• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 247- مناقشة لزوم فقه جديد من عموم لاضرر .

247- مناقشة لزوم فقه جديد من عموم لاضرر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام  على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(247)

 

إشكال الجواهر بلزوم فقه جديد من عموم لا ضرر

سبق البحث عن الأدلة على شمول لا ضرر للعدميات والأحكام الوضعية والمناقشات والأجوبة والردود، وبقي الكلام في الإشكالات العامة فنقول:

أشكل صاحب الجواهر على القول بشمول بـ(لا ضرر) للعدميات (أعدام الأحكام، والأحكام العدمية) والوضعيات، بان القول بها يستلزم تأسيس فقه جديد، قال في الجواهر (كما أن قاعدة نفي الضرر والضرار وغيرها مما ذكره([1]) من الآيات لو اقتضت الضمان على وجه يشمل الفرض، لاثبتت فقهاً جديداً ضرورة اقتضائها الضمان بالمنع عن العمل، أو بالمنع عن الانتفاع بماله، وغير ذلك مما عرفت عدم القول به من العامة الذين مبنى فقههم على القياس والاستحسان، فضلاً عن الإمامية الذين مبنى فقههم على القواعد المقررة الثابتة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام)([2]).

 

كلام النائيني في لزوم تأسيس فقه جديد

وقد تبعه على ذلك الميرزا النائيني مع تطويره بما قواه وبضم وجه آخر إليه فقال (وليس للمجتهد ان يحكم بحكم لولاه لزم الضرر؛ فان تشريع الأحكام النوعية للمصالح الاتفاقية وظيفة الشارع، وهو الذي يليق به أن يشرّع العِدَّة لئلا يلزم اختلاط المياه)([3]) وسيأتي بحث هذا الوجه.

وقال: (ثم ان هذا كلّه مضافاً إلى أنّ الإلتزام بهذا مستلزم لتأسيس فقه جديد، لأنه لو وجب تدارك كل ضرر، فلو كان هناك إنسان صار سبباً له فالضمان عليه، وإلا فمن بيت المال.

ويلزم كون أمر الطّلاق بيد الزوجة، لو كان بقاؤها على الزوجية مضرّاً بها، كما إذا غاب عنها زوجها، أو لم ينفق عليها لفقر أو عصيان ونحو ذلك)([4]).

 

المناقشات: كبرىً: تحقيق معنى (فقه جديد)

أقول: لا بد من تنقيح حال الكبرى ومدى مسلميتها ثم تحقيق حال الصغرى:

أما الكبرى وهي (بطلان تأسيس فقه جديد) والتي اعتبرها المحذور اللازم من القول بعموم لا ضرر، فان الذي ينبغي هو تنقيح المراد بـ(تأسيس فقه جديد) ليظهر انه باطل أو لا.

 

المعاني الستة لتأسيس فقه جديد

فان تأسيس فقه جديد يمكن ان يراد به أحد المعاني الستة الآتية: انه فقه وفتوى (أو حكم) لم يفتِ به أحد من قبل، أو انه مخالف للإجماع، أو انه فقه غير مستند إلى دليل، أو مخالف للضرورة، أو انه مخالف للمنظومة الفقهية، أو انه مخالف للمباني الكلامية التي ابتني عليها الفقه والأصول.

 

فقه مخالف للإجماع أو غير مفتىً به من قبل

فإن أريد الأول فليس بمحذور، وكم من أمر لم يفتِ به الأولون اما لتجدده نظير حق الطبع وحق الاختراع، أو لعدم الابتلاء به أو ندرته كالصلاة في الآفاق الرحوية، أو لعدم الالتفات إليه كالموت السريري([5]).

وأما الثاني: فانه مندرج في البحث العام عن الإجماع وكونه حجة من باب الحدس أو اللطف أو التشرف او الدخول، وانه مدركي أو محتمله أو لا،  فالمرجع حينئذٍ مباحث الإجماع، ولا حاجة لاختراع مصطلح جديد (تأسيس فقه جديد) لم ينقحه الفقهاء موضوعاً ومحمولاً، واعتباره هو المحذور.

 

وأربعة منها لا تنطبق على المقام

واما الأربعة الأخيرة فهي محاذير واقعية([6]) لكن المقام ليس صغرى لها:

 

فقه غير مستند إلى دليل

اما أولها فلأن الفرض ان القائل بضمان القيمة السوقية أو منافع الحرّ التي فوّتها بمنعه إياه عن العمل أو عن الانتفاع بماله، استند إلى جملة من الأدلة ومنها (إطلاق لا ضرر) حسب رأيه، وعدم قبول الفقيه الآخر للإطلاق والاستدلال لا يصحح رميه الآخر (كصاحب الرياض والشهيد الثاني والسيد الوالد في بعض فروع المسألة) بان قوله تأسيس فقه جديد قاصداً انه بدون دليل؛ فان المعتبر الدليل لدى المفتي لا لدى الفقيه الآخر.

 

أو مخالف لضرورة الفقه

واما ثانيها، فكذلك إذ ليست تلك الأقوال مخالفة لضرورة الفقه، وقد سبق تفصيل الكلام عن ذلك فراجع، على ان (ضروري الفقه) غير منقح كبرى ولا في حدوده ومعناه خاصة وانه لم يرد في آية أو رواية هذا المصطلح.

 

أو مخالف لمنظومة الفقه

واما ثالثها، فقد يمثل له بما لو قال أحدهم بان أحكام الشارع هي، كأصل عام، بنحو القضية الخارجية لا الحقيقية، فانه خلاف منظومة الفقه والمتسالم عليه من ان الأصل في أحكام الشارع انها حقيقية لا خارجية، وعلى أي فان (منظومة الفقه) ليس مصطلحاً شرعياً، والمرجع الدليل في كل مورد مورد، وعلى أي فاننا لا نجد في العديد من الصور التي قال فيها بعض الفقهاء، وإن كانوا نادرين أو قلّة، بالضمان (مما فصلنا سابقاً الكلام عنها) خلافاً لمنظومة الفقه ولا قولاً بغير دليل بل سبق الاستدلال عليها بأدلة عديدة.

 

أو مخالف لمبانيه الكلامية والاعتقادية

واما رابعها، فهو مثل ان يقول أحدهم بان آراء المعصومين (عليهم السلام) إنما هي اجتهاد وانهم كسائر المجتهدين، كما كان دأب عمر بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه واله وسلم حيث كان يجتهد (بزعمه) مقابل ما كان يزعم انه اجتهاد الرسول صلى الله عليه واله وسلم رغم قوله تعالى: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى‏)([7]) وقوله تعالى: (لَهُ إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً)([8]) وقوله ((أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا))([9]) والأدلة الدالة على عصمتهم من الزلل والخطأ وإحاطتهم والأدلة الدالة على انهم نور واحد وشجرة واحدة... الخ.

وأيضاً: ذلك نظير القول بان لمجلس الأمة حق التشريع، فانه مناقض للمباني المسلمة الكلامية من ان التشريع لله تعالى وحده ثم انه لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم بمقدار ما فوّضه جل اسمه إليه وقد قال: (مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ * وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)([10]) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)([11]) واما مجلس الأمة فان من جمع شرائط الاجتهاد فان له ان يستنبط استناداً إلى الأدلة الشرعية لا قسيماً لها وبديلاً واما غير المجتهد فان له تنقيح الموضوعات لا غير.

ثم ان (الفقه) في (تأسيس الفقه الجديد) لا فرق فيه بين أن يراد به مسألة فقهية جديدة أو قاعدة فقهية جديدة أو سلسلة مسائل فقهية جديدة، والمقام من الثاني والثالث إذ انه يراد تعميم (لا ضرر) والاستناد إليها للضمان في سلسلة من الفروع مما سبق في كلام صاحب الجواهر والميرزا النائيني (قدس سرهما).

واما الصغرى، فقد يقال بثبوت فقه جديد لو أريد بان لا ضرر يفيد حدوث البينونة بين الزوجين بنفسه؛ فانه خلاف ضرورة الفقه، أو انه يفيد زوال الملكية (عما صارت ديمومة ملكيته له ضارة به) بنفسه.. وسيأتي تفصيل الكلام بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ وَمَا خَلَاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ)) (الكافي: ج1 ص32).

 

 

-------------------------------------------------

([1]) صاحب الرياض الذي مال إلى الضمان.

([2]) جواهر الكلام: ج27، ص40.

([3]) قاعدة لا ضرر ص181-182.

([4]) قاعدة لا ضرر ص183.

([5]) لو توقف أحد العضوين: المخ والقلب دون الآخر، فهل تبين زوجته ويقسم إرثه أو لا؟

([6]) على نقاش في إطلاق ثالثها.

([7]) سورة النجم: آية 3ـ4.

([8]) سورة الأحزاب: آية 33.

([9]) الأمالي للصدوق: ص343.

([10]) سورة المائدة: آية 44ـ45.

([11]) سورة المائدة: آية 47.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3659
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 12 ربيع الاول 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15