• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 341- الاطلاق ترك القيود وتطابق العوالم الثلاثه .

341- الاطلاق ترك القيود وتطابق العوالم الثلاثه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(341)

 

مواطن الإطلاق والتقييد: العوالم الثلاثة

والتحقيق: ان للاطلاق – وكذا التقييد – مواطن ثلاثاً في عوالم ثلاث: الإطلاق أو التقييد في مرحلة الوجود اللفظي، الإطلاق أو قسيمه في مرحلة الوجود الذهني واللحاظي، الإطلاق أو عكسه في عالم الواقع السابق رتبةً عليهما وهو عالم الثبوت وحاملية الغرض.

 

وهي متطابقة ومرائي لبعضها

وهذه العوالم يجب ان تكون متطابقة بالنظر إلى الحكمة كأصل عام، والعالم الأول مرآة للعالم الثاني والثاني مرآة للعالم الثالث فان الإطلاق في اللفظ أو التقييد فيه يحكي، أي الأصل فيه ان يحكي، الإطلاق أو التقييد في عالم اللحاظ والمفاهيم والذهن، ثم الإطلاق أو التقييد في هذا العالم يحكي عن الإطلاق أو التقييد في عالم الثبوت وما هو حامل المصلحة والمفسدة، وذلك لأن الفرض ان الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في المتعلقات فتقييُده موضوعَ حكمِهِ بالإكرام بالعالم العادل مثلاً لا يكون إلا إذا كان غرضه قائماً بإكرام العالم المقيد بالعدالة وإلا لم يصح التقييد إذا كان غرضه قائماً بإكرام العالم بما هو عالم مع قطع النظر عن أي شيء آخر أو في أية صورة وحالة كان العالم.

 

فالإطلاق عدم التقييد لا رفضه ولا لحاظ عدمه

إذاً تمّ ذلك ظهر ان الإطلاق هو عدم التقييد أو تركه لا رفضه خاصة (فانه أخص مطلقاً) ولا ضمه وجمعه مع غيره، كما انه ليس لحاظ عدم التقييد بل هو عدم لحاظه.

توضيحه: انه تبعاً لقانون تبعية العوالم الثلاث بعضها لبعض فان مرجع الكل إلى عالم الثبوت فانه أصل الكل ثم مرجع عالم الوجود اللفظي إلى عالم الوجود الذهني فانه متفرع عليه، وعند التدبر في حقيقة الإطلاق والتقييد في عالم الثبوت والاغراض القائمة بموضوعات الأحكام نجد انه إذا كانت للقيد (كالعدالة) مدخليةٌ واقعاً وثبوتاً في المصلحة وفي غرض المولى (من إيجاب إكرام العالم مثلاً) فانه يلاحظه قيداً وإن لم تكن له مدخلية ثبوتاً فانه لا يلاحظه قيداً، ثم انه إن لم يلاحظه قيداً فانه لا يذكره في عالم الوجود اللفظي قيداً، فقد تطابقت العوالم الثلاث في كون الإطلاق هو العدم: عدم مدخلية القيد في غرض المشرّع، وحيث انه لا مدخلية له في غرضه فلا يلاحظه قيداً لموضوع حكمه في عالم المفاهيم والأحكام الذهنية (ولا حاجة للحاظ العدم فانه أخص بل لو فرضت المساواة فلا حاجة أيضاً للغوية إلا لوجهٍ آخر؛ إذ إذا كفى عدم اللحاظ لما كانت حاجة للحاظ العدم) وحيث لم يلاحظه قيداً في عالم الذهن لم يأخذه قيداً في عالم اللفظ.

وعليه: فعدم ذكر القيد مرآة لعدم لحاظه وهو مرآة لعدم مدخليته في الغرض، فثبتت أصالة الإطلاق بهذا البيان السهل اللطيف، فتدبر.

 

الإطلاق لغة

ويؤيد ذلك كله: ان الإطلاق لغة بمعنى الترك والإرسال والتخلية([1]) والإرسال أعم من بعثه ودفعه ومن عدم تقييده فانه إذا لم يقيد الدابة فقد أرسلها وأطلقها ولا يشترط في صدق انه أطلقها وأرسلها ان يبعثه للابتعاد عنه مثلاً، ولذا يصح بالحمل الشائع قطعاً ان يقال انه أطلق سراحه إذ لم يغلق باب السجن عليه فخرج، فهذا هو المبحث الأصولي الأول إشارةً واما تفصيل الأخذ والرد فموكول إلى ما هنالك.

 

الإطلاق والتقييد صفتان للفظ أم للمعنى؟

المبحث الثاني: تحقيق حال الإطلاق من جهة أخرى أيضاً وهي ان الإطلاق والتقييد هل هما من صفات اللفظ أم هما من صفات المعنى؟ ذهب إلى الثاني العديد من المحققين ومنهم الميرزا النائيني بينما ذهب مشهور من سبقه([2]) إلى الأول، مستند الثاني: ان الإطلاق والتقييد كالكلية والجزئية هما من صفات المعنى فان (الإنسان كلي وزيد جزئي) يراد به ان معناهما كذلك لا لفظهما؛ فان كلا اللفظين جزئي، وكذلك إذا قيل البيع مطلق والبيع الربوي مقيد فان واقع البيع ومفهومه مطلق أو مقيد بهذا القيد أو ذاك أو فقل بما هو موضوع للحكم هو اما مطلق أو مقيد.

حجة المشهور: ان الإطلاق والتقييد يوصف بهما اللفظ حقيقة، فيقال لفظ البيع في (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) مطلق، ولفظ الغنم في (الغنم السائمة زكاة) مقيد.

 

المنصور: هما صفتان للفظ بلحاظ المعنى

والمنصور: ان الإطلاق والتقييد هما صفة اللفظ بلحاظ المعنى؛ فان المعنى واسطة في الثبوت وحيثية تعليلية وليس واسطة في العروض وحيثية تقييدية، بعبارة أخرى: ان اللفظ من حيث مرآتيته للمعنى اما مطلق أو مقيد.

ويدل على ذلك انه يصدق بالحمل الشائع الصناعي على اللفظ (لفظ الغنم في الغنم السائمة) حقيقة انه مقيد، لكن العلّة هي تقيّد المعنى وهو الواسطة في ثبوت صفة التقييد للفظ أيضاً، كما ان مثل (أكرم العالم) و(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) يصدق على لفظ العالم والبيع حقيقة انه مطلق إذ لم يقيّد بصفةٍ (نحويةٍ([3])) وإن كانت مرآة للصفة الواقعية فتدبر.

 

فالإطلاقات الثلاث متطابقة

إذا اتضح ذلك يتضح ان إطلاق اللفظ إنما هو لإطلاق المعنى وإطلاق المعنى إنما هو لإطلاق الموضوع ثبوتاً من حيث عدم مدخلية أي قيد في حامليته للمصلحة والغرض، فإذا ترك ذكر القيد لفظاً كشف عن عدم لحاظه معنىً الكاشف بدوره عن عدم مدخليته ثبوتاً.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((اغْدُ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً أَوْ أَحِبَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَلَا تَكُنْ رَابِعاً فَتَهْلِكَ بِبُغْضِهِمْ))

(الكافي، ج1 ص34).

 

 

---------------------------------------

([1]) ففي معجم مقاييس اللغة (أطلق أصل مطرد واحد وهو يدل على التخلية والإرسال) وقوله والإرسال اما عطف للخاص على العام أو تأكيد له لا انه يراد تخصيصه بالبعث خاصة فتدبر.

([2]) خاصة بناء على تعريفه بانه ما دل على شائع في جنسه.

([3]) أي المراد من الصفة النحوية.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3350
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 21 ربيع الثاني 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15