• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 425- تحقيق ان (بينكم) متعلق بــ(اموالكم) دون (تأكلوا) .

425- تحقيق ان (بينكم) متعلق بــ(اموالكم) دون (تأكلوا)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(425)

 

قوله تعالى (بَيْنَكُمْ): حال من (أَمْوالَكُمْ)

سبق (الثاني: ان الظاهر ان (بَيْنَكُمْ) ظرف متعلق بـ(أَمْوالَكُمْ) أو فقل هو قيد له وليس ظرفاً متعلقاً بـ(تَأْكُلُوا) وقيداً له ليفيد ما قاله المحقق الاصفهاني قدس سره من ان الأكل اثنيني وانه تواكل (أي أكلٌ من هذا وأكلٌ من ذاك مقابلاً له) أي انه يفيد المعاملة المعاوضية إذ أفاد الأكل التعاوضي، والمراد (أموالكم كائنةً بينكم([1]) أو (أموالكم حالة كونها بينكم) فعلى هذا: المراد ان أموالكم التي هي بينكم لا تأكلوها، وأكل هكذا أموال أعم من الأكل الطرفيني ومن الأكل من طرف واحد)([2]) ومزيد تحقيق ذلك وبرهانه في المطالب التالية:

 

تعريف الحال

الأول: ان الحال عرّف بـ:

الحال وصف، فضلة، منتصبُ                مفهم في حال كفردا أذهب‌

والمراد به الأعم من الوصف والوصف التقديري أي ما يُؤَوّل به كـ(فَانْفِرُوا ثُباتٍ)([3]) فانه مؤوّل بـ(متفرقين) والمراد بالفضلة: ما كان بعد انتهاء الجملة، لا انه مستغنى عنه إذ كثيراً ما لا يكون مستغنى عنه بل يفسد الكلام بدونه كقوله تعالى: (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً)([4]) و(إنما الميت من يعيش كئيباً...).

 

أنواع الحال

الثاني: ان الحال قد يكون حالاً من الفاعل، وأخرى: حالاً من المفعول، وثالثة: حالاً منهما، ورابعة: حالاً من المضاف إليه في صور ثلاث فقط([5])، وأمثلتها: جاء زيد راكباً أو مسرعاً، رأيت العدو منهزماً أو ضربت اللص مخزِيّاً أو مكتوفاً، وصافحت علياً مبتهجين، والرابع كـ: (وَنَزَعْنا ما في‏ صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً)([6]) و(أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهيمَ حَنيفاً)([7]) و(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَميعاً)([8])، ولو قلت مثلاً: (إلينا مصيركم جميعاً) أمكن بدواً ان يكونَ جميعاً حالاً من الضمير المضاف إليه، كما هو مقتضى قاعدة الأقرب، وان يكون حالاً من الضمير المجرور لكنه يعتمد على القرينة. فتأمل

 

الظرف والجار والمجرور يقعان موضع الحال

الثالث: ان (بَيْنَكُمْ) هو ظرف في موضع الحال لأموالكم أو لتأكلوا، على الخلاف السابق، ولا خلاف ظاهراً بين النحاة ممن تطرقوا للآية الشريفة([9]) في انها في موضع الحال في الآية الشريفة إنما الخلاف في ان ذيها هو (أَمْوالَكُمْ)كما قلنا أو (تَأْكُلُوا) كما قال الاصفهاني.

والقاعدة العامة: ان موضع الحال قد تجئ جملة وقد تجئ ظرفاً أو جار ومجرور، ومن الأول: ما قاله في الألفية:

وموضِعَ الحالِ تجى‌ء جملة             كـ(جاء زيد وهو ناوٍ رِحله)

ومن الثاني: (رأيت الهلال بين السحاب) أي حال كونه بين السحاب، و(رأيت زيداً فوق السطح).

ومن الثالث: رأيته في حديقته، ضربته في وسط عشيرته وهما حال من المفعول و(فَخَرَجَ عَلى‏ قَوْمِهِ في‏ زينَتِهِ)([10]) وهو حال من الفاعل.

وإنما قيل موضع الحال لأن الظرف والجار والمجرور متعلقان بمحذوف وجوباً هو الحال كـ(كائناً أو مستقراً أو متواجداً أو شبه ذلك).

 

(بَيْنَكُمْ) حال من (أَمْوالَكُمْ) لا من (تَأْكُلُوا) إلا بتأويل

الرابع: ان (بَيْنَكُمْ) في الآية الشريفة يمكن ان يقع حالاً (أي في موضع الحال) من المفعول وهو أموالكم، وهو ما استظهرناه أي (أموالكم حالة كونها بينكم، لا تأكلوها) ولكن لا يمكن ان تقع موقع الحال من الفاعل وهو الضمير المستتر في (تَأْكُلُوا) إذ لا معنى أبداً لتقييد الفاعل بـ(بَيْنَكُمْ) أي لا تأكلوا أنتم وأنتم بينكم! أو والحال أنكم بينكم!

لا يقال: يمكن ان يكون (بَيْنَكُمْ) حالاً (أي في موضع الحال) من (تَأْكُلُوا) ـ كما استظهره الاصفهاني؟

إذ يقال: الفعل لا يقع أبداً ذا الحال بل ذو الحال هو أحد الاربعة المذكورة في المطلب الثاني وشبهها، غاية الأمر ان يؤول (تَأْكُلُوا) بالمصدر، أي لا تأكلوا أكلاً بينكم([11])، والسبب في امتناع كونه قيداً للفعل واضح وهو ان القيد (وهو الظرف وهو بينكم) لا يصلح بوجهٍ ان يكون قيداً للهيئة في الفعل([12]) بل إن كان فهو قيد للمادة وهي الأكل ولا غير.

الثمرة:

وعليه: فلا بد من ارتكاب تأويل في (تَأْكُلُوا) ان عددناها ذا الحال لـ(بَيْنَكُمْ)، عكس (أَمْوالَكُمْ) إن عددناها ذا الحال فانها لا تحتاج إلى تأويل (وحاجتها لمقدر محذوف حتمي مسلّم في كل حال فلا مؤونة زائدة فيه) على انه لو قيل بحاجة هذا لتأويلٍ وذاك لتقديرٍ فان مرجّح كون أموالكم ذا الحال هو أقربيته والأقرب يمنع الأبعد. فتدبر

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((لَا يَذُوقُ الْمَرْءُ مِنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: الْفِقْهُ فِي الدِّينِ، وَالصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَحُسْنُ التَّقْدِيرِ فِي الْمَعَاشِ)) (قرب الإسناد: ص46).

 

 

--------------------------------------------------------------

([1]) ومرجعه إلى (أموالكم الكائنة بينكم).

([2]) الدرس (424).

([3]) سورة النساء: آية 71.

([4]) سورة الإسراء: آية 37.

([5]) وهناك غير هذه الصور الأربع.

([6]) سورة الحجر: آية 47.

([7]) سورة النحل: آية 123.

([8]) سورة يونس: آية 4.

([9]) ممن وجدت كلماتهم.

([10]) سورة القصص: آية 79.

([11]) أو أكلاً كائناً بينكم.

([12]) من غير فرق بين القول بكون بينكم حالاً كما هو الصحيح، أو القول بغيره مهما كان لأنه تابع على أي تقدير.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3674
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 20 ربيع الاول 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14