• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 231- اشكالان على المحقق النائيني 1- الاطلاق ينفي كلامه 2- الضرر منتسب لا الحكم .

231- اشكالان على المحقق النائيني 1- الاطلاق ينفي كلامه 2- الضرر منتسب لا الحكم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(231)

 

ب- الإطلاق ينفي تقييد النائيني للاضرر

الثاني: كما يرد على الميرزا النائيني قدس سره فيما ذهب إليه من (ان قاعدة لا ضرر ناظرة إلى نفي ما ثبت بالعمومات من الأحكام الشرعية) ما أورده السيد الوالد قدس سره بقوله: (الإطلاق ينفيه)([1]).

وتوضيحه: ان تقييد لا ضرر بنفيها للأحكام المجعولة، بلا مقيّد؛ إذ هي مطلقة، ودعوى ناظرية (لا ضرر) إلى خصوص ما ثبت بالعمومات، بلا دليل، بل مقتضى الإطلاق نفي لا ضرر لكل ما نشأ منه الضرر حكماً كان أو غيره ومنه اللاحكم، بعبارة أخرى: ينفي الأحكام المجعولة كما ينبغي الأحكام المنتسبة للشارع وإن لم تكن مجعولة له. بعبارة أخرى: من أين ان المراد بـ(لا ضرر) لا (حكم ضررياً) بل (لا شيء ضررياً) بل (لا ضرر) فحسب!

 

دفاع عن الميرزا: انه طوّر كلامه في متعلَّق  لا ضرر

ويمكن الدفاع عن الميرزا النائيني بانه وإن ذكر في البداية ناظريتها إلى العمومات المجعولة لكن في ضمن الأخذ والرد طوّر كلامه ووسع دائرة لا ضرر لتشمل الأحكام المنتسبة إلى الشارع كما شملت الأحكام المجعولة، إذ انه نقل الكلام في الأخذ والرد إلى الاستناد وعدمه فلاحظ قوله: (ودعوى ان العدم وإن لم يستند بحسب بدوه ومفهومه إلى الشارع...)([2]) و(فلا معنى لأن يكون مستنداً إلى الشارع) و(فان ما ليس مجعولاً لا يستند إلى الشارع) و(ولا يقال: إنّ ما هو الملاك لجريان الاستصحابات العدمية، هو الملاك لصحة إسناد هذا المعدوم إلى الشارع؛ فإنّ ملاك)([3]) و(لو سلّمنا صحة إسناد هذا العدم...) فانت ترى انه نقل الكلام من الحكم المجعول إلى الحكم المسند أو المنتسب إلى الشارع، وعلى أي فلو لم يقصد ما ذكرناه فان لنا ان نطوره كما ذكر.

ولا يتوهم تساويهما (الحكم المجعول مع الحكم المسند أو المنتسب إلى الشارع) لبداهة ان الحكم المنتسب إليه أعم إذ يشمل إضافة إلى الحكم المجعول، الحكمَ الممضى من الشارع فانه مجعول لغيره ثم امضاه الشارع([4]) بل يشمل حكم الغير المسكوت عنه شرعاً فانه ليس حكماً مجعولاً له بالبداهة لأن الفرض ذلك، إلا انه بسكوته عنه يصح إسناده إليه بالحمل الشائع عرفاً؛ وذلك لأن سكوت مَن مِن شأنه الردع عن حكم ضار مع قدرته على الردع عنه، تشريعاً أو تكويناً، مصحح عرفاً لإسناده([5]) إليه؛ ألا ترى ان الحكومة إذا علمت بتسلل أفواج من المجرمين والإرهابيين مثلاً إلى المدينة، وكان الطريق الوحيد للحيلولة دون قتلهم الناس وتفجيرهم المراقد المقدسة ان تفرض حظر التجوال ليومٍ مثلاً، فلم تفعل مع قدرتها على ذلك، فقتل المجرمون كثيراً من الأبرياء وفجروا أماكن، فانه يصح إسناد ذلك إلى الحكومة بان يقال: ان سبب قتل الأبرياء تقصير الحكومة وعدم فعلها أي شيء، فعدم فعلها شيئاً وعدم حظرها التجول، مع انه عدمي، مصحح لإسناد التقصير والجرائم إليها.

والحاصل: ان عدم حكمها بمنع التجول ليس بحكم مجعول لكنه منتسب إليها والرواية تقول (لا ضرر) أي لا حكماً مجعولاً ولا حكماً منتسباً إليه ولا أمراً منتسباً إليه.

وقد يجاب بان الكلام عن (عدم الحكم) وليس عن الحكم المجعول أو الحكم المنتسب الأعم من الحكم المجعول.

وفيه: ان الإطلاق أيضاً يرده: إذ لم يرد في لفظ الرواية (لا حكم مجعولاً) ولم يرد (لا حكم منتسباً) بل ورد (لا ضرر) وهو يعمّها جميعاً كما يعم عدم الحكم المنتسب إلى الشارع (لأنه كان من شأنه رفعه فلم يفعل) فلا ضرر أعم منها جميعاً، ومرجع هذا إلى الوجه الثالث الآتي.

 

ج- المنفي بلا ضرر، الضرر، لا الحكم([6])

الثالث: يرد عليه أيضاً ما أورده السيد السيستاني دام ظله، من ان المنفي بلا ضرر ليس الحكم لندور مداره وانه ليس ههنا (في عدم ضمان الحابس للحرّ، منافعَه المفوّتة مثلاً) حكم كي يرفعه لا ضرر بل المتحقق اللاحكم فقط فلا يرفعه لا ضرر، بل المنفي هو الضرر أي الضرر المنتسب للشارع بما هو شارع (لوضوح عدم إرادة الضرر التكويني المنتسب له بما هو مكوّن وانه منفي عنه)، واللاحكم([7]) أو عدم الحكم قد يكون سبباً عرفاً للضرر أو فقل ان سكوت الشارع عنه مع قدرته على رفعه تشريعاً مصحح لانتسابه عرفاً إليه، و(لا ضرر) ترفع أي ضرر منتسب للشارع سواء بجعل حكم وجودي أم بجعل حكم عدمي أم بعدم جعل حكم.

قال: (والجواب عن ذلك: ان ما ذكر من نظر الحديث إلى الأحكام المجعولة في الشريعة محل منع لأن مفاد الحديث هو عدم التسبيب إلى تحمّل الضرر – أي نفي وجود ضرر منتسب إلى الشارع المقدس بما هو مشرع ومقنّن – وهذا المعنى كما يصدق في موارد جعل الحكم الذي يلزم منه الضرر – سواء كان وضعياً أو تكليفياً، وسواء كان الزامياً أو غير الزامي كالترخيص في الدخول لمن له حق الاستطراق بغير استئذان على نحو يوجب ذهاب حق التعيش الحر بالنسبة إلى صاحب الدار ، كما في قضية سمرة بن جندب – فكذلك يصدق في حالة عدم جعل الحكم احياناً فيعدّ نفس عدم جعل الحكم ممّن بيده التشريع تسبيباً منه إلى الضرر.

مثلاً: اذا فرض أن الشارع منع الزوجة المعدَمة من الاكتساب اذا كان على نحو ينافي حقوق زوجها وفرض عدم جعل وجوب الانفاق عليها، فيعدّ نفس هذا تسبيباً منه إلى تضررها، أو سلب حقّ التعيش مع الكرامة بالنسبة إليها. وكذلك لو فرض أنّه حرِّم إضرار بعض الناس ببعض تكليفاً ولم يجعل حكماً اجرائياً يخوّل للسلطة مكافحة الإضرار والمنع عنه خارجاً.

والحاصل: ان عدم جعل الحكم المانع عن الضرر يعدّ تسبيباً منه إليه بعد فرض كمال الشريعة كما يدل عليه قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ويؤكده الروايات الدالة على انّه ما من واقعة إلا ولها حكم وقوله صلى الله عليه واله وسلم ((يا ايها الناس ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد امرتكم به ، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة الاّ وقد نهيتكم عنه)) مضافاً إلى سلب حقّ التشريع عن غير الله تعالى.

وعليه فلا يقدح عدم صدق الحكم على مجرد عدم جعل الحكم بعد صدق التسبيب إلى تحمل الضرر)([8]).

وجوابه تام، ولا تقدح به بعض المناقشات فانها، لو تمّت، فعلى هامش أصل الجواب، ولعلنا نوضح ذلك لاحقاً بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ)) (تحف العقول: ص162).

 

 

-------------------------------------------------

([1]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الأصول: ج7 ص252.

([2]) ولم يقل (ان العدم وإن لم يكن حكماً مجعولاً) أو (وإن لم يكن مما ثبت بالعمومات).. وهكذا سائر كلماته.

([3]) الشيخ موسى النجفي الخوانساري، تقريرات بحث الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، قاعدة لا ضرر: ط1، 1421هـ ص181.

([4]) إلا ان يقال ان الإمضاء جعل في مرحلة البقاء، فتأمل.

([5]) (لإسناد الحكم) أو (لإسناد الضرر) وهما وجهان فتدبر جيداً.

([6]) كي يقال ان عدم الحكم ليس حكماً ليكون منفياً بلا ضرر.

([7]) معدولة.

([8]) السيد علي الحسيني السيستاني، قاعدة لا ضرر ولا ضرار، الناشر: مكتبة آية الله العظمى السيد السيستاني – قم: ص291-292.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3593
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 29 شوال 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19