بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(146)
ومن الأول: (معاملة السفيه) حيث انها باطلة([1]) لحكومة دليل لا ضرر وشبهه على دليل السلطنة. فتأمل
المآت من الفروع تتفرع على هذه المسألة
ثم ان هذه المسألة كثيرة الفائدة إذ تتفرع عليها المئات من المسائل مثل:
انه هل يجوز له ان يدق الشيء في داره دقاً عنيفاً بحيث يزعزع حيطان الجيران أو (دقاً عنيفاً ينزعج منه الحيطان) كما عبّر به في التذكرة.
وانه هل يجوز حبس الماء في ملكه بحيث تنتشر منه النداوة إلى حيطان الجار. وأقول: والكلام عن الحكم الوضعي أيضاً، وانه إذا فعل فأخرب حائط الجار فهل يضمنه؟
وانه هل له ان يحفر في ملكه بالوعةً يفسد بها بئر الجار؟
وانه هل له ان يتخذ داره مدبغة أو حانوته مخبزة، حيث لا يعتاد مما يوجب تأذي الجيران بالدخان والرائحة الكريهة؟
وانه هل له إطالة البناء بما يمنع عن الجيران الشمس والقمر؟ وقد ذكر التذكرة هذه الأمثلة، كما ذكرها جميعاً أو بعضها غيره سائر الفقهاء.
وانه لو أجّج ناراً في منزله أو بستانه فأطارت الريح شرارةً منه إلى دار الجار أو بستانه مثلاً فأحرقته فهل يضمن؟ ولو أجّجها وهو ظان انها ستصل دار الجار فهل يضمن وهل هو حرام؟ إلى غير ذلك من الأمثلة.
وقال السيد العم: (وصاحب الجواهر قدس الله روحه ممن اضطربت كلماته في مقامات عديدة، في كلّ من الحكمين: التكليفي، والوضعي.
ولعله تصح نسبة عدّة أقوال إليه كالتالي:
تقديم "لا ضرر" تكليفاً مطلقاً وتقديم قاعدة السلطنة مطلقاً، والتفصيل بين الأسباب التوليدية وغيرها، والتفصيل بين المتعارف وغيره وتقديم "لا ضرر" وضعاً، وتقديم قاعدة السلطنة وضعاً، يعني: عدم الضمان)([2]).
ولكن قرار رأي صاحب الجواهر قد يكون على التفصيل بالتوليدية وغيرها، مما يحتاج إلى مراجعة وتدبر أكثر في كلامه.
الأقوال في النسبة بين قاعدتي السلطنة ولا ضرر
أقول: الأقوال في النسبة بين دليل السلطنة ودليل لا ضرر كثيرة قد تبلغ العشرة:
1- انهما متعارضان
فمنها: انهما متعارضان، قال في الجواهر: (وقد يناقش: بأنّ حديث نفي الضرر المستفيض معارض بمثله من الحديث الدالّ على ثبوت السلطنة على الإطلاق لربّ المال، وهو أيضا معمول به بين الفريقين، والتعارض بينهما تعارض العموم من وجه، والترجيح للثاني بعمل الأصحاب كما اعترف به، ولا سيّما إذا استلزم منع المالك عن التصرف ضرراً عليه أشدّ من ضرر الجار أو مساوياً أو أقل بحيث لم يتفاحش معه ضرره)([3]).
ولكنه بعد صفحتين رأى حكومة لا ضرر على دليل السلطنة فقال: (على أنّ المنساق من العامّين المزبورين تحكيم قاعدة الضرر، كما في جميع نظائره - وإن كان بينهما تعارض العموم من وجه، وربما يشهد له نصوص سمرة بن جندب وقول الصادق عليه السلام: ((إِنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرُ مُضَارٍّ وَلَا آثِمٍ))([4]))([5])
متعارضان أو متزاحمان؟
أقول: لكن اللازم أولاً تنقيح ان تدافع لا ضرر مع الناس مسلطون في مورد الاجتماع هل هو من باب التعارض أو هو من باب التزاحم؟ فإن كان من باب التعارض رجعنا إلى مرجّحات بابه، كعمل الأصحاب الذي رجّح به، ولم يصح عضده بالملاك كما قال: (ولا سيّما إذا استلزم منع المالك عن التصرف ضرراً عليه أشدّ من ضرر الجار أو مساوياً أو أقل بحيث لم يتفاحش معه ضرره) فان هذا شأن باب التزاحم لا التعارض وإن كان يمكن توجيهه بوجه سيأتي بإذن الله تعالى، وإن كان من باب التزاحم وجب الرجوع إلى مرجّحاته خاصة.
وسيأتي الكلام عن كلي الخلط الحاصل لدى بعض الأعلام في بعض المسائل بين بابي التزاحم والتعارض إذ أدخلوا مسألة من باب التزاحم في باب التعارض فرجعوا إلى قواعد الأخير أو مرجّحاته مع ان اللازم الرجوع لمرجّحات الأول.
التفصيل بين التوليدية وغيرها
ومنها: الأقوال التي نقلها السيد العم وأهمها التفصيل بين التوليدية وغيرها.
قال في الجواهر: (فيمكن أن يقال بمنع التصرف في ماله على وجه يترتب عليه الضرر في مال الغير مثلا بتوليدية فعله ، بحيث يكون له فعل وتصرف في مال الغير وإتلاف له يتولّد من فعله فعلٌ في مال الغير ، لا تلف([6]) خاصة بلا فعل منه ، وخصوصا مع زيادته بفعله عما يحتاج إليه وغلبة ظنه بالسراية ، وقاعدة التسلط على المال لا تقتضي جواز ذلك ولا رفع الضمان الحاصل بتوليد فعله.
نعم لو كان تصرفه في ماله لا توليد فيه على الوجه المزبور وإن حصل الضرر مقارنا لذلك لم يمنع منه ، وربما كان فيما ذكرنا سابقا من مسألة الضمان بتأجيج النار في ملكه إشارة إلى ذلك ، فلا حظ وتأمل ، بل مرّ لنا في غير ذلك ماله نفع في المقام ، والله العالم)([7])
التفصيل بين قصد الإضرار وغيره
ومنها: التفصيل بين قصد الإضرار وغيره كما استظهره الرياض: (وأما الأخبار الدالة على نفي الإضرار في ملك المضارّ، فمع قصور سند بعضها وعدم مكافأته لما مضى، يمكن حملها على ما إذا قصد المالك بالتصرف الإضرار دون دفع الحاجة، كما يشعر به بعض تلك الأخبار)([8]).
ومنها: التفصيل بين الضرر الفاحش وغيره كما اختاره كفاية الأحكام: (ويشكل هذا الحكم في صورة تضرّر الجار تضرّراً فاحشاً، نظراً إلى ما تضمّن الأخبار المذكورة عن قريب من نفي الضرر والإضرار، وهو الحديث المعمول بين الخاصّة والعامّة المستفيض بينهم، خصوصاً ما تضمّن الأخبار المذكورة من نفي الإضرار الواقع في ملك المضارّ)([9]).
التفصيل بين المعتاد وغيره
ومنها: التفصيل بين المعتاد وغيره، وقد أشار إليه في التذكرة: (ولو اتخذ داره مدبغةً أو حانوته مخبزةً حيث لا يعتاد، فان قلنا لا يمنع في الصورة السابقة فهنا أولي وان قلنا بالمنع فهنا يحتمل عدمه لان الضرر هنا من حيث التأذي بالدخان والرايحة الكريهة وانه أهون، وكذا البحث في إطالة البناء ومنع الشمس والقمر)([10])
وليس القصد تحقيق الحال في تعارض أو تزاحم لا ضرر مع الناس مسلطون، إنما المقصد الاستعانة بما ذكروه هنالك لتحقيق الحال في مسألتنا وهي نسبة أدلة العناوين الثانوية مع مثل (الحجية) و(المرجحية) وانه لو كان نيل المرجّح (من مخالفة العامة وموافقة الكتاب والشهرة.. الخ) عسراً فهل يسقط عن المرجحية وينتقل للمرجح اللاحق؟ أو إذا تعسرت كل المرجّحات فهل ينتقل للتخيير؟ فان تحقيق الحال في رافعية لا ضرر ولا حرج للأحكام الوضعية الفقهية كالضمان في المسائل السابقة ونحوها، يعين على التحقيق في رافعيتها للأحكام الوضعية الأصولية كما سيأتي تفصيله بإذن الله تعالى.
وسيأتي الكلام عن الخلط الحاصل لدى العديد من الأعلام في بعض المسائل إذ أدرجوها في باب التعارض ورجعوا إلى مرجّحاته مع انها من باب التزاحم واللازم الرجوع إلى مرجحاته وجامعها تقديم الأهم على المهم، وسيأتي انهم عدوا الحكومة من مستثنيات باب التعارض مع اننا نرى انها جارية في باب التزاحم أيضاً. فانتظر
إلفات: ان العديد من المصطلحات الأصولية أو الفقهية الهامة التي اشتهرت عن اللاحقين لصاحب الجواهر، نجدها في الجواهر، مثل مصطلح الأسباب التوليدية الذي اشتهر به الميرزا النائيني فانه قد ذكره الجواهر، وقد سبقت عبارته، ومثل مصطلح الحكومة الذي اشتهر به الشيخ فانه موجود في الجواهر أيضاً اما بعنوان (التحكيم) كما سبقت عبارته أو بنص مصطلح (الحكومة) في مورد واحد من الجواهر([11]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((مَا هَلَكَ مَالٌ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ إِلَّا بِمَنْعِ الزَّكَاةِ حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَرُدُّوا أَبْوَابَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ)) (مستدرك الوسائل، ج7 ص7).
------------------------------------------
([1]) مطلقاً أو بعد حجر الحاكم الشرعي عليه. قال السيد الاصفهاني في الوسيلة مع تعليقات السيد الكلبايكاني (وهو محجور عليه شرعاً لا ينفذ تصرفاته في ماله ببيع وصلح وإجارة وإيداع وغيرها وعارية، ولا يتوقف حجره* على حكم الحاكم على الأقوى. ولا فرق بين أن يكون سفهه متصلاً بزمان صغره أو تجدد بعد البلوغ، فلو كان سفيهاً ثم حصل له الرشد ارتفع حجره، فان عاد إلى حالته السابقة حجر عليه، ولو زالت فك حجره، ولو عاد عاد الحجر عليه وهكذا).
* فيحكم بكونه محجوراً عليه في أمواله مع العلم بسفاهته، وكذا لا يتوقف زوال الحجر عنه بحكمه مع العلم بزوال سفاهته، ومع الشك في الحدوث أو الزوال يحكم ببقاء الحالة السابقة في الشبهة الموضوعية ويرجع إلى المجتهد في الشبهة الحكمية لو فرض تحققها.
([2]) السيد صادق الحسيني الشيرازي، بيان الأصول، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام، مركز التوزيع دار الأنصار – قم، 1435هـ، ج5 ص281.
([3]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1433هـ، ج38، ص72.
([4]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج5 ص292.
([5]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1433هـ، ج38، ص74.
([6]) التلف.
([7]) الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، جواهر الكلام، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1433هـ، ج38، ص74 -75.
([8]) السيد علي الطباطبائي، رياض المسائل، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج12 ص360.
([9]) المحقق السبزواري، كفاية الأحكام، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ج2 ص556.
([10]) العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ط القديمة، منشورات المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ج2 ص414.
([11]) قال في الجواهر: (وقال جعفر ابن محمد عليهما السلام ((التقية ديني ودين آبائي ، ولا تقية في ثلاث : شرب المسكر والمسح على الخفين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)) وأنت خبير بقصوره عن الحكومة على أدلة التقية من وجوه).
|