• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 81- الثمرة الثالثة: ثبوت الأحكام الوضعية في حق الصبي والمجنون والعاجز والمكره والمضطر، على قول المشهور، دون قول الشيخ ومناقشات وردود .

81- الثمرة الثالثة: ثبوت الأحكام الوضعية في حق الصبي والمجنون والعاجز والمكره والمضطر، على قول المشهور، دون قول الشيخ ومناقشات وردود

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(81)


3- الأحكام الوضعية تلزم الصبي والمكرَه و... على المشهور، دون الشيخ
الثمرة الثالثة: ان الأحكام الوضعية، على القول بثبوتها، تلزم غير المكلفين وتتعلق بهم، وذلك كالصبي والمجنون وكالمكرَه والمضطر ومن لا يعلم قصوراً، اما على القول بعدم ثبوتها فلا شيء يتعلق بهم: لا حكمٌ تكليفيٌ إذ الفرض ((رَفَعَ الْقَلَمَ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ...))([1]) و((رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي تِسْعٌ: الْخَطَاءُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا أُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَمَا لَا يَعْلَمُونَ وَمَا لَا يُطِيقُونَ وَمَا اضْطُرُّوا إِلَيْهِ...))([2]) ولا حكمٌ وضعي، إذ حيث لا حكم تكليفياً عليهم فلا حكم وضعياً لأنه اما منتزع من الحكم التكليفي فإذا انتفى انتفى أو هو عينه والأسمان مختلفان فإذا لم يكن التكليف لم يكن الوضعي لأنه اسم آخر له.
قال في بحر الفوائد (ثالثها : أنّه على القول بالجعل يحكم بوجودها وتحقّقها في حقّ غير الكامل الجامع لشروط التّكليف كالصّبي والنّائم والغافل والمجنون والجاهل في الجملة، بخلاف القول بعدم الجعل، فإنّ وجودها تابع للتّكليف المنفيّ بالفرض)([3]).

ردّ الشيخ لهذه الثمرة: حين البلوغ ينتزع الوضع
لكنّ الشيخ ردّ هذه الثمرة وأثبت ان على الصبي إذا كسر زجاج الغير مثلاً، شيء بدعوى ان مرجع ضمان الصبي إلى انتزاعه (أي الضمان) من الخطاب التعليقي الموجه إليه حال البلوغ، والأدق – حسب رأيه – انه إذا بلغ خوطب بالتكليف (فانتزع منه الوضع والضمان)([4]).
قال: (أن الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي، وأن كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء، فمعنى قولنا: "إتلاف الصبي سبب لضمانه"، أنه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف من البلوغ والعقل واليسار وغيرها، فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسر بقوله: "إغرم ما أتلفته في حال صغرك"، انتزع من هذا الخطاب معنى يعبر عنه بسببية الإتلاف للضمان، ويقال: إنه ضامن، بمعنى أنه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف)([5])
وقد أشكل على الشيخ بان الحكم الوضعي منتزع – على تقدير القول به – من الحكم التكليفي المنجز وليس على الصبي تكليف منجز فكيف ينتزع منه الحكم الوضعي، فأجاب: بانه منتزع من التكليف الأعم من المعلَّق والمنجّز أو([6]) منتزع من التكليف حين تنجزه في وقته ولذا قال: (ولم يدَّعِ أحد إرجاع الحكم الوضعي إلى التكليف الفعلي المنجز حال استناد الحكم الوضعي إلى الشخص، حتى يدفع ذلك بما ذكره بعض من غفل عن مراد النافين: من أنه قد يتحقق الحكم الوضعي في مورد غير قابل للحكم التكليفي، كالصبي والنائم وشبههما).

ردّ آخر للاشتياني: الوليّ هو المكلف
وقد أضاف تلميذه المحقق الاشتياني بقوله: (ويتوجّه عليه ما أشرنا إليه سابقاً: من أنّه على القول بعدم الجعل يحكم بها في حقّ غير الكامل أيضا من جهة الخطاب المتوجّه إلى الكامل أو المتحقّق في حالة الكمال، فهذه الثّمرة أيضا منتفية)([7]).
والحاصل انه يمكن الجواب أحد وجهين:
إما القول بان خطاب التكليف بوجوب دفع العوض لمن كسر الصبيُّ مثلاً زجاجَهُ، موجّه للصبي حين بلوغه وحالة كماله، فحينه ينتزع منه الضمان، (ونضيف كما سبق: انه قد يقال بانه مضمون عليه الآن منتزعاً من تكليفه التعليقي مستقبلاً، لكن هذا يرد عليه استحالة ان يكون منشأ الانتزاع استقبالياً والمنتزَع منه حالياً للتلازم بين المنتزع والمنتزع منه قوةً وفعلاً، عكس الاعتباري ومنشأ الاعتبار، فتدبر).
وإما القول بان خطاب التكليف موجه لولي الصبي والمجنون، بان يدفع الولي من مالهما عوض ما كسراه.

جواب اليزدي عن ردّ الشيخ: فرضُ عدمِ مالٍ للصبي مطلقاً
وقد أجاب المحقق اليزدي عن هذا الجواب([8]) بقوله: (و ما يتكلّف في دفع هذه الثمرة من أنّ معنى ضمان الصبي و المجنون مثلا على قول النافي وجوب دفع البدل بعد البلوغ و الافاقة أو وجوب دفع الولي من مال الصبي أو المجنون بدل التالف، و ليس هناك أثر يترتّب على قول المثبت عند عدم حدوث التكليف المزبور و لا يترتّب على قول النافي، مدفوعٌ بأنّا نفرض عدم تحقّق زمان تعلق التكليف بأن مات الصبي أو المجنون قبل البلوغ أو الافاقة و لم‌ يكن لهما مال يتعلّق تكليف الولي بالأداء منه، بل و لو فرض بلوغه أو إفاقته و لم يكن له مال حتى يصح تكليفه بأداء البدل)([9])

المناقشة: الثمرة نظرية لا عملية
لكن هذا المقدار غير كاف إذ للشيخ ان يجيب بان ذلك وإن صح لكنه فرق نظري وليس عملياً أي لا ثمرة عملية له؛ وذلك لأنه إذا مات الصبي وليس له مال أو بلغ ولا مال له، فسواء أقلنا بثبوت الحكم الوضعي وانه ضامن أم قلنا بعدمه لأنه لا خطاب تكليفياً موجهاً له، فالنتيجة واحدة وهي انه على كلا القولين لا شيء على هذا الصبي ولا على وليّه..
لا يقال: بناء على ثبوت الحكم الوضعي يكون على حاكم الشرع أو بيت المال؟
إذ يقال: لو فرض القول بان الديون الوضعية المتعلقة بذمة القاصر، كالمجنون والصبي، عليه، ولو فرض القول – في الاتجاه المعاكس – بعدم توجّه خطاب (إبذل) له مباشرة حين عجز الصبي حين الكسر وبعد البلوغ، فاننا نفرضه في صورة عدم وجود الحاكم الشرعي وبيت المال أو عدم وجود مال فيه.

الجواب بإثبات كونها عملية
وعلى أي فحين أمكن للشيخ أن يقول ان الثمرة العملية منتفية، أجاب المحقق اليزدي بـ(فعلى قول المثبت يكون الضامن المذكور مشغول الذمة يصح إبراؤه و الاحتساب عليه من خمس أو زكاة أو مظالم، و يحصل التهاتر لو اشتغل ذمة مالك التالف بمثل ما اشتغل به ذمة المتلف، إلى غير ذلك من الآثار، و على قول النافي لا يمكن ترتيب هذه الآثار أصلا)([10]) وسيأتي مزيد بيان له.

المكرَه على عدم البذل غير مكلف فلا ضمان عليه
دفعُ وهمٍ: الأمر في الصبي والعاجز والمجنون واضح إذ لا تكليف موجهاً إليهم (كالتكليف ببذل العوض عند كسر زجاج الغير) اما المكرَه والمضطر فقد يقال: بان المكرَه على كسر زجاج الغير غاية الأمر ان ترتفع حرمة كسره له لكن ذلك لا ينفي تكليفه ببذل المال لمن كسر زجاجه وعليه: فينتزع منه الحكم الوضعي، فلا فرق في المكرَه والمضطر بين قول النافي لجعل الأحكام الوضعية وقوله من يرى جعلها استقلالاً.
وجه الدفع: ان ذلك ليس هو مورد النقض على الشيخ، كما ربما توهمه عبارة المحقق اليزدي ولعله من قصور التعبير بل مورد النقض عليه بما لو كسر زجاج الغير (مكرهاً – كقدر متيقن) ثم أكره على عدم بذل العوض لمن كسر زُجَاجه أو اضطر إلى عدم دفعه له، فانه، على انتزاع الوضعي عن التكليفي، حيث أكره على عدم البذل له سقط وجوبه فسقط الحكم الوضعي لأنه منتزع منه على رأي الشيخ، اما بناء على المجعولية بالاستقلال فانه يسقط عنه وجوب الدفع لكن الضمان ثابت وثمرته انه (يصح إبراؤه والاحتساب عليه من خمس أو زكاة أو مظالم، ويحصل التهاتر لو اشتغل ذمة مالك التالف بمثل ما اشتغل به ذمة المتلف، إلى غير ذلك من الآثار، وعلى قول النافي لا يمكن ترتيب هذه الآثار أصلا) فتدبر جيداً.

الصبي والمكرَه و... لا يُعمّم الحكم خطاباً لكنه يعمّم ملاكاً
لا يقال: تلك الأصناف الخمسة (الصبي والمجنون والعاجز والمكرَه والمضطر) وإن لم يعمّها الخطاب فلا أمر ولا نهي موجهين لهم، لكن يعمهم الملاك والغرض الملزم فينتزع منه الوضع؟.

الجواب: لا تكليف عليهم على كل التقادير
إذ يقال: كلا، إذ الغرض الملزم كالخطاب والأمر كلاهما مما لا يمكن ان يتعلق بسببهما تكليف بالأصناف الخمسة، إذ كما يستحيل تكليفهم بالأمر والنهي يستحيل ان يكون الملاك سبباً لتكليفهم، وحيث لا تكليف فانه لا حكم وضعياً – حسب مبنى الشيخ – خاصة وان الحكم الوضعي حسب مبناه منتزع من التكليف لا من التكوين والغرض الملزم أو شبهه فتدبر تعرف.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ((لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَلِلْمُتَكَلِّفِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ يَتَمَلَّقُ إِذَا حَضَرَ وَيَغْتَابُ إِذَا غَابَ وَيَشْمَتُ بِالْمُصِيبَةِ، وَلِلظَّالِمِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ يَقْهَرُ مَنْ دُونَهُ بِالْغَلَبَةِ وَمَنْ فَوْقَهُ بِالْمَعْصِيَةِ وَيُظَاهِرُ الظَّلَمَةَ...)) من لا يحضره الفقيه: ج4 ص358.

 

-----------------------------------
([1]) نعمان بن محمد التميمي المغربي، دعائم الإسلام، دار المعارف – مصر، ج2 ص456.
([2]) الحسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، 1404هـ، ص50.
([3]) محمد حسن الاشتياني الرازي، بحر الفوائد في شرح الفرائد، لجنة إحياء التراث العربي – مؤسسة التاريخ العربي – بيروت، ج7 ص68.
([4]) حسب تحقيقنا السابق في حقيقة رأيه: انه لا يرى حتى الانتزاع فراجع.
([5]) الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلامي - قم ج3 ص126.
([6]) وهذا الثاني هو ظاهر مقصود الشيخ، وأضفنا الأول كاحتمال جدير بالبحث.
([7]) محمد حسن الاشتياني الرازي، بحر الفوائد في شرح الفرائد، لجنة إحياء التراث العربي – مؤسسة التاريخ العربي – بيروت، ج7 ص68.
([8]) الذي تخلص به الشيخ عن الإشكال بضمان الصبي.
([9]) محمد إبراهيم اليزدي النجفي، حاشية فرائد الأصول، الناشر: دار الهدى – قم، ط2 1427هـ، ج3 ص139.
([10]) المصدر نفسه: ص140.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3092
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأحد 7 رجب 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14