• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 198- اجوبة عن رواية الكافي: وان العقل لا مكتفيا به على لابد من العلم .

198- اجوبة عن رواية الكافي: وان العقل لا مكتفيا به على لابد من العلم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(198)

 

قوله عليه السلام ((فَلَمْ يَجِدْ عَقْلَهُ يَدُلُّهُ)) يفيد عدم حجية العقل([1])

واما قوله عليه السلام: ((قِيلَ لَهُ: فَهَلْ يَكْتَفِي الْعِبَادُ بِالْعَقْلِ دُونَ غَيْرِهِ؟ قَالَ عليه السلام: إِنَّ الْعَاقِلَ لِدَلَالَةِ عَقْلِهِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ قِوَامَهُ وَزِينَتَهُ وَهِدَايَتَهُ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّهُ وَعَلِمَ أَنَّ لِخَالِقِهِ مَحَبَّةً وَأَنَّ لَهُ كَرَاهِيَةً وَأَنَّ لَهُ طَاعَةً وَأَنَّ لَهُ مَعْصِيَةً، فَلَمْ يَجِدْ عَقْلَهُ يَدُلُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَطَلَبِهِ وَأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِعَقْلِهِ إِنْ لَمْ يُصِبْ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ فَوَجَبَ عَلَى الْعَاقِلِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَ الْأَدَبِ الَّذِي لَا قِوَامَ لَهُ إِلَّا بِهِ))([2])

فقد يقال: انه دليل على ان العقل لا يدرك موارد محبة الله تعالى وبغضه وطاعته ومعصيته، مطلقاً، بل بالعلم يدرك ذلك كله وليس إلا بالسماع عن الصادقين (عليهما السلام) والحاصل: ان ههنا دائرتان: دائرة العقل ودائرة العلم ونطاق الأول معرفة الخالق وما يتعلق به ونطاق الثاني معرفة تشريعاته وأحكامه وما يحب ويكره منها هذا.

وقد فصّلنا في بحث آخر ان منافذ المعرفة هي عشرة بين حقيقية ومدعاة ومنها: العقل ومنها: الوحي ومنها: التجربة ومنها غير ذلك([3]).

 

الأجوبة

ويمكن الجواب عن ذلك:

 

1- العقل دال على بعضها، والنفي فقط للدلالة على كلها

أولاً: ان قوله عليه السلام ((فَلَمْ يَجِدْ عَقْلَهُ يَدُلُّهُ عَلَى ذَلِكَ)) أي (على ذلك كله) فـ(كله) مقدّر قطعاً، وحيث ان التقدير خلاف الأصل فلا بد من دليل، والدليل:

1- ان سؤال السائل هو عن الاكتفاء بالعقل والاستغناء به عن غيره لا عن حجيته في بعض الأمور دون بعض، فحيث ان الإمام عليه السلام قال فيما سبق ((إِنَّ أَوَّلَ الْأُمُورِ وَمَبْدَأَهَا وَقُوَّتَهَا وَعِمَارَتَهَا الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْ‏ءٍ إِلَّا بِهِ، الْعَقْلُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ زِينَةً لِخَلْقِهِ وَنُوراً لَهُمْ فَبِالْعَقْلِ عَرَفَ الْعِبَادُ خَالِقَهُمْ)) فقد يتوهم ان العقل يُكتفى به إذاً ويصح القول (حسبنا العقل) من غير حاجة إلى الرسول والنقل، نظير قول القوم (حسبنا كتاب الله) فمصبّ جواب الإمام عليه السلام نفي الاكتفاء بالعقل لا نفي معرفته حتى ببعض موارد محبة الله وبغضه كمعرفته بحب الله للعدل وبغضه للظلم وحبه للصدق من حيث هو وبغضه للكذب بما هو هو.

والحاصل: ان السؤال عن (الاكتفاء بالعقل) قرينة متصلة تمنع انعقاد ظهور قوله عليه السلام ((فَلَمْ يَجِدْ عَقْلَهُ يَدُلُّهُ عَلَى ذَلِكَ)) في العموم بل يكفي كونه من محتمل القرينية المتصل لمنع انعقاد الإطلاق.

2- ان الإمام عليه السلام أرجع الأمر في نفي معرفة العقل لموارد محبة الله وبغضه، إلى العقل نفسه إذ قال: ((إِنَّ الْعَاقِلَ لِدَلَالَةِ عَقْلِهِ... )) فعقله دلّه على انه لا يعرف موارد محبة الله وبغضه وقال: ((فَلَمْ يَجِدْ عَقْلَهُ يَدُلُّهُ عَلَى ذَلِكَ...)) فوجدان العاقل عدم دلالة عقله على ذلك هو ما يستند إليه الإمام عليه السلام ههنا، فإذا كان ذلك كذلك، وهو كذلك، فان عقله إذا دلّه على معرفة بعض موارد حب الله وبغضه (كحب العدل والصدق ورد الوديعة... الخ) كان حجة: فانه اما ان يكون حجة في الموردين أو لا حجة في الموردين (إثباتاً ونفياً) إذ الفرض ان الإمام عليه السلام استدل بدلالة العقل ولولا انه حجة لما صح الاستدلال به بل كان من التعبد المحض هذا خلف، فتكون دلالة العقل حجة كلها، بعبارة أخرى: ان المستفاد من ((فَلَمْ يَجِدْ عَقْلَهُ يَدُلُّهُ عَلَى ذَلِكَ)) بدلالة الاقتضاء أو الإشارة([4]) هو انه (إذا وجد عقله يدل على ذلك) فانه يُكتفى به.

بعبارة أخرى: ان الإمام عليه السلام استدل بـ((فَلَمْ يَجِدْ عَقْلَهُ يَدُلُّهُ عَلَى ذَلِكَ)) فإذا وجد العاقل عقله دلّ على ذلك خرج عن موضوع كلام الإمام عليه السلام.

3- ان الإمام عليه السلام استدل بـ((وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْعِلْمِ وَطَلَبِهِ)) فهو خاص بما علم العقل انه لا يوصل إليه إلا بالعلم، أما ما علمه العقل بذاته أي ما أودعه الله فيه من العلم وفَطَرَ عقله عليه كعلمه بقبح الكذب وحسن الصدق فانه لا يجب عليه تحصيل العلم به من الغير لأنه طلب الحاصل، بل يستحيل القول بحاجة العقل في مستقلاته إلى إمضاء الغير لحجيته إلا على وجه دائر كما سبق، وبعبارة أخرى: ان العقل يدرك قبح كذب النبي صلى الله وعليه واله وسلم في إبلاغ التشريعات عن الله وموارد طاعته ومعصيته وما يحبه الله ويبغضه، فلا بد ان يكون حجة ذاتية يُكتفى بها وإلا للزم عدم حجية قول النبي أصلاً إذ يحتمل انه – والعياذ بالله – يكذب ولا دافع له إلا القول بحجية حكم العقل بقبح كذب النبي (أو إدراكه له) اما لو قلنا بان هذا مما لا يعلمه العقل بل يحتاج فيه إلى تأييد من الشرع تسلسل؛ إذ غاية الأمر ان يقول النبي صلى الله وعليه واله وسلم (انني صادق في كل ما أنقله لكم عن الله تعالى) ولكن من أين انه صادق في هذا الكلام؟ فلعله يكذب – والعياذ بالله – فلا بد من القول بحجية حكم العقل بقبح كذبه، وإلا، لو أرجعنا الحكم بقبح الكذب إلى الشرع، لتسلسل.

 

2- تصريحه عليه السلام بـ(وعرفوا به الحَسَنَ من القبيح)

ثانياً: ما سبق من الإمام عليه السلام بنفسه صرح قبل ذلك بأسطر بتوسعة دائرة حجية العقل إلى معرفة الحسن والقبيح من الأفعال إذ قال (وعرفوا به الحسن من القبيح).

 

إشكال: فالقطع حجيته ذاتية لا العقل

لا يقال: العقل إذا قطع، فالقطع حجيته ذاتية، لا العقل، نظير القطع الحاصل من الأحلام والرمل والاسطرلاب فانه حجة على القاطع لا لأن المنامات والرمل حجج بل لأن القطع حجة؟.

 

الجواب: بل العقل لأنه مصيب دائماً

إذ يقال: بل العقل حجيته ذاتية وهو العلة للقطع، عكس الأحلام والرمل وشبهها، بعبارة أخرى: ان القطع واسطة في عروض الحجية للأحلام لكنه واسطة في ثبوت الحجية للعقل، فتأمل فانه دقيق.

بعبارة أخرى: الفرق بين الأحلام والعقل حتى لو أفاد كل منهما القطع، ان العقل مصيب في قطعه دائماً، اما الأحلام فالقطع الحاصل منها يدور بين المطابق وبين الجهل المركب، فمن ذلك يعلم ان العقل حجة بذاته حيث أصاب الواقع دائماً في كل ما حكم به، عكس الأحلام التي يصادف ان يطابق الواقع فكيف تكون حجة بذاتها أو حتى حجة عرضية مادامت غالبة المخالفة للواقع؟

بعبارة ثالثة: العقل إذا أفاد القطع (وهو دائماً يفيد القطع في مستقلاته) هو كالوحي في حجيته الذاتية لأنه دائماً يفيد القطع وهو دائماً لا يخطئ الواقع، وكما لا يصح القول ان الوحي حيث أفاد القطع كان القطع الحاصل منه حجة ذاتية لا الوحي نفسه، كذلك لا يصح القول بنظير ذلك في العقل والقطع الحاصل عنه. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((تَعَطَّرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لَا تَفْضَحْكُمْ رَوَائِحُ الذُّنُوبِ‏)) (الأمالي للطوسي: ص372).

 

 

------------------------------------------------------------------

([1]) أي على موارد محبة الله وبغضه وطاعته ومعصيته.

([2]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص28.

([3]) راجع مدخل إلى علم العقائد: نقد النظرية الحسّية.

([4]) ذكرنا في كتاب المعاريض والتورية: (النوع الثالث: دلالة الإشارة

ومن أنواع المعاريض دلالة الإشارة، وقد عرفها البعض بـ: (ما لم يقصده المتكلم لكنه يعدّ من لوازمه). لكن هذا التعريف ناقص وقاصر، والأدق والأشمل أن يعرف بـ: ما لم يقصده المتكلم، أو لم يظهر منه في بادئ النظر أن المتكلم قصده، ولم يوضع له ولم يستعمل فيه، لكنه عد من لوازمه أو ما يستدعيه، ويُنتقل منه إليه عرفاً أو عقلاً بحكمة أو بمناسبات الحكم والموضوع أو غيرها، سواء أكان من لوازمه ثبوتاً أم إثباتاً»، ووجه هذه القيود والإضافات يظهر بالتدبر، ولعل بعضها سيأتي).

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3500
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 19 رجب 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15