• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 246- تتمة ادلة ضمان الحر لو اختطفه .

246- تتمة ادلة ضمان الحر لو اختطفه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام  على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(246)

 

جواب الفقه: مفهوم رواية السكوني، قضية جزئية

وقد أجاب السيد الوالد عن الاستدلال برواية السكوني بقوله: (والرواية الأخيرة لا دلالة فيها على ان كل غير مصلح يكون ضامناً، بل تدل على انه فيما إذا لم يكن إصلاح كان ضامناً لدليل اليد مثلاً، وإذا كان إصلاح لم يكن ضامناً، فلا كلي في المفهوم يشمل المقام، ولا يقول به أحد، فالأقرب عدم الضمان كما عرفت ممن تقدم ذكر اسمائهم)([1]).

 

مناقشة وجواب

وبعبارة أخرى: انه قدس سره يرى ان مفهوم الرواية بنحو القضية المهملة أو فقل الجزئية لا الكلية.

لا يقال: كما ان المنطوق مطلق لأن الحصر يجعله بقوة قوله (كلما أراد الإصلاح لم يضمن) فيكون المفهوم مطلقاً أيضاً وهو (كلما لم يُرِد الإصلاح ضمن) فتقييد المفهوم بحصر الضمان بما إذا وجد دليل كدليل اليد، تقييد بلا مقيد.

إذ يقال: المنطوق أيضاً مقيد باليد لأن ذلك الرجل وضع يده على الجملين، أما الحرّ فلا يد عليه حسب ما اختاره قدس سره من ان اليد في قاعدة ((عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ...)) إنما تصدق على الماليات.

ولكن قد تناقش دعوى الجزئية أو الإهمال، بان المورد لا يخصص الوارد ولا السياق يُقيّده، والعِبرة بعموم الوارد لا بخصوص المورد أو سياق الوارد، والمورد وإن كان مورد من وضع يده وكذا السياق، لكن الوارد عام فانه (إنما أراد الإصلاح) ولم يُقيّد عليه السلام مريده بكونه قد وضع يده، والوارد وهو (إنما أراد الإصلاح) يشمل من خطف الصبي الحرّ وإن لم يشمله دليل اليد، نعم لو شك في العموم وعدمه كان من محتمل القرينية المتصل وهو مخل بالإطلاق كما حقق في محله. فتأمل.

 

3ـ ((مَنِ اسْتَعَارَ حُرّاً صَغِيراً فَعِيبَ فَهُوَ ضَامِنٌ))

الدليل الثالث: (ما رواه وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((مَنِ اسْتَعَارَ عَبْداً مَمْلُوكاً لِقَوْمٍ فَعِيبَ فَهُوَ ضَامِنٌ وَ مَنِ اسْتَعَارَ حُرّاً صَغِيراً فَعِيبَ فَهُوَ ضَامِنٌ))([2]).

 

جبر الرواية بروايات أخرى وببناء العقلاء

ولكن أورد عليه في الجواهر بانه لا جابر له ولا عامل به.

وقد يجاب: بان الجبر كما يكون بالشهرة لو كانت، فانه يكون بمطابقة مضمون الرواية لرواية معتبرة، ومضمونها مطابق لروايات عديدة كرواية السكوني ورواية ((عَلَى الْيَدِ...)) بناء على تمامية الاستدلال بهما، بل يكفي مطابقتها للمستفاد من (لا ضرر) كما سبق تقريره.

كما قد يجاب: بان جابره بناء العقلاء فانه على ضمان الحرّ، والمتيقن منه ما لو تسبب في إتلافه كما لو وضعه في أرض مسبعة دون ما لو كان بآفة سماوية أو أرضية ولم يكن قد قصر في حفظه عنها، وإن كان سيأتي ان المنصور الضمان ههنا أيضاً، لكن لو شك في بناء العقلاء في هذه الصورة فليس جابراً للرواية على إطلاقها.

وحاصل القول: ان الجبر بالشهرة فيمن ارتآه، إن كان لبناء العقلاء على الجبر بها فان بناءهم ليس خاصاً بالشهرة بل يشملها لو عضدت مضمون الرواية روايات معتبرة أخرى أو بناء العقلاء، وإن كان لقوله عليه السلام: ((فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيهِ))([3]) فان الاستدلال على التعميم يكون بالتعليل الوارد وهو ((فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيهِ)) فان اللاريبية جارية في ما طابق مضمونه بناء العقلاء أو رواية معتبرة. فتدبر.

 

4ـ لأنه سبب له مع عدوانه

الدليل الرابع: ما ذكره في مفتاح الكرامة من: (لأنّه سبب لتلفه مع عدوانه فكان كالحافر، بل هو أقوى منه، لأنّ عروض المهلكات نوعاً له كثيرة بل قصد القتل بمثل ذلك ممكن متوقّع، ولو كان في مكانه ما لدغته الحيّة، وليس هو قادراً على دفع المهلكات عن نفسه، وليس هناك مباشر أقوى من السبب)([4]) وقال السيد الوالد: (انه بغصبه صار سبباً شرعاً لتلفه كحفر البئر، وكدعوة الإنسان إلى داره فعقّره كلبه وما أشبه ذلك)([5]).

 

مناقشات مع مفتاح الكرامة

أقول: توضيحه: ان الغاصب للطفل أقوى فيما لو تلف الطفل لديه من حافر البئر لوجه آخر غير ما ذكره وهو: لأن حفر البئر في داره أو في الملك المشترك بل  وإن كان في طريق المسلمين ليس بمحرم ذاتي بل هو حرام طريقياً كي لا يضر بالمسلمين أو بالداخل عليه ولذا لو أحرز عدم مرور أحد لمدة يوم قطعاً فله ان يحفر فيه لحاجةٍ ما ثم يعيده كما كان قبل ان يمر أحد([6]) اما غصب الطفل فهو حرام نفسي. فتأمل.

ولكن يرد عليه:

ان قوله (لأن عروض المهلكات له كثيرة) أعم من المدعى ولو تم فانه ينتج في الجملة لا بالجملة أي في خصوص هذه الصورة، والظاهر البناء على حرمة المقدمة النوعية، وإلا كان خصوص الموصِل محرماً وغيره متجرّىً به،  والأمر منوط بمناطات المقدمية الأربع، كما حققناه في بحث آخر.

وقوله (بل قصد القتل بمثل ذلك ممكن متوقّع) لا يفيد إلا تحريم ما علم قصده  على فرضه([7]) أو الحرمة لو وقع مقصوده وإلا كان تجرياً، وهو أعم من المدعى أيضاً.

 

والسبب على سبيل البدل ضامن

وقوله: (ولو كان في مكانه ما لدغته الحيّة) لو كان كذلك فكما قال، لكن المستفاد من كلامه النفي عند الثبوت أي انه فيما لو كان مكانه لكانت تلدغه الحية أيضاً فلا ضمان، ولكن الظاهر الضمان في هذه الصورة أيضاً وذلك لأنه سبب على سبيل البدل ولا يخرجه وجود سبب آخر على سبيل البدل، عن ضمانه له مادام كان هو السبب البدلي، لا قسيمه.

وبعبارة أخرى: ان الطفل لو عُلم بانه ستلدغه الحيّة أو العقرب سواء أبقي في بيته أم اختطفه مختطف فجاء به إلى داره، فان الظاهر ان الأب غير المقصر في حفظ ولده غير ضامن، اما هذا الغاصب فضامن وذلك لأن احدى العقربين على سبيل البدل كان ستلدغه، وحيث لدغته عقرب دار الغاصب، كانت هي السبب الشخصي لقتله، وكان الغاصب هو السبب الشخصي للسبب غير العاقل فلزمه ضمانه والحاصل: ان الضمان معلول السبب الشخصي  بالفعل والغاصب كذلك وليس معلول السبب الشأني أو البدلي ليقال انه على كل تقدير كان سيقتل.

 

ونفس اختطافه سبب لضمانه عرفاً

واما القول بانه صار سبباً شرعاً مما يفهم منه انه ليس سبباً عرفاً، ففيه: انه سبب شرعاً وعرفاً أيضاً.

ولا يرد: (أما كونه سبباً لتلفه، فالكلام فيما لم يكن كذلك فهو خروج عن موضوع المسألة)([8]) إذ ان المدعي([9]) ادعى انه بمجرد غصبه صار سبباً شرعاً (وعرفاً) للتلف ولم يقصد انه فعل فعلاً آخر مسبباً لتلفه (كوضعه عند جحر العقرب) ليجاب بانه خروج عن موضوع المسألة، نعم له ان ينكر كون نفس الغصب سبباً عرفاً للتلف. والله العالم.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الباقر عليه السلام: ((إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ فَإِنَّهُ بَحْرٌ يَغْرَقُ فِيهِ الْهَلْكَى، وَإِيَّاكَ وَالْغَفْلَةَ فَفِيهَا تَكُونُ قَسَاوَةُ الْقَلْبِ، وَإِيَّاكَ وَالتَّوَانِيَ فِيمَا لَا عُذْرَ لَكَ فِيهِ فَإِلَيْهِ يَلْجَأُ النَّادِمُونَ، وَاسْتَرْجِعْ سَالِفَ الذُّنُوبِ بِشِدَّةِ النَّدَمِ وَكَثْرَةِ الِاسْتِغْفَارِ)) (تحف العقول: ص284).

 

 

=======================================

([1]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الغصب، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر ـ بيروت: ج78 ص67.

([2]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج5 ص302.

([3]) المصدر نفسه: ج1 ص67.

([4]) السيد جواد الحسيني العاملي، مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة (ط ـ جماعة المدرسين) ـ مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم: ج18 ص77ـ78.

([5]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الغصب، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر ـ بيروت: ج78 ص66.

([6]) وفيه تأمل. نعم في ملكه له ذلك وفي المشترك بعد إذن الشريك أو بعد الفرز.

([7]) إذا علم أو ظن بظن معتبر بل حتى لو احتمل احتمالاً عقلائياً حرم، ووجب منعه لتنجزه حينئذٍ. فتأمل

([8]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الغصب، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر ـ بيروت: ج78 ص66.

([9]) كمفتاح الكرامة.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3656
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 2 صفر 1441هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19