بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(313)
ثمرتان أخريان للقول باستحالة قصد الجنس وعدمها
كما تظهر الثمرة بين القول باستحالة قصد الجامع ونقله وإنشائه وبين القول بإمكانه في صور أخرى أيضاً:
الصورة الأولى: ما إذا عُلِم انه قصد الجامع وهو التسليط أو النقل ولم يقصد عنواناً خاصاً كالبيع والصلح والإباحة.
الصورة الثانية: ما إذا جُهِل قصده وانه قصد الجامع الجنسي أو قصد نوعاً من الأنواع كالبيع أو الهبة المعوّضة.
إذا علم انه قصد الجامع وحده
أولاً: أما إذا علم انه قصد الجامع، أ- فعلى مبنى الإمكان يقع الجامع وهو (التمليك الصرف) لو قصد الجامع بين أنواع المعاملات الناقلة كالبيع والصلح والهبة المعوّضة...، أو (التسليط الصرف) لو قصد الجامع بين الإباحة والتمليك، ولا تترتب عليه خصوصية أية معاملة من المعاملات كالأحكام الخاصة بالبيع أو الهبة المعوّضة، بل الأحكام المشتركة فقط، وهي القدر المتيقن.
ب- واما على مبنى الامتناع فقد يقال بانه يبطل العقد إذ صار بلا قصد لامتناع قصد الجامع فهو – على هذا – صورة قصد وليس واقع قصد، وقد يقال بانه، في واقع الأمر، من الخطأ في التطبيق وانه وَهَم حيث تصور انه قصد الجامع محضاً بل هو في واقعه وارتكازه قاصد لإحدى العناوين الخاصة وقد توهم انه قصد الجامع فهو من قبيل تخالف الوصف والإشارة وهو نظير ما ذهب إليه البعض من انه لو قصد الجامع ولكنه اعتبر ما يدفعه مثمناً وما يأخذه ثمناً فانه بيع حقيقةً وإن توهمه الجامع بين البيع وغيره؛ إذ قوام البيع بكون أحدهما مثمناً والآخر ثمناً وقوام الهبة المعوضة بالإعطاء محاباةً وقوام الصلح بسدّ باب النزاع الفعلي أو الشأني بهذه المعاملة وإن كان القاسم المشترك في جميعها هو المعاوضة والمبادلة، فكذلك المقام.
وعلى أي فانه لو قيل بذلك فالمرجع اما دوران الأمر بين المتباينات أو دورانه بين الأقل والأكثر، والأول لو قصد جامع التمليك والثاني لو قصد جامع التسليط، فعلى الأول لا مرجّح لإحدى المتباينات فلا تترتب إلا الأحكام المشتركة بين كافة أنواعها وعلى الثاني فان القدر المتيقن يكون هو الأقل إذ هو المحرز لا محالة، والأقل هو الإباحة. فتدبر.
إذا جهل انه قصد الجامع أو النوع
ثانياً: واما إذا جهل انه قصد الجامع أو نوعاً من الأنواع، فإن قلنا بالإمكان (إمكان قصد الجنس بلا قصد إحدى فصوله) فحينئذٍ يصح التمسك بالإطلاق لنفي القيود نظراً لتمامية مقدمات الحكمة لأن الفرض انه في مقام البيان أو إن لم يكن فهو كذلك لو حضر وقت العمل، ولو أراد نوعاً خاصاً لذكره وإلا لكان مغرياً بالجهل، فحيث لم يقم دليلاً على انه قصد فصلاً خاصاً (ولذا جهل حاله) كان ذلك دليلاً على عدم قصده له فلا تفيد هذه المعاملة إلا الجنس وهو الإباحة.
واما إن قلنا بالاستحالة، فقد يقال: ان ظاهر فعله (وهو المعاطاة) قصد الـمُمْكِن (بل يستحيل غيره) فلا محالة يكون قد قصد أحد الأنواع فيدور الأمر بين المتباينين أو الأكثر والأقل كما فصلناه في الصورة الأولى. فتأمل وتدبر
ملحق: الاستدلال ببرهان الغرض على قصد الجامع وإنشائه
ثم انه قد تناقش دعوى الشيخ (امتناع خلو الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع أو الإباحة أو العارية...) ببرهان الغرض، وتوضيحه: ان الأمور الخمسة (القصد والإنشاء والنقل والاستعمال والطلب) حيث انها أفعال اختيارية فلا محالة إنما تصدر عن العاقل لغرض من الأغراض، وحينئذٍ فقد يكون الحامل لغرضه الفرد بمشخصاته الفردية (كشراء هذا البيت خاصة لأن له جِيرةً يحبهم أو لأنه كان ملكاً لأبيه أو لغير ذلك) وقد يكون الحامل لغرضه الصنف (كشراء بيت ما في النجف لأنه يريد الدراسة في الحوزة العلمية) وقد يكون الحامل لغرضه النوع (كشراء بيت ما مهما كان) وقد يكون الحامل لغرضه الجنس كشراء ما يُكنّه ولو كان خيمةً أو سيارة متنقلة مثلاً.
وحينئذٍ فان كان الحامل لغرضه الجنس كان من اللغو ان يقصد النوع أو الصنف أو الفرد أو ينقله بعنوانه لأنه أجنبي عن غرضه، وكذلك إن كان الحامل لغرضه النوع فان من اللغو ان يقصد أو ينشأ الصنف أو الفرد وهكذا، هذا إن لم نقل بالاستحالة وانه لو فعل فهو صورة قصد ويمتنع كونه واقع قصد إذ بدون كونه محققاً لغرضه – أي غرض كان – كيف ينبعث نحو قصده حقيقة. فتأمل
الرد: الغرض فرع الإمكان فلا يصلح رداً على الشيخ
ولكن هذا الوجه لا يتكفل بالرد على الشيخ إلا بعد إثبات الإمكان، بالدليل أو بالوجدان، ومن دونه فان كلام الشيخ حاكم على برهان الغرض إذ لو كان قصد الجامع محالاً فيستحيل ان يكون هو المحقق للغرض ويستحيل قصده أو إنشاؤه وحده. والحاصل: ان (الغرض) غير موجب لانقلاب الممتنع ممكناً فلا بد من الجواب عن شبهة الامتناع ثم إثبات ان الواقع هذا أو ذاك ببرهان الغرض وشبهه.
الجواب العام: ان متعلق العناوين الخمسة أمر اعتباري
ثم ان الجواب العام عن إمكان تعلق العناوين الخمسة السابقة وهي القصد والإنشاء والنقل والطلب والاستعمال، بالجنس ومطلق الكلي، هو ان متعلَّقها في المعاملات هو أمر اعتباري وهو الملكية فيكون نقلها في ذلك العالم أيضاً([1]) وقد سبق ان الذهن وهو محل الاعتباريات هو بعينه محل الكلي ومنه الجنس، ويدل على وجود الجنس في الذهن إضافة إلى ما سبق من الحكم عليه باحكام ووصفه بصفات وان ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له، صحة تقسيمه إلى الأنواع كما تقول الحيوان إما ناطق أو صاهل أو ناهق أو زائر.. الخ ولو كان لا يمكن وجوده وحده إلا متفصلاً لما كان يمكن تقسيمه وإلا لكان من تقسيم الشيء إلى نفسه وضده وهو غلط أو محال.
هل الملكية أمر حقيقي أم اعتباري!
ولكن ذلك كله مبني على المشهور من ان الملكية أمر اعتباري، اما على ما احتمله الشيخ ولا نستبعده من غير ان نتبنّاه من ان الملكية أمر حقيقي قائم بالمالك والمملوك كشعاع رابط بينهما يحدث بالحيازة وشبهها([2]) ولا دليل على نفي ذلك كما لا دليل على إثباته، فإذا كان كذلك كان أمراً واقعياً غير اعتباري فينتفي مبنى البحث كله لكن المخرج من قصد الكلي ونقله وإنشائه، مع ذلك، تام، كما ظهر مما مضى وسيأتي بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((مَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ، أَلَا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ أَلَا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلَا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا...)) نهج البلاغة: ص71.
------------------------------------------
([1]) أي في عالم الاعتبار.
([2]) فقد يكون نوعاً من الأشعة الكهرومغناطيسية أو نوعاً من أشعة غاما أو الليزر أو غير ذلك.
|