بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(358)
الشيخ: لا ملازمة شرعية بين الملكية وإفادة المعاطاة حلّية كافة التصرفات
وإلى الأمرين الأول والثاني الماضيين أشار الشيخ بقوله: (اللّهم إلّا أن يقال: إنّهما لا تدلّان على الملك وإنّما تدلّان على إباحة جميع التصرفات حتى المتوقّفة على الملك كالبيع والوطء والعتق والإيصاء، وإباحة هذه التصرفات إنّما يستلزم الملك بالملازمة الشرعيّة الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع وعدم القول بالانفكاك دون المقام الذي لا يعلم ذلك منهم حيث أطلق القائلون بعدم الملك إباحة التصرفات.
وصرّح في المسالك: بأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ جميع التصرّفات غاية الأمر أنّه لا بدّ من التزامهم بأنّ التصرف المتوقّف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آناًما؛ فإنّ الجمع بين إباحة هذه التصرّفات وبين توقّفها على الملك يحصل بالتزام هذا المقدار ولا يتوقّف على الالتزام بالملك من أوّل الأمر ليقال: إنّ مرجع هذه الإباحة أيضاً إلى التمليك)([1]) هذا.
وقد أشار الشيخ فيما بعد إلى ان القول بالملازمة العرفية لا إشكال فيه أي في دلالته على إفادة المعاطاة للملك مادامت تفيد إباحة جميع التصرفات حتى الناقلة.
إشكال على الشيخ وجواب
ولكن قد يورد عليه: بانه قدس سره اعتبر الدليل الوحيد على الملازمة الشرعية هو الإجماع فأشكل عليه صغرى بعدم تحققه في المقام([2]) مع انه قد يستدل على الملازمة بالروايات التي استند إليها الشيخ واعتمد عليها المشهور الناصة على ((لَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ))([3]) و((لَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا تَمْلِكُ))([4]) فهذه وأشباهها دالة على ملازمة التصرفات الناقلة (كالعتق والبيع) للملكية.
ولكنه غير تام؛ إذ لا توجد رواية واحدة تفيد عموم الملازمة بل إنما وردت بعض الروايات الخاصة في موارد خاصة كالعتق والبيع فدلت على التلازم بين صحة العتق عن نفسه وبين ملكه له وكذا البيع وشبهه مما وردت فيه رواية، ولا توجد رواية واحدة دالة على التلازم بين المعاطاة المفيدة – فرضاً – لإباحة كل التصرفات، وبين الملك، فتعدية الملازمة من تلك الموارد المنصوصة إلى هذا المورد (المعاطاة) قياس باطل.
نعم يرد على قوله (بالملازمة الشرعيّة الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع وعدم القول بالانفكاك) ان الملازمة الشرعية حاصلة في سائر المقامات، بتلك الروايات الظاهرة عرفاً في الملازمة فان ((لَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ)) مع تجويز الشارع لك العتق دليل – عرفاً – على انه اعتبره ملكاً للمعتق([5]) فتأمل([6]).
وحاصل كلام الشيخ: ان المعاطاة حتى لو قلنا بانها مفيدة لإباحة التصرفات حتى الناقلة فانها لا تفيد بنفسها الملك نعم إذا باع ما أشتراه بالمعاطاة، بعد ذلك فان بيعه يكشف عن سبق ملكه له آناما قبل البيع، فالملكية حاصلة قبل البيع (أو به، على نحو الشرط المتأخر) لا بالمعاطاة نفسها.
وبعبارة أخرى: صحة البيع أعم من حصول الملك المعهود، بالمعاطاة، ومن حصول الملك الآناًمائي (وهو ملك غير معهود) قبل البيع فلا تدل صحة البيع على مملّكية المعاطاة. فتدبر جيداً.
ولذا قال الشيخ: (فيجوز للفقيه حينئذٍ التزام إباحة جميع التصرفات مع التزام حصول الملك عند التصرف المتوقف على الملك لا من أول الأمر)([7]).
الثمرة بين كون معنى (لا تَأْكُلُوا) تتصرفوا أو تتملكوا
فهذا كله على الاحتمال الثاني وهو القول بان (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) كناية عن (لا تتصرفوا)، واما الاحتمال الثالث هو ان (لا تَأْكُلُوا) كناية عن (لا تتملكوا) فسيأتي الكلام عنه، إلا انه يجب بيان الثمرة بين الاحتمالين، فنقول: إن أهم ثمرة هي ان الأكل لو كان بمعنى التصرف لاحتجنا في إثبات دلالة الآية على إفادة المعاطاة للملك اللازم، استناداً إلى كونها مصداق التجارة عرفاً، إلى الأمرين السابقين وإثبات الملازمة عرفاً أو شرعاً، اما لو استظهرنا ان المراد من (لا تَأْكُلُوا) هو لا تتملكوا فان الآية تكون دالة بالمطابقة على المدعى إذ يكون معناها لا تتملكوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن يكون تملكاً بالتجارة، فنقول: وحيث ان المعاطاة تجارة بالحمل الشائع عرفاً فانه مفيدة للتملك، فالدلالة مطابقية عكس الاحتمال الثاني الموقوف على إثبات الدلالة الالتزامية بإجماع أو غيره. وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
روي عن أبي جعفر عليه السلام انه قال: ((كَفَى بِالْمَرْءِ عَيْباً أَنْ يَتَعَرَّفَ مِنْ عُيُوبِ النَّاسِ مَا يَعْمَى عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ نَفْسِهِ أَوْ يَعِيبَ عَلَى النَّاسِ أَمْراً هُوَ فِيهِ لَا يَسْتَطِيعُ التَّحَوُّلَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ أَوْ يُؤْذِيَ جَلِيسَهُ بِمَا لَا يَعْنِيهِ))
(الكافي: ج2 ص460).
-------------------------------------------
([1]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، ط/ تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص42.
([2]) أي المعاطاة إذ لا إجماع فيها، إن لم يكن على خلافه الإجماع، على ملازمة حلّية كل التصرفات للملكية إذ التزم الكثير (وإن لم يكن الإجماع) على انها مبيحة لكل التصرفات حتى الناقلة والتزموا في الوقت نفسه بانها غير مملِّكة.
([3]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج6 ص179.
([4]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج2 ص247.
([5]) الفضولي مثلاً الملحوق بالإجازة.
([6]) لوجود وجه ورأي آخر ولابتنائه على ان الإجازة ناقلة أو كاشفة، ولغير ذلك.
([7]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، ط/ تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص43.
|