• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 360- المباني التسع في النهي المولوي والإرشادي وتطبيقها على (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ...) .

360- المباني التسع في النهي المولوي والإرشادي وتطبيقها على (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ...)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(360)

مناقشة لكنائية (لا تَأْكُلُوا) عن لا تتصرفوا، والجواب
سبق: (إذ يقال: لا ينفي ذلك ظهور (لا تَأْكُلُوا) في لا تتصرفوا، غاية الأمر انه لا يشمل بلفظه بعض أنواع التصرف، فيعمَّم الحكم إليها بالمناط القطعي أو بالقول بعدم الفصل أو يقال بان (لا تَأْكُلُوا) كناية عن تتصرفوا وإن انصرف عن بعض أفراده لكنه لقلة الاستعمال لا لعدم الصدق، أو انه كناية عن التصرف في الجملة لا على إطلاقه. فتأمل)([1])
وبعبارة أخرى: عدم شمول (لا تَأْكُلُوا...) لبعض أنواع التصرف غير ضار بظهور الآية في لا تتصرفوا دون لا تتملكوا أو لا تأكلوا بالازدراد، أي ان ظاهرها الكنائية عن لا تتصرفوا لا عن لا تتملكوا وشبهه، وعدم شمول (تَأْكُلُوا) لبعض أنواع التصرف لقبٌ لا مفهوم له، بل يكفي ان تحرم سائر التصرفات بالأدلة الأخرى كـ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ))([2])، على ان ما لا تشمله الآية الكريمة من أنواع التصرفات بناء على تفسيرها بـ(لا تتملكوا) و(لا تأكلوا بالفم) أكثر بكثير مما لا تشمله بناء على تفسيرها بـ: لا تتصرفوا، فاللجوء إلى المعنيين فراراً من محذور عدم الشمول فرار من المطر إلى الميزاب. فتدبر

المعاني الخمس للإرشاد
ثم انه سبق ان المحتملات في (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ)([3]) هي ست، خامسها وسادسها ان يكون النهي مولوياً أو إرشادياً، ونضيف: ان للارشادية خمس معانٍ: الإرشاد إلى الفساد أو المفسدة أو المنقصة أو الكراهة أو الحزازة:
أولاً: الإرشاد إلى الفساد أي فساد المعاملة، فتفيد الآية، على هذا، فساد أي معاملة كانت أكلاً لأموال الناس بالباطل.
ثانياً: الإرشاد إلى المفسدة في هذه المعاملة، ووجود المفسدة فيها أعم من حكم الشارع أو العقلاء بفسادها أي بطلانها، كما ان الحكم بفسادها دالّ على وجود المفسدة فيها؛ نظراً لتبعية الأحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات.
ثالثاً: الإرشاد إلى المنقصة فيها، والمنقصة قد تكون مقابل الكمال وقد تكون مقابل اكتمال الأجزاء والشرائط([4])، وهي غير المفسدة؛ إذ ليس كل ذي نقص ذا مفسدة فقد يكون الدواء أو البيت ناقصاً ولا مفسدة فيه، كما ليس كل ذي نقص فاقداً لبعض الأجزاء والشرائط.
رابعاً: الإرشاد إلى الكراهة فيها، أي كونها مكروهة شرعاً بالمعنى المقابل للمستحب، وهل هو إرشاد كما ذكر أو مولوي؟ سيأتي.
خامساً: الإرشاد إلى الحزازة فيها، كالمعاملة مع مَن كان ثم لم يكن أو مع الاكراد أو شبه ذلك.

المباني التسع في ضابط النهي المولوي
وتحقيق ذلك كله مبني على تحقيق المبنى في ضابط الأمر والنهي المولوي والإرشادي، فنقول: المباني فيه تسعة أو أكثر:
الأول: ان النهي المولوي (ونظيره الأمر المولوي) ما صدر من المولى بما هو مولى مُعمِلاً مقام مولويته، وهو المختار وقد فصّلنا وجه القيود وسائر المباني ومناقشاتها في (الأوامر المولوية والإرشادية) فراجع، وهل (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ...) كذلك؟ سيأتي.
الثاني: انه ما أنشا بلحاظ مفسدة الآخرة، وهل الآية كذلك؟
الثالث: انه ما كان مبغوضاً للمولى وقد انشأ لمبغوضيته لديه، وما حال الآية؟.
الرابع: انه ما عدا المستقلات العقلية، وهل حرمة أكل أموال الناس بالباطل من المستقلات العقلية؟ ثم هل بطلانها من المستقلات العقلية؟
الخامس: انه ما لم يلزم من مولويته الدور والتسلسل، فما لزم منه أحدهما فإرشادي، كأمر الإطاعة كما قالوا وناقشناه في محله، وما هو حال أمر التوبة؟
السادس: انه ما لم تكن المفسدة فيه معلومة للمأمور، قبل النهي.
السابع: انه ما توقفت المصلحة أو المفسدة على النهي نفسه، كالنهي الامتحاني إذ تقوم المصلحة فيه بالنهي نفسه مع انه لا مفسدة في المنهي عنه. وللبحث تتمة وصلة بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا وَقَدْ وَكَّلْتُ بِهِ مَنْ يَقْبِضَهُ غَيْرِي إِلَّا الصَّدَقَةَ فَإِنِّي أَتَلَقَّفُهَا بِيَدِي تَلَقُّفاً حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَصَدَّقُ بِالتَّمْرَةِ أَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَأُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي الرَّجُلُ فَلُوَّهُ وَفَصِيلَهُ فَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ مِثْلُ أُحُدٍ وَأَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ)) (الكافي: ج4 ص47).

---------
([1]) الدرس (359) والتأمل يعود لكلا الوجهين الأخيرين.
([2]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج1 ص222.
([3]) سورة النساء: آية 29.
([4]) ولها خمس معان أخرى ذكرناها سابقاً.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3423
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 4 جمادى الآخرة 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28