• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 331- كلام الطوسي في افادة المعاطاة للاباحه، والجواب - اجوبة اليزدي عن (اعتق عبدك عني) .

331- كلام الطوسي في افادة المعاطاة للاباحه، والجواب - اجوبة اليزدي عن (اعتق عبدك عني)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(331)

 

 

 

الشيخ الطوسي: المعاطاة([1]) تفيد الإباحة، لأن العقد حكم الشرعي

من الضروري في ختام بحث مصاديق المعاطاة ومقدمةً للدخول في بحث الأقوال فيها والأدلة، التطرق لكلام الشيخ الطوسي في مصداقي البقلي والشارب، والذي سيتضح منه وجه ذهابه إلى ان المعاطاة في مثلهما، بل مطلقاً، تفيد الإباحة، ودليله، والذي به يتضح أكثر ان الأصح هو قول المتأخرين بانها تفيد الملك اللازم:

(قال في الخلاف: إذا دفع قطعة إلى البقلي أو الشارب، فقال: أعطني بها بقلًا أو ماءً، فأعطاه، فإنّه لا يكون بيعاً وكذلك سائر المحقّرات وإنّما يكون إباحة له، فيتصرّف كلٌّ منهما فيما أخذه تصرّفاً مباحاً من دون أن يكون ملكه؛ وفائدة ذلك: أنّ البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك لأنّ الملك لم يحصل لهما، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يكون بيعاً صحيحاً وإن لم يحصل الإيجاب والقبول. وقال ذلك في المحقّرات، دون غيرها([2]).

دليلنا: إنّ العقد حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على وجوده هنا، فيجب أن لا يثبت، وأمّا الإباحة بذلك، فهو مجمع عليه لا يختلف العلماء فيها، انتهى)([3]).

 

مناقشة مع الشيخ الطوسي

أقول: ظهر مما سبق ان كونه بيعاً أو غيره مرتهن بقصد الطرفين الفعلي أو ارتكازهما أو ارتكاز العرف لو بنيا عنه حسبما فصلناه، والارتكاز الآن بل مطلقاً في البقلي انه بيع وسيأتي الكلام عن الشارب.

إلا ان عمدة الكلام الآن مناقشته في دليله إذ قال (دليلنا: إنّ العقد حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على وجوده هنا، فيجب أن لا يثبت).

 

مناقشة: العقد موضوع للحكم الشرعي وليس حكماً شرعياً

فانه قد يشكل عليه بوضوح ضعف دليله وانه مما لا ينبغي ان يصدر منه مع جلالة شأنه لأن العقد موضوع للحكم الشرعي وليس حكماً شرعياً إذ يقال: هذا عقد وكل عقد حكمه كذا (صحةً وبطلاناً، لزوماً وجوازاً، جوازاً وحرمة كالربا) فمن البديهي ان العقد موضوع من الموضوعات وحكمه انه جائز كعقد البيع أو حرام كعقد الربا، ولازم كعقد البيع وجائز كعقد الوكالة.. الخ

 

وأسباب المعاملات وإن كانت توقيفية لكنها ممضاة

ويمكن الجواب عن الإشكال بانه قدس سره لا يقصد ذلك بل يقصد ان كونه عقداً حكم شرعي أي مما يحكم به الشارع سلباً وإيجاباً فهل هذا مما تنعقد به المعاملة أو لا؟ فهذا مما يحكم به الشارع، وبعبارة أخرى انه يقصد توقيفية الأسباب الشرعية – كما أشار إليه الشيخ الانصاري لاحقاً – أي ان العقد من حيث أسبابه وما يحصل به وما لا يحصل وشرائط صحته حكم شرعي أي الحاكم به الشرع، فكما ان العبادات توقيفية الذات فكذلك المعاملات توقيفية من حيث الأسباب، فليس مراده من الحكم ما يقع في مقابل الموضوع.

فإن قَصَد هذا كان له وجه، إلا انه يرد عليه انه حتى لو سلم ذلك استناداً إلى ان الشارع الأقدس قد أتى بدين جديد وانه تدخّل في شتى مناحي الحياة وانه كثيراً ما حرّم معاملة أو أبطلها أو اشترط في صحتها أمراً (كما أبطل الكالي بالكالي وحرّم الربا وأبطله واشترط في صحة العقود التنجيز مثلاً) فعلينا في كل معاملة وفعلٍ السؤال من الشارع وحيث انه صحّح أسباباً وابطل أسباباً واشترط شروطاً وجعل موانع، كانت الأسباب الشرعية للمعاملات العرفية توقيفية، انه([4]) وإن سلم ذلك إلا ان إمضائها بعدم الردع بل بالإطلاقات مما لا شك فيه، فكما ان الشارع أمضى البيع اللفظي بعدم الردع عما يفعله العرف ولذا يؤخذ منه الموضوع إلا فيما أحرز تدخله، ويؤخذ الحكم من الشارع، بل انه أمضاه بالإطلاقات كقوله (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)([5]) فكذلك أمضى البيع المعاطاتي وأمثال دفع القطعة إلى البقلي بعدم الردع بل بمثل هذه الآية إذ تتم الصغرى (هذا بيع عرفاً) والكبرى (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)، وأي فرق بين المعاملتين عرفاً؟ إذ كما ان العرف يبيع ويشتري باللفظ فكذلك يبيع ويشتري بالفعل، والدليل ان الشيخ الطوسي لم يستشكل على ذلك بان العرف لا يراه بيعاً (وهو ما أشكل به آخرون، كما سيأتي) بل أشكل عليه بانه (لا دلالة في الشرع على وجوده – أي الحكم الشرعي بالجواز – هنا) فنقول بانه إذا ثبت انه بيع عرفاً شملته آية (أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) و(أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)([6]) كشمولها للبيوع اللفظية بلا إشكال.

لا يقال: انه يقصد من (العقد حكم شرعي) ان صحته حكم شرعي؟

إذ يقال: كلا، إذ أولاً: انه صرح بانه ليس ببيع في صدر كلامه (فانه لا يكون بيعاً) لا انه بيع لكنه غير صحيح، وثانياً: انه لو قصد ذلك ورد عليه انه مادام سلّم انه عقد فان صحته قهرية لشمول قوله تعالى (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) و(أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ) له فصحته تستفاد من الآيتين كصحة البيوع اللفظية.

 

تتمة: مناقشتنا للمشهور في (اعتق عبدك عني)

سبقت مناقشتنا للمشهور الذي حملوا قوله (اعتق عبدك عني بكذا) على انه أراد تمليكه له ثم توكيله في إعتاقه عنه، بانه لا يصح حمل أفعال عامة الناس على مرتكزات الشرع ماداموا بها جاهلين وغير قاصدين للإحالة عليه ولو إجمالاً، فقد سبق: (وتوضيحه: ان العامي لو أجرى معاملةً وقصد ان تقع على حسب شروط الشارع ومرتكزاته، صح ذلك ويكون ذلك مقصوداً إجمالياً له، ولكنه لو أجرى عقداً أو طلب إجراء عقد وهو غافل عن اشتراط الشارع في صحته أمراً، فانه لا تمكن دعوى ان ارتكازه على إحالته للشارع ليخرّج على انه قصد واجدَ الشرط الشرعي، بل يكون عقده باطلاً لو لم يطابق شروط الشارع من دون ليّ عنقه ليطابق الشرع)([7]) و(ولذلك أجرينا التجربة التالية مع أربعة من عامة الناس فسألتهم انه لو قال لكم شخص قِف أرضك عني بكذا أو هب دارك عني لزيد بكذا أو اعتق عبدك عني بكذا، فما هو المقصود من هذه الجملة وما هو معناها؟ فأجاب أحدهم: ان هذا الطلب غلط! ولم يكن ارتكازه كما قاله الفقهاء من انه صحيح محمول على التمليك والتوكيل) )([8])

و(والصحيح ان العامي لو قال ذلك قيل له طلبك باطل وهذا الفعل حرام، اللهم إلا لو علم قصده كل تلك التوكيلات فيكون قصداً فعلياً لا شأنياً لويّاً، وهو مؤكد لما قلناه فلاحظ)([9]) و(والمقام من هذا القبيل فان القائل (اعتق عبدك عني بكذا) لو كان فقيهاً ملتفتاً للقاعدة الشرعية والرواية المصرحة بـ((لَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ)) حمل كلامه على إرادته استدعاء تمليكه ثم توكيله في عتقه عنه، لكن أغلب الناس جاهلين بهذا الشرط الشرعي بل انهم يتوهمون صحة ان تطلب من غيرك ان يعتق عبده عنك وهو باقٍ في ملكك بكذا، فهذا هو طَلِبه وعليه قصدُه، فكيف يُستند إلى دلالة الاقتضاء ويُدَّعى بان قصده إجمالاً هو إرادة الصحيح شرعاً فقد قصد استدعاء تمليكه له!

هذا مع قطع النظر عن إشكال آخر وهو: ان الظاهر ان العرف يقصدون من مثل هذه الكلمة انه اعتق عبدك عني (بالمعنى الحقيقي الظاهر من الكلمة أي اعتق عبدك وهو عبدك وباق على ملكك عني، بل قد لا يخطر غير هذا في ذهنهم) ومراده ليكون ثوابه لي بكذا، فاعتق عبدك عني بكذا أي اعتقه وأجعل ثوابه عني مقابل كذا)([10]).

 

المحقق اليزدي: أربع أجوبة عن دعوى المشهور

أقول: فذلك، مع إضافات أخرى، هو ما ذكرناه وبنينا عليه، وحيث استغرب البعض أشد استغراب من مخالفتنا للمشهور (بل الإجماع المنقول) لذلك وجدنا انه لا بدّ من البحث عمن يوافق ما ذكرناه من الأعلام، فوجدنا المحقق اليزدي صاحب العروة يطابق قوله قولنا تماماً بفارق انه تارة زاد على ما قلناه وجهاً واننا زدنا على ما قاله وجهاً وتفصيلاً.. قال في حاشيته على المكاسب: (وكيف كان فإن قلنا بتوقّف العتق على الملك بالنّسبة إلى الـمُعْتَقِ عنه فمقتضى القاعدة عدم الصحّة فيما لو قال "أعتق عبدك عني" حتّى يحتاج إلى التكلّفات المذكورة في ذلك المقام.

ودعوى الإجماع عليها ممنوعة، وإن كان ربما يستظهر من الشّيخ، فإنّ ابن إدريس حكم بصحّته عن المعتق لا المعتق عنه، وأيضا يظهر منهم أن ذلك مطابق للقاعدة لا من جهة التعبُّد، فلا يكون إجماعهم كاشفاً.

وعلى فرض الإجماع على الصّحة لا حاجة إلى التكلّفات، فإنّه يمكن أن يكون مخصّصا لقوله عليه السلام (لا عتق إلّا في ملك)([11]) وتمام الكلام في محلّه)([12]) فهما جوابان كما انه أضاف جوابين آخرين بقوله (ومنها: مسألة توقّف العتق على الملك، والمشهور ذلك؛ ولذا حكموا بالملك التّقديري على اختلاف في كيفيّته في ما لو قال "أعتق عبدك عنّي".

ويمكن أن يقال: إنّ هذا التوقّف ليس عقليّا و إنّما هو من جهة قوله عليه السلام (لا عتق إلّا فيما يملك)، ويمكن أن يكون المراد منه ملكيّة الإعتاق - على حسب ما عرفت في البيع - لا ملكية العبد، وحينئذ فلا مانع من جوازه إذا كان بإذن المالك وإباحته.

ثمّ على فرض التنزّل فلا دلالة فيه إلّا على اعتبار كون الـمُعْتِق مالكاً، لا المعتق عنه، فلا إشكال في مسألة أعتق عبدك عنّي، فإنّ الـمُعْتِق مالك و إن كان المعتق عنه غيره، فلا حاجة إلى التزام الملك آناً ما)([13]).

وبعبارة أخرى: اختلف في معنى قوله عليه السلام ((لا عتق إلا فيما تملكه ولا بيع إلا فيما تملكه))([14]) انه هل المراد به لا عتق ولا بيع إلا في ما تملك أمره أو لا عتق أو لا بيع إلا فيما تملك نفسه؟ أي: لا عتق إلا في مملوك أو لا عتق إلا في مالكية لك للبيع أو العتق، أو لا عتق إلا في عين تملكها أو إلا في عتقٍ تملكه، وقد يقال ظاهره إرادة المملوك والعين، وقد يجاب: بل ظاهره ملك الأمر أي ملك ان يعتق وان يبيع لأن الوكيل والولي ليس مالكاً للعين بل هو مالك لأن يبيع ويعتق.. وتفصيل البحث في محله.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال الإمام الصادق عليه السلام: ((إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَالْبِرَّ لَيُهَوِّنَانِ الْحِسَابَ وَيَعْصِمَانِ مِنَ الذُّنُوبِ فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَبَرُّوا بِإِخْوَانِكُمْ وَلَوْ بِحُسْنِ السَّلَامِ وَرَدِّ الْجَوَابِ)) (تحف العقول، ص376).

 

------------------------------------------------------------------------

([1]) كلامه  قدس سره هنا عن بعض مصاديقها وهو البقلي والشارب.

([2]) مع انه لا وجه للتفصيل بين المحقرات وغيرها كما سيأتي.

([3]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب ط تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص26-27.

([4]) فاعل يرد عليه.

([5]) سورة البقرة: آية 275.

([6]) سورة المائدة: آية 1.

([7]) الدرس (328).

([8]) الدرس (329).

([9]) الدرس (330).

([10]) الدرس (328).

([11]) المستدرك 15: 452، حديث 18819.

([12]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، حاشية المكاسب، الناشر: مؤسسة إسماعيليان، ج1 ص79.

([13]) السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، حاشية المكاسب، الناشر: مؤسسة إسماعيليان، ج1 ص79.

([14]) ابن أبي جمهور الاحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء عليه السلام – قم، 1405هـ، ج3 ص205.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3316
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 30 ربيع الاول 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15