• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : التزاحم (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 127- الإشكال على إجماع السابقين بتطور الاجتهاد والفكر البشرية والإحاطة بالمعلومات - الأجوبة .

127- الإشكال على إجماع السابقين بتطور الاجتهاد والفكر البشرية والإحاطة بالمعلومات - الأجوبة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(127)

 

الصدر: اللاحقون أقوى فكراً واجتهاداً ومعلومات من السابقين

وقال في مباحث الأصول: (الخامس: أنّ احتمال وجود نكتة مشتركة تكون بحيث لو تمّت تفسّر لنا مجموع الصدف يقلّل من استبعاد اجتماع تلك الصدف، فاحتمال اقتران موت زيد بموت عمرو، وبموت بكر، وخالد وغيرهم في وقت واحد يقلّ ضعفه حينما عرفنا ـ مثلاً ـ أنّهم كانوا في سيّارة واحدة، وأنّه من المحتمل موتهم جميعاً بحادث اصطدام([1])

 وهذا يفسّر لنا فرقاً آخر بين باب الحسّ وباب الحدس:

 ففي باب الحسّ قلّما يتّفق فرض نكتة مشتركة يحتمل كونها هي السبب في خطأ الكلّ، كما لو احتملنا أنّ هؤلاء الذين أخبرونا برؤية زيد في مكان خاصّ أخطأوا جميعاً، بنكتة أنّ عمراً تشبّه بزيد وارتدى زيّه ولبس ثيابه وحضر ذاك المكان، أو بنكتة أنّ أخاً لزيد يشبهه تماماً قد حضر ذاك المكان، ففي الغالب لا توجد نكتة عامّة من هذا القبيل توجب خطأ الجميع في الحسّ، وحينما توجد يخفّ ضعف احتمال خطئهم جميعاً

 بينما في باب الحدس والاجتهاد يكثر وجود نكتة عامّة توجب خطأ الجميع، وهي عبارة عن نقطة سير الفكر البشريّ في خطّ الاجتهاد والحدس، أو مستوى قوّتهم الفكريّة، أو ظروفهم المشتركة ومعلوماتهم العامّة التي كانوا يعيشونها جميعاً ونحو ذلك، فلو أجمع العلماء الأقدمون على حكم يكون مقتضى قاعدة الترتّب خلافه، فإجماعهم لا يدلّ على ثبوت الحكم على خلاف القاعدة تعبّداً؛ لعدم استبعاد غفلتهم جميعاً عن قاعدة الترتّب بحسب نقطة السير في التفكير التي وصلوا إليها في ذاك الزمان، باعتبار أنّ الترتّب إنّما التفت إليه ـ بحسب سير التأريخ ـ بعد الالتفات إلى باب التزاحم والفرق بينه وبين باب التعارض، ممّا دعا العلماء إلى التفكير في الوظيفة لدى التزاحم وحلّ مشكلاته، فاتّجهت أنظارهم إلى الترتّب، كما أنّ الالتفات إلى التزاحم أيضاً كان متفرّعاً على تولّد التفريعات في الفقه والتوسّع في ذلك ممّا يؤدّي إلى الالتفات إلى موارد تزاحم الأحكام في الفروع. ولعلّ أوّل كتاب كتب في التفريعات هو كتاب المبسوط للشيخ) إنتهى

أقول يرد على قوله: (بينما في باب الحدس والإجتهاد يكثر...) أمور:

 

الاجوبة: 1- اجماع معاصري المعصوم، مورِث للحدس القطعي، وإجماع اللاحقين مرآتي

الأول: ما سبق تفصيلاً من اننا نتكلم أولاً عن اجماع معاصري المعصوم عليه السلام فإنه يحدس منه قطعاً تقريره، ولا مجال لإحتمال التقية ابداً، ولا مجال للأستدلال بالوجوه الثلاثة([2])أو الإستدلال بتقرير المعصوم لهم بالحدس القطعي، ثم نتكلم ثانياً عن الإجماع في هذه الأزمنة؛ فإنه، اذا لم نر معارضاً من السابقين، مرآتي كاشف عن اجماع الفقهاء جيلاً بعد جيل وصولاً لمعاصري المعصومين عليهم السلام  فراجع ما سبق.

 

ان تمامية الأدقية والإحاطة لا تنتج الأقربية للإصابة أصلاً

الثاني: ­أن الأمور الثلاثة حتى لو تمّت، فإنها لا تصلح دليلاً أبداً على الأقربية للإصابة أو أكثرية الإصابة.. فإن الأمور الثلاثة غاية الأمر ان تنتج الأدقية او الإحاطة  بتشقيقات او ادلة او ردود جديدة، ولا يعلم انها بذلك تكون الاقرب لما في اللوح المحفوظ أو لما أودعه الرسول لدى الأئمة عليهم السلام  أو قالوه؛ الا ترى انه لا يستطيع احد الجزم، بل حتى الظن بل حتى دعوى ان آراء الشيخ الانصاري في الفقه اقرب للاصابة، من حيث المجموع، من آراء الشيخ الطوسي؟ ألا ترى انه لا يمكن دعوى ان الاصفهاني صاحب نهاية الدراية اقرب للاصابة من النائيني او حتى السيد السبزواري صاحب المهذب، لانه اكثر دقة واقوى فكراً او شبه ذلك؟

 

2- الخلاف في أن الملاك العرفية أو الدقية فلا احراز للأقرب بالحاليّ

 وبوجه آخر: هنالك مبنيان: الأول: أنه كلما كان الفقيه اكثر عرفية وعفوية وفطرية في التعاطي مع الأدلة كان أقرب لللإصابة إذ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ([3])): الثاني: انه كلما كان أكثر دقة وعمقاً واستيعاباً كان أقرب للإصابة، ولكن حيث لا نحيط باللوح المحفوظ وبما لدى الأئمة عليهم السلام  من الأحكام الواقعية لا يمكننا القول بأن الفريق الأول أقرب للإصابة أو الفريق الثاني.. إلا رجماً بالغيب واستحساناً فقط

 

3- توزع النوابغ على الأزمنة

الثالث: انه كأنه إفترض أن من اللاحقين دوماً أقوى في (مستوى قوتهم الفكرية) من السابقين، مع ان الواقع والتتبع والاستقراء تشهد بأن سنة الله تعالى في المجتمع على توزّع العقول العظيمة والنوابغ والأقوى فكراً والأعمق غوراً على امتداد الازمنة المتلاحقة.. ولذا لا يشك احد في ان مثل نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي وابن سينا والشيخ الانصاري هم فرائد الفقه والعلم ولعله لم يأت مثلهم حتى الآن ويكفي عدم العلم في ردّ دعواه .

 ولو جاء مثله فانه مندرج في الكبرى الكلية وهي أن العباقرة موزعون على الازمنة السابقة والمعاصرة واللاحقة.. ولا يوجد دليل واحد يدل على انه كلما مضى الزمن وُلِد عباقرة اعظم ممن سبق، بل قد تمضى عشرات السنين أو مئات السنين ولا يوجد أحد يقارب أدنى مستوى أحد الأعاظم أو أوسطه.

وحيث ان الفرض كان أن المجمعين السابقين يتضمنون مثل الطوسي او الحلي او الانصاري، لذا لا يمكن القول (بينما في باب الحدس والاجتهاد يكثر وجود نكتة عامّة توجب خطأ الجميع) وان هذا الاحتمال منتف في اللاحقين وموجود في السابقين نظراً لكون الفكر البشري الاجتهادي تصاعديأ.. إلخ.

 

4- سلمنا لكنه معارض بأقربية القدماء الى زمن النصّ

الرابع: سلمنا لكن ذلك معارض بأقربية المتقدمين الى زمن من هذا النص مما يقرّب اقوائية اصابتهم من المتأخرين، فانه إن رجح عليهم المتأخرون بالأمور الثلاثة فان المتقدمين يرجحون عليهم بالقرب لزمن النص، ومن البديهي انه كلما كثرت الوسائط او تباعدت الازمنة عن قولٍ او حدثٍ، كان احتمال ضياع بعضه أو بعض قرائن الحالية او المقالية او دخول التغيير او التحريف عليه أكثر.. وذلك نظير ما قيل في ترجيح توثيقات المتقدمين على المتأخرين لأنهم لقربهم لأولئك الرجال فهم أحرى بأن يطّلعوا على ما يحتمل ضياعه من القرائن أو الكتب، بتقادم الأزمنة.

 

5- مرجع الإختلاف الى العقل او النقل

الخامس: ان مرجع اختلاف المتقدمين عن المتأخرين: أما العقل واما النقل، وعلى كليهما فلا أرجحية للمتأخرين من حيث اقوائية الاصابة، وتوضيحه:

أن الاستدلال على حكمٍ اذا كان بالعقل فأما ان يكون بمستقلاته، او ان يكون بالفطريات، او يكون بغير ذلك:

 

أما إذا كانت المستقلات العقلية والفطريات فالسابقون واللاحقون سيان

اما على الاولين فمن البديهي ان المستقلات العقلية، وكذا الفطريات، لا يختلف فيها عقل المتقدمين عن اللاحقين لفرض كونها مما يستقل بها العقل بما هو وهو الحجة التي أودعها الله تعالى في الجميع، وذلك كاستحالة الدور او التسلسل او غير ذلك.

 

توضيح مرجعية العقل والوجدان في الترتب

ومن ذلك مسألة الترتب التي استشهد بها، والتي نرى انها عليه لا له، وذلك لوضوح ان جديد البحث واساسه يعود الى امكان (ان يأمر بالمهم على تقدير ترك الأهم او على تقدير عصيانه) – على القولين، أو امتناعه، وهو مبحث عقلي لا يرتبط بالتطور الفقهي او الاجتهادي اذ مدعي الامكان يستدل بالضرورة او الوجدان وإن أدلة الامتناعي شبهة في مقابل البديهة.

ويبدو ان السيد الشهيد الصدر تصوّر ان امكان([4]) الترتب مما ساق اليه تطور علم الأصول بعد ان لم يكن مطروحا قبل زمن الشيخ الكبير كاشف الغطاء فلذا غفل عنه القدماء أما الآن فقد بان إمكانه أو امتناعه فعرفنا غفلتهم، مع ان التاريخ بعد كاشف الغطاء يشهد بخلاف دعواه: فإن الشيخ الأنصاري إرتأى امتناع الترتب ثم إرتأى تلميذه الميرزا الشيرازي أمكانه ثم إرتأى تلميذ الشيرازي وهو الآخوند  امتناعه ثم إرتأى بعض تلامذة الاخوند : النائيني والعراقي والأصفهاني([5]) امكانه كما رأى تلميذ تلامذة الآخوند وهو السيد الخوئي امكانه واستدل عليه بالوجدان والبداهة فكيف يدعى ان تطور الاجتهاد يقود الى نتيجة مخالفة لما توصل اليه السابقون الغافلون عن هذه اليحوث العلمية ؟

والحاصل: ان قوله (فإجماعهم لا يدلّ على ثبوت الحكم على خلاف القاعدة تعبّداً؛ لعدم استبعاد غفلتهم جميعاً عن قاعدة الترتّب بحسب نقطة السير في التفكير التي وصلوا إليها في ذاك الزمان) يرد عليه: ان اجماعهم يكشف عن ارتكازهم العقلي والعقلائي وان لم يعبّروا بمصطلح الترتب وان تغيّر رأي البعض إنما هو لشبهة الاستحالة.

ونضيف تأكيداً – وقد فصلناه في مبحث التعارض فراجع – ان من البديهي والوجداني لدى العقلاء ان يقول الاب لابنه: اذهب الى المدرسة فان لم تذهب فاشتر الخبز من السوق، وهم يرون ان الأمر الثاني (بالمهم) مولوي لا ارشادي.. وللبحث تتمة ومزيد ايضاح فانتظر

 

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

قال الامام علي عليه السلام : (ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُبَصِّرْكَ اللَّهُ عَوْرَاتِهَا، وَلَا تَغْفُلْ فَلَسْتَ بِمَغْفُولٍ عَنْكَ)

 

 

--------------------------------------------

([1]) أقول: وتتمة كلامه أن الحس (كالبصر والسمع) لم يقوَ في اللاحقين عن السابقين.

([2]) (سير الفكر... ومستوى قوتهم .. أو ظروفهم ومعتقداتهم)

([3]) سورةُ إبراهيم : الآية (4)

([4]) أو حتى إمتناع، لا فرق

([5]) هذا مما ببالي عن الأعلام الثلاثة، ويحتاج لمراجعة لم تتسن لي الآن لمرض ألم بي.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3291
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 12 ربيع الاول 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15