• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 135- الجواب كبرى وصغرى عن موافقة أخبار طهارة الكتابي، للعامة - ست مقاييس لمخالفة العامه .

135- الجواب كبرى وصغرى عن موافقة أخبار طهارة الكتابي، للعامة - ست مقاييس لمخالفة العامه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(135)

 

ج- ولا تعلم المخالفة أو الموافقة للعامة

واما الترجيح بمخالفة أخبار النجاسة للعامة وموافقة أخبار الطهارة لهم، ففيه:

 

أ- العامة مختلفون في طهارة الكتابي ونجاسته

أولاً: الإشكال صغرى بان العامة مختلفون فكل من أخبار الطهارة والنجاسة موافق لبعضهم ومخالف للبعض الآخر.

قال السيد الوالد: (وأما الحمل على التقية، فمضافاً إلى أنه فيما لا يمكن الجمع العرفي المفروض إمكانه في المقام، أن الطهارة ليست مذهب جميع العامة، قال الشيخ في الخلاف: (لا يجوز استعمال أواني المشركين من أهل الذمة وغيرهم.

وقال الشافعي: لا بأس باستعمالها ما لم يعلم فيها نجاسة، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال أحمد بن حنبل وإسحاق: لا يجوز استعمالها)([1]) ومن الواضح انه لو اختلف علماء العامة لما تحقق الضابط المذكور في الروايات بل تكافأ الطرفان من هذه الجهة فلاحظ قول الراوي في المرفوعة ((قُلْتُ: رُبَّمَا كَانَا مَعاً مُوَافِقَيْنِ لَهُمْ أَوِ مُخَالِفَيْن‏)) والمراد كان أحدهما موافقاً لبعضهم والآخر موافقاً للبعض الآخر، وفي المقبولة ((فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَإِنْ وَافَقَهُمَا الْخَبَرَانِ جَمِيعاً...)).

 

التقية من جهات ست، لا من علمائهم خاصة

ونضيف: ان استقراء آراء علماء العامة حتى مع فرض إحراز ان أغلبهم افتوا بكذا بل حتى مع إجماعهم، لا يثبت التقية في الخبر الموافق لهم؛ وذلك لأن التقية تكون من احدى جهات ست: التقية من السلطان، أو من والي المدينة، أو من فقيه المدينة خاصة وإن خالفه كل علماء السنة لأنه ذو النفوذ الذي يمكن ان يؤذي الإمام أو شيعته هناك (كالمدينة وسامراء)، أو من فقهاء العامة – وهذا هو المعروف المذكور عادة مع انه أحد الوجوه وليس هو الملاك التام بل ولا الملاك أحياناً، أو من عوام الناس والغوغاء إذ كثيراً ما يُتّقى منهم رغم مخالفتهم لآراء علمائهم كما نرى الآن في تقية بعض العلماء أو المثقفين أو غيرهم من بعض العشائر أو من بعض الغوغاء في المنطقة، والتقية من عوام الشيعة أنفسهم إذ كثيراً ما يتقى منهم، وعليها تحمل أخبار الغلو والتقصير ولذا ورد ((إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ))([2]) و((إِنَّ الْإِيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ فَلَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الِاثْنَيْنِ لِصَاحِبِ الْوَاحِدِ لَسْتَ عَلَى شَيْ‏ءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَاشِرِ فَلَا تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ فَيُسْقِطَكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ وَ إِذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ فَارْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرِفْقٍ وَ لَا تَحْمِلَنَّ عَلَيْهِ مَا لَا يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ))([3])، كما قد تكون التقية على الشيعة من جهة انهم لو أجمعوا على رأي لعرفوا فأخذوا كما في الرواية أو لأنهم لو أجمعوا على أمر خيف منهم عكس ما لو اختلفوا وتفرقوا إذ يرى الوالي انه بمأمن منهم ماداموا مختلفين.

وموطن الشاهد: ان كثيراً من العلماء جعل المدار في التقية آراء علماء العامة فإذا رأى احدى طائفتي الأخبار – لدى التعارض – مطابقة لآرائهم حملها على التقية، مع ان المدار احدى الجهات الست الماضية، مما يحتاج إلى تحقيق تاريخي مستوعب في كل مورد مورد.

وفي المقام ومع قطع النظر عما نقله الطوسي في (الخلاف)، وهو حجة لأنه خبير متضلع، وهو في صدد ذكر موارد خلافنا معهم، فان مجرد إحراز تطابق علمائهم – فرضاً – على الحكم بالطهارة لا يكفي للحكم بان روايات الطهارة تقية، إذ يجب ان يحرز رأي قاضي المدينة وواليها والسلطان وعوام الناس هنالك كلما احتمل ان التقية كانت من جهة بعضهم. فتدبر

 

ب- المدار على الأحدث، وروايات الطهارة أحدث

ثانياً: الإشكال كبرى، على المبنى، بان المقياس لدى التعارض، هو الأحدث كما ذهب إليه الشيخ الصدوق من القدماء والسيد تقي القمي من المعاصرين وإن كان مخالفاً للمشهور المنصور، والأحدث هو روايات الطهارة.

اما الكبرى، فللروايات المتعددة الدالة على ذلك ومنها (ما رواه في الكافي الشريف بسنده: ((عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ أَ رَأَيْتَكَ لَوْ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيثٍ الْعَامَ ثُمَّ جِئْتَنِي مِنْ قَابِلٍ فَحَدَّثْتُكَ بِخِلَافِهِ بِأَيِّهِمَا كُنْتَ تَأْخُذُ قَالَ قُلْتُ كُنْتُ آخُذُ بِالْأَخِيرِ فَقَالَ لِي رَحِمَكَ اللَّهُ))([4])

وعن: ((الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِذَا جَاءَ حَدِيثٌ عَنْ أَوَّلِكُمْ، وَحَدِيثٌ عَنْ آخِرِكُمْ، بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ؟ فَقَالَ: خُذُوا بِهِ حَتَّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ، فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ فَخُذُوا بِقَوْلِهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام إِنَّا وَاللَّهِ لَا نُدْخِلُكُمْ إِلَّا فِيمَا يَسَعُكُمْ)) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ ((خُذُوا بِالْأَحْدَثِ))([5]) )([6])

واما الصغرى، فلأن روايات الطهارة والنجاسة مروية عن الإمام الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام، ثم ورد عن الإمام الرضا عليه السلام الحكم بالطهارة في أكثر من رواية، ومنها: (صحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا (عليه السلام): الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية، لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة، قال: «لا بأس تغسل يديها»([7]))([8]) وهي صريحة في ان نجاستهم عرضية، أي كنجاستنا لو كانت أي ناشئة من الخمر والخنزير وشبهها، ولو كانت ذاتية لما كان معنى للأمر بغسل اليد بل كان أحرى بنقض الغرض لأن يدها إذا غسلت سرت النجاسة عكس ما لو كانت جافة.

(وصحيحته الأخرى قال: قلت للرضا (عليه السلام): الخياط أو القصّار يكون يهودياً أو نصرانياً وأنت تعلم أنه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال: «لا بأس»([9])، فان القصّار هو الذي يغسل الثوب وفيه الشاهد، وأما الخياط فإنه لا شاهد فيه صريحاً)([10]) وواضح انه لا مشكلة من حيث انه يبول ولا يتوضأ إذ لا تعلم نجاسة يده من هذه الجهة، بل حتى لو كانت هذه الجهة متحققة فان حكم الإمام عليه السلام تام بـ(لا بأس) الدال على انه لا بأس به من جهة دعوى نجاسة بدنه ذاتاً (فانه ليس بنجس) ولا بأس به من جهة احتمال نجاسته عرضاً (فان الأصل عدمه).

ثم ان من اللازم البحث عن النسبة بين روايات الأحدثية وروايات التقية، والظاهر انها من وجه، ولكن أيهما الحاكم أو المتقدم على الآخر؟ وعلى أي فالمختار تبعاً للمشهور اختصاص روايات الأحدث بزمن الإمام نفسه.

 

ج- المرجّحات استحبابية، حسب الآخوند

ثالثاً: ما ذهب إليه الآخوند من ان المرجّحات استحبابية والتخيير حاكم وانه حتى لو جمعت رواية المرجحات فان المكلف مخير بينها وبين معارضها، لوجوه أربع، وسيأتي الكلام عن بعضها بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((لَا فَقْرَ أَشَدُّ مِنَ الْجَهْلِ وَلَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ)) (الكافي: ج1 ص26).

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------------------------

([1]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه/ كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت،  1407هـ، ج4 ص202.

([2]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص23.

([3]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج2 ص44.

([4]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص67.

([5]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص67.

([6]) السيد صدر الدين محمد بن محمد باقر الحسيني الرضوي، شرح الوافية في الأصول، منشورات العتبة الحسينية المقدسة – كربلاء، ط/1، ج5 ص276.

([7]) الشيخ الطوسي، التهذيب، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج1 ص399، الوسائل: ج2 ص1077 الباب54 من أبواب النجاسات ح2.

([8]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه/ كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت،  1407هـ، ج4 ص193.

([9]) الحدائق: ج5 ص169 في القول بطهارة الكتابي. وفي الوافي: في باب التطهير من مس الحيوانات من أبواب الطهارة من الخبث.

([10]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الفقه/ كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت،  1407هـ، ج4 ص193.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3313
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 27 ربيع الاول 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28