• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 339- تحقيق ان الأصل مقام تشريع القاعدة. - (أحل الله البيع) مطلقاً؛ لجهات .

339- تحقيق ان الأصل مقام تشريع القاعدة. - (أحل الله البيع) مطلقاً؛ لجهات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(339)

 

الهمداني: آية البيع مسوقة للرد على الكفار فلا إطلاق لها

ثم ان ما مضى كان كبرى الفقيه الهمداني واما الصغرى فقد قال: (وامّا كون الآية في مقام بيان أحكام نفس البيع وشرائطه ففيه تأمّل بعد ملاحظة سَوْق الآية، وكونها في مقام دفع توهّم كون البيع مثل الرّبا، حيث زعموا أنّ البيع مثل الرّبا فلا حكم بحلّية البيع وحرمة الرّبا، فقال اللّه تعالى ردّاً عليهم (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) إذ معلوم أنّ تلك القضيّة صادقة بحلّية بعض أقسام البيع ولو خرج بعض أقسامه الآخر، والغرض المأتي له الكلام يتحصّل مع إهمال القضيّة أيضاً، فلو كانت مهملة في الواقع لخروج بعض الأقسام باعتبار بعض الشّرائط فيه لا يلزم على المتكلّم الحكيم تعالى قبح أصلاً، لعدم كونه في معرض بيان أحكام البيع وشرائطه، إذ لو كان للبيع أحكامٌ وشرائطٌ في الواقع وقال اللّه تعالى: (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) بالشّرائط المقرّرة لا يلزم القبح عليه، حيث لا يكون في مقام بيان الشّرائط كذلك لو قال (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) على نحو الإطلاق، فالتمسّك بالإطلاق وحمله على العموم غير متّجه مع عدم إحراز كونه في مقام البيان، فلو شكّ في اعتبار شرط في البيع لا يجوز التمسّك بالإطلاق ما لم يحرز كونه في مقام بيان الشّرائط حتّى يكون إطلاقه قرينة على العموم)([1]).

أقول: الظاهر عدم تمامية كبراه وصغراه جميعاً:

 

الجواب عن كبرى الفقيه الهمداني

اما الكبرى فيرد عليها:

 

الأصل من مقامات المشرع مقام تشريع القواعد

أولاً: ان الصحيح هو ان مقامات المشرِّع ثلاثة:

المقام الأول: مقام تشريع القواعد.

المقام الثاني: مقام تفصيل القواعد.

المقام الثالث: مقام الإجمال أو الإهمال.

وهذا الأخير هو الذي قصده ظاهراً بـ: (واما لو كان في مقام تشريع الحكم) أي يقصد أصل تشريعه مُهمِلاً تفاصيله أو مجمِلاً، وعلى أيٍّ فالمقام الثالث خلاف الأصل العقلائي العام في المحاورات عامة وفي التشريع خاصة فان الإجمال على المخاطب أو الإهمال معه بحاجة لحكمةٍ خاصة ولذا كانت (المتشابهات) لحكمةٍ خاصة كالابتلاء والامتحان، وإلا فان الأصل في توجيه الخطاب للغير إرادة إفهامه لا الإجمال عليه أو الإبهام أصلاً أو خصوصياتٍ إلا لسبب طارئ كالتقية أو الامتحان أو شبه ذلك.

بل ان المقام الأول هو الأصل في المشرِّعين وهو إلقاء القواعد العامة، وعلى ذلك بناء العقلاء؛ ألا ترى ان كافة العقلاء في العالم عند تشريع الدستور يلقون القواعد العامة والتفصيل بعد ذلك تحدده القوانين؟ وكذلك الأصل عند تشريع القوانين إلى ان تخصصها الملحقات والتبصرات؟

بعبارة أخرى: ان الاختزال والإيجاز وضغط المعنى في اللفظ غير الإجمال والإهمال فإذا شرّع المشرِّع مثلاً (السرقة حرام) أو (الرشوة حرام) أو (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) فان الظاهر انه قد اختزل الكلي في هذه العبارة لا انه أجمل الأمر وأبهمه، وعلى الرغم من ان هنالك موارد سيستثنيها، كالسرقة للمضطر في عام المجاعة ومن يخشى الموت جوعاً لو لم يسرق رغيف خبز فانه ليس بحرام قطعاً، إلا ان قوله (السرقة حرام) يلقيها كقاعدة عامة ثم يخرج منها ما يخرج بالدليل لا انه يلقيها كقاعدة مجملة لا يمكن التمسك بها أصلاً، مبدئياً، في أي مكان.

 

مؤيدان أو دليلان

ويؤيد ذلك أو يدل عليه: ان الحكمة تقتضي إلقاء القواعد العامة أولاً ثم التخصيص أو التقييد وذكر الخصوصيات، وذلك جمعاً بين مقامي الإيجاز المحتاج إليه لمعرفة القواعد العامة لعامة المكلفين أو للفقهاء والمفسرين عند إرادة الإحاطة الإجمالية بكل قواعد الشريعة، ومقام التفصيل المحتاج إليه عند ابتلاء المكلف بالحادثة الخاصة أو عزم المجتهد على استنباط حكمها.

كما يؤيده أو يدل عليه: ان إلقاء القاعدة العامة كـ(السرقة حرام) أو (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) تكون فائدته مرجعية هذا المطلق العام لدى الشك لاحقاً في أي شرط أو شطر أو خصوصية لم يدل عليها دليل خاص فتُنفى بإطلاق القاعدة العامة، أما لو لم يكن إلا مجملاً أو مهملاً فلا يمكن الاستناد إلى هذا الكلام لنفي ذلك، مادام مقامه الإجمال أو الإهمال وأية فائدة أعظم من هذه خاصة في الشريعة المبنية على السماحة واليسر؟.

والحاصل: ان قرينة المقام، وهو كونه في مقام التشريع، دالة على انه يريد إلقاء القاعدة العامة فلا يختص الإطلاق بما لو لم يُرِده المتكلم للزم القبح – كما قاله قدس سره - بل نقول: انه مادام المقام هو مقام إلقاء القواعد فمن القبيح ان لا يقصد المتكلم العموم. فتدبر جيداً.

 

انتخاب الكلي الطبيعي (البيع) دليل على إرادة العموم

ثانياً: ان اختيار المتكلم مثل (السرقة حرام) و(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) دليل على إرادته الإطلاق والعموم حتى لو سلّمنا انه ليس الأصل في المشرِّع عندما يلقي تشريعاً أن يلقيه كقاعدة عامة وان له – كأصل أولي – ان يلقيه مجملاً أو مهملاً أيضاً. توضيحه:

ان اختيار المتكلم اسم الجنس كـ(البيع) دليل على ذلك، وذلك لأن (البيع) مثلاً كلي طبيعي والطبيعي يوجد بوجود أفراده كما ان انطباقه على أفراده قهري فينطبق (البيع) على كل أفراد البيع قهراً فيفيد مثل (أحلَّ الله البيع) العموم ولو أراد الإجمال أو الإهمال لقال (أحل الله بيعاً) أو (أحل الله بعض البيوع).

ولكن هذا واضح بناء على مسلك المشهور من ان العناوين الكلية موضوعة للطبائع لا للأفراد الخارجية وان الأوامر (وكذا الأحكام) تتعلق بالكلي الطبيعي ثم انه ينطبق على الأفراد إذ تتعلق به كمرآة للأفراد، ولكنّ به خفاءً على المسلك الآخر وهو ان العناوين الكلية ليست موضوعة للطبائع بل هي موضوعة للأفراد الخارجية مباشرة وان الأوامر تنصب على الأفراد الخارجية مباشرة، فتدبر تعرف.                  

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((الْغَضَبُ مَمْحَقَةٌ لِقَلْبِ الْحَكِيمِ وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَمْلِكْ غَضَبَهُ لَمْ يَمْلِكْ عَقْلَهُ)) (تحف العقول، ص371).

 

 

------------------------------------------------

([1]) الشيخ آقا رضا الهمداني، حاشية كتاب المكاسب، ص28.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3344
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 16 ربيع الثاني 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15