• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 406- 2- المنصب او النيابة او الوكالة او الوظيفة 3- من باب النهي عن المنكر .

406- 2- المنصب او النيابة او الوكالة او الوظيفة 3- من باب النهي عن المنكر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(406)

 

سبق: (الوجه الثاني: ان يقال: بان تحريم الفقهاء لتلك الأمور أو بعضها، يعود إلى احدى وجوه أربعة أخرى على سبيل البدل: والوجوه هي: 1- ان ذلك من باب ثبوت منصب القيمومية على المؤمنين، للفقهاء، 2- أو انه من باب ثبوت النيابة للفقهاء عن الإمام عليه السلام، 3- أو انه من باب الوكالة عنهم عليهم السلام 4- أو انه لا من هذا الباب ولا من ذاك ولا الوكالة بل من باب الوظيفة الشرعية أي من باب التكليف والمسؤولية.

ويكفي الآن الالتفات إجمالاً إلى الفرق الارتكازي بين الأربعة: القيّم أو ذي المنصب والنائب والوكيل والمكلف أو المسؤول، وهو انها اعتبارات عرفية وشرعية متغايرة عرفاً وشرعاً في الجملة، ولعله يأتي الكلام عن فوارقها تفصيلاً.

وفرق الرابع عن الثلاثة الأولى انه حكم تكليفي، واما الثلاثة فحكم وضعي)([1]).

 

وجوه الفرق بين الوكالة والنيابة

والفرق بين الوكالة والنيابة من وجوه: الأول: انها اعتبارات مختلفة عرفاً، كما سبق.

الثاني: انه قد يقال: ان النيابة تنزيل للفاعل، والوكالة تنزيل للفعل، أي ان مصبّ كل منهما ذلك وإن كان بالمآل ينتهي إلى الآخر بوجهٍ أو يثمر من جهته، توضيحه: ان النائب يُنزَّل منزلة المنوب عنه فكأنّه هو هو، اما الوكيل فيُنزَّل فِعلُه منزلة فِعلِه، فكأنّ فعلَه فعلُه، ولعله لأجل ذلك فرّق بعضٌ بان المنوب عنه لو أغمي عليه لا تبطل نياباته، اما الموكّل لو أغمي عليه فتبطل وكالاته – بنظره – إذ المغمى عليه فعلُه لا اعتبار به، والوكيل قد نزّل فعله منزلة فعله، اما النائب عن الشخص نفسه فانه لا تبطل نيابته إذ نُزّل منزلته والوعي والإغماء ليسا قيداً للفاعل بل للفعل خاصة. فتأمل.

الثالث: وقيل: ان العمل الصادر عن الوكيل ينسب للموكل فيقول: بعت داري مع ان وكيله باعه، ولا ينسب للمنوب عنه فإذا حج عنه نائبه لا يقال انه – أي المنوب عنه – حجّ.

الرابع: وان الوكالة لا تقبل التبرع إذ لا توجد وكالة تبرعية، اما النيابة فقسمان تبرعية وتعيينية أو استنابية.

والأخيران كالخامس، من الآثار الكاشفة عن الاختلاف الذاتي.

الخامس: ان النيابة قد تكون بلا وكالة، كالنائب عن غيره في الصلاة بل كالأب فانه وليّ وليس بوكيل.

السادس: ان القيمومة بالإضافة إلى من هو دونه، والنيابة بالإضافة إلى من هو فوقه.

 

الفرق بين العناوين الأربعة

ويمكن توضيح الفرق بين العناوين الأربعة (المنصب، النيابة، الوكالة، الوظيفة) برئيس الجمهورية أو الوزير أو الشرطي، فان الرئيس أو الوزير أو الشرطي مثلاً له اعتبار معيّن بحسب منصبه، وله راتب شهري ومخصصات بحسبه، وعليه مسؤوليات بحسبه، اما لو استناب الرئيس أو الوزير أو الشرطي شخصاً في أداء بعض وظائفه أو كلها، فليس له ذلك المنصب والاعتبار بل هو نائب عن صاحب المنصب، فلا له ذلك الاعتبار، ولا له الراتب نفسه والمخصصات نفسها إلا لو قررت بحكم مستقل آخر.

تنبيه: الولاية حقيقة تشكيكية ذات مراتب، وكذا النيابة، ولهما إطلاقان أعم وأخص فالأعم مقسم للمنصب والنيابة والوكالة، والأخص قسيم، وبذلك يندفع بعض ما قد يورد على ما ذكر.

وفي بعض ما ذكر مناقشات، ليس هذا موضع الأخذ والرد فيها إذ القصد الإلماع فقط.

 

الثمرة: في تحريم بيع الأسلحة أو بناء السينما

الثمرة: ان تحريم الفقيه للسينما المفسدة أو لشراء الاسلحة وبيعها وحملها أو للدراسة في بعض الجامعات أو السفر لبعض الدول([2]) قد يكون مستنداً إلى استنباطه من الأدلة([3]) ان للفقيه (القيمومة) على المؤمنين وان الإمام عليه السلام قد نصبه قيّماً، وقد يكون لاستنباطه منها مرتبة أدنى وهي النيابة([4]) عن الإمام، وقد يكون لاستنباطه منها مرتبة أدنى وهي الوكالة، وقد يكون لعدم تمامية ظهور دلالة الأدلة المقامة على ولاية الفقيه أو ولاية عدول المؤمنين، لديه على أي من المعاني السابقة، بل استظهر منها الوظيفة فقط فيكون تحريمه لتلك الأمور من باب الوظيفة الشرعية عليه درءاً للمفاسد والمحرمات والاضرار البالغة عن المجتمع، فإذا تمّ أيّ من الوجوه الأربع السابقة، كان بيع تلك السينما المفسدة (غالبياً أو احتمالاً عقلائياً) وشراؤها أو بيع التذاكر للطالب ليسافر إلى تلك الجامعة (المفسِدة له) أو شبه ذلك من (الباطل عرفاً) فيشمله قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)([5]) فتكون فاسدة، لكن ذلك مبني على القول بان النهي في المعاملة مقتضٍ للفساد، بل قد يقال في الثلاثة الأُوَل، بعدم ابتنائه عليه وانه يصح القول بالفساد حتى على المبنى الآخر بدعوى ان المكلف محجور عن التصرف في أمواله (كالسينما) مادام القيّم عليه غير ممضٍ له أو فقل ان سلطنته على أمواله مقيدة أو محدودة بهذا الحدّ([6]) فما جاوزه فلا سلطة له عليه. فتأمل

 

3- أمثال بيع السلاح والسينما المفسدة، من المنكر

الوجه الثالث: ان يقال: بان تلك المذكورات من (المنكر) عرفاً، ولذا حرَّمها الفقيه إذ الحكم تابع للموضوع، فإذا تغيرت عن كونها منكراً كما لو تحولت السينما إلى مركز هداية أو صارت مركز ترفيه بالمباحات فقط، جوّزها الفقيه، وإنما اختلاف الفتوى لذلك.

ومنه يتضح ان فتوى الفقيه ليست صانعة للواقع، بل هي مبنية عليه وعلى نوعه، بل على هذا فان الأمر غير خاص بالفقيه ولا يحتاج إلى فتوى؛ فانه إذا صدق عليه([7]) انه منكر شملته أدلة النهي عن المنكر وأدلة وجوب دفعه – بناء على القول به كما مضى تفصيله – وغير ذلك، فإذا كان منهياً عنه كانت المعاملة عليه باطلة إذا قلنا بان النهي عن المعاملة مقتضٍ للفساد اما إذا قلنا بالعدم أو قلنا باقتضائه للفساد إذ انصبّ النهي على نفس المعاملة دون المتّحد معها أو المنطبق عليها فلا، فتدبر.

 

الفرق بين ما علم من العقل أو الشارع كراهة وقوعه مطلقاً، وعدمه

ولكن هذا البحث مبني على بحث آخر أكثر عمقاً يجب الرجوع إلى مظانه لتحقيقه حاله وهو: ان المعروف، وكذا المنكر، على قسمين:

الأول: ما علم من الشرع أو العقل (لكونه من المستقلات العقلية) إرادة وقوعه أو كراهة وقوعه في الخارج مطلقاً بان لم يقيّد كونه معروفاً أو منكراً بكون المتصدي له شخصاً خاصاً أو بإذنه.

الثاني: ما لم يعلم ذلك بان احتمل إناطته بإذن الإمام عليه السلام أو الولي الخاص وعلى ذلك فلا يجوز للفقيه أو لعموم المؤمنين التصدي للمنع.

وقد يقال: بان المفاسد الاجتماعية الأخلاقية، أي المحرّم منها، من قبيل الأول إذ علم من الشارع كراهة وقوع الزنا مثلاً في الخارج، لذلك فإذا أراد شخص تأسيس مبغى في المدينة جاز للفقيه بل لكل أحد، منعه لكن مقتضى ذلك التفصيل إذ المفاسد نوعان([8]). وتحققه في محله، ويكفي هنا ان ننقل بعض كلام الشيخ في المكاسب، قال: (ولعلّ وجهه: أنّ مجرّد كون هذه الأُمور من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام أو نائبه، كما في قطع الدّعاوي وإقامة الحدود، وكما في التجارة بمال الصغير الذي له أب وجدّ. فإنّ كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاصّ.

نعم، لو فُرض المعروف على وجه يستقلّ العقل بحسنه مطلقاً، كحفظ اليتيم من الهلاك الذي يعلم رجحانه على مفسدة التصرّف في مال الغير بغير إذنه، صحّ المباشرة بمقدار يندفع به الضّرورة، أو فرض على وجه يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحدٍ إلّا أنّه خرج ما لو تُمُكِّن من الحاكم حيث دلّت الأدلّة على وجوب إرجاع الأُمور إليه، وهذا كتجهيز الميّت، وإلّا فمجرّد كون التصرّف معروفاً لا ينهض في تقييد ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال أحد أو نفسه، ولهذا لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له بمجرّد كونه معروفاً ومصلحة، ولا يفهم من أدلّة المعروف ولاية للفضولي على المعقود عليه؛ لأنّ المعروف هو التصرّف في المال أو النفس على الوجه المأذون فيه من المالك، أو العقل، أو الشارع، من غير جهة نفس أدلّة المعروف.

وبالجملة تصرّف غير الحاكم يحتاج إلى نصٍّ عقلي أو عموم شرعي أو خصوصٍ في مورد جزئي، فافهم)([9]).

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((وَلَا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِي‏ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ الْإِحْسَانِ فِي الْإِحْسَانِ وَتَدْرِيباً لِأَهْلِ الْإِسَاءَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ)) (تحف العقول: ص128).

 

 

--------------------------------------------------------------------

([1]) الدرس (405).

([2]) إسرائيل مثلاً.

([3]) كالآية والروايتين السابقتين، وغيرهما كثير.

([4]) بالمعنى الأخص، وإلا فانها بالمعنى الأعم مقسمٌ.

([5]) سورة النساء: آية 29.

([6]) حدّ الفساد، أو حدّ تحريم الفقيه.

([7]) على هذا البيع والشراء.

([8]) فمن النوع الأول: القتل والزنا، ومن النوع الثاني النظر، وستأتي أمثلة من الشيخ قدس سره في المتن.

([9]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، نشر آرموس (اسماعيليان) – قم: ج2 ص38-39.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3591
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 28 شوال 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19