي هي فيها: (عن الإمام الصادق عليه السلام ((عَنِ الشُّفْعَةِ لِمَنْ هِيَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْ‏ءٍ هِيَ؟ وَلِمَنْ تَصْلُحُ؟ وَهَلْ يَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ شُفْعَةٌ؟ وَكَيْفَ هِيَ؟ فَقَالَ: الشُّفْعَةُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْ‏ءٍ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ مَتَاعٍ إِذَا كَانَ الشَّيْ‏ءُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا غَيْرِهِمَا فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، فَشَرِيكُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى الِاثْنَيْنِ فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ))([5]).

وما يفهم من خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام: ((قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالْمَسَاكِنِ، وَقَالَ: لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ، وَقَالَ: إِذَا رُفَّتِ الْأُرَفُ وَحُدَّتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ))([6])

وخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم: لَا شُفْعَةَ فِي سَفِينَةٍ وَلَا فِي نَهَرٍ وَلَا فِي طَرِيقٍ وَلَا فِي رَحًى وَلَا فِي حَمَّامٍ))([7])

وخبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((لَيْسَ فِي الْحَيَوَانِ شُفْعَةٌ))([8]) والمرسل في الكافي: ((أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ فَقَطْ))([9]) المنجبر بما عرفت من الشهرة بين المتأخرين بل إطباقهم، بل قد سمعت حكايتها على الإطلاق.

وقول الصادق عليه السلام في خبر عبد الله بن سنان: ((لَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ إِلَّا لِشَرِيكَيْنِ مَا لَمْ يُقَاسِمَا فَإِذَا صَارُوا ثَلَاثَةً فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ شُفْعَةٌ))([10]) )([11]).

وهذه الروايات وغيرها صريحة في اشتراط شروط في ثبوت حق الشفعة، ومنها: ان يكونا شريكين لا أكثر، مع انهم لو كانوا أكثر فكثيراً ما يتضرر الشريكان ببيع الثالث حصته لرابع، ومنها: ان يكون بيعاً خاصة، مع ان الضرر قد يكون في مصالحة الشريك حصته مع ثالث أو هبته لحصته أو جعالته له أو إيجاره له، ومنها: ان تكون الحصة مشاعة، مع ان المفروزة أيضاً قد ينجم منها الضرر كما إذا كان الشريك الجديد مضاراً للشريك القديم. وللبحث صلة وتتمات فأنتظر.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

عن علي بن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: ((سَأَلْتُهُ عَنِ الْعُجْبِ الَّذِي يُفْسِدُ الْعَمَلَ؟ فَقَالَ: الْعُجْبُ دَرَجَاتٌ: مِنْهَا أَنْ يُزَيَّنَ لِلْعَبْدِ سُوءُ عَمَلِهِ فَيَرَاهُ حَسَناً فَيُعْجِبَهُ وَيَحْسَبَ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعاً، وَمِنْهَا أَنْ يُؤْمِنَ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ فَيَمُنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ الْمَنُّ)) (الكافي: ج2 ص313).

 

 

-----------------------------------------------

([1]) الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني، فوائد الأصول، مؤسسة النشر الإسلامي: ج4 ص618.

([2]) يقال مثلاً: (المستبرئةُ رحمَها أو المسترابة تعتدّ، أو استبراء الرحم "أي طلب براءته من الحمل.." موضوع وجوب العدّة، أو جزء موضوعه، والأول على العلّية والثاني على كونه حِكمة).

([3]) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص421.

([4]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص219.

([5]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص281.

([6]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص280.

([7]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج3 ص78.

([8]) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج7 ص165.

([9]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص281.

([10]) المصدر نفسه.

([11]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت: ج37 ص242.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3686
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 27 ربيع الاول 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15