• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الاجتهاد والتقليد(1432-1435هـ) .
              • الموضوع : 45- الاحتياط في موارد العسر و الحرج - الاحتياط في (الحدود) مع الشبهة بإقسامه الخمسة .

45- الاحتياط في موارد العسر و الحرج - الاحتياط في (الحدود) مع الشبهة بإقسامه الخمسة

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 
لا يزال الكلام عن صور الاحتياط المذموم: 
8- الاحتياط الموجب للعسر والحرجالصورة الثامنة من الاحتياط المذموم: الاحتياط الموجب للعسر والحرج، فيما إذا كانا شديدين، أما إذا كانا ضعيفين فقد يناقش فيه:المثال الأول: المشي في الطرق المفتوحة في ملك الغير بلا إذن ، فإن الاحتياط بعدم المشي فيها لكن لو أوجب ذلك العسر أو الحرج الشديدين فالاحتياط مذموم وكما لو أوجب الغسل عليه الحرج الشديد كما لو كان ضيفاً، وكان الغسل عليه حرجياً. 
المثال الثاني: الاحتياط بشراء الحاجات اليسيرة بنفسه من دون توكيل ابنه احتياطاً نظراً للقول ببطلان معاملة الصغير، فلو أوقعه ذلك الاحتياط في العسر أو الحرج الشديد كان مذموماً، والفرق بينهما: أن الحرج نفسي والعسر بدني، فما أوجب مشقة نفسية فهو حرج وما أوجب مشقة بدنية فهو عسر.. 
وتحقيق ذلك يتوقف على تحرير مبحثين:1- نسبة أدلة الحرج مع أدلة الاحتياط الأول: ما هي نسبة أدلة نفي العسر والحرج، مع أدلة الاحتياط؟ ومقصودنا من الاحتياط هنا الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي، كما لو كان في الصحراء وأضاع القبلة وأراد الاحتياط بالصلاة إلى الجهات الأربع وكان ذلك مستلزماً للعسر والحرج. 
والجواب: إن النسبة المصداقية هي العموم والخصوص من وجه، فقد يكون عسر وحرج ولا علم إجمالي، وقد يكون علم إجمالي ولا عسر ولا حرج وجه، وقد يجتمعان. 
والكلام ليس في هذه الجهة، إنما الكلام في أنهما إذا اجتمعا فأيهما يتقدم؟ هل تتقدم أدلة العسر والحرج أم أدلة الاحتياط؟ فيه خلاف بين الأعلام. 
فقد ارتأى الشيخ الأنصاري: إن أدلة نفي العسر والحرج حاكمة على أدلة الاحتياط في أطراف الشبهة المحصورة -بل قد يقال بورودها- وذلك لأن أدلة نفي العسر والحرج تنفي وجود حكم واقعي عسري أو حرجي في مرحلة الثبوت، وإذا كان كذلك فقد انتفى موضوع الاحتياط من باب السالبة بانتفاء الموضوع إذ الشارع يقول لا حكم لي في الواقع، إذا كان هناك عسر وحرج، والاحتياط هو التحفظ على الواقع والوصول إليه باتيان كل الأطراف، أو تجنب كل الأطراف، وإذا كان دليل العسر والحرج يقول لا واقع أصلاً فالاحتياط لأجل ماذا؟ إذن النتيجة في المبحث الأول أن أدلة نفي العسر والحرج متقدمة على أدلة وجوب الاحتياط بالحكومة أو الورود هذا هو المبحث الأول. 
هل أدلة العسر ترفع الحسن؟ 
المبحث الثاني: إذا ثبت أن أدلة العسر والحرج ترفع الوجوب، فهل ترفع الحسن أيضاً ليكون الاحتياط مذموماً؟ لأن كون الاحتياط مذموماً يتوقف على إثبات كلا الأمرين: 
قد يقال برافعية أدلة نفي العسر والحرج للحسن أيضاً ، استناداً إلى قوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) بناءً على إرادة المعنى الكنائي منها وهو أن الحرج مذموم بقرينة السياق وغيره؟ لكنه خلاف الظاهر، والظاهر الامتنان برفعه لا غير، أما المعنى المطابقي للآية فلا يفيد أكثر من أنه لم يجعل عليكم حكم حرجي، أما كون الفعل الذي لم يجعل له الحكم الحرجي، حسناً أو قبيحاً فالآية ساكتة عنه، وعلى أي فإذا سلمنا ذلك المدعى تكون الآية من أدلة مذمومية الاحتياط، الموجب للعسر والحرج، أو استناداً إلى الروايات نحو (ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم) (إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ... فتكونوا كالراكب المنبتَّ الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى) (4) والمنبتُّ هو الذي يركب على الجواد وينطلق بسرعة كبيرة ولا يدع الجواد يستريح أبداً فإنه في وسط الطريق ينقطع ظهر الجواد ويموت ويبقى الراكب حائراً وسط الصحراء، فإن ظاهر الرواية الإرشاد إلى مرجوحية التضييق واللا رفق والمذمة للتضييق ولغير الرفق، والعسر والحرج، خاصة الشديدان ليسا برفق بل فيهما التضييق فالاحتياط الموجب للعسر والحرج مذموم، وتحقيق ذلك يترك لمحله. 
9- الاحتياط في الحدود 
الصورة التاسعة من الاحتياط المذموم: الاحتياط في الحدود والتعزيرات في مورد الشبهة: فالاحتياط بإقامة الحد أو التعزير في مورد الشبهة مذموم بل محرم، استناداً للنبوي المشهور: (ادرأوا الحدود بالشبهات) 
وهذه المرسلة لعلها السند الوحيد للقاعدة في باب الحدود والشبهات، ورغم إرسالها إلا أنه أطبق الفقهاء على العمل بها، بل ادعى الجواهر الضرورة في ذلك أي ضرورة درأ الحدود في الشبهات، فهي قاعدة مسلمة، وعلى هذا فإن القاضي أو الإمام بإقامة الحد مع وجود الشبهة، احتياط مذموم. 
خمس أنواع من الشبهة تدرأ بها الحدود 
تنبيه: المذكور في بعض الكتب الفقهية (شبهة المتهم) فلو أن شخصاً سرق بشبهة التقاص من المسروق منه وأنه جائز فلا يجرى عليه الحد؟ 
لكن السيد الوالد يعمم (الشبهة) التي تدرأ بها الحدو إلى خمسة عناوين: 
(1) شبهة مرجع التقليد بنحو الشبهة الحكمية، كما لو أن المرجع حصلت له شبهة أن المرتد الفطري (ارتداداً أجوائياً) هل يقتل أم لا؟ فإن المشهور أن المرتد الفطري يقتل أما المرتد الأجوائي فقد ناقش فيه، والوالد ارتأى عدم القتل، وذلك كما لو أخذ موج الشيوعية الملايين من الناس، فإنه يرى أن المرتد الأجوائي خارج عن عموم تلك المسألة نظراً لشبهة الفقيه، وعلى أي فلو شك الفقيه في شمول عموم أدلة قتل ؟؟؟ للمرتد الأجوائي أو انصرافها عنه فهذه الشبهة تكفي لعدم إقامة الحد عليه. 
(2) شبهة القاضي، كما لو حدثت له شبهة أن المدين معسر فلا يسجن، فيما لو امتنع عن أداء الدين.
(3)شبهة الشاهد. (4)شبهة المدعي. (5)شبهة المدعى عليه (المتهم). 
ثم إن هذا الكلام يجري في الجاهل القاصر، ولكن هل يجري في الجاهل المقصر أم لا؟ فهل الجاهل المقصر تشمله قاعدة (تدرأ الحدود بالشبهات) كما لو كان قادراً على تعلم أحكام القصاص وأحكام الدين فقصر عن التعلم، فهل تشمله قاعدة تدرأ الحدود بالشبهات؟ 
قد يفصل بين: 
(1) الجاهل المقصر الذي كان غافلاً حين العمل عن الحكم (حرمة الخمر مثلاً) فهذا يكون مشمولاً للقاعدة. 
(2) المقصر والملتفت حين العمل إلى احتمال وجود حكم شرعي بالتحريم، فهذا لا تشمله القاعدة، وقد يدعى انصراف (الشبهات) عن (المقصر) مطلقاً، ولهذا المبحث تفصيل يطلب من كتاب (الحدود). 
وسيأتي الكلام في صور أخرى من الاحتياط المذموم إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=305
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 28 محرم الحرام 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15