• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 335- سائر الفروق بين العقد الفاسد والمراضاة .

335- سائر الفروق بين العقد الفاسد والمراضاة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(335)

 

ضمان المنافع المستوفاة في العقد الفاسد، دون المراضاة

ثالثاً: ان المنافع المستوفاة في (المراضاة) لا تُضمن دون شك لفرض تراضيهما، فإذا كان المعاطاة مراضاةً فلا ضمان على أيّ منهما فيما استوفاه مما أخذه مراضاة، لكنها تضمن في العقود الفاسدة على المشهور فإذا قلنا بان المعاطاة عقد فاسد فإن كلّا منهما ضامن للمنافع المستوفاة.

وقد استدلوا على ضمان المنافع المستوفاة في العقود الفاسدة بأدلة عديدة منها: رواية ((عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ))([1]) والعين بمنافعها قد أُخذت عرفاً ويصدق على منافعها انه أخذها بأخذ العين، عرفاً وبالحمل الشائع، ومنها: قاعدة: (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) فان الآخذ عيناً بالعقد الفاسد المستوفي لمنافعها (كثمرة البستان الذي استأجره بإجارة فاسدة وقد أكلها أو لبن الشاة التي اشتراها ببيع فاسد وقد شربه أو السكن في الدار المستأجرة بعقد فاسد أو شبه ذلك) متلف لها، وليس المقام إلا مقام الإشارة لرأي المشهور وبعض أدلتهم، دون الأخذ والرد، اما لو كانت المعاطاة مراضاةً فلا شك انه مع رضى صاحب المال بأكل ماله لا يضمن ما أكل؛ إذ ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَن طِيب نَفْسٍ مِنْهُ))([2]).

 

وكذلك المنافع غير المستوفاة

رابعاً: ان المنافع غير المستوفاة لا تضمن في المراضاة كما هو بديهي، وتضمن في العقود الفاسدة على رأي جمع من الفقهاء استناداً للدليلين السابقين، فعلى رأي هؤلاء فالفرق بين كون المعاطاة صِرف مراضاة أو عقداً فاسداً يظهر في هذه الثمرة أيضاً.

خامساً: ان ردّ المأخوذ بالعقد الفاسد فوراً واجب كما افتوا به وهو على القاعدة، اما المأخوذ بالمراضاة فلا يجب رده لفرض الرضا، نعم متى كره وجب الرد إليه.

 

تتمة الفرق الثاني: تصحيح العقد الفاسد، بتصحيح الشرط المفسد، عكس اللاعقد([3])

سبق: (ثانياً: ان العقد الفاسد يمكن تصحيحه، في جملة من الموارد بتصحيح الشرط المفسد، عكس اللاعقد.. ولنمثل له بثلاث أمثلة افتى بها الأعلام:

أ- ان الإكراه مبطل للعقد، فلو تزوجت وهي كارهة مكرهة كان عقداً فاسداً، ولكنها لو رضيت بالزواج بعدها صحّ العقد.

ب- لو باع الغاصب مال غيره (أي المال المغصوب) عن نفسه، فانه عقد فاسد، لكن المالك لو أجاز صح ولزم، وكذا لو باعه عن مالكه، وكذا مطلق الفضولي.

ج- لو رضي الـمكرَه بالبيع بعد زوال الإكراه صح ولزم – كما صرح بذلك العديد من الأعلام، وذلك كله عكس ما لو لم يكن عقد وبيع أو نكاح بل كان مجرد رضا منها ومنه بالزواج فانه لا يقع به الزواج فلو أجاز وأجازت لاحقاً ذلك التراضي لما أفاد إذ اللازم إجراء صيغة العقد)([4]).

وهنا نقاط:

 

الفرق بين الإجازة والرضا

الأولى: ان الفرق بين الإجازة والرضا هو ان الإجازة إنشاء([5]) اما الرضا فليس بإنشاء لذلك قد يفصّل بينهما في الغاصب إذا باع مال غيره عن نفسه أو عن المالك بان المالك إن أجاز عقده (الفاسد) صح وإن رضي به فقط قلباً دون ان يجيزه أي بدون ان ينشأ الإجازة لم يصح، والكلام الآن ليس في الالتزام بذلك بل في ان لهذا التفصيل وجهاً، اما المكرَه – الذي أجرى العقد بنفسه – فانه لو رضي بالعقد صح دون حاجة إلى إجازة وإنشاء وإبراز([6]) للرضا.

 

الفرق بين العقد الفاسد والمراضاة على الصحيحي والأعمي

الثانية: انه قد يتوهم التفصيل في وجود الثمرة([7]) بين الصحيحي والأعمي، ولكن الصحيح هو الفرق بين الالتزام بكون المعاطاة مراضاة والالتزام بكونها عقداً فاسداً على كلا المبنيين:

 

الفرق على الأعمي

اما على الأعمّي فواضح، إذ بناء على الوضع للأعم فان العقد الفاقد لبعض شروط الصحة عقد فاسد فتجري الفروق الخمسة السابقة والفروق الآتية بينه وبين المراضاة.

 

الفرق على الصحيحي: الرضا المجرد والرضا المقيد

واما على الصحيحي، فان الفرق ثابت أيضاً، إذ على الصحيحي فان العقد غير الصحيح (أي غير المستجمع لشرائط الصحة) ليس بعقد أصلاً بل هو مجرد هيكل عقد أو مجرد شبيه بالعقد، والفرق بين المراضاة وبينه هو انه: في المراضاة (رضا مجرد) وفي هيكل العقد (رضا مقيد) كما انه في العقد الفاسد أيضاً الرضا مقيّد.

توضيحه: انه في المراضاة لا شك في ان لكل منهما الانتفاع بما اعطاه صاحبه له لفرض الرضا المتبادل، اما في العقد الفاسد (أي على الأعمّي) وفي هيكل العقد (أي على الصحيحي) فان الرضا الضمني الموجود رضا مقيد إذ كان رضاً في ضمن هذا العقد الفاسد أو في ضمن هيكل العقد وشبيهه، والظاهر ان حيثية كونه هذا العقد حيثية تقييدية للرضا به وإلا لما اختار هذا العقد دون غيره أي ان رضاه كان في ضمن عقد الإجارة (أو هيكلها) لا في ضمن عقد الصلح أو الهبة المعوضة وإلا لاختار أحدهما دونها([8]) فإذا انتفى ما تحقق الرضا في ضمنه انتفى الرضا، والظاهر: أمارية اختياره لهذا العقد دون غيره على كون رضاه مقيداً به وعدم الرضا إن لم يتحقق، وانه لا شك في ذلك عرفاً.

سلّمنا: لكن الرضا لا في ضمن هذا العقد (أو هيكله) غير معلوم والأصل عدمه، وبعبارة أخرى: ان المحرز رضاه في ضمن هذا الهيكل، اما رضاه لا في ضمنه فلا دليل عليه فعلى مدعي وجود الرضا لا في هذا العقد (أو الهيكل) تقع مؤونة الإثبات.

تنبيه: لا فرق في الفرق الذي ذكرناه بين العقد الفاسد وهيكل العقد من جهة وبين المراضاة من جهة أخرى، بين مختلف تعريفات الصحة والفساد ومنها: ان الصحيح هو الواجد لكل الأجزاء والشرائط والفاسد (أو الهيكل له فقط) هو الفاقد لبعضها ومنها: ان الصحيح هو منشأ الأثر والفاسد فاقده أو قليله ومنها: ان الصحيح هو كون الشيء على ما ينبغي ان يكون عليه والفاسد لا.. إلى سائر المعاني السبعة للصحة والفساد التي ذكرناها في بحث سابق فتدبر.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

عن أبان بن سويد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((قُلْتُ مَا الَّذِي يُثْبِتُ الْإِيمَانَ فِي الْعَبْدِ، قَالَ: الَّذِي يُثْبِتُهُ فِيهِ الْوَرَعُ وَالَّذِي يُخْرِجُهُ مِنْهُ الطَّمَعُ)) (الكافي، ج2 ص320).

 

 

---------------------------------------------

([1]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج1 ص224.

([2]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج3 ص473.

([3]) والمراضاة.

([4]) الدرس (334).

([5]) بناء على كونها ناقلة، بل حتى على كونها كاشفة، فتدبر.

([6]) على المسلكين (من ان الإنشاء إيجاد للاعتبار في عالمه، أو إبراز).

([7]) في الفرق بين العقد الفاسد والمراضاة.

([8]) دون الإجارة.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3330
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 9 ربيع الثاني 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15