• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 288- فائدة فقهية: آية واجتنبوا قول الزور .

288- فائدة فقهية: آية واجتنبوا قول الزور

آية (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[1] بين التوسيع والتضييق[2].

اعداد السيد حسين الموسوي

المبحث الأول: تشخيص الموضوع:
توجد أقوال متعددة في (قول الزور)، ولكن عمدة الأقوال قولان متقابلان:
القول الأول: رأي السيد الخوئي وهو من المضيقين.
القول الثاني: هو رأي السيد الوالد وهو من الموسعين.
القول الثالث: وأما البعض الآخر من الفقهاء، فقد توسطوا بين هذه التوسعة وذلك التضييق.
فيرى بعض المضيقين من الفقهاء أن قول الزور خاص بالكذب، وأُلحق به الغناء حيث الروايات الخاصة[3].
وأما السيد الوالد فيرى أنّ المراد من قول الزور هو الباطل وهذا المعنى هو واسع جداً كما لا يخفى.

المبحث الثاني: متعلق الحكم:
وهنا أيضاً كلام، فإنّ السيد الخوئي[4] ـ تبعاً للإيرواني وآخرين ـ يرى أنها متعلِّقة بالإيجاد فقط، وأن معنى اجتنبوا قول الزور: اجتنبوا إيجاد قول الزور لا غير، أي: اجتنبوا إيجاد الكذب، وهذا المعنى هو تضييق في تضييق، وأما سائر التقلبات الأخرى في (الزور) فهي ليست مشمولة للآية؛ وذلك مثل الإعدام في قبال الإيجاد، فلو ملك أحدهم كتاب ضلال وحافظ عليه، وكانت فيه أكاذيب العقيدة أو الشريعة فليس مشمولاً للآية؛ وذلك لأنه لم يوجد هذا الكتاب، ولا يجب عليه إعدامه.
أما حسب الرأي الثاني فإن له أن يقول[5]: إنه يشمل (اجتنبوا) هذا المورد حدوثاً وبقاءً، أي: إن إبقاء الكتاب هو مصداق لعدم الاجتناب، ولهذا البحث شعب أخرى سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى.

المبحث الثالث: الثمرات الفقهية بين القولين:
وهناك ـ بناء على اختلاف القولين ـ ثمرات فقهية مترتبة على ذلك، فإنّ نتيجة التوسعة، وأن قول الزور هو الباطل، شمول الآية للمسائل المختلفة والمبثوثة في الفقه، أي: إن هذه الآية ستكون دليلاً عليها:
1. السباب بناء على المضيق حيث إنه[6] ليس بكذب؛ فلا تشمله الآية، وأما الموسع، فإنه يرى الآية شاملة له؛ فإن السباب باطل.
2. النميمة، فإنها ستكون مشمولة للآية بناء على التوسيع، وليست بمشمولة بناء على التضييق؛ لأنّ النميمة فيما إذا نقل كلام الطرفين للآخر من غير إضافة وتغيير ليست كذباً.
3. الغيبة.
4. التخذيل عن جبهة الحق، فإن الكلام الذي ينقله وإن كان صحيحاً فرضاً، إلا أنه لا يجوز نقله إلى المسلمين لأجل تخذيلهم فإنه باطل، كأن يقول الشخص المخذّل للمسلمين: إن أعدادكم وأسلحتكم قليلة، والعدو أقوى منكم، وينقل لهم بعض الإحصاءات عن ذلك فيخذلهم بكلامه، فهذا الكلام وإن كان صحيحاً في نفسه لكنه باطل، والموسع يرى شمول الآية له، وأما المضيق فيرفض ذلك؛ لأنه ليس بكذب.
5. الإنشاء، وهو إيجاد لاعتبارٍ في عالمه[7]، وهو ليس بمقسم للصدق والكذب، ومثاله: الحث أو الحض على الفساد أو الباطل أو الإلحاد، فإن الموسِّع يرى شمول الآية لأمثال هذه الانشائيات؛ لأنها باطل، والمضيق بخلافه، لأنها ليست بكذب.
وهنالك ثمرات أخرى بها[8] يتجلى الفرق بوضوح، نطرحها في ضمن مسائل، لكن نمهد لها بذكر المسألة المجمع عليها، وهي:

المسألة الأولى: (إيجاد قول الزور بمعنى الكذب): فإنه حرام لا كلام فيه، فإن الكذب مطلقاً محرم، ولنضرب له بعض الأمثلة المستحدثة:
فمنها: الأشخاص الذين يبثون أخباراً اقتصادية كاذبة، فإنهم ـ وبحسب رأي كل الفقهاء ـ مشمولون للآية، وكذبهم مصداق لقول الزور، كما لو أن شركة أهلية أو غيرها عقدت اتفاقاً مع شركة أخرى خارجية لاستيراد كمية كبيرة من السيارات الحديثة، وكان هناك شخص لديه مجموعة كبيرة من نفس السيارات، ورأى أنه لو تمت الصفقة لانخفضت الأسعار[9] وقل ربحه، فلو قام ببث الإشاعة الكاذبة بأن الاتفاق بين الشركتين انفسخ، فإنّ هذا مصداق لقول الزور، أي: لإيجاد الكذب وارتكابه[10].
وكذلك الحال في الإعلانات الكاذبة وغيرها، وهذه الصورة والمسألة بتفريعاتها هي مورد اتفاق بين الفقهاء، ولذا لا نتوقف عندها.

المسألة الثانية: الكتابة، كالجرائد التي تشمل الأكاذيب، فهل الآية: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} تشمل الكتابة؟ فإنّ جماعة ومنهم السيد الخوئي والإيرواني وغيرهم قالوا: إنَّ الآية لا تشمل الكتابة[11]، وأما رأي السيد الوالد وبعض آخر كصاحب العروة فهو أن الآية تعم الكتابة أيضاً[12].

المسألة الثالثة: حفظ كتب الضلال، فهل الآية {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} تشمل حفظ كتب الضلال؟
الموسع يرى أن الآية شاملة لذلك؛ وأن (اجتنبوا) غير خاصة بإيجاد قول الزور، بل تشمل الحفظ أيضاً. وأما المضيق فيرى أن الآية لا تشمل هذا المورد؛ لأنّ حفظ كتب الضلال ليس إيجاداً لقول الزور، فإنه ليس قولاً بل هو كتابة، ثم هو ليس إيجاداً، بل هو حفظ.
نعم، السيد الوالد وبالرغم من أنه يتبني التوسعة في دلالة الآية الشريفة وتطبيقاتها، لكنه من جهة ثانية قيّد الأكاذيب ـ إيجاداً وحفظاً ـ بما إذا كان الإبقاء عليها سبباً للفساد أو الإضلال، أو كان محتملاً لذلك.

المسألة الرابعة: ما ينتج الكذب: وليست بمطروحة: فهي مسألة تأسيس فضائية مهمتها نشر الأكاذيب، فهل هذا المورد مشمول للآية الشريفة أو لا؟ وكذلك تأسيس مدرسة مهمتها تخريج أفراد يقومون بنشر الأكاذيب، أو مطلق الباطل، فإنّ التأسيس بما هو هو ليس بقول زور. نعم، نتيجته تؤول إلى إنتاج أفراد يقولون الزور ويكذبون، فحسب قول المضيق لا تشمل الآية ذلك، وأما الموسع فله أن يقول: إنّ الآية تشمل هذه الموارد، فإن متعلق اجتنبوا هو كافة ما يرتبط بقول الزور بعلة محدثة كالمدرسة، أو مبقية كالحفظ، فتأمل.


------------
[1] سورة الحج: 30.
[2] من مباحث سماحة السيد المرتضى الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه حفظ كتب الضلال ومسببات الفساد: ص141ـ146.
[3] وهذا هو رأي السيد الخوئي في مصباح الفقاهة1: 404.
[4] انظر: مصباح الفقاهة1: 404.
[5] أي: حسب شمول عموم (اجتنبوا) للإعدام ـ مبدئياً ـ لا كفتوى بلحاظ دعوى قيام الإجماع ـ مثلاً ـ على عدم الوجوب، كما سيأتي في البحث القادم، إن شاء الله تعالى.
[6] أي: المطابق منه للواقع.
[7] وهو الرأي المنصور لدينا.
[8] ما عدا أولاها، كما هو واضح وهي المجمع عليها.
[9] نظراً لكثرة العرض وتوفر البضاعة، وهي السيارة هنا.
[10] وهل أكل المال أكل بالباطل أو لا؟ هذه مسألة أخرى، وهو حكم وضعي، وبحث لاحق لا نتوقف الآن عنده.
[11] وشمول الكتابة لو قيل به فبمخرج آخر كتنقيح المناط أو غيره.
[12] وهناك تخريجان لذلك سيأتيان إن شاء الله تعالى.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3184
  • تاريخ إضافة الموضوع : 18 شوال 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28