• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 378- تأكيد الإطلاق المقامي النافي للضمان - شرطا المحقق العراقي لتمامية الإطلاق المقامي .

378- تأكيد الإطلاق المقامي النافي للضمان - شرطا المحقق العراقي لتمامية الإطلاق المقامي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(378)

 

الاعتراض بان الرادع عن سيرة الناس يجب ان يكون بِقوّتها

وقد يجاب عن الأدلة السابقة، بان سيرة المتشرعة لم تكن على ضمان الأكثر من الدية أو الارش أي انها لم تكن على ضمان الجاني لأجرة الطبيب حتى لو كانت أكثر من الدية، أو على ضمان انخفاض القيمة السوقية أو خسارته فرصة عمله، وما ذُكر من الأدلة (من لا ضرر بناء على كونها منشئة للحكم ومن حرمة ماله كحرمة دمه وغيرها) حتى لو تمت في نظر الفقيه فانها لا تكفي رادعاً عن هذه السيرة، فيكون الإطلاق المقامي النافي لضمان الثلاثة محكماً.

 

وإلا كان سكوته أو ردعه الضعيف نقضاً للغرض

توضيحه: انه إذا استقرت سيرة العقلاء أو المتشرعة على أمرٍ وجب ان يكون الدليل الرادع بقوة المردوع أي من القوة بمكانٍ بحيث يصلح نوعاً للرادعية عن السيرة، كما نجد ذلك جلياً في القياس حيث ان الروايات الرادعة كثيرة واضحة صريحة فصلحت للردع عن سيرتهم المستقرة على القياس، اما المقام فلا؛ إذ الأدلة التي سقناها لم تكن من الوضوح، على الأقل في نظر عامة الفقهاء على مرّ التاريخ، بحيث تصلح للردع عن تلك السيرة وبعبارة أخرى: ان الأدلة اما كانت بذواتها خافية عليهم([1]) أو غير تامة لديهم كإطلاق من أتلف مال الغير كان له ضامناً أو كان مبناهم فيها غير ما ذكر (كعدم كون لا ضرر منشأً للحكم بنظرهم) أو كانت غير واضحة الدلالة على المدعى([2]) كـ(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها).

والحاصل: ان الشاهد على ان الرادع لم يكن بقوة المردوع عنه (المدعى) إطباق الفقهاء على عدم ضمان الثلاثة، مع جريان السيرة على عدم ضمانها، ولو كان الرادع بالمستوى لأفتى بعضهم على الأقل بالضمان.

بعبارة أخرى: انه لا يكفي المولى للمحافظة على أغراضه الملزمة ان يقيم دليلاً أو دليلين عن الردع عن السير المستقرة مادام لا يجدهما وافيين بإحاطة الفقهاء، نظرياً على الأقل، بوجود أدلة تامة على الردع، فعدم إقامته أدلة وافية مع جريان السيرة على عدم الضمان، إغراء بالجهل لو كان حكم الشارع الضمان.

 

مستندان لتمامية الإطلاق المقامي

والتحقيق: ان الإطلاق المقامي يمكن ان يفسر بأحد وجهين ذكرهما المحقق العراقي، ونستند في أصلهما إلى كلامه مع إضافة توضيحات له فنقول:

الوجه الأول: ان يستند إلى برهان الغرض.

والوجه الثاني: ان يستند إلى ظاهر حال المتكلم.

 

1- الإطلاق المستند إلى برهان الغرض

فإن كان مستند الإطلاق المقامي هو الوجه الأول (لزوم محافظة المولى على أغراضه الملزمة التي لأجلها شرّع الأحكام من تكليفية ووضعية) فانه يشترط في تمامية الإطلاق المقامي حينئذٍ أمران:

 

ويشترط فيه: غفلة النوع وبناؤهم العملي على العدم

الأول: ان يكون النوع مما يغفل عادة عن ذلك الحكم.

الثاني: ان يكون بناؤهم على إجراء البراءة دون الاحتياط.

فان النوع لو كانوا ملتفتين إليه عادة وكان بناؤهم على الاحتياط فيه، لما صح الاستناد إلى الإطلاق المقامي (وسكوت الشارع عنه) لنفي وجوبه أو حرمته فانه إذا كان بناؤهم على الإتيان به (في محتمل الوجوب) وعلى تجنبه (في محتمل الحرمة) فان غرض الشارع يكون متحققاً وإن لم يوصِل لهم إيجابَه أو تحريَمه فلا يكون سكوته عن الإيجاب دليلاً على عدم الوجوب ولا سكوته عن التحريم دليلاً على عدم الحرمة، إذ مادام منطلق دلالة الإطلاق المقامي على نفي الوجوب أو الحرمة أو الجزئية أو الشرطية أو شبهها، هو انه يلزم من عدمه التفريط بالغرض، فانه لا يلزم مع بناء نوع الناس على الاحتياط التفريط بغرضه لأنه حاصل حتى مع سكوته عن التصريح بالأمر أو النهي.

 

مسائل تطبيقية:

ولنمثل لذلك بمسائل أولها ما جرى بحث الأعلام حوله، والباقي نطرحه عليكم تمريناً:

 

نفي قصد الوجه والتمييز بالإطلاق المقامي

المسألة الأولى: قصد الوجه وقصد التمييز، والمراد بالأول ان يقصد ان يصلي مثلاً صلاة الظهر لوجوبها وصلاة الليل لاستحبابها، فالوجوب والندب هما وجه الحكم فهل يجب قصدهما أم يكفي قصد مطلق الأمر (في صلاة الظهر وصلاة الليل)؟ وكذلك قصد التمييز فهل يجب ان يقصد ان هذه الظهر أو هذه هي العصر أو يكفي ان يقصد الأمر المتوجه إليه إجمالاً الآن؟.

وقد استدل العديد من الأعلام على نفيهما بالإطلاق المقامي: وانه حيث لم يرد نص من الشارع باشتراطهما في صحة الصلاة وحيث سكت الشارع عنهما وحيث كان الناس يغفلون عنهما عادة (لو لم ينبه الشارع) وكان بناؤهم عملاً على البراءة – أي عدم الإتيان بهما لو لم ينبهوا، فلو كان شرطاً لصحة الصلاة لدى الشارع ولم ينبه عليه للزم منه تفويت غرضه فيكشف من سكوته عدم كونهما شرطاً.

 

نفي حرمة المشي في الأراضي الكبار، بالإطلاق المقامي

المسألة الثانية: المشي في الأراضي الكبار جداً المعترضة طريق الناس، المملوكة للغير، فان سيرة الناس جرت على المشي فيها (لصعوبة الالتفاف حولها) فهل يكشف سكوت الشارع عن التصريح بالحرمة عن جواز ذلك وكونه مستثنى من عموم ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ))([3]) استناداً إلى ان عمومات النهي عن التصرف في مال الغير غير كافية للرادعية عن هذه السيرة المستقرة؟ وان ركني الإطلاق المقامي تامان: غفلة عامة الناس عن الحرمة مع بنائهم العملي على البراءة (أي الاقتحام والمشي وليس المراد البراءة بعنوانها).

 

حرمة مداعبة الرجل نفسه حتى دون إنزال

المسألة الثالثة: ملاعبة الرجل نفسه بدون حد الامناء، فانه مع الإمناء حرام قطعاً، فهل يصح القول بجواز الملاعبة دون الإمناء استناداً إلى الإطلاق المقامي وانه لم يرد من الشارع نص فيه بالخصوص (وإن أمكن الاستناد إلى عموماتٍ) وان الناس يغفلون عن حرمته عادة أو يهملون أو يتسامحون وان بنائهم – أي كثير منهم – على البراءة (أي على فعل ذلك) ومع ذلك لم يصرح الشارع برادع واضح يكفي ان يكون بمستوى قوة سيرة الكثيرين، في الرادعية عنها، فيكشف منه جواز ذلك، أم لا؟ وللبحث صلة بإذن الله تعالى.                                  

 

    وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَدْعُو اللَّهَ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُؤَجِّلَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِمَأْثَمٍ ‏)) (عدة الداعي: ص40).

 

--------------------------------------

([1]) أي غير واصلة لهم، وهذا بعيد لأن الأدلة الذي ذكرناها، موجودة في أمهات كتب الحديث.

([2]) وهو ضمان الثلاثة.

([3]) محمد بن الحسن الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليه السلام - قم، ج14 ص572.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3487
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 10 رجب 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15