• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 79- النقض بشرطية الولاية للصحة أو القبول علي ملازمة الشيخ - مناقشة مع الشيخ في دعواه أن السببية و... غير مجعولة کالمسببية .

79- النقض بشرطية الولاية للصحة أو القبول علي ملازمة الشيخ - مناقشة مع الشيخ في دعواه أن السببية و... غير مجعولة کالمسببية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(79)


الولاية شرط لصحة العبادات أو لقبولها؟
وفي خاتمة المطاف في مناقشتنا مع الشيخ، نذكر مثالاً قريباً دالاً على ردّ دعوى الملازمة بين موافقة المأتي به للمأمور به وبين الصحة، وهو ما سبقت الإشارة إليه بدون تفصيل وجهه، وهو: انه قد اختلف الأعلام في ان ولاية أهل البيت عليهم السلام هل هي شرط صحة الأعمال العبادية، كالصلاة والصوم والحج، أو هي شرط القبول، ذهب إلى كل فريق، وليس المقام مقام تحقيق ذلك إنما الكلام هو ان الولاية:

تصلح نقضاً على دعوى الملازمة بين الصحة والمطابقة
انه على فرض كونه شرط الصحة وان الشارع لم يشرّعه كذلك([1]) بل شرّعه كشرط للقبول فقط فانه يصلح نقضاً على دعوى الملازمة عقلاً بين الأمرين فان إمكان التفكيك كافٍ في نقض الملازمة العقلية من دون توقف على الوقوع والدليل عليه.
لا يقال: لا وجه لعدم تشريعه كشرط للصحة مع كونه دخيلاً في المصلحة وشرطاً لها واقعاً، ولا يكفي عند ذلك تشريعه كشرط للقبول فقط.
إذ يقال: عدم تشريعه كشرط للصحة عقلائي في صور:
منها: العلم بعدم انبعاث المخالفين([2]) عنه حتى وان اعتبره الشارع شرط الصحة، فيكون اعتباره وتشريعه حينئذٍ لغواً إذ لا باعثية له بالنسبة إليهم واما بالنسبة للموالين فهو شرط حاصل فيهم فلا يزيدهم ذكره كشرط للصحة شيئاً.
والحاصل: ان تشريع شرطيته للصحة مما لا يحتاج إليه كما انه يفي بها تشريع شرطيته للقبول: أما في الموالي فلأنه طلب للحاصل وأما في المخالف فلعلمه – الشارع – بانه يبقى مخالفاً فلا ينفع إن إشترط ولا يضرّ إن لم يشترط، وبذلك يندفع الإشكال بانه إذا كان دخيلاً في الغرض والمصلحة كشرط واقعاً، وجب اشتراطه وإلا كان إغراءً بالجهل.
ومنها: ثبوت التقية في تشريعه كشرط للصحة لعلم الشارع بانه مما يهيج أهل العامة على الشيعة إن علموا باننا نعتقد بانه شرط صحة العبادات وان عباداتهم كلها باطلة وان الشارع قد شرّع ذلك، عكس اعتباره شرط القبول دون الصحة فانه أهون جداً، فإذا علم الشارع انه لو اعتبره شرط الصحة لهيج العامة ضدنا فكانوا يضطهدون الشيعة أكثر ويقتلون منهم في مختلف أحقاب التاريخ أكثر، فان مقتضى حفظ دمائهم وأعراضهم التقية عليهم بعدم تشريع شرطيته في الصحة رغم مدخليته في الغرض، ولا يضرّ بهم عدم تشريع شرطيته؛ لما سبق من كونه الشرط حاصلاً فيهم.
وبعبارة أخرى: إذا كان المكلف أو عامة المكلفين لا يتحملون ذكر أمر كشرط للصحة أو كان يُتَّقى عليهم من ذكره، كفى تشريع كونه شرطاً للقبول في تحقيق غرضه وهو انبعاث المكلفين الذين علم الشارع انبعاثهم حتى بدون ذكره كشرط للصحة، بل نقول: انه لا حاجة لذكره وتشريعه حتى كشرط للقبول لأن عدم ذكره كشرط للصحة أو كشرط حتى للقبول، ليس مخلاً بالغرض، لفرض أنّ الموالي موالٍ والشرط حاصل فيه حتى إن لم يشترط عليه وأنّ المخالف مخالف وتارك للعمل بالشرط وان اشترط عليه، بل قد يكون في عدم تشريعه كشرط، تخفيفاً عليهم في العقوبة؛ إذ يعاقبون على مخالفة أوامر التولي، ولا يعاقبون عقوبة أخرى على عدم العمل بهذا الأمر في الصلاة خاصة؛ لعدم الأمر به فيها فهو من غاية لطفه وامتنانه حتى على المخالفين والجاحدين. فتأمل.
لا يقال: لا دليل على ما ذُكر؟
إذ يقال: يكفي احتماله نقضاً على الشيخ المدعي للملازمة([3])، بل يكفي إمكانه، فتدبر.

الشيخ: السببية كالمسببية، اعتباران منتزعان
بقي: ان ننقل عبارة أخرى هامة للشيخ قدس سره في المبحث مع المناقشة فقد قال: (وكذا لو أراد كونهما([4]) مجعولين بجعل واحد، فإن الوجدان شاهد على أن السببية والمانعية في المثالين اعتباران منتزعان، كالمسببية والمشروطية والممنوعية)([5]).
أقول: ويقوي كلامه([6]): انه لو قلنا بان المجعول في مثاله الذي ذكره وهو: (أكرم زيداً إن جاءك) (وكذا نظائره) أمران، لزم أن نقول بان المجعول ثلاثة أمور والتالي باطل فالمقدم مثله، أما الأمران فهما: وجوب الإكرام وسببية المجيء لوجوبه واما الأمر الثالث فهو مسببية الوجوب عن المجيء؛ إذ كلما كانت علةٌ وسببٌ كانت من هذا الطرف السببية ومن ذلك الطرف المسببية.

المناقشات
ولكن يرد على كلامه قدس سره وما الحقناه من تأييده:

(أكرمه إن جاءك) كاشف عن الخصوصية
أولاً: ان قوله: (أكرم زيداً إن جاءك أو ان اتقى الله أو إن نجح في الامتحان) أو شبه ذلك، كاشفٌ وجاعلٌ:
أما انه كاشف فلانه يكشف عن وجود خصوصية في التقوى أو النجاح أو المجيء بها اقتضى إيجاب المولى لإكرامه؛ وذلك لقاعدة تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد فانه كما ان أصل الأحكام تتبع المصالح والمفاسد كذلك خصوصياتها وأجزائها وشرائطها وإلا لكان عبثاً اعتبار هذا جزء (أو بسط الوجوب عليه) من دون وجود مصلحة فيه، نعم قد تكون بعض العناوين (لموضوعات الأحكام أو لأجزائها وشرائطها) مشيرة – كما أشار إليه الشيخ في كتاب الطهارة – وتكون نسبتها مع العنوان الواقعي العموم من وجه أو المطلق (أو حتى المباينة بان تكون أجنبية تماماً عن جهة المصلحة والمفسدة مطلقاً فتأمل) بل هي مشيرة فقط للعنوان الواقعي الحامل للمصلحة، لكن هذا وإن أمكن لكنه نادر كما انه خلاف الظاهر.

وجاعل للعِلّية
وأما انه جاعل فلأن تلك الخصوصية ليست عِلّة تامة لإيجاب المولى وإلا لكان مجبوراً على الإيجاب وهو خلاف الوجدان إذ ان المولى وإن رأى المصلحة الملزمة في أمر فانه لا يفقد اختياره في جعل الحكم على طبقه وعدمه، خلافاً لبعض الفلاسفة الذي التزم بجبره وقسره تعالى وان علمه بالنظام الأصلح عِلّة لتحققه أو عِلّة لإلزامه بتحقيقه وخلافاً لليهود إذ قالوا: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ)([7]) بناء على التفسير الآخر([8]) للآية.
وعلى أي: فتلك الخصوصية مقتضية فيتمِّم جعلها ويجعلها عِلّة تامة للحكم الوضعي والاعتبار اللاحق على تلك الخصوصية.
فمثلاً: قوله: (بعت/ قبلت) مقتضٍ لنقل الملكية لا انه أجنبي عنها تماماً (ليكون كلفظ أنتِ طالق بالنسبة لنقل الملكية مثلاً!) فيجعله عِلّة تامة للنقل أي يجعل له السببية الفعلية (إذا كان بشرائطه).
والحاصل: سببية البيع للنقل ليست لازمة له بل هي عَرَضٌ مفارق، فأمرُ جَعْلِها وعدمه بيد من بيده الاعتبار، فيجعلها بالجعل المركب، وان ابيت فبالجعل التبعي بجعل منشأ الانتزاع كما سبق.

ولا حاجة للجعل الثالث
ثانياً: انه لا حاجة للجعل الثالث لأنه إذا جعل الوجوب وجعل السببية كان لازمها جعل المسببية للطرف الآخر فلا حاجة لِجعلها مع كونها مجعولة بالتبع بجعل السببية.

مع إمكانه
ثالثاً: بل له ان يجعل الثلاثة إن ترتب على هذا الجعل الغرض، ويقال بان كل ما ذُكر من تفصيل فهو مضغوط في عبارة (إن جاءك زيد أو ان اتقى فأكرمه) من جعل الوجوب والسببية والمسببية، وإن كان الإنسان العادي غافلاً عن فهم هذا التفاصيل لكنه موجود في ارتكازه كذلك، وهذا من عجيب صنع الله تعالى، ككل أمر آخر تكويني أو تشريعي إذ ظاهره بسيط لكن باطنه عميق عميق. فتأمل.
أو يقال: له ان يجعل السببية، إن كانت هي محط الغرض، فتجعل المسببية بالتبع، وله ان يجعل المسببية إن كانت هي محط النظر فتجعل السببية بالتبع. فتأمل
ولك ان تعتبر بالفوقية والتحتية فانه تارة يكون غرضه قائماً بكون المظلة فوق رأسه – أو بعدم كونها فوقه - وتارة يكون غرضه بعدم كونه تحت المظلة أو بكونه تحتها، فبحسب ما هو محقق للغرض يجعل الحكم فيلزم الآخر.. فتأمل فيما سبق والله العالم الهادي سواء السبيل.

 

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين


 قال أبو جعفر عليه السلام: ((أَسْرَعُ الدُّعَاءِ نُجْحاً لِلْإِجَابَةِ دُعَاءُ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ يَبْدَأُ بِالدُّعَاءِ لِأَخِيهِ فَيَقُولُ لَهُ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِهِ آمِينَ وَلَكَ مِثْلَاهُ))
 الكافي: ج2 ص507.

 

--------------------------------
([1]) كشرطٍ للصحة.
([2]) للولاية.
([3]) بين مطابقة المأتي به للمأمور به، وبين الصحة.
([4]) الوجوب والشرطية.
([5]) الشيخ مرتضى الانصاري، فرائد الأصول، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، ص128.
([6]) بل لعله أشار إليه.
([7]) سورة المائدة: آية 64.
([8]) فتأمل.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3081
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 29 جمادي الاخر 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14