بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(398)
تتمات:
سبق: (التفصيل بان مفهوم الحكومة متطوّر فلا تشمله الأدلة عكس القضاء... فانه وإن حدث فيه تطوّر بالاستئناف والتمييز لكنه...)([1])
المرجع في المفاهيم هو العرف
وتحقيقه: ان المدار والمرجع في المفاهيم هو العرف ولا تخرج المفاهيم المتطورة عن هذه القاعدة فإن كان المفهوم المتطوَّر إليه عرفاً هو نفس المفهوم المتطوَّر عنه، شملته أحكامه، وإلا فلا.
التجزّأ والتنزّل في المركّب وفي المشكِّك
وفي الحكومة والإمارة قد يدعى بان الإمارة والحكومة بمفهومها الحالي فيما بني منها على فصل السلطات، مغايرٌ عرفاً للحكومة بمفهومها السابق، وذلك لجهتين: التجزّأ والتنزّل، وكل منهما كفيل بعدم صدق العنوان فكيف بما لو اجتمعا؟، بيانه:
التجزّأ موجب لعدم صدق عنوان الإمارة
أ- أما التجزّأ، فان المركّب لو فقد بعض أجزائه المقومة له فانه لا يصدق عليه عنوانه وإسمه إلا تجوزاً، وذلك كالدواء المركب من عشرة أجزاء لو فقد بعض أجزائه الأساسية، والتجزّأ متحقق في السلطة والإمارة إذ انها تجزأت بشكل جوهري في أنظمة فصل السلطات؛ إذ كانت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية كلها بيد الملك أو الأمير أو المسمى بالخليفة، أما الآن فان السلطة تجزّأت فلم تَعُد بيد رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء السلطة التشريعية ولا القضائية، وهما مقوّمان أساسيان في السلطة والإمارة([2])، وعلى أي فقد يقال بان ((وَلَا تُوَلَّى الْإِمَارَةَ)) يراد به الإمارة بمعناها المعهود واما الإمارة الحالية المبنية على تجزئة السلطات وإخراج السلطتين التشريعية والقضائية عن يد الحاكم ومن له الإمارة، فانها ليست، عرفاً من حيث المفهوم، نفس الإمارة التي صبّ عليها حكم الشارع بعدم توليتها إياها.
وكذلك تنزّل السلطنة
ب- واما التنزّل، فان الحقائق التشكيكية، قد لا يطلق على بعض مراتبها النازلة مفهومُها ومنها الإمارة.
لا يقال: لا يعقل ذلك؛ إذ كلها مراتب فيحمل عليها العنوان حقيقةً؛ ألا ترى ان النور والحلاوة والسواد وغيرها تطلق حتى على المراتب النازلة منها؟
إذ يقال: بل ان ذلك متعقل بل وواقع؛ فان العناوين التي وضعت للحقائق التشكيكية مختلفة، فقد تصدق على المراتب النازلة حتماً وذلك كالأمثلة السابقة وقد لا تصدق نظير إطلاق الإمارة والحكومة على مديرة المدرسة مثلاً فانه لا يصدق عليها الحاكمة أو الأميرة أو ذات الإمارة أو الوالية رغم ان لها درجة من السلطنة والحكومة والولاية على الطلاب والمدرسة، وإن كانت نازلةً، بل وكذا لا يصدق أنّه أو أنّها والٍ أو حاكم أو أمير على رئيس العشيرة (إلا بعض العشائر الكبرى جداً المسماة بإمارة بني فلان مثلاً) ولا على رئيس الحزب أو النقابة.
نعم قد يشك في بعض المصاديق، كالمحافِظ وانه هل يطلق عليه الوالي والحاكم وذو الإمارة أم لا؟
وجه التفصيل في صحة تصدي المرأة لرئاسة الجمهورية دون رئاسة الوزراء
ومن هنا فانه قد يقال بالتفصيل وذلك إذا فرغنا من أمرين: الأول سند هذه الروايات بان قلنا باعتبار بعضها اما لِتمامية إسنادها أو لحجية مراسيل الثقات المعتمدة كما فصّلناه في ذلك الكتاب أو لكونها منجبرة بعمل المشهور بها بل الإجماع عليها أو لدعوى انها متواترة إجمالاً وشبه ذلك، الثاني: ان السلطة المتجزّئة والمتنزّلة لا يطلق عليها عرفاً (إمارة) ولا (ملك) وشبهها من الألفاظ الواردة في تلك الروايات.
أقول: إذا فرغنا من الأمرين أي ساقتنا الأدلة إلى تبنيهما – فرضاً –، فقد يقال بالتفصيل بين مناصب الحكومة بان يقال مثلاً ان المرأة لها ان تتولى رئاسة الجمهورية في البلاد التي تكون سلطاته تشريفية وتكون السلطات فيها كلها بيد رئيس الوزراء، كما ليس لها في هذه البلاد تولي رئاسة الوزراء؛ استناداً إلى صدق (الإمارة) أو (الحكومة) أو (الولاية) على رئاسة الوزراء دون رئاسة الجمهورية، والأمر بالعكس فيما كانت السلطات فيها بيد رئيس الجمهورية وكانت رئاسة الوزراء رمزية.
وكذلك في البلاد التي يكون الملك فيها مجرد رمز وليس ذا سلطة أصلاً([3]) فانه يصحّ ان تصبح المرأة هنالك ملكة مثلاً.
اما القضاء فمفهومه الحالي متَّحد مع مفهومه السابق
وذلك كله على عكس مفهوم القضاء، فان العرف يرى وحدته مع مفهومه السابق، فانهم يرون صدق القاضي حقيقةً رغم إثباتهم حق الاستئناف والتمييز ولا يرونهما([4]) حقيقتين.
ونؤكد ان ما ذكر مجرّد فتح باب للقول بالتفصيل مقابل من أطلق من الفقهاء حرمة توليها للرئاسة ومن أطلق الجواز، وليس إلا كي يناقش تفصيلاً، فيقبل أو يرفض حسبما تسوق الأدلةُ الفقهية إليه.
الوجه الخامس لفرض الضرائب
كما سبق: (الثاني: (الغصب) فانه قد يقال بانه مفهوم قد تطوَّر في بعض جهاته لدى بعض الأعراف أو الكثير منها، فمثلاً الحكومات التي تأخذ الضرائب من الناس، فما هو وجه أخذها الضريبة، بزعمها؟ يحتمل فيه وجوه أربعة:...)([5])
ونضيف لها خامساً: وهو ان الحكومة قد ترى: ان مقدار الضريبة المقررة، لها ان تتملكه، أي انها تُقر بانه ملك للأشخاص ولكنها تدعي بانها حكمها بالضريبة مخرج له عن ملكيته.
ووجه أهمية تحقيق انه على أي وجهٍ تبني الحكومات وبعض الأعراف بل وكافة الجامعات، الحقّ في إقرار الضرائب على الناس، انه إذا عرفنا الوجه أمكننا الجواب على حسب القواعد الفقهية بل قد يكون جوابنا حينئذٍ مقنعاً لهم أيضاً، عكس ما لو لم نعرف الوجه إذ مَن لم يتصور ماهية كلام الآخر أي حقيقته، كيف يجيبه وبِمَ يجيبه؟.
الجواب عن الوجه الخامس فقهياً وعرفياً
فمثلاً لو كان الوجه هو الوجه الخامس فيمكن الجواب عنه([6]): اما فقهياً فان المخرِجات عن الملك محدَّدةٌ شرعاً نظير البيع والمصالحة وسائر المعاملات الناقلة وكالموت بالنسبة لتملك الورثة، وليس منها قرار الحكومة، اللهم إلا إذا كانت الحكومة حكومة عدل وقلنا بولاية الفقيه أو الفقهاء أو عدول المؤمنين، إلى هذا الحدّ، فانّ حكم الحاكم يكون حينئذٍ نافذاً أي انه يكون مُخرِجاً عن الملكية.
واما في أعراف غير الملتزمين بالشريعة، فهم على قسمين: أما الحكومات المستبدة فلا وجه لسلطنتها على إخراج ممتلكات الناس عن ملكيتهم؛ إذ ليست لها الولاية شرعاً ولا هي مخولة من الناس وكالةً.
واما الحكومات المنتخَبة، فيقال بانه يصح ذلك بمقتضى التعاقد الاجتماعي، لكن تخريجاته الشرعية متعددة بل ومختلف فيها من ان الحكومة وكالة أو إجارة أو جعالة أو مصالحة أو عقد مستأنف أو غير ذلك فانه على بعضها، على اختلاف فيها، يمكن تخريج صحة فرض الحكومة الضرائب وإخراجها بقرارٍ بعضَ ممتلكات عن ملكيتهم أو شبه ذلك([7]) مما فصّلنا في كتاب (شورى الفقهاء والقيادات الإسلامية) فراجع.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق عليه السلام: ((لَا يَرَى أَحَدُكُمْ إِذَا أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُوراً أَنَّهُ عَلَيْهِ أَدْخَلَهُ فَقَطْ، بَلْ وَاللَّهِ عَلَيْنَا بَلْ وَاللَّهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله وسلم )) (الكافي: ج2 ص189)
-------------------------------------------------
([1]) الدرس (397).
([2]) فكيف بما أسّسّناه في كتاب (السلطات العشر والبرلمانات المزدوجة) من تجزأتها أكثر فأكثر أي إلى عشر سلطات؟
([3]) كبريطانيا مثلاً وكإمبراطور اليابان.
([4]) أي القضاء بدون حق للاستئناف والتمييز، والقضاء مع هذين الحقين.
([5]) الدرس (397).
([6]) وهو جواب أيضاً عن بعض الوجوه الأخرى.
([7]) مثلاً تكون الحكومة وكيلة من قبل الناس في هبة مقدار الضرائب لها، أو في التصرف فيها وصَرْفها في مواردها حتى من دون ملكيتها لها فإذا تلفت لزمت.
|