• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 131- المحتملات في الروايات المتعارضة: التخيير الواقعي او الظاهري او الامر الاولي والولوي .

131- المحتملات في الروايات المتعارضة: التخيير الواقعي او الظاهري او الامر الاولي والولوي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(131)

 

 

محتملات الجمع بين روايات طهارة الكتابي ونجاسته

والتحقيق: ان المحتمل في روايات طهارة الكتابي ونجاسته، أحد الأمور التالية:

 

التخيير واقعي ناشئٍ عن التزاحم

1- ان تكون صادرة عن تخيير واقعي بينهما.

أو فقل: لتفيد التخيير الواقعي الناشئ من تزاحم الأمرين وذلك نظير التخيير بين خصال الكفارة.

لا يقال: لكن الأمر في المقام دائر بين الضدين موصوفاً بهما الأمر الواحد والضدان هما الطهارة والنجاسة ومحلهما هو الكافر، لا بين موضوعين متخالفين أو متضادين كما في الخصال، فلا يعقل التخيير بينهما.

إذ يقال: التخيير في الصورتين ممكن، ولا فرق بينهما من هذه الجهة، وذلك لأن كلّاً من ملاكي المفسدة والمصلحة لو كان تامّاً في الشيء الواحد كان مقتضى القاعدة التخيير بينهما كما لو فرض ان منفعة الأرنب أو الخمر كانت مساوية لمفسدتهما لا غالبة لقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)([1]) فان لو فرض إثم الشيء مساوياً لنفعه تخيّر بين فعله وتركه بل كان للمولى إيجابه وتحريمه للوجهين ومآلهما التخيير، وذلك نظير الإباحة الاقتضائية فان الإباحة تارة تكون لا اقتضائية كما لو لم يكن في هذا الفعل نفع ولا ضرر فلا وجه لتحريمه أو إيجابه بل يترك غير محكوم عليه بشيء([2]) فهو مباح، وقد تكون اقتضائية كما لو كان في الشيء منفعة ملزمة لكن ساوتها مضرة ملزمة بقدرها، ولئن قيل بتقدم جانب المضرة والحرمة فنمثل بما لو كانت المصلحة أكثر بدرجة لا توصله إلى الإلزام بل بما يعادل المفسدة مع لحاظ رجحانها لو ساوت المصلحة كاملاً فنفترض زيادة المنفعة بدرجة معينة لا توجب الإلزام ولا تنتقص عن المعادلة مع المفسدة لترجح عليها([3])، على ان الحق لدينا مساواة المصلحة والمفسدة من هذه الجهة فلو كان كل  منهما 50% كان مخيراً ولا ترجيح للمفسدة الملزمة على المصلحة الملزمة لو دار الأمر بينهما مع فرض كونهما إلزاميين عقلاً أو شرعاً.

وفي الكافر يحتمل([4]) كون روايات طهاراته ونجاسته، من هذا القبيل، وذلك يعني ان الأمر مندرج في باب التزاحم لا التعارض فلا يرجع فيه إلى مرجّحاته([5]) فتكون النتيجة ان الحكم بالطهارة صحيح لوجود ملاكها، والحكم بالنجاسة صحيح لوجود ملاكها، فيكون الإجماع إذا انقلب إلى شهرة على الخلاف أو إجماع على الخلاف، صحيحاً كالشهرة المعاكسة له.

فمثلاً قد يكون ملاك النجاسة قذارتهم المعنوية وسرايتها إلى ظاهرهم الموجبة للقذارة الظاهرية المادية (أي النجاسة بالمعنى المعهود) وقد يكون ملاك الطهارة المزاحِم إيمانهم بالله المزاحم لملاك نجاستهم الناشئة من شركهم فملاك طهارتهم إيمانهم بالله وملاك نجاستهم شركهم به، أو قد يكون ملاك طهارتهم ان الشارع لاحظ ان الحكم بطهارتهم ذو مصلحة واقعية وهي ان ذلك يقربهم للإسلام مما لو حكم عليهم بالنجاسة لاشمأزوا وابتعدوا.

وليس الكلام في إثبات هذا الوجه، بل مجرد إبداء الاحتمال فيه وانه كاحتمالٍ ممكن بل وعقلائي، فلا يحرز كون الشهرة على الخلاف – لو فرضت – موهناً للإجماع مادام يحتمل كون كل منهما حكماً واقعياً تخييراً. فتأمل

 

التخيير ظاهري

2- ان تكون مفيدة للتخيير الظاهري فاحدهما منجز والآخر معذّر، فهو حكم ظاهري عملي في مورد الجهل والتوقف، وذلك يعني ان النجاسة مثلاً هي الحكم الواقعي والطهارة هي الحكم الظاهري (أو العكس، لا فرق) وقد تنوعت طائفتا الروايات على نوعي الحكم.

والحاصل: ان كليهما حكم الله لكن أحدهما حكم الله الواقعي والآخر حكمه الظاهري نظير أصل البراءة فانه حكم الله الظاهري الذي لا يتنافى مع حكمه الواقعي الذي يفرض انه الوجوب او الحرمة – لو كان كذلك ثبوتاً – ونظير حكم الرسول صلى الله عليه واله وسلم  بالإيمان والبينات وقد ورد عنه صلى الله عليه واله وسلم  قوله ((إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَ الْأَيْمَانِ وَ بَعْضُكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَيُّمَا رَجُلٍ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْئاً فَإِنَّمَا قَطَعْتُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ))([6]) وقد سبق بيان ذلك ومما سبق: (فكلا الحكمين: الطهارة والنجاسة قد ورد عنهم عليهم السلام غاية الأمر ان أحدهما حكم واقعي والآخر ظاهري، وقد وسّع الأئمة عليهم السلام علينا بالأخذ بأيهما شئنا فليست المشكلة في الإجماع أبداً)([7]) و: (بعبارة أخرى: لو كان المدّعى ان الإجماع كاشف عن الحكم الواقعي لورد إشكال موهنيته بمخالفته مشهور المعاصرين بل وبمعارضة مستندِهِ بروايات كثيرة مضادة، لكنّ المدّعى هو ان الإجماع كاشف عن قول المعصوم عليه السلام ومادامت للمعصوم روايات على كلا طرفي الحكم فكلاهما قوله، والإجماع كاشف عن قوله سواء انقلب أم لا فلم يتزحزح قيد شعرة عن جهة حجيته)([8]).

 

النجاسة حكم أولي والطهارة ولوي أو العكس

3- ان تكون النجاسة حكماً واقعياً كما عليه المشهور بل إجماع المتقدمين والمتأخرين([9])، والطهارة حكماً ولوياً.

4- العكس بان تكون الطهارة حكماً واقعياً والنجاسة حكماً ولائياً.

ولعل رواية الكاهلي مما تصلح دليلاً على هذا الوجه فعن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم مجوسي، أيدعونه إلى طعامهم؟ فقال: ((أما أنا فلا أواكل المجوسي، وأكره أن أحرم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم))([10]) فان هذه الرواية ارتآى فيها البعض([11]) ان المراد الحرمة والنجاسة واقعاً وان حكمه عليه السلام الحلية أو بالطهارة هو لجهة التقية لظاهر (وأكره أن أحرم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم) إذ الرواية صريحة في انه صنيعهم في بلادهم أي عليه سيرتهم، فالمستظهر ان تحريمه وحكمه بالنجاسة مما لا يصح لمخالفته للتقية، فذلك يعني ان الحكم الواقعي هو النجاسة ولكنه عليه السلام لم يحكم عليهم بها وكره الحكم عليهم بها لأنه يؤذيهم حيث جرت سيرتهم على معاشرة المجوس والأكل معهم فلو حرّم عليهم ذلك أحرجهم، فحكمه بالطهارة تقية وهذا ما استظهره صاحب الحدائق بتوضيح منّا.

لكن الأظهر ان حكمه بالطهارة إنما هو من باب الولاية لظهور قوله (وأكره أن أحرم...) فان ظاهر (وأكره أن أحرم...) هو تحريمه ولايةً ما هو حلال ذاتاً وإلا لما استعمل كلمة (أحرم) الظاهر في إسناد التحريم إليه، إذ الإمام عليه السلام في الحكم الواقعي ناقل مخبر وليس مُنشئاً، فهو مبلّغ له لا جاعل، عكس الولائي، وقد دل على ثبوت منصب الحكم الولائي للرسول وللأئمة عليهم السلام قوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([12]) والروايات المتكاثرة.

والحاصل: ان ظاهر الرواية: حِلّية أكل طعامهم من حيث طهارتها وان الإمام إنما يحرّم ولايةً لو لم يكن محذور، فإذا لم يكن محذور حرّم ولايةً، وإلا لما حرّم بل ابقاه على حكمه الأصلي وهو الطهارة. فتأمل

وإذا تم ذلك فكل من الحكم بالطهارة والحكم بالنجاسة، صادر من الشارع أحدهما بالعنوان الأولي والثاني بالعنوان الثانوي والأول كحكم واقعي أولي والثاني كحكم واقعي ولوي (ولائي). وللبحث صلة بإذن الله تعالى.

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ((الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَاحْذَرُوهُمْ عَلَى دِينِكُمْ))

(الكافي: ج1 ص46).

 

 

----------------------------------------------------

([1]) سورة البقرة: آية 219.

([2]) أو محكوماً عليه بالإباحة، على الوجهين.

([3]) ولنفرض المصلحة الملزمة بدرجة 52% والمفسدة بدرجة 48% مثلاً ولو قيل مع ذلك بتقديم جانب المفسدة زدنا درجة المصلحة، حتى لا يبقى مجال إلا للقول بالتعادل والتخيير.

([4]) والكلام الآن في مجرد الاحتمال.

([5]) أي مرجّحات باب التعارض.

([6]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج7 ص414.

([7]) الدرس (130).

([8]) الدرس (130).

([9]) إلا المعاصرين.

([10]) الوسائل: ج16 ص383 الباب53 من أبواب الأطعمة المحرمة ح2.

([11]) وهو صاحب الحدائق.

([12]) سورة المائدة: آية 55.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3302
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 23 ربيع الاول 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15