• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 155- تتمات - العامان من وجه ليسا من الحديثين المتعارضين .

155- تتمات - العامان من وجه ليسا من الحديثين المتعارضين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(155)

 

مناقشة الشيخ: سواء على استقلال العقل بوجوب الأمر بالمعروف المتوقف على الولاية، وعدمه

تتمة: سبق: (2- استقلال العقل بوجوب الأمر بالمعروف، يقيّد دليل تحريم الولاية) فراجعه، ونضيف: ان الشيخ قدس سره اما ان يقول بان العقل مستقل بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً أي حتى في مورد اجتماعه مع الولاية عن الجائر (بان كانت جسراً وطريقاً لهما) أو لا يقول بذلك بل يرى حكمه خاصاً بغير مورد الاجتماع.

فان رأى الأول، ورد عليه: ما سبق من إشكال التبريزي وبياناتنا الأخرى له.

وإن رأى الثاني، ورد عليه: انه، بناء عليه، فلا حكم للعقل في مورد الاجتماع، فكيف يقول بمرجعية العقل وحكمه بوجوب الأمر بالمعروف في مورد الاجتماع بعد تعارض الأدلة النقلية والتوقف فيها؟

 

أربع مرجّحات لروايات وجوب الأمر بالمعروف، على روايات حرمة الولاية

تتمة أخرى: سبق: (نعم قد يقال ان المرجّحات في المقام مفقودة (وإن غفل عن ذكر ذلك الجواهر) لكن فيه ان الظاهر وجودها إذ روايات الأمر بالمعروف متواترة، وهي أكثر عدداً وأقوى سنداً من روايات حرمة الولاية للجائر. فتأمل وللبحث صلة بإذن الله تعالى)([1]).

ومزيد التوضيح والتقوية ان روايات الأمر بالمعروف هي:

أولاً: أكثر عدداً من روايات المنع عن الولاية من قبل الجائر فان تلك بالمئات وهذه بالعشرات.

وثانياً: أصح سنداً لكثرة الصحاح فيها.

وثالثاً: أقوى دلالة؛ لأن روايات الأمر بالمعروف بل والآيات من قبلُ، صريحة في وجوبه اما روايات النهي عن ولاية الجائر فغاية الأمر انها ظاهرة في حرمتها الذاتية ولذا نجد انه حتى الجواهر لم يبت ولم يجزم بل قال: (بناء على حرمة الولاية في نفسها)([2]) ولئن بنى عليه فان المسألة لا شك في انها خلافية، والروايات غير صريحة في الحرمة الذاتية بل لمستظهر ان يقول بان التحريم غيري مقدمي، وإن استظهرنا الحرمة الذاتية لكن الكلام في انها ظاهرة وليست نصاً، واما أدلة الأمر بالمعروف فهي نص في الوجوب فالأرجحية لروايات الأمر بالمعروف فلا تصل النوبة للتخيير بينهما (الولاية أو الأمر بالمعروف) الذي صار إليه الجواهر.

تنبيه: إنما بنى الجواهر التعارض على كون الولاية محرمة ذاتاً لأنه على حرمتها الغيرية فانه لا تعارض في مفروض المسألة بين الولاية في حد ذاتها (مع قطع النظر عن فعل الحرام) وبين الأمر بالمعروف لوجوب الأمر حينئذٍ بلا شك مادامت الولاية غير محرمة نفساً ولم تقع مقدمة للحرام بل وقعت مقدمة للأمر بالمعروف صرفاً.

ورابعاً: هي مطابقة للكتاب عكس روايات النهي عن الولاية.

 

معنى (وَلا تَرْكَنُوا) وعدم انطباقه على من اتخذ الولاية جسراً للهداية

لا يقال: بل هي مطابقة له لقوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)([3]).

إذ يقال: كلا، لأن مورد الاجتماع ليس مشمولاً للآية موضوعاً أي انه من السالبة بانتفاء الموضوع لا المحمول.

توضيحه: ان (الركون) فُسر بالميل للظالم ولا شك انه لا يصدق على من تولى ولاية من قبله واتخذها جسراً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محضاً ولم يلبِس عمله بظلم أبداً، فانه لا يصدق عليه انه (ركن للظالم) ألا ترى ان يوسف النبي لم يصدق عليه انه ركن للظالم موضوعاً؟ ولا يقال: انه ركن للظالم لكن ركونه إليه كان جائزاً أو واجباً لمزاحمته بالأهم! وكذلك أمثال علي بن يقطين والنجاشي فانه لا يصدق عليهم الركون للظالم، ثم انه لو فرض الصدق لغةً وعرفاً فهو منصرف قطعاً عن أمثالهم ومطلق من اتخذ الولاية جسراً للهداية والأمر والنهي دون الوقوع في أي محرم.

وعليه: فان مورد الاجتماع أي (الولاية من قبل الجائر ليأمر بالمعروف مع تمحضه فيه وعدم خلطه بظلم) ليس مشمولاً للآية موضوعاً وهو مشمول لآيات الأمر بالمعروف فهي المطابقة للكتاب دون روايات النهي عن الولاية إذ لا تطابق الكتاب لاختصاصه بالمنع عن الركون وهذا ليس ركوناً فتدبر جيداً.

ثم انه سبق (شمول أدلة التراجيح فالتخيير للعامين من وجه

الثاني: ما صار إليه جمع من الفقهاء (ومنهم من كان بانياً على العدم ثم عدل إليه، كالسيد صادق الروحاني في فقه الصادق([4]) عليه السلام) من ان أدلة التراجيح فالتخيير تشمل العامين من وجه فيجب الترجيح بها فان عدمت فالتخيير، ولعل هذا مبنى الجواهر)([5])

 

حجة عدم شمول أدلة الترجيح فالتخيير أو التوقف، للعامين من وجه

لكن المنصور عدم شمول أدلة التراجيح فالتخيير أو التوقف للعامين من وجه؛ وذلك لوجهين:

 

لأن وصف العامين من وجه بالمتعارضين، مجاز

الأول: ان وصف العامين من وجه بالحديثين المختلفين، مجاز لا يصار إليه إلا بقرينة وليست موجودة كما لم يُقِم أحد، من مدعي شمول الحديثين المختلفين للعامين من وجه، دليلاً على وجودها.

توضيحه: ان قوله عليه السلام ((يَأْتِي عَنْكُمُ الْخَبَرَانِ أَوِ الْحَدِيثَانِ الْمُتَعَارِضَانِ فَبِأَيِّهِمَا آخُذُ...))‏([6]) قد وصف فيه الخبران أو الحديثان بالتعارض، وذلك حقيقةٌ في المتعارضين بالتباين، اما المتعارضان في الجملة أي في مادة الاجتماع فان وصفهما بانهما متعارضان من وصف الكل بوصف الجزء ومصحّحه علاقة الكل والجزء وهو من المجاز، والحاصل: ان اصالة الحقيقة تقتضي إرادة المختلفين بكلهما لا ببعضهما فتدبر.

 

ولأن الروايات ناطقة بالاختصاص بالمتباينين

الثاني: ان الروايات التي تفيد التخيير بعد فقد المرجّحات، كما ذهب إليه الجواهر، أو التي تفيد التوقف والإرجاء، كما ذهب إليه المكاسب، ناطقة بانها خاصة بالمتباينين دون العامين من وجه لإفادتها الطرح السندي للمرجوح مما لا يمكن الالتزام به في العامين من وجه، وذلك يظهر بتصفح الروايات وسيُبرهن مدعانا بإذن الله تعالى عبر التفقه فيها، فانتظر.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((مَنْ كَثُرَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَثُرَتْ حَوَائِجُ النَّاسِ إِلَيْهِ فَمَنْ قَامَ لِلَّهِ فِيهَا بِمَا يَجِبُ فِيهَا عَرَّضَهَا لِلدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ وَمَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ وَالْفَنَاءِ‏)) (نهج البلاغة، ص541).

 

---------------------------

([1]) الدرس (154).

([2]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، دار إحياء التراث العربي – بيروت، ج22 ص164.

([3]) سورة هود: آية 113.

([4]) فقه الصادق ج21 ص389 قال: (فان المختار اخيراً تعين الرجوع إلى الاخبار العلاجية في موارد التعارض بالعموم من وجه مطلقا).

([5]) الدرس (154).

([6]) ابن ابي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج4 ص133.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3369
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 1 جمادى الأولى 1440هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19