• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1440-1441هـ) .
              • الموضوع : 306- لمعاطاة تمهيد، والصور الأربع للمعاطاة ومناقشات .

306- لمعاطاة تمهيد، والصور الأربع للمعاطاة ومناقشات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(306)

 

كتاب المعاطاة

ولنمهد للبحث أموراً:

 

تعريف المعاطاة وفرق المفاعلة عن التفاعل

الأمر الأول: عرّف الشيخ المعاطاة بـ:(ان يعطي كل من اثنين عوضاً عما يأخذه من الآخر)([1]) كما فسّرها بعض العلماء بالتعاطي.

ولكن تفسير باب المفاعلة بباب التفاعل مسامحة أو تجوّز لوجوه من الفرق بينهما لفظية ومعنوية: فمن اللفظية: ان التفاعل يأخذ فاعلين والمفاعلة تأخذ فاعلاً ومفعولاً، أو فقل: انه يتشارك في باب التفاعل فاعلان ويتقاسم باب المفاعلة الفاعل والمفعول.

ومن المعنوية: ان الظاهر ان التفاعل إنما يكون لو أراد التسوية بينهما في صدور الفعل منهما أو لاحظ أصل نسبة الفعل إليهما، اما المفاعلة فتكون لو كان مصبّ كلامه واهتمامه سَبْق أحدهما وابتداءه بالفعل ومطاوعة الآخر له ويكون التشارك في الفعل مآلاً.

واما تعريف الشيخ فهو تفسير للمعاطاة بالأخص المقصود في هذا الباب، فان المعاطاة تصدق مع مجرد إعطاء هذا لذاك كتاباً مثلاً مقابل إعطاء ذاك لهذا ساعة أو مالاً وإن لم يقصد التقابل، مع ان المعاملة المعاطاتية يشترط فيها قصد التقابل، وتصدق مع الاعطائين وإن لم يكونا بقصد الإنشاء عكس المعاملة المعاطاتية التي لا تكون إلا بقصد إنشاء النقل.

وعليه فالأولى، لو أردنا الدقة، أن يقال: الكلام في (المعاملة المعاطاتية) لا (الكلام في المعاطاة) والأمر سهل؛ إذ لم يرد لفظها في الكتاب والسنة، فالمدار على واقعها وهو معروف، على ان واقعها ما قلناه والتعبير عنها بالمعاطاة مسامحي أو مبني على إفادة قرينة المقام، وهي ذكرها في كتاب البيع، إرادة المعاملة المعاطاتية.

ومزيد التوضيح:

 

معاني باب التفاعل

ان باب التفاعل يأتي لمعاني:

الأول: المشاركة([2])، وهو الغالب فيه، تقول: تشارك زيد وعمرو أو تضاربا أو تقاتلا، ولا يشترط فيه قصد التقابل([3]) ولا قصد الإنشاء.

الثاني: المطاوعة، كقولك في مطاوعة فاعَلَ: باعدته فتباعد.

الثالث: إظهار ما ليس في الباطن، :تمارَضَ القوم.

الرابع: الوقوع تدريجياً، كـ(توارد القوم إلى المنزل).

الخامس: وقد يكون بمعنى المجرد كـ(تعالى الله) أي علا.

واما المفاعلة، فتأتي أيضاً لمعان:

 

معاني باب المفاعلة

الأول: المشاركة، كـ: ضارب زيد عمرواً، وقد سبق فرق المشاركة في باب المفاعلة عن المشاركة في باب التفاعل.

الثاني: التكثير، بان يكون فاعل بمعنى فعّل، كـ(ضاعف له الأجر) أي ضعّف.

الثالث: ويكون بمعنى أفعل، كـ: (عافاك الله) أي أعفاك من المصاب والمرض، و(باعدته عن دارنا) أي ابعدته.

الرابع: المجرد كـ: بارك الله فيك، وقاتله الله.

 

هل يقع الإنشاء بالأفعال؟

الأمر الثاني: ان هناك أمراً هو أسبق رتبة من المعاطاة (أي المعاملة المعاطاتية) وهو انه هل يقع الإنشاء بالفعل؟ فانه لا ريب في وقوعه بالقول مع القصد، لكنه هل يقع بالإشارة؟ أو بالكتابة؟ أو بنفس الفعل بأن يعطيه الكتاب قاصداً بنفس إعطائه بيده تمليكه له ونقله إليه في عالم الاعتبار؟

ولا شك في ان العقلاء من كل الأمم والنحل يرون وقوعه بالفعل ولو قيل بانه لا يقع([4]) بالكتابة مثلاً فلأنه لتعبدٍ شارعي على خلاف الأصل.

والظاهر ان الشيخ أخذ ذلك مفروغاً منه (أي ان الإنشاء يقع بواسطة الفعل) فبنى عليه البحث اللاحق وهو هل ان البيع (وهو نوع خاص من الإنشاء) يقع بالمعاطاة (وهي نوع خاص من الفعل).

 

صور المعاطاة حسب الشيخ

الأمر الثالث: ان المتصوَّر في المعاطاة أربع صور حسبما ذكره الشيخ، وست صور حسبما ذكره الوالد، اما صور الشيخ فهي كما ذكره في المكاسب قال: (الكلام في المعاطاة اعلم أنّ المعاطاة على ما فسّره جماعة([5]): أن يعطي كلٌّ من اثنين عوضاً عمّا يأخذه من الآخر، وهو يتصوّر على وجهين:

أحدهما: أن يبيح كلٌّ منهما للآخر التصرّف فيما يعطيه، من دون نظر إلى تمليكه.

الثاني: أن يتعاطيا على وجه التمليك)([6]).

والحاصل: انه تارة يقصد تمليكه المثمن في مقابل تمليكه الثمن وأخرى يقصد إباحته له في مقابل إباحته له، واما ان ايهما هو مقصود المتعاطيين ففيه خلاف شديد بين الأعلام كما سيأتي، لكن الظاهر ان المرتكز العرفي على انه تمليك في مقابل تمليك وإن أنكره الشيخ الكبير كاشف الغطاء، وسيأتي.

وقال الشيخ: (و ربما يذكر وجهان آخران:

أحدهما: أن يقع النقل من غير قصد البيع و لا تصريحٍ بالإباحة المزبورة، بل يعطي شيئاً ليتناول شيئاً فدفعه الآخر إليه.

الثاني: أن يقصد الملك المطلق دون خصوص البيع)([7])

والحاصل: ان المعنى الثالث: ان لا يقصد التمليك ولا الإباحة، بل مجرد ان يعطيه شيئاً ليتناول شيئاً من غير ان يقصد نقل ملكيته له ولا إباحته له، وأشكل عليه الشيخ بقوله (و يردّ الأوّل: بامتناع خلوّ الدافع عن قصد عنوان من عناوين البيع، أو الإباحة، أو العارية، أو الوديعة، أو القرض، أو غير ذلك من العنوانات الخاصّة)([8]) ولكن ستأتي المناقشة فيه.

والمعنى الرابع: هو ان يقصد بالمعاطاة تمليكه مقابل تمليك الآخر له، لكن بدون ان يقصد خصوص البيع، وأشكل عليه الشيخ بقوله: (والثاني: بما تقدّم في تعريف البيع: من أنّ التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو مفهوم البيع، لا غير.

نعم، يظهر من غير واحدٍ منهم في بعض العقود كبيع لبن الشاة مدّةً، و غير ذلك-: كون التمليك المطلق أعمّ من البيع)([9])

وستأتي بإذن الله المناقشة فيه أيضاً فانتظر.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((اصْحَبْ مَنْ تَتَزَيَّنُ بِهِ وَلَا تَصْحَبْ مَنْ يَتَزَيَّنُ بِكَ)) من لا يحضره الفقيه: ج2 ص278.

---------------------------

([1]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، الناشر: تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص23.

([2]) أي مشاركتهما في الفعل أي في مبدأ الاشتقاق.

([3]) بل يكفي قصد الفعل، وتقارنهما.

([4]) في مثل الطلاق من الإيقاعات بل ومثل النكاح من العقود.

([5]) منهم المحقّق الثاني في حاشية الإرشاد (مخطوط): 215، و الشهيد الثاني في الروضة البهيّة 3: 222، و السيّد الطباطبائي في الرياض 1: 510.

([6]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، الناشر: تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص23.

([7]) المصدر نفسه.

([8]) المصدر نفسه: ص24.

([9]) المصدر نفسه.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3221
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 19 محرم الحرام 1440 هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15