• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : الفوائد والبحوث .
              • الموضوع : 252- مباحث الاصول: (الحجج والأمارات) (10) .

252- مباحث الاصول: (الحجج والأمارات) (10)

مباحث الاصول: (الحجج والأمارات)

جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين*

الفائدة الحادية والثلاثون[1]: استدل  على عدم شمول الحجج والطرق والأمارات  للعامي بأدلة ثلاث : بعدم التفاته إليها فشمولها له لغو؛ وأن عناوين موضوعات الأحكام الظاهرية تنطبق على المجتهد فقط؛ وأن العامي عاجز عن تشخيص موارد الأصول والأمارات ومجاريها، ولكن في كل هذه الأدلة نظر ؛ إذ يرد على الأول أن العامي ملتفت في الجملة وهو كاف ، بل أن الالتفات و الغفلة عن الدليل لا يضر بتوجه الخطاب لديه لوجود المصلحة في المتعلق ولا تضر بصحة إنشاء الحكم ولا فعليته؛ إذ الفعلية ثمرتها وجوب القضاء وإن لم يلتفت في وقته، ويرد على الثاني أن الوجدان شاهد على أن العامي تشمله عناوين الأحكام المختلفة كالمجتهد فالأول بالفعل والثاني بالشأن وبالقوة، فكلا من المجتهد والعامي ينطبق عليه (مجيء النبأ) و (يأتي عنكم) فالمفهوم عرفاً أن الحجية لهم جميعاً، ويرد على الثالث أن إن المقدور بالواسطة مقدور؛ إذ العجز ظرف وليس قيداً حتى يكون نافياً للقدرة؛ فالعامي  قادر على الفحص وإن احتاج إلى مقدمات أطول مما يحتاجه المجتهد، بالإضافة إلى أن المجتهد إذا لم تكن المصادر كلها متوفرة الآن بيده أو كان مريضاً لا يقال إنه ليس مخاطباً بتلك العناوين ، فيكفي في العامي القدرة في الجملة لتوجه الخطاب إليه، وكذا أن العامي كان يتلقى الرواية من المعصوم ويفهمها ولا فرق بين العامي في ذلك الزمان والزمان الذي بعده ؛ وكذا أن  عدم قدرة  العامي على فهم المضامين والمجاري والفحص مانع عن التنجز فقط وليس مانعاً  عن الاقتضاء والإنشاء والفعلية في حقه ؛ وعليه تكون خطابات الشارع مشتركة بين الجاهل والعالم ، فهي كما تخاطب  المجتهد تخاطب العامي أيضاً.
استدل على عدم شمول أدلة حجية الطرق والأمارات والأصول[2] للمقلد  بأدلة عديدة:

الدليل الأول: عدم التفات العامي للأدلة؛ وحيث إن العامي غير ملتفت إلى أدلة الأحكام الظاهرية  وشمول الدليل لغير الملتفت إليه لغو[3]؛ لكونه بلا فائدة ولا محركية له.

الجواب  الأول: أولاً صغرى : أن التفات العامي  في الجملة لا ريب فيه
فنقول: إن أريد من (غير ملتفت) عدم الإمكان فقد سبق الجواب عنه؛ إذ لا ريب في إمكان أن يلتفت العامي للأدلة على الأحكام وللأدلة على حجية الأدلة عليها ولو بالفات الغير له.
وإن أريد منه عدم الوقوع ، ففيه أنه لا ريب في تحققه في الجملة؛ فإن كثيراً من العوام يعرفون كثيراً من الأحكام ببعض أدلتها، كما يعرف بعضهم بعض أدلة حجية الأدلة كـ: ﴿فتبينوا﴾[4] و﴿ليُنذِروا قومهم﴾[5] و﴿فاسألوا أهل الذكر﴾[6] و ﴿ما آتاكم الرسول فخذوه﴾[7] الدالة على حجية (خبر الواحد) و(حجية الفتوى) و(حجية الظواهر) وغيرها. بل يكفي لنفي السلب الكلي[8] كون (الطلاب) كذلك، فكيف بالأفاضل؟
وثانياً كبرى: الالتفات في الجملة كافٍ لدفع اللغوية
لا يقال: كونه في الجملة، لا يصحح إلا الشمول في الجملة؟
إذ يقال: ذلك كافٍ في دفع اللغوية ، ويوضحه كفايته[9] في دفع اللغوية في حق المجتهد[10]، رغم أنه كثيراً ما لا يلتفت لكل أدلة أو بعض أدلة الكثير من الأحكام؛ لانشغاله بأبواب أخرى وخروجها عن محل ابتلائه، أو لعدم استقرائه التام؛ فإنه قد لا يلتفت لبعض الأدلة على حجية دليل ما، وإن التفت للبعض الآخر لعدم تتبعه التام، ولعله كثيراً ما يكون كذلك، فإن المجتهد قد لا يرى ضرورة للإحاطة بكل الأدلة على الأدلة[11]، أو لا وقت له لذلك، أو لا مصادر كافية له[12]، أو ما أشبه، فهل يصح القول بأن جعل الحجية لهذه الأدلة في حق هذا المجتهد لغو؟ أو أن توجه الخطاب بهذا الحكم ـ الغافل عنه المجتهد ـ  لغو؟
وتحقيقه: أن الحجية مجعولة للأدلة بنحو القضية الحقيقية، فلا تتوقف على الالتفات وشبهه[13]، وأن الخطاب  موجه للمكلف نفسه  بنحو اللا بشرط لا بقيد الالتفات.
وبعبارة أخرى: أن الخطاب في ظرف الغفلة ، لا بقيدها، ويكفي في الفائدة  في القضايا الحقيقة كونها في الجملة، بل أن الالتفات في القضايا الخارجية كاف في الجملة [14].

الجواب الثاني: كفاية الالتفات الإجمالي
وهذا ما ذكره الأخ الأكبر قدس سره من أن الالتفات أعم من التفصيلي والإجمالي، وكفاية الالتفات الإجمالي في المقام وحصوله؛ إذ هو حاصل للعامي بفتوى الفقيه ـ أو نحوها ـ لالتفاته إلى وجود أدلة تستند إليها الفتوى ولو ارتكازاً .
وليس المراد بالإجمال هنا: خصوص العلم بأن مستند هذه الفتوى هو إما خبر الثقة أو الإجماع أو السيرة أو نحوها، بل العلم بأن هناك مستنداً معتبراً لهذه الفتوى وإن لم يعرف ماهية المستند بأي نحو من الأنحاء، وهذا القدر من التفات العامي إلى دليل الحكم الظاهري كاف في شموله[15] له [16].
وبعبارة أخرى: أن للمتكلم أن يوجه خطابه لكل مَن يبلغه خطابه تفصيلاً أو إجمالاً، ومن الظاهر أن مصب كلامه هنا (الدليل على الحكم الظاهري) بالإطلاق الأول، إلا أنه دليله جار بحذافيره في (الدليل على الحكم الظاهري) بالإطلاق الثاني، فيشمل الأدلة على الحجية أيضاً.

الجواب الثالث: لا لغوية، وكفاية الالتفات المطلق
لا توجد لغوية في شمول الدليل لغير الملتفت إليه؛ إذ يراد به تعلق الحكم به[17]، فيشمله ليتعلق به الحكم، وكفى بذلك فائدة، ثم إنه لا تنحصر الفائدة في (التحريك) كما أوضحنا نظيره في بحث القطع[18]، فتأمل.
بل نقول: يكفي في تحريكه وصول المدلول - أي الحكم- إليه بأي طريق كان، ولو علم إجمالاً بأن هنا أحكاماً وأدلة كما سبق، بل حتى لو لم يعلم ولم يقم لديه (علمي) على أن هنا أدلة- أي ظنوناً خاصاً[19]- فإنه تكفي الظنون المطلقة ،  بل حتى الاحتمال لتحريكه ولو في الجملة.
والحاصل: أنه يصح توجيه الخطاب له وإن علم أنه لا يصله بطريق معتبر، وأنه لا يلتفت حتى إلى أصل وجود دليل معتبر ولو إجمالاً، ويكفي في تحريكه وصوله ولو بطريق غير معتبر أو احتماله وإن لم يكن ذلك لتحريك الكل، إلا أن كفايته في الجملة لتحريك البعض كافٍ لتصحيح توجيه الخطاب ككفاية تحريك الظنون الخاصة في الجملة لتحريك المكلفين لا بأجمعهم، فتأمل.
وبذلك يظهر اندفاع كل من إشكال جعل الحجية للدليل  سواء أخذت بمعنى المنجزية والمعذرية أم لزوم الإتباع أو متممية الكاشفية، وإشكال توجه خطاب الدليل إليه ، فتأمل.

الجواب الرابع: لا لغوية في خطاب المقصِّر
بل قد يجاب[20]: باندفاع الإشكال بلحاظ مراتب الحكم الأربعة؛ فإن الغفلة عن الدليل لا تضر ولا تنفي وجود المصلحة في المتعلق ولا صحة إنشاء الحكم ولا فعليته؛ إذ الفعلية ثمرتها وجوب القضاء وإن لم يلتفت في وقته.
نعم، قد يقال:  بعدم  وجود ثمرة لتوجيه الخطاب للغافل مطلقاً حتى بعد خروج الوقت؟
وقد يجاب بظهور الثمرة في قضاء الورثة أو الوصي، بل بعض أحكام وليه أو وكيله،  فتأمل.
بل قد يقال:  إن الغفلة لا تنفي مرتبة التنجز إلا في القاصر؛ إذ المقصر لا إشكال في تنجز الحكم عليه واستحقاقه العقاب على المخالفة وإن لم يعلم بالحكم؛ لأن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار.
والحاصل: أنه لا لغوية في توجيه الخطاب للغافل عنه إذا كان مقصراً في الالتفات إليه فيستحق العقاب بالمخالفة وإن لم يعلم بالحكم والخطاب؛ لفرض تقصيره دون ما لو كان قاصراً ، والعوام من الناس ليس المقصر منهم بقليل كما هو واضح.

الجواب الخامس: اشتراط الالتفات موجب للدور
فقد يقال : أما المناقشة الكبروية فهي: أن اشتراط وجود الالتفات إلى أدلة الأحكام الظاهرية في شمولها للمكلف، يوجب الدور[21] أو الخلف، أو غير ذلك من المحاذير المذكورة في استحالة أخذ القطع بالحكم في موضوع الحكم[22].
ويمكن الجواب عن هذا الإيراد، بأن الشرط ليس وجوده الحقيقي عند الإنشاء ولا في ظرفه، بل الشرط وجوده التقديري[23]؛ فالالتفات الخارجي للحكم متوقف على وجوده[24]، وأما وجوده فليس متوقفاً عليه، بل على الالتفات التقديري أي المفترض.
وبعبارة أخرى: عند إرادة إنشاء الحجية للدليل أو إنشاء الوجوب للصلاة يلاحظ المنشِئ إمكان التفات المكلف لدليل الحجية أو دليل الوجوب[25] فيُنشئ ، وإلا فلا.
وبعبارة أخرى: ما هو متأخر عن الحكم (الالتفات الخارجي) من المكلف إلى الحكم فلا يصح كونه متقدماً وشرطاً للحكم نفسه، وما هو متقدم عليه (صورته الذهنية) عند المنشِئ.
وقد ظهر بما سبق أن الالتفات الفعلي شرط تنجز المنشَأ إلا في المقصر، وأن إمكانه شرط الإنشاء، فتأمل.
وبنحو ذلك يجاب عن إشكال استحالة أخذ القطع بالحكم في موضوعه؛ بأن يكون المأخوذ في الموضوع إمكان القطع ، بل لا محذور من أن يجعل الحكم في حق القاطع به، بمعنى أن يجعل الحكم بحق من سيقطع به، ومن يعلم أنه لا يقطع به لا حكم مجعول في حقه.
فالقطع بالحكم يكون متوقف على الحكم  بوجوده الخارجي، لكن الحكم متوقف عليه بوجوده الذهني المفترض،  أي لدى الحاكم .
وبعبارة أخرى: يتصور الحالات النفسية اللاحقة للمكلف من قطع وظن وشك فيجعل الحكم في حق من سيصله بدليل قطعي.
و لكن فيه: أن مآله للقطع الموضوعي ، فتأمل.
ويمكن اندفاع هذا الإيراد والمحذور، بمتمم الجعل أيضاً؛ بأن لا يلاحظ الجاعل حين الجعل الملتفِتَ فقط، بل يمكن أن يجعله بنحو القضية الحقيقية ثم يشترط الالتفات بدليل آخر جمعاً بين دفع محذوري اللغوية بالشمول لغير الملتفت والدورِ  بشموله له بنفس الدليل.
وبعبارة أخرى: شمول الأدلة لغير الملتفت يستلزم محذور اللغوية، وعدم شمولها له[26] كالقول بشمولها له يستلزم محذور الدور[27]، ولا مناص إلا بالقضية الحقيقية ومتمم الجعل أو الصيرورة إلى تخالف الوجودين العيني والذهني في المتوقف والمتوقف عليه.
لكن تبقى عهدة (إثباته) على مدعيها، وإن أفاد الإمكان.[28]

الدليل الثاني[29]: عناوين موضوعات الأحكام الظاهرية تنطبق على المجتهد فقط
وهو ما ذكره المحقق الأصفهاني قدس سره من : إن عناوين موضوعات الأحكام الظاهرية لا تنطبق إلا على المجتهد؛ فإنه هو الذي جاءه النبأ، أو الحديثان المتعارضان، وهو الذي أيقن بالحكم الكلي وشك في بقائه، وهكذا.
والظاهر أن مقصوده - بل صريحه – الانطباق لا  الخطاب، أي أن المجتهد هو الذي جاءه وحصل لديه النبأ بالفعل ، وأما المقلد فلم يجئه وإن كانت له شأنية وصول النبأ له، ولا يقصد أن الخطاب في آية النبأ موجه للمجتهد حتى يستشكل بـ(لعموم آية النبأ، ولا اختصاص لها بالمجتهد، ودعوى أن من جاءه النبأ هو المجتهد لا شاهد لها [30].
إذ ظاهره إرادة أن من جاءه النبأ ـ وهو الموضوع في القضية الشرطية ـ لا ينطبق إلا على المجتهد ،  فالكلام عن الانطباق لا عن مَن وُجِّه له الخطاب، حتى يجاب بـ(لعموم آية النبأ)، ويكون الجواب عنه هو ما سيأتي في (أولاً)،  نعم يحتمل إرادته له من ذيل كلامه.
وبعبارة أخرى: الخطاب لمن جاءه وحصل لديه النبأ بالفعل، وهو ليس إلا المجتهد.
وبعبارة ثالثه: أن (تبينوا) فرع على (من جاءه النبأ) وهو المجتهد، فالبحث في الوقوع لا الإمكان ولا الخطاب، والبحث في مَن ينطبق عليه الخطاب لا مَن وجّه له الخطاب ، فهو كالفرق بين أن يوجه المولى الخطاب لشخصٍ قائلاً (اسقني) وبين أن يوجهه لعنوان (مَن يستمع كلامي فليسقني) مع انطباقه على ذلك الشخص فقط.
وبعبارة رابعة: كونه مجتهداً شرط محقق للموضوع[31] في القضية الشرطية.
والحاصل: أن التخصيص بالمجتهد للقرينة العقلية ـ حسب رأيه ـ لا لظهور اللفظ.
وهذا الدليل يمكن الرد عليه بعدة أجوبة:

الجواب الأول: أن الدليل يرده الوجدان
إن الوجدان شاهد على أن المقلد قد يجيؤه النبأ بالفعل، أو يصله الحديثان المتعارضان، أو يتيقن بالحكم الكلي ويشك في بقاءه، وخاصة طالب العلم، وخاصة الأفاضل منهم، وقد سبق نظيره.

الجواب الثاني: أن المجيء أعم من المعرضية
وما ذكره الأخ الأكبر قدس سره من : أن معنى (المجيء) ليس هو الوصول إلى شخص المكلف، بل جعل الحكم في معرض الوصول إلى عموم المكلفين، مع عدم مانع للمكلف الخاص[32] .
وبعبارة أخرى: الوصول بالقوة القريبة دون مانع، أو إمكان الوصول، فالمجتهد قد جاءه النبأ بالفعل، والمقلد قد جاءه بالشأن وبالقوة، فكلاهما ينطبق عليه (مجيء النبأ) و (يأتي عنكم).
ولكن قد يقال: إن ظاهر (جاءكم) في الآية الشريفة و (يأتي عنكم) هو الفعلية لا المعرَضية ولا الشأنية؛ فإن ظاهر الفعل الماضي (جاءكم) خاصة مع إضافته لضمير المخاطب، وكذا المضارع (يأتي عنكم) الفعلية لا المعرضية، بل ذلك ظاهر العناوين مطلقاً[33]؛ ولذا كان (المشتق) وهو مطلق ما جرى على الذات حقيقةً في المتلبس لا من انقضى عنه المبدأ ولا من سيتلبس بالمبدأ، إلا بلحاظ حال التلبس فيهما[34]، ولا يطلق (زيد كريم أو عالم) على من كان في معرض أن يكون كريماً أو عالماً إلا مجازاً بالمشارفة أو الأَوْل[35]، والأمر أظهر في الآية الشريفة (إن جاءكم فاسق) خاصة بلحاظ مناسبة الحكم والموضوع.
ويشهد له وضوح أن الأمر بـ(تبينوا) موجّه لمن وصله خبر من فاسقٍ بالفعل، لا لمن كان الخبر في معرض الوصول له ولا مانع من وصوله له وإن لم يصله؛ إذ معنى إيجاب التبيُّن عندئذ هو وجوب الفحص عن هكذا خبر ثم التبين عنه، وهو خلاف ظاهر الآية، فإن ظاهرها التبين عن صحة الخبر الواصل بالفعل لا التبيُّن عن أصل وجود خبر ثم عن صحته[36].
إضافة إلى أن (التبيُّن) أُوجبَ لدفع (إصابة القوم بجهالة) و(الإصابة بجهالة) لا تترتب على صرف كون الخبر في معرض الوصول؛ إذ لا محركية له للعدوان على القوم، فلا لزوم للفحص عنه، بل الظاهر أنه لم يقل به[37] أحد في مورد الآية، واللازم من القول به في غيره خروج المورد.
والحاصل: أن القول بأن (المجيء) أعم من ما هو في معرض الوصول، خلاف ظاهر (جاءكم) وخلاف ظاهر (تبينوا) وخلاف ظاهر (التعليل) في الآية، كما هو خلاف الفتاوى في مورد الآية وأشباهها.
نعم، في التكاليف المحتملة الفحص عن أصل وجود نبأ بها واجب، لا للآية ونظائرها نظراً لصدق المجيء، بل لأصالة اشتغال الذمة بعد العلم الإجمالي بوجود تكاليف للمولى، أو للأصل في باب الإطاعة على القول به، وذلك كله بعيد عن ظاهر الآية[38].

الدليل الثالث: العامي عاجز عن فهم (المضامين) و(المجاري) و(الفحص)
إن العامي عاجز عن تشخيص موارد الأصول والأمارات ومجاريها، وغير قادر على فهم مضامينها، والفحص التام في مواردها، والحال أن اختصاص تلك الخطابات بالمتمكن من تشخيص مجاريها والقادر على الفحص التام في مواردها، في الوضوح كالنار على المنار).[39]
وينحل هذا الدليل إلى أربع نقاط متسلسلة  مع نوع إضافة وتعديل :
النقطة الأولى: أن العامي غير قادر على فهم مضامين الأمارات والأصول، ومعاني مفرداتها وأركانها.
النقطة الثانية: أنه غير قادر على الفحص عن معارضاتها ومخصصاتها ومقيداتها، وما يحكمها أو يَرِد عليها، حتى لو فرض أنه فهم مضامينها ومجاريها.
النقطة الثالثة: أنه غير قادر على تشخيص مواردها ومجاريها وإن فهم مضامينها، ويتفرع على ذلك اختصاص تلك الخطابات بالمتمكن من تلك الثلاثة فقط.

الجواب الأول [40]: المقدور بالواسطة مقدور
إن المقدور بالواسطة مقدور، والقدرة على الشيء لا تتوقف على حصول كافة العلل المعدة والمقتضيات في الحال[41]؛ فليس العامي عاجزاً عن تلك الثلاثة.
وبعبارة أخرى: إن كون العلل المعدة اختيارية كافٍ في اختيارية ذي المقدمة والمعلول ومقدوريته ؛ ولذا كثيراً ما يكلف المولى عبيده بأمر يتوقف على مقدمات قد تستغرق أياماً أو أسابيع أو شهوراً بل سنين طويلة، ويصدق عليه أنه قادر حقيقية؛ ولذا صح تكليفه من الآن.
وحينئذٍ فعدم قدرة العامي على فهم (المضامين) ومعرفة (المجاري) في الحال، لا ينفي قدرته عليها وتمكنه منها بالإلفات وببعض التأمل، بل حتى بالدراسة الطويلة، فلا مانع من شمول الأدلة والخطابات له من هذه الجهة.
وبعبارة ثالثة :أن  (القدرة) أعم من القدرة المباشرة والقدرة بالواسطة[42].
وكذلك الحال بالنسبة لعدم قدرته على الفحص بلحاظ جهله الآن؛ فإنه لا ينفي قدرته عليه، لا بهذا القيد[43]؛ إذ الجهل ظرف  وليس قيداً حتى يكون نافياً للقدرة؛ فإنه قادر[44] على الفحص، وإن احتاج إلى مقدمات أطول مما يحتاجه المجتهد، كما هو قادر في ظرف الجهل على فهم المضامين والمجاري.
وبعبارة رابعة : أن عدم قدرته الآن لا ينفي قدرته بقول مطلق، ليقال أنه عاجز غير متمكن ، ولا تلازم بين قدرته هذه والاجتهاد؛ فإن أفاضل الطلبة - بل أواسطهم - قادرون على ذلك في الجملة، بل في الأعم الأغلب من الأدلة إن لم يكن فيها بأجمعها، ولو بملاحظة حاصل فحص مجتهد آخر.
ولا يتوهم أن مرجع هذه الإضافة - ولو بملاحظة حاصل فحص مجتهد آخر-  إلى الجواب السابع الآتي؛  لأن الجواب الآتي يعتمد على أن فحص المجتهد يعد فحصاً للمقلد، وهذا الجواب يقول بإمكان الفحص للمقلد حقيقة، ومراجعته لتحقيقات المجتهد هي تسهيل لعمله ولفحصه، وذلك كما يراجع مجتهد تحقيقات مجتهد آخر.
وبعبارة أخرى: هو يفهم حاصل جهد المجتهد الآخر ولا يأخذ به تعبداً واعتماداً على قوله، بل ذلك في الاستدلالات البسيطة جارٍ في حق العامي أيضاً ، فتأمل.
وتأكيداً لما سبق وإضافة عليه نقول : بل أن صرف إمكان أن يفحص المقلد-  ولو بمقدمات طويلة، بل ولو قلنا بتوقف الفحص على الاجتهاد ـ كافٍ في شمول أدلة الظواهر له وخروجها عن الاستحالة[45] واللغوية بشمولها له ، وذلك ككفاية إمكان أن يعلم[46] في صحة شمول الأدلة له في ظرف الجهل، و كإمكان تعلق إرادته بذلك.
فلا يقال:  باستحالة الشمول ولغويته لصرف عدم علمه الآن، بل ولا مستقبلاً، مادام قادراً عليه، ولا لصرف العلم بعدم إرادته لذلك؛ وإلا للزم عدم صحة توجيه الخطاب والتكاليف لكل من يعلم بعدم إرادته إمتثاله وفعلها، وكذلك لمن يعلم بعدم علمه بها تقصيراً، وبطلان هذا اللازم واضح.
وبعبارة أخرى: أن ملاحظة عدم الفحص ظرفاً- كملاحظة (الجهل) و (عدم الإرادة) بل (إرادة العدم) ظرفاً-  غير مانع عن تعلق الخطاب به، عكس ما لو لوحظ قيداً، فإنه سيكون كالجهل وعدم الإرادة ـ لو لوحظا قيدين ـ مانعاً  في القاصر فقط  عن تعلق الخطاب.

الجواب الثاني: النقض بالمجتهد في الجملة
إنه كما لا يصح القول بأن الأدلة لا تشمل المجتهد والخطابات ليست له إذا لم تكن المصادر كلها متوفرة الآن بيده، وإن أمكن حصولها لديه بعد يوم مثلاً، أو إذا كان مرهقاً أو مريضاً بحيث لا يمكنه الاستنباط الآن، بدعوى أنه غير متمكن من الفحص التام بالفعل وإلى مدة، أو بدعوى أنه لإرهاقه الشديد أو مرضه غير قادر على ملاحظة النسبة بين الأدلة المختلفة، خاصة لو اقتضت مثل انقلاب النسبة- مثلاً-  كذلك المقام.
والفرق بطول المقدمات وقلتها وبعدها وقربها، والقوة القريبة والبعيدة، ووجدان الملكة وعدمها، غير فارق عقلاً ـ من حيث القدرة وصحة تعلق الخطاب .
نعم، يمكن التفريق بذلك عرفاً، وهو موقوف على فهم العرف عدم توجه الخطاب في بعض الصور[47]، ولعل منها من ليس من شأنه عادة ذلك[48]، وليس منها ﴿إن جاءكم فاسق بنبأ﴾ أو ((يأتي عنكم الخبران المتعارضان)).[49]

الجواب الثالث: تكفينا الموجبة الجزئية
نظراً لأن الموجبة الجزئية نقيض السالبة الكلية، فيكفينا إثبات قدرة العامي ولو في بعض المسائل، بل ولو في مسألة واحدة، على الفهم للمضمون وعلى تشخيص المجرى وعلى الفحص، فإن من المسائل والأدلة ما هو بسيط جداً[50] بل يكفي كونها في موارد المستقلات العقلية كـ﴿لا تشرك بالله﴾[51] أو ﴿لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾[52] أو ﴿لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق﴾[53] مما لا إغلاق في فهم مضمونه، ومما يحرز بالوجدان عدم وجود مخصص أو مقيد أو حاكم أو وارد أو ناسخ له أو معارض[54]، وقد فصلنا في محله كون أمثال هذه الأوامر والنواهي مولوية لانطباق ضابط الأمر المولوي عليها[55]، بل حتى لو قلنا بارشاديتها فإنها من قسم الإرشادي الواجب أو الإرشادي المحرم [56]، بل حتى لو كان من الإرشادي المستحب كما أوضحناه في مباحث الأصول في الأوامر المولوية والإرشادية.
وعلى أي فإن خطاباتها غير مختصة بالمجتهد، ويصار إلى عدم اختصاص سائر الخطابات بالمجتهد بوحدة اللسان من دون حاجة إلى التمسك بعدم الفصل ولا بعدم القول بالفصل[57].
كما قال بنظيره المحقق العراقي قدس سره، في رد إشكال: أن العامي قد لا يلتفت إلى الحكم أصلاً فلا يحصل لديه الظن أو الشك بعد إثبات أنه قد يلتفت في الجملة، جواباً على شبهة أنه لا يلتفت مطلقاً، فأجاب بإمكان التعميم بعدم القول بالفصل[58].

الجواب الرابع: تلقي العوام  في زمن المعصومين عليهم السلام للرواية
إن العوام في زمن المعصومين عليهم صلوات الله وسلامه، كانوا يتلقون الرواية والجواب من المعصوم سلام الله عليه مباشرة، وكانوا يعملون على طبقها[59] من غير أن يتوهم إشكال اعضال فهم مضامينها عليهم، أو إبهام مجاريها لهم محرزين عدم المخصص وغيره، بقرينة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة الذي كانوا يدركونه ولو ارتكازاً، وقد وصل إلينا ذلك الخبر من متلقي الجواب من المعصوم عليه سلام الله، فكيف يفهم ذلك العامي مضمونه ولا يفهم عامي الأزمنة اللاحقة مضمونه؟ وكما يجري في حقه قبح تأخير البيان، يجري في حق اللاحق.
وبعبارة أخرى: كان حاله بالنسبة لروايات المعصومين عليهم الصلاة والسلام كحال المقلد في هذا الزمن بالنسبة لفتاوى المجتهد، فكما أنه يتلقى الفتوى من المجتهد ويعمل على طبقها بالاعتماد ـ ولو ارتكازاً ـ على عدم وجود مخصص أو مقيد أو حاكم، مستنداً في ذلك إلى حال المجتهد حيث ألقى إليه الفتوى وهو في مقام العمل، كذلك السائل من المعصوم عليه سلام الله.
والحاصل: أنه يكفي كون الخطابات حجة في حق عوام ذلك الزمن، لرد دعوى اختصاص الخطاب بالمجتهدين.
لا يقال: لعل بعض قرائن الحال أو المقال، خفيت على اللاحقين؟
إذ يقال أولاً: أن هذا الإشكال لو تمّ لأفاد عدم الحجية حتى في حق المجتهد، وهو نقيض مطلوب المستشكل[60].
إلا أن يقال: إنها خفيت لا بحيث لا تنالها يد المحقق المتتبع، بل بحيث يصعب ويعسر أو يتعذر على غير المجتهد الوصول إليها.
وقد يجاب: بأنه لا تعذر ولا عسر بعد جمع مجاميع الحديث ـ كالوسائل وجامع أحاديث الشيعة ـ والفقهاء الأدلة بمخصصاتها ومقيداتها ومعارضتها وغيرها في مكان واحد.
ثانياً: أن بناء العقلاء وسيرتهم على الاعتماد على ظواهر الكلمات المنقولة، ونفي احتمال وجود قرائن قد اختفت، خاصة مع علمنا بقيام الأئمة اللاحقين بالأمر لالتفاتهم لمثل ذلك[61]، ولعل من فلسفة تعدد الأئمة واحداً بعد واحد هو ذلك، أي قيام الإمام اللاحق بسد الثغرات الحاصلة من نسيان الموالين، وعمد المعادين، كما يظهر من تكرر ذكر عام أو خاص في كلام الأئمة سلام الله عليهم، ومن مراجعة مثل الإمام الرضا عليه سلام الله لكتب الروايات السابقة وتأييدها أو ردّها.
ويمكن الاستشهاد بـ(الفتوى) نفسها، فإنها حجة في حق غير المستفتي أيضاً، وعلى ذلك بناء العقلاء وسيرتهم وسيرة المتشرعة، رغم احتمال وجود قرائن حال أو مقال قد اختفت ـ فتأمل.[62]
لكن قد يقال: إن إلقاء الإمام الجواب للعامي هو تحديد لكون مورد سؤاله مجرى للأصل، أو صغرى للكبرى التي ذكرها الإمام، وهذا غير جارٍ في حق عامي الأزمنة اللاحقة؛ إذ لا يعلم أن سؤاله كسؤاله، إذ لعله مندرج في كلي آخر وإن بدا له مشابهاً للأول تماماً.
وفيه: أنه لو تم ذلك للزم القول بعدم حجية كلام الإمام إلا لمخاطبه دون سائر عوام زمنه، إضافة إلى أنه لا إطلاق لذلك.

الاستناد لجواب النائيني عن تفصيل القمي
ومما ينفع في المقام ما ذكره المحقق النائيني جواباً على المحقق القمي قدس سرهما الذي فصّل بين المخاطبين في زمن المعصومين عليهم السلام فلهم الاعتماد على الظواهر، وأما غيرهم (فلا يجوز لهم الاعتماد على ظواهرها، بل حجيتها للمتأخرين من صغريات حجية الظن المطلق، بمعونة مقدمات الانسداد)[63]، والمقتضي لعدم الحجية حتى في حق المجتهدين المتأخرين.
وأجاب النائيني قدس سره: ولابد وأن يكون الراوي عن الإمام عليه السلام يودع أو ينقل ما سمعه من الكلام بما احتف به من قرائن الحال والمقال؛ لأن الغرض من نقله هو إفهام الغير، فتكون الكتب المودعة فيها الروايات، ككتب التأليف والتصنيف التي اعترف بحجية ظواهرها أيضاً لكل من نظر فيها، فالإنصاف أنه لا فرق في حجية الظواهر بين ظواهر الأخبار وغيرها، وبين من قصد إفهامه وغيره).[64]
وقد ظهر مما ذكره وذكرناه حال صور أربعة: وأنه لا فرق بين العامي المتأخر والعامي المعاصر، كما لا فرق بين مجتهد تلك العصور ومجتهدنا، ولا بين مجتهد تلك العصور وعوامنا، أو العكس.
ونضيف: كما يصح الاستناد لعدم التفصيل بين المخاطبين في زمنهم وبين سائر المعاصرين مجتهدين كانوا أو عواماً، لعدم صحة التفصيل بين المخاطبين في زمنهم وبين المتأخرين، فإذا كانت الروايات حجة لعوام الناس ومجتهدي ذلك الزمن فهي حجة لعوامهم ومجتهديهم في هذا الزمن، كذلك لا يصح التفصيل بين المجتهدين في هذا الزمن وغيرهم، وما ذكر لرد التفصيل هناك[65] يذكر هنا أيضاً.
وبعبارة أخرى : كما لا يصح التفصيل بين مجتهدي وعوام ذلك الزمن، كذلك لا يصح التفصيل بين مجتهدي وعوام هذا الزمن، بل الأمر هنا أوضح؛  إذ غير المخاطب في زمنهم ـ أي من يجيء في الأزمنة اللاحقة حسب كلام القمي ـ عاجز بالمرة ولو كان مجتهداً عن الوصول للقرائن المحتف بها الكلام مطلقاً لزوالها أو إخفائها، ولو بتمهيد مقدمات طويلة، لكن مع ذلك، أنكرنا عجزه، وأما (العامي) في زمننا فإنه عاجز عن الوصول لها ـ على حسب هذا الإشكال[66] ـ لا لانمحائها وعدم القدرة على الوصول لها بالمرة، بل لتوقفه على مقدمات طويلة، إلا أنها مقدورة له، فالظواهر أولى بالحجية في حقه، لو قيل بالحجية في حق غير المخاطب، من هذه الجهة، فتأمل.[67]

جواب آخر إضافة لجواب النائيني
ونضيف على كلام الميرزا: أنه يصح الاستدلال بنفس إفتاء المعصوم للسائل، إضافة إلى الاستناد إلى الراوي وأن الغرض من نقله هو إفهام الغير.. إلى آخر ما ذكره الميرزا النائيني قدس سره، بدعوى أن الأصل في كلامه صلوات الله عليه هو إفهام السائل وغيره، وذلك بالاستناد إلى:
أ- وإلا لسقط كثير من كلامهم عن الحجية[68]، بل كله لشبهة الكثير في الكثير[69].
ب- أو يستدل بما ذكره العراقي قدس سره تعليقاً على كلام النائيني قدس سره، بقوله: (لبناء العقلاء على إلزام الطرف بسماع الغير، كلامه)[70].
ج- أو بأنهم صلوات الله عليهم لاحظوا كون السائلين ينقلون رواياتهم، فجعلوا القاعدة إفهام الكل[71]، فتدبر.

مشكلة القرائن اللاحقة
اللهم إلا أن يقال: إن المعضلة لا تنشأ فقط من احتفاف الكلام بالنسبة المخاطب بقرائن الحال والمقال مما قد يخفى على غيره.
فيجاب: بأنه بنقله لغيره بقصد الإفهام لابد وأن ينقل القرينة الصارفة إن كانت، وحيث لا، فلا[72].
أو يجاب: بأن علم الإمام بأن السائل سينقل كلامه للغير يقتضي ذكر الإمام المخصص أو التنبيه على القرينة المقامية.
بل تنشأ أيضاً من علمنا إجمالاً بوجود مخصصات ومقيدات أو أدلة حاكمة أو واردة صدرت من المعصوم اللاحق عليه السلام، وهي ليست مجتمعة في مكان واحد لتنالها يد العامي، بل هي متفرقة في أبواب شتى فلا تنالها إلا يدُ الفقيه عادة، فحجية كلام المعصوم السابق في حق مخاطبيه، لا تقتضي حجيته ـ على إطلاقها ـ في حق المتأخرين، ولا يكفي نفي وجود القرائن لدى المخاطب، استناداً إلى نقله للرواية بقصد التفهيم وكون عدم نقل القرائن إغراء بالجهل، في نفي القرائن المتأخرة عن زمنه، وهذا الإشكال كما ترى خاص بالمقلد في الأزمنة اللاحقة؛ إذ المجتهد في الأزمنة اللاحقة، قادر على الفحص عن المخصصات وغيرها، الواردة في كلمات سائر المعصومين عليهم السلام.
فظهر أن التفريق بين عامي زمان الصدور وعامي هذا الزمن لا ينحصر باحتمال احتفاف الكلام بقرائن حالية أو مقالية وقد خفيت علينا لننفيها ببناء العقلاء ولزوم أن ينقلها الراوي، بل قد يكون لاحتمال وجود مخصص أو حاكم أو غيرهما، لاحقٍ صَدَرَ من المعصوم اللاحق ـ كما هو كثير ـ ونفيه لا يكون إلا بالفحص الذي لا يتأتي إلا من المجتهد، فيحتاج هذا إلى جواب آخر [73].

وجوه تأخير البيان عن وقت الحاجة
لا يقال: كيف أخّر المعصوم البيان عن وقت الحاجة[74] في كل الموارد التي وصلنا فيه المخصص والمقيد، أو الحاكم والوارد أو المعارض من المعصوم اللاحق؟ أو من المعصوم نفسه في زمن لاحق؟
إذ يقال: أولاً[75] قد يستظهر أنه صلوات الله عليه بيّنه وذكره ولم يصلنا منه، بل وصلنا من المعصوم اللاحق؛ فإن كثيراً من الروايات لم يصل إلينا لأنها ضاعت أو أتلفت فتصدى المعصوم اللاحق لذكرها؛ ولذا نجد أن كثيراً من العمومات مصدرها ـ فيما بأيدينا ـ المعصوم اللاحق  مع أنها كانت مورد حاجة مَن سبقه من الناس، فكذلك المخصصات وأخواتها، واحتمال ضياع العمومات السابقة أقوى من احتمال تأخر التشريع، فتأمل.
ثانياً: لعل عدم الذكر كان لمانع  كالتقية؛ فإنهم صلوات الله عليهم كانوا في أغلب أوقاتهم وأحوالهم ـ بل كاد يكون شبه المستغرق ـ في حالة تقية ولو من جهة من الجهات[76]، فلم يكن مجال لإلقاء العمومات، فكيف بالمخصصات وأخواتها؟ بل التقية عمّت أصحابهم أيضاً، ولعلها كانت فيهم أحياناً أشد منهم، فلعل المعصوم ذكر  المخصصات عند حضور وقت الحاجة ولم يروها السامع تقية[77]، ثم رواها سامع آخر عن المعصوم اللاحق. أو لعله ذكر العام يوم لا تقية، ولم يذكر الخاص؛ لعدم كونه مورد الحاجة والإبتلاء، ثم لما صار مورد الإبتلاء، كان الإمام في تقية، فلم يذكره.[78]
ثالثاً: ولعل عدم الذكر كان نظراً لعدم كون المخصص والمقيد مورد ابتلاء السائل[79]، ويجري هذا الوجه حتى بالنسبة للحاكم والوارد أيضاً.[80]
رابعاً: ويحتمل كونه من باب تدريجية نزول الأحكام ومخصصاتها ومقيداتها وغيرها، حتى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث أودعها وغيرها لدى الأئمة الأطهار من بعده؛ وحجية قولهم عليهم سلام الله في التشريع والتخصيص وغيره كحجية قوله صلى الله عليه وآله في ذلك، ولذا قال صلى الله عليه وآله: (أنا مدينة العلم وعلي بابها) فإن كونه صلوات الله عليه باباً لعلوم رسول الله غير خاص بزمن حياته صلى الله عليه وآله، وكما تدل عليه شواهد وأدلة مذكورة في محالها، ومنها (إني تارك فيكم الثقلين)[81] فما قاله الإمام سلام الله عليه فقد قاله النبي صلى الله عليه وآله، ومنها ﴿اليوم أكملت﴾[82] بلحاظ أنه إكمال بوضع الأساس والأصل والمعتمد والمرجِع، أي أنه إكمال إجمالي بأصل نصبه صلوات الله عليه إماماً لا تفصيلي.
بل قد يقال: بالتدريجية حتى زمن الظهور، مما يكشف عنه في زمن الظهور، ولعله المقصود بـ(يأتي بدين جديد) ، فتأمل.
وغير خفي أن (التدريجية) أعم من صدور نفس (العام) لاحقاً، ومن صدوره أولاً ثم صدور المخصص لاحقاً.
إذا اتضح ذلك فلنعد إلى ما كنا فيه فنقول: إذا ثبت عموم الخطابات لعامة المعاصرين - أو حتى لعوام الأزمنة اللاحقة في بعض المسائل البسيطة-  ثبت في حق البقية أيضاً؛ إما لعدم القول بالفصل بل القول بعدمه، وإما لإباء ظاهر أدلة الحجية عن التفصيل[83]، فتأمل[84].

التفريق بين زمن المعصوم عليه السلام وما بعده وجوابه
لا يقال: إن مشكلة عجز المقلد عن الفحص التام عن المخصص والمقيد وغيرهما نشأت في الاعصار المتأخرة لا في زمن صدور الحديث، وكذلك مشكلة عدم فهم المضمون وعدم معرفة المجاري؛ فإنهم لمعاصرتهم للمعصومين وكون بعضهم المخاطبين لهم صلوات الله عليهم، كانت العبارات معهودة لهم واضحة، وكانت مجاريها معلومة أيضاً؛ لبساطة الأدلة والقواعد والأصول وعدم تداخلها وتعارضها كما حدث في الأزمنة اللاحقة؛ فلا إشكال في شمول الحديث وقت صدوره للعامي أيضاً، ولكن يصار للتفكيك، وإلى القول بعد ذلك[85] بعدم العموم للأزمنة  اللاحقة، نظراً لعلمهم صلوات الله عليهم ـ عند صدور الحديث منهم ـ بحال العامي في زمنهم وفي الأزمنة اللاحقة.
فحيث لاحظوا سلام الله عليهم قدرة العامي على إحراز عدم المعارض وغيره، ولو بالنظر لكون بيان المعصوم عليه السلام، له، حينذاك، في وقت الحاجة، وجهوا الخطاب له أيضاً، وحيث لاحظوا عدم قدرة من سيبلغه الحديث بعد سنين طويلة، على الفحص؛ لضياع القرائن وغير ذلك، لم يعتبروا كلامهم وخطابهم موجهاً إلا للمجتهد في الأعصار اللاحقة، نظراً للغوية توجيهه للأعم.
إذ يقال: إنه[86] خلاف الظاهر، بل الظاهر عموم الخطاب للعامي المتأخر لو شمل العامي المعاصر، غاية الأمر أن المتأخر لابد له من الفحص، إما بنفسه ولو بتمهيد المقدمات الطويلة، وإما بمن ينوب عنه، فوجوب الفحص ـ ولو عبر غيره ـ هو ما يَنتُجْ عن عجزه المبدئي عن الفحص التام المتوقف على مقدمات طويلة، لا عدم شمول الظاهر له.
وأما دعوى وضوح العبارات ومجاري الأصول لعوام ذلك الزمن أكثر من عوام هذا الزمن فعهدتها على مدعيها[87]، والبساطة لم تكن بحيث يتساوى المجتهد والعامي أو بحيث يستغني العامي عن المجتهد، ولذا قال عليه السلام :  (أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا)[88]، كما وردت روايات تكشف عن تحير حتى المجتهدين في كيفية الجمع بين الروايات المتعارضة كمقبولة عمر بن حنظلة وغيرها، وروايات دالة على كثرة الكذّابة عليهم.
نعم ، لا ريب أن الاستنباط أصعب في زماننا من زمنهم، لكنه لا يستدعي اختصاص الخطاب بمعاصريهم المجتهدين، كما لا يستدعي اختصاصه بمعاصريهم الأعم من المجتهدين والعوام.
بل قد يقال: إن الأمر في زمننا أسهل من بعض الجهات؛ لتراكم التحقيق حول (الرجال) والأسانيد، ووضعها في المتناول بشكل ميسر؛ كما يتضح بمراجعة كتب الرجال القديمة والحديثة، ولم يكن ذلك متحققاً في أزمنة المعصومين سلام الله عليهم.
وأما حديث القرائن فقد أجبنا عنه، وأن كتب الروايات كـ(وسائل الشيعة) و(جامع أحاديث الشيعة) قد بذلت قصارى الجهد في جمعها وتبويبها، بل لعل الأمر من هذه الجهة صار أسهل من زمن المعصومين سلام الله عليهم، لعدم تبويب الأحاديث حينذاك بهذا الشكل الموجود الآن، فتأمل.

الجواب الخامس: عدم الفحص غير مخل بالإرادة الجدية والاستعمالية
قد يقال: إن الفحص[89] ليس شرطاً لا في انعقاد الإرادة الاستعمالية ولا في انعقاد (الإرادة الجدية)؛ فلا اختصاص لتلك الخطابات بالمجتهد، لا في الاستعمالية ولا في الجدية، أما الأولى[90] فواضح؛ إذ الاستعمالية لا تتوقف على قصد اللافظ، فكيف بفحص السامع؟[91] أما الثانية فلأن الجدية من شأن المتكلم وهي أمر ثبوتي، وأما الفحص فهو من شأن السامع وأمر إثباتي[92] ولا يرتهن الثبوتي بالإثباتي ولا شأن ذاك بهذا.
وبعبارة أخرى: الفحص شرط إحراز استقرار الإرادة الجدية[93] وعدم وجود حاكم عليها وليس شرط وجودها؛ ولذا قال الميرزا النائيني: نعم، احتمال القرينة المنفصلة بالنسبة للمتكلم الذي من عادته الاعتماد على القرائن المنفصلة يكون راجحاً، إلا أن ذلك إنما يقتضي وجوب الفحص عنها، لا سقوط ظاهر كلامه عن الاعتبار[94].
وأين هذا من عدم شمول الخطابات للعامي لعدم فحصه إمكاناً أو فعلاً؟
وبعبارة ثالثة: الإرادة الجدية هي محور ومناط شمول الخطاب للعامي وعدمه[95]، وهي مما تتناوله يد العامي وليست هي متقومة بفحصه وعدمه.
وبذلك ظهر إمكان أعمية الخطاب ثبوتاً ـ بل أعميته وقوعاً في متداول العرف ـ وعدم ارتهانها بالقادر على الفحص.
اللهم إلا أن يقال: ببطلان ذلك بالنظر للحكمة لا بدعوى عدم الإمكان، إذ انعقاد الإرادة الجدية وتوجيه الخطاب لغير القادر على الفحص ومعرفة أن لها مخصصاً أو حاكماً مثلاً أو لا   لغو، فلابد من شفع جواب آخر.
وبعبارة رابعة: لابد من الإرادة التفهيمية أيضاً ؛ والإرادة الجدية وإن لم تتوقف[96] في حد ذاتها على الإرادة الفهيمية  إلا أنها متوقفة عليها بالنظر للغاية من الكلام والحكمة، فتأمل[97].
والحاصل : أن كلام الميرزا تام في القادر على الفحص، أما غير القادر عليه فإن ظاهر كلام المتكلم الذي من عادته الاعتماد على القرائن المنفصلة يسقط عن الاعتبار بالنسبة له؛ إذ الفحص كان شرط إحراز مراده، وحيث لا قدرة فلا إحراز ولا ظهور عقلائي، فلابد من إحدى الأجوبة السابقة أو اللاحقة.

الدلالات الأربع في كل جملة
وبعبارة أخرى[98]: إن هنالك في كل كلام ذا نسبة تامة أو ناقصة خبرية أو إنشائية أربع دلالات:
أولاً: دلالة تصورية لمفردات الكلام على ما وضع له اللفظ، سواء الموضوع له بالوضع التعييني أم التعيني، وسواء المعنى اللغوي أم العرفي وسواء كان العرف عرفاً عاماً أم خاصاً، شرعياً أم غيره، وهذا يساوي انعقاد الظهور للمفرد.
وربما تعددت الدلالة التصورية هذه على حسب إحاطة السامع بالأوضاع؛ إذ قد تنسبق إلى ذهنه مجموعة من المعاني حسب أوضاعها.
ثانياً: دلالة تصورية لجملة الكلام على ما يفيده من المعنى على حسب وضع التراكيب المتنوعة لإفادة مفاهيمها المختلفة، وهذا يساوي انعقاد الظهور للجملة [99].
وهاتان الدلالتان تابعتان للوضع[100] ـ خاصاً كان أم عاماً ـ أي لوضع المفردات والتراكيب لمعانيها وليستا مرتهنتين بالقصد، بل ينتقل السامع إليهما حتى لو سمع الجملة من النائم أو الآلة، بل لو سمعها من القاصدِ نقيضَ معانيها فإنها ستنسبق إلى ذهنه، إضافة إلى نقائضها لو علم بأنها مراد المتكلم فتندرج[101] في التصديقية)
وهاتان الدلالتان هما المعبر عنهما في بعض الكلمات بـ(الإرادة الاستعمالية) وليس خصوص الأولى، كما أن الدلالتين الآتيتين هما المعبر عنهما بـ(الإرادة الجدية) لدى البعض وليس خصوص الرابعة.
وقد تتخالف هاتان الدلالتان، فتكون دلالة الجملة على عكس دلالة المفرد؛ فلو قال ـ وهو نائم، أو صدر الكلام من جهازٍ ـ: (الأسد مفترس) أكد التركيب ـ والحمل ـ دلالة (الأسد) على الحيوان المفترس، فينسبق للذهن، تصور المفترس، ويستقر، وإن لم يدل على قصد اللافظ له ـ لكونه نائماً أو غير عاقل ـ عكس ما لو قال (رأيت أسداً يرمي)، فإنه يخالف التركيبُ، الدلالةَ الوضعية للمفرد، ويصرفها للرجل الشجاع، أي ينعقد الظهور التصوري على المعنى المجازي ـ وإن صدر من النائم ـ أو يكون الحاكم عليها من غير إلغائها ـ على الاحتمالين ـ.
ثالثاً: الدلالة التصديقية لمفردات الكلام  فإن ظاهر إلقاء المتكلم للمفردات هو أنه قصد المعنى الموضوع له لتلك الكلمة، وغير خفي عدم تحقق هذه الدلالة في النائم والغافل واختصاصها بالملتفت، وبأصالة عدم كونه نائماً أو غافلاً تحرز هذه الدلالة، كما أنه بأصالة عدم وجود قرينة متصلة على الخلاف[102] ـ وقد غابت عنا في الأزمنة اللاحقة ـ تحرز هذه الدلالة، أي إرادته للمعنى الموضوع له لا المعنى المجازي بناء على كون القرينة المتصلة مانعة عن انعقاد الظهور، وأما (المنفصلة) فتجتمع مع إرادته المعنى الموضوع له من اللفظ في وقته، على ما قيل.
والظاهر وجود إرادتين سطحية أو مبدئية تقضي إرادته المعنى الموضوع له،  وعمقية (أي مآلية) تقضي بإرادته لبّاً وفي أعماق نفسه للمعنى المجازي إلا أنه سيظهره لاحقاً بقرينة منفصلة، لكن الحديث ليس في الإرادة بل في الظهور، فتدبر.
وبتعبير أدق: عندما يلقي المتكلم كلاماً فإن هنالك ظاهرين:
أولهما: أنه قصد المعنى ولم يكن غافلاً أو نائماً.
وثانيهما: أنه قصد المعنى الموضوع له لا المجازي، ولا يغني أصالة عدم كونه غافلاً أو نائماً لإحراز الثاني[103].
رابعاً: الدلالة التصديقية لجملة الكلام على أن مفاد الجملة مراد للمتكلم، وبأصالة عدم كونه نائماً أو غافلاً وأصالة عدم وجود قرائن متصلة على الخلاف تحرز الدلالة الرابعة أيضاً، وأما مع وجود القرينة المتصلة فتكون الدلالة التصديقية على أن مفاد الجملة بعد التقييد هو المراد للمتكلم.
خامساً: الدلالة التفهيمية  ونقصد بها أن مفاد الجملة الذي قصده المتكلم؛ إذ لم يكن نائماً أو غافلاً بل كان ملتفتاً أراد به إفهام الغير أيضاً؛ إذ لا تلازم بين الأمرين؛ ألا ترى حديث النفس وما أكثره؟ وألا ترى: من قال شيئاً ـ إخباراً أو إنشاءً من تهديد أو دعاء ـ كاتماً له عن الغير مخفياً له، فإن الإرادة التصديقية موجودة دون ريب دون التفهيمية؟
وقد تتطابق الدلالات الخمسة كما في الملتفت القاصد إفهام غيره لو قال (رأيت أسداً)[104]، دون أن يضم إليه، صارفاً. وقد يوجد بعضها فقط، كما في العام المخصص بمخصص متصل، بناء على اختلافه عن المخصص بالمنفصل، وأنه في المخصص بالمتصل، لا ينعقد للعام ـ وهو المفرد ـ ظهور في العموم ـ وهو الموضوع له ـ.
والحاصل : أنه قد وجدت في مثل جملة (أكرم العلماء العدول) أو (أكرم الأسد الرامي) الدلالة الرابعة[105] دون الثالثة، والثانية دون الأولى، عكس المخصص بالمنفصل فإنه ينعقد له ظهور في العموم لكنه غير مستقر أو هو محكوم بالمنفصل اللاحق، فقد وجدت في المخصص بالمنفصل الدلالات الأربع كنها غير متطابقة وتكون الثانية والرابعة حاكمة على الأولى والثالثة[106].
والحاصل: أن المخصص بالمتصل يكون مثالاً لزوال الدلالة الثالثة- والأولى  على رأي ـ وحلول الرابعة والثانية محلها، والمخصص بالمنفصل يكون مثالاً لتخالف الدلالتين لكن مع المحكومية بالثانية والرابعة.
وبعبارة أخرى: قد توجد الرابعة دون الثالثة، والثانية دون الأولى، في مثل لو قال (رأيت أسداً يرمي) ـ على رأي في مطلق المخصص بالمتصل ـ وعلى رأي آخر فإنهما موجودتان لكن الثالثة محكومة بالرابعة، وكذا الأولى بالثانية.
والحاصل:  أن في جملتي (الأسد مفترس) و(رأيت أسداً يرمي) فيما إذا صدرتا من الملتفت قد تطابقت في أولاهما الدلالتان التصوريتان والتصديقيتان، وتخالفتا في ثانيتهما، وواضح أن الدلالة التصديقية الثانية والرابعة للجملة هي الحاكمة، سواء قلنا بعدم انعقاد الدلالة الأولى والثالثة أصلاً لكون القرينة متصلة، أم قلنا بالانعقاد ثم الصرف أو الحكومة[107].

هل يتوقف على (الفحص)، الظهور أم الإلزام، أم واقع المراد؟
وحينئذ فنقول: إن الفحص ليس شرطاً لانعقاد الدلالتين التصوريتين من حيث نفي النوم والغفلة وأشباههما؛ إذ لا يشترط فيهما (القصد) بل تتحققان حتى مع قصد العدم.
نعم، من حيث القرينة يحرز بالفحص استقرار الدلالة التصورية الأولى بنفي القرينة المتصلة[108].
كما أن الفحص ليس شرطاً[109] لانعقاد (الثالثة) و(الرابعة) من حيث احتمال النوم والغفلة ومن حيث (القرينة المتصلة) أيضاً؛ إذ هي موقوفة على إحراز عدم النوم والغفلة وشبههما مما هي منتفية في المعصوم بالضرورة وفي غيره بالأصل، وعلى عدم القرينة المتصلة ـ على رأي ـ وهي منفية بالوجدان الآن وبالظهور لما مضى؛ فإن الظاهر نقل الكلام كله، لا العام دون مخصصه المتصل به مثلاً[110].
وأما الثالثة و(الرابعة من حيث القرينة المنفصلة  فقد يقال إن مقتضى أدلة لزوم الفحص[111] أنه لا حجية لهذه الدلالة[112]، لا عدم وجودها، بل الظاهر وجودها حتى فيمن يعتمد على المخصصات المنفصلة كثيراً إذا لم تبلغ حد الضعف أو الأكثر؛ وذلك لوجود الظن المطلق بهذه الدلالة[113]، غاية الأمر أنه ليس حجة، وحينئذ فلا مانع من شمول أدلة الأحكام الظاهرية[114] للمقلد بكل دلالاتها الاستعمالية والجدية التصورية والتصديقية، غاية الأمر أنها ليست بحجة عليه ما لم يفحص، وهو حال المجتهد أيضاً ،  فتأمل[115]
وقد يقال: إن هذه الدلالة حجة في باب الإلزام والالتزام، وإن لم تكن حجة في استخراج واقع مراد المتكلم[116] من ظاهر كلامه.
ولكن الظاهر أنها ليست حجة ـ قبل الفحص ـ في كليهما ـ نعم هي حجة في أصل انعقاد الظهور المبدئي كما سبق، لكنه لا ينفع العامي ولا غيره، فما دام لا يوجد فحص فلا يمكن إلزام المتكلم بعموم كلامه ولا استخراج واقع مرامه، فلا محيص عن العثور على حل لمشكلة (فحص) العامي، وأن فحص المجتهد فحص له أو غير ذلك من الأجوبة، فتأمل جيداً.

الجواب السادس: عدم إمكان الفحص مانع عن (التنجز) فقط
قد يقال: لا مانع من شمول الخطابات للعامي؛ فإن عدم القدرة على فهم المضامين والمجاري والفحص مانع عن تنجز مفاداتها[117] لا عن مراتب الإقتضاء والإنشاء والفعلية، وإلا كان النائم والغافل وأشباههما أولى[118] بعدم شمول خطابات الأحكام لهم.
والجواب:  بالشأنية[119] والقضية الحقيقية وغيرهما جارٍ في المقامين بوزان واحد.
بل ذلك هو مقتضى اشتراك الأحكام، المستفاد بالضرورة من نفس أدلة الأحكام، من غير توقفٍ على دليل خارجي، فلو كان مفقوداً[120] لما أخل ببداهة إشتراكها؛ استناداً إلى ظواهر الأدلة نفسها. ويعد التشكيك في ذلك شبهة في قبال البديهة، فتأمل.[121]

الجواب السابع: الفحص أعم من الفحص بالواسطة
ما ذكره السيد الأخ الأكبر قدس سره ـ بتلخيص شديد، وتصرف بسيط ـ من (ويرد عليه: أن ارتفاع المانع من إحراز شمول ظاهر الأدلة وهما:
أولاً:  العلم الإجمالي بوجود مقيدات ومخصصات فيما بأيدينا من الكتب للعمومات والإطلاقات.
وثانياً: تعويل المتكلم على المخصصات والمقيدات المنفصلة لا يتوقف على فحص المكلف بنفسه، بل يتحقق بالأعم من فحصه هو بنفسه وفحص المجتهد، فإن انحلال العلم الإجمالي بوجود مقيدات ومخصصات ولو حكماً يتم بالأعم من فحصه وفحص الخبير أو الثقة لكفاية اليقين التعبدي كالوجداني؛ ولبناء العقلاء على إجراء أصالة العموم والإطلاق سواء فحص المكلف بنفسه أو استند لفحص الخبير، ثم مثّل بصحة التمسك بـ﴿ أحل الله البيع﴾ وارتفاع المانعين المذكورين في كلام النائيني بفحصه وكذلك بفحص غيره، واستشهد من (الفقه) بأمثلة منها كفاية شهادة العدلين بعدم الماء في الحضر والبرية، بل وصحة الاستنابة في الطلب، وكفاية النائب الواحد الثقة، كما لم يستبعده صاحب العروة وغيره [122].
وغير خفي جريان هذا الجواب بعينه لرد دعوى الاختصاص المستندة إلى عجز العامي عن فهم المضامين وعجزه عن فهم المجاري والموارد ؛ فكما أن الفحص يكفي فيه الاعتماد على الغير كذلك فهم المضامين والمجاري، وكما أن فحص الخبير عن المعارض والمخصص والحاكم يقين تعبدي لمن رجع إليه، كذلك فهمه للمضامين والمجاري يقين تعبدي.
وبعبارة أخرى: أن التمكن من الفهم ومن الفحص أعم من التمكن بالمباشرة وبالواسطة.

الجواب الثامن: بناء العقلاء على إلزام المتكلم مطلقاً
ما ذكره المحقق العراقي في نظير المقام رداً على كلام المحقق القمي في تفصيله في حجية الظواهر بين المخاطبين وغيرهم بقوله: يكفي لحجيته ـ أي الظهور ـ محض إحراز كونه في مقام التفهيم ولو لشخص خاص بلا احتياج إلى إحراز كونه في مقام تفهيم الكل، لبناء العقلاء على إلزام الطرف بسماع الغير كلامه [123].
وأنت ترى أن ظاهر كلامه ومقتضى استدلاله[124] الشمول لغير المخاطبين أيضاً ، وذلك أعم من كونهم مجتهدين أو عواماً إذا كان الإمام في مقام التفهيم لواحد من العوام ، بل مطلقاً، بدعوى بنائهم على الإلزام حتى من غير القادر على الفحص عن القرائن المنفصلة.
ولكن الكلام في صحة هذا الكلام؛ إذ لا بناء للعقلاء على إلزام الطرف بسماع شخص ما  كلامَه حتى فيما كان المتكلم مما علم من حاله الاعتماد كثيراً على القرائن المنفصلة، ولا أقل من الشك، ولا إطلاق للدليل اللبي، بل لا يعلم بناؤهم على الإلزام حتى فيما احتمل فيه وجود قرائن جلية ـ لهما ـ بينهما،  مقالية أو حالية.
نعم، بناؤهم على ذلك لو كان في مظان التهمة بالإنكار كما في إقراره لشخص بأمرٍ ثم إنكاره لاحقاً كونه قصد ظاهر كلامه، أو كانت قرائن عامة أو خاصة تساعد على إحراز عدم وجود قرائن جلية أو خفية بينهما.
ولكن يمكن الذب عنه بما قد سبق من الجواب وأن الراوي -  وهو مَن خاطبه الإمام ـ عندما ينقل الرواية لابد أن ينقلها مع قرائنها كما ذكره الميرزا النائيني، وأن الإمام يخاطب السامع وهو عالم بنقله للرواية وأن الغير سيستند إليها، فلو كان مراده غير الظاهر للزم عليه بيانه كما ذكرناه.
والحاصل: أن كلام العراقي قدس سره بحاجة إلى هذه الضميمة.
ولقد اتضح مما مضى أن خطابات الشارع مشتركة، وأن الأدلة تخاطب الجاهل والعالم أو المقلد والمجتهد معاً، وعليه لا إشكال في رجوع العامي للمجتهد في معرفة تكاليفه وأحكامه بعد كون العلم طريقياً، وكون المقدور بالواسطة مقدوراً، وعدم تعيّن إحدى الطرق الثلاثة[125].


-----------------

* هذه المباحث الاصولية تجميع لما طرحه سماحة السيد في مختلف كتبه وبحوثه، قام باعدادها وجمعها و ترتيبها مشكوراً فضيلة الشيخ عطاء شاهين وفقه الله تعالى

[1] هذه الفائدة جئنا بها على طولها لترابط مطالبها ووحدة موضوعها وعظيم فائدتها في شحذ عقل طالب العلم  لكسب ونيل الأفكار الأصولية ومناقشتها ، ومع ذلك أجرينا فيها بعض الاختصار غير المخل بهدفها .
[2] لعل مورد الكلام خصوص الطرق والأصول، دون (الأمارات) المراد بها الأدلة على الموضوعات.
[3] تبيين الأصول للأخ الأكبر: ج1، ص69، وهو الدليل الثاني من الأدلة التي ذكرها.
[4] الحجرات: 6.
[5] التوبة: 122.
[6] وهو يصلح دليلاً لحجية الفتوى، كما يصلح دليلاً لحجية ظواهر قول المعصومين عليهم السلام.
[7] سورة الحشر: 7.
[8] إذ قال (إن العامي غير ملتفتٍ إلى أدلة الأحكام الظاهرية).
[9] أي كفاية الإلتفات في الجملة.
[10] وكفاية الامتثال في الجملة، لدفع لغوية تشريع الحكم مطلقاً، فتأمل.
[11] وكذا الأدلة على الحكم، ووجه أنه لا يرى الضرورة هو: لكفاية بعضها في إيراثه الإطمئنان النوعي بالحجية أو الحكم.
[12] فلو رأى (الضرورة) لكن لم يكن له المصادر الوافية بكل الأدلة، أو وقع في تزاحم الواجبات وضيق الوقت، فهل يصح القول بأن جعل...
[13] أي لا تتوقف على (الالتفات بقول مطلق)، لا (الالتفات) في الجملة؛ إذ حتى القضايا الحقيقية، لو انتفت فيها الفائدة مطلقاً، لكان توجيه الخطاب بها لغواً، وقد يفرق بين معاني (الحجية) من كاشفية، ولزوم إتباعٍ، ومنجزية ومعذرية، فعلى بعضها ليس الإلتفات بقول مطلق، متوقفاً عليه، فتأمل.
[14] كقول الخطيب أو القائد مخاطباً الحضور أو الجيش: افعلوا كذا وكذا، مع عدم إلتفات البعض في بعض الأحيان لبعض الأوامر.
[15] أي بالفعل، أو في تصحيح شموله له، نظراً لاندفاع اللغوية بذلك، ولو أريد الأول لاستتبع الثاني.
[16] تبيين الأصول: ج1 ص73 .
[17] لا يخفى أن هذا الجواب تام على فرض كون (إنشاء الحكم ثبوتاً، حاصلاً بنفس الدليل الدال عليه إثباتاً) دون ما لو أنشأ الحكم ثبوتاً ثم أقام عليه الدليل.
[18] مباحث الأصول ـ القطع، عند التطرق لمبحث صحة ردع القاطع والفوائد والآثار المترتبة عليه.
[19] لولا الترقي بـ(بل) لعاد هذا الجواب ( أي بل نقول: يكفي..) إلى سابقه، لكن شمول (الدليل) له حينئذٍ يكون لغواً، فلا مناص من ما ذكرناه في الحاشية (لا يخفى أن هذا الجواب تام..) فتأمل أو المتن من (بل قد يجاب..) فتدبر.
[20] وهذا الجواب يصح حتى مع فرض إنشاء الحكم ثبوتاً أولاً، ثم إقامة الدليل عليه ثانياً ـ فتأمل.
[21] فإن الالتفات موقوف على الحكم لكونه ـ أي الحكم إذ تقول (الالتفات للحكم) ـ متعلَّقاً له، فلو توقف الحكم على الالتفات؛ لإشتراطه به حسب الفرض، دار.
[22] الأصول للأخ الأكبر: ص44.
[23] أي يفترض المنشأ وجوده في ظرفه، فيجعل الحكم بلحاظه، فيفترض وجود التفات المكلف لهذا الحكم الذي يريد إنشاءه، فيجعله وينشؤه.
[24] أي وجود الحكم.
[25] ومثله احتمال وقوعه منه، بل ووقوعه في الجملة.
[26] أي الفرار عن ذلك المحذور بالقول بعدم الشمول للملتفت.
[27] وقد ظهر بذلك أن الأولى صياغة الإشكال بهذا النحو؛ فإنه أتم وأقوى وجوابه ما سبق.
[28] إلا أن يقال: الدليل المتمم هو العقل، لحكمه بعدم صحة جعل الدليل في حق غير الملتفت ـ فتأمل.
[29] من الأدلة التي استدل بها على عدم شمول أدلة حجية الطرق والأمارات للمقلد .
[30] منتقى الأصول: ج4، ص13.
[31] وهو جاءكم.
[32] تبيين الأصول: ج1 ص75.
[33] أفعالاً كانت أم صفات.
[34] أي في من انقضى عنه المبدأ ومن سيتلبس.
[35] وأما صدق (نجار) على غير المشتغِل حالاً بالنجارة، فلأن المراد بها الحرفة، وهو متصف بها، وأما (القاتل) فلأن المراد به من صدر منه ذلك الفعل وذلك ثابت له دوماً، لا من يستمر في القتل أبداً، فراجع (الكفاية) وغيرها.
[36] إذ على ذلك الجواب، يكون معنى الآية: إن كان الخبر في معرض الوصول لكم، فتبينوا أي حققوا عنه لكي يصلكم بالفعل ثم بعد وصوله تثبتوا من صحته!
[37] أي لو احتمل وجود خبر ما من فاسق ما، أن عليه أن يتبين عن أصل وجود الخبر ثم عن صحته.
[38] وهناك اعتراض وهو هل أن  الآية تشمل النبأ الحكمي ويكون  الفحص عن أصل وجود النبأ لازم ولو بتلك القرينة العقلية ، وبهذه القرينة نلتزم بوجوب الفحص مطلقاً حتى في النبأ الموضوعي لوحدة سياق الآية؟ وقد أجاب على ذلك K بأجوبة عديدة لا يحتمله هذا المختصر ، فانظر كتاب المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول: ص  242.
[39] تبيين الأصول: ج1 ص71.
[40] أي عن أصل الشبهة بشعبها الثلاثة.
[41] بل لو حصلت، لما أمكن الانفكاك، بل لا قدرة على العدم حينئذٍ ، فتأمل.
[42] أي بواسطة الدراسة والتأمل وشبههما، ولا نقصد هنا: القدرة بواسطة شخص آخر.
[43] أي لا بقيد (الآن).
[44] أي هو قادر في ظرف الجهل، لا بقيده.
[45] أي الوقوعية بالنظر للحكمة.
[46] أي يعلم أصل وجود الأدلة.
[47] وليس منها طول المقدمات وقصرها وبعدها وقربها إذا كان الفاصل غير فاحشٍ.
[48] ونسبة هذا مع واجد ملكة الاجتهاد  من وجه؛ إذ لعله واجد لها لكنه لعارضٍ لا يعده العرف ممن شأنه توجه الخطاب له، كما لو كان في السجن منقطعاً عن وصول الخطابات له، ولعله غير واجد لكن العرف يعده أهلاً لتوجه الخطاب له، فتأمل.
[49] عوالي اللئالي: ج4 ص133 .
[50] ويمكن التمثيل بما ورد فيه (النص) في الأحكام، من غير نصوص معارضة أو مخصصة، مع كونه على الأصل، كطهارة الماء، وحلية كثير من الفواكه والأطعمة، في الجملة.
[51]سورة  لقمان: 13.
[52]سورة البقرة: 279.
[53]سورة الأنعام: 151.
[54] أو إذا أريد الحكم على ذلك الموضوع في الجملة لا بالجملة.
[55] وهو ما صدر من المولى بما هو مولى معملاً مقام مولويته.
[56] بناء على عدم التنافي بين (الإرشاد) و(الإيجاب) لكن لا بما هو مولى، كما أشار إليه الميرزا الشيرازي في تقريرات الروزدري له، وكما فصلناه في الأوامر المولوية والإرشادية.
[57] بين أمثال هذه الواردة في المستقلات، بل مطلق النصوص وبين غيرها، فإن اللسان واحد، وهذا غير أنه لم يقل أحد بالفصل وأن الخطابات في الأولى موجهة للعامي أيضا دون الثانية.
[58] نهاية  الأفكار: ج3 ص3، نقلاً عن أصول الأخ قدس سره.
[59] من غير فرق بين الأدلة على الفروع أو الأصول وبين الأدلة على الأحكام الشرعية والأدلة على الأدلة عليها أي الأدلة على الحجية، كأن يسمع العامي من المعصوم قوله بحجية ظواهر الكتاب أو الشهرة أو خبر الواحد، مثل (لا عذر لأحد من موالينا بالتشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا) أو (خذ عن يونس بن عبد الرحمن).
[60] المدعي اختصاص خطابات الشارع بالمجتهد؛ فإن هذا الإشكال ينفي حجيتها في حقه أيضاً إلا من باب الإنسداد.
[61] أي أن قرائن ومخصصات ومقيدات من كلام الإمام السابق، قد اختفت وضاعت.
[62] إذ يقال بصحة ذلك في غير ما علم من حال المولى: أن ديدنه على القرائن المنفصلة، وأن كثيراً منها يصعب وصول العامي إليه، بل قد اختفى وضاع، وفيه: أنه قد ذكرنا في المتن جواب الشق الأول، وأما الاختفاء والضياع فلو سلّم به لزم عدم الحجية حتى للمجتهد، إلا من باب الظن المطلق والانسداد، فتأمل.
[63] فوائد الأصول: ج3 ص138.
[64] فوائد الأصول: ج3، ص139.
[65] دليل التفصيل: احتمال أن تكون بين السائل والمجيب قرينة حالية أو مقالية سابقة أو لاحقة معهودة بينهما، خصوصاً بالنسبة للمتكلم الذي ديدنه الاعتماد على القرائن المنفصلة.
والجواب: بنفي الاحتمالات بالأصول العقلائية، وكونها مرجوحة بنظر العرف منفية بأصالة العدم، وأن الراوي لابد أن ينقل الرواية بما احتف بها لأن غرضه من الرواية إفهام الغير، غاية الأمر في مَن ديدنه الاعتماد على المنفصلات وجوب الفحص عن القرائن المنفصلة، لا سقوط ظاهر الكلام عن الاعتبار، ولكون نسبة كتب الروايات إلينا كنسبة كتب التأليف والتصنيف إلينا، في حجية ظواهرها.

[66] أي أن العامي عاجز عن فهم المضامين والمجاري والفحص.
[67] إذ العامي المتأخر مجمع المشكلتين والمحذورين لكن فيه: أن رفض دليل القمي، يستلزم رفض دليل عجز العامي أو: من رد ذاك كان رد هذا أهون عليه، فتأمل.
[68] لكون كثير من كلامهم جواباً على سؤال السائل، وأما ما كان ابتداءً فإن الخطاب فيه لفرد أو إفراد محدودين، على عكس ما لو كان عاماً للجميع، كخطبة عامة أو مجلس درس عام، بل قد يتأمل فيه أيضاً بنفس الدعوى فتأمل.
[69] لاختلاط القسمين وعدم القدرة على التمييز بينهما، ولو في الجملة.
[70] فوائد الأصول: ج3، ص139، ط: مؤسسة النشر الإسلامي.
[71] فلو كان قيد أو مخصص لذكروه صلوات الله عليهم.
[72] حيث لم ينقل، فيستكشف عرفاً عدم القرينة المخصصة أو الحاكمة، وإلا كان مغرياً بالجهل.
[73] أي غير هذا الجواب الرابع، وقد أشرنا في المتن سابقاً للجواب.
[74] أي وقت حاجة المخاطبين.
[75] لا يخفى أن الوجه الأول، والثالث إنكار للصغرى، وأنه لا تأخير للبيان عن وقت الحاجة، وأما الوجه الثاني والرابع، فقد بُنيا على تسليمها فيلتمس الوجه للتأخير.
[76] العقائدية أو الفقهية أو الاجتماعية أو السياسية أو غيرها، وأيضاً: التقية من المسمى بالخليفة ومن واليه ومن علماء البلاط أو بعض ذوي النفوذ، ومن نفس بعض عوام العامة، وقد تجتمع هذه الجهات، وقد يتحقق بعضها، إلا أن كلاً منها كان كافياً لعدم الذكر.
[77] ولم تكن تقية وقت صدور (العام) ونقله عن الإمام عليه من الله الصلاة والسلام.
[78] لا يقال: مع علم الإمام بالمستقبل كان ينبغي أن يذكر الخاص من قبل وإن لم يكن مورد الابتلاء حينذاك؟
إذ يقال: جهات عديدة قد تمنع من ذلك: منها: ضيق الوقت، ومنها: عدم استيعاب السائل، ومنها غير ذلك، فتأمل.
[79] فلو قال أكرم العلماء ولم يقل إلا الفساق، ثم وجدنا صدور المخصص من المعصوم اللاحق أو من المعصوم نفسه في زمن لاحق، فلعله لعلمه صلوات الله عليه بأن السائل لم يكن مورد ابتلائه الفساق منهم، ونظراً لعدم قابلية أكثر السامعين واستيعابهم، ترك الإمام ذكر المخصصات وغيرها لهم، بعد كونها عدم مورد ابتلائهم، لأن الثمرة ـ في حقهم ـ كانت علمية فقط، والفرض عدم قابلية القابل أو ضعفه أو شبه ذلك.
[80] فأمرَه الإمام بالنفقة والصوم وغيرها دون ذكر (لا ضرر) و (لا حرج) مثلاً، لعلمه بأنه ليس مورداً لهما، وذكر له أحكام الشك في الصلاة دون إضافة (الحاكم) وهو (لا شك لكثير الشك) لعلمه أنه ليس كذلك.
[81] وسائل الشيعة: ج27، ص34، ح9 فإن (الإكمال) من فلسفة جعلهما معاً.
[82] سورة المائدة: 3.
[83] بأن تكون خطاباً للمجتهد ولبعض المقلدين، بل هي إما خاصة بالمجتهد أو عامة له وللمقلد أيضاً.
[84] إذ قد يقال (بالانطباق وعدمه) ولا ضير فيه، لا (بتوجه الخطاب وعدمه)، وقد أشرنا إلى نظيره سابقاً، وسيأتي في المتن جواب التأمل، كما مضت أجوبة سابقة.
[85] أي بعد ثبوت ذلك.
[86] أي التفكيك، بذلك التصوير.
[87] إذ كيف يدعى أن مجرى التخيير والبراءة، مثلاً كان أوضح لعامي ذلك الزمن من عامي هذا الزمن؟ بل الظاهر عدمه، وأما (العبارات) فالظاهر أن التغيير في معاني كلمات اللغة طفيف جداً أولاً، وخلاف الأصل ثانياً؛ لا للاستصحاب القهقري ليقال إنه ليس بحجة، بل إنه أصل عقلائي قد يعبر عنه بأصالة عدم النقل أو أصالة ثبات اللغة، وقد فصلنا الحديث عن ذلك في كتاب (نقد الهرمنيوطيقا ونسبية المعرفة).
[88] معاني الأخبار: ص1 .
[89] وكذا (فهم المضمون) و(تشخيص المجاري).
[90] وهي ما ينسبق من اللفظ، إلى الذهن، من المعنى حتى لو صدر اللفظ من غير العاقل أو غير الشاعر.
[91] أو بفهمه المضمون ومعرفته المجاري.
[92] أي به يعرف السامع مراد المتكلم.
[93] سيأتي الفرق بين المخصص المتصل والمنفصل: وأن في الأول لا انعقاد للظهور، وفي الثاني ينعقد لكن يحكمه أو يَرِد عليه المخصص، فالفحص إما شرط إحراز وجود الإرادة الجدية أو شرط إحراز استقرارها على ما يقتضيه ظاهر الكلام من عموم أو إطلاق.
[94] فوائد الأصول: ج3 ص139.
[95] سيأتي أن المحور ومناط الشمول له هو الإرادة التفهيمية لا الجدية، فتأمل.
[96] إن أريد بالجدية: قصد المعنى وإرادته فإنه لا يتوقف على قصد الإفهام.
[97] فإن انعقاد الإرادة الجدية كما أوضحناه حاصل بالطبع، إضافة إلى تصور فوائد عديدة على انعقادها بما هي هي، فتأمل.
[98] هذا الجواب استفدناه من الميرزا النائيني قدس سره، إلا أنه ذكر ثلاث دلالات فأضفنا لها رابعاً ثم خامساً، وأضفنا إضافات أخرى عديدة، كما غيرنا تغييرات عديدة في كلامه بإضافة قيد أو حذفه مثل إضافة (ذا نسبة ناقصة) وغيرها، فليلاحظ كلامه في فوائد الأصول: ج3 ص139-141.
[99] وأما شبه الجملة (أو الكلام ذا النسبة الناقصة) فكالمضاف والمضاف إليه، مثل (ماء البحر) و(أسد الله ورسوله) أو (أسد الوطن) في المخصص بالمتصل، والمثال الأول لقرينة المجاز والثاني لقرينة التعيين بين أصناف الحقيقة، وأما ظهور الجملة فكظهور الجملة الاسمية في الثبات والدوام، أو تقديم ما حقه التأخير المفيد للحصر كـ﴿إياك نعبد﴾، فتأمل.
[100] والأدق: للعلم بالوضع أي علم السامع، أو يقال: يدل (الوضع) بما هو هو اقتضاء، ومع العلم بالوضع يدل بالفعل، أي (الوضع) علة معدة للدلالة.
[101] أي (النقائض).
[102] مثل (يرمي).
[103] والأولى تسمى أصالة الجد، والثانية أصالة الحقيقة.
[104] لو رأى ببصره، لا ببصيرته  ذلك الحيوان المفترس لا الرجل الشجاع.
[105] بشقها الثاني المشار إليه بـ(وأما مع وجود القرينة المتصلة...).
[106] وليلاحظ التفريق الذي أشرنا له سابقاً بين (ظهور الكلام) وبين (إرادة المتكلم)؛ فإن اجتماع الدلالات الأربعة هو في (الظهور)، أما (الإرادة) فقد فصلنا بين الإرادة المبدئية والعمقية أو النهائية.
[107] أو الصرف بالحكومة.
[108] ومع العثور عليها لاحقاً يعرف أن انقداح التصور الأول في الذهن كان في غير محله، فتأمل.
[109] أو لا حاجة له لانعقادها.
[110] وبعبارة أخرى: (الفحص) متحقق بمجرد النظر للجملة الصادرة من اللافظ ومعرفة أنه حكيم لا يعقل منه بالنظر لحكمته إلقاء الكلام وحذف مخصصه المتصل به، وهذا حاصل للعامي كالمجتهد.
[111] ولزوم (فهم المضمون) و(معرفة المجاري)، فتأمل.
[112] ولا (دلالة تفهيمية لها) وإن كانت لها الدلالة التصديقية، أو فقل لا إرادة مآلية أو عمقية لها وإن كان لها الظهور.
[113] أي هنالك ظهور في الإرادة الجدية المبدئية فقط.
[114] وأدلة حجية الأحكام الظاهرية.
[115] إذ حاصل هذا الجواب وإن كان رداً لصدر الشبهة اختصاص تلك الخطابات بالمتمكن من الفحص التام ولكنه  ثبت أن دلالاتها الأربعة ـ والمراد من التصديقية، الظهور المبدئي في أنه مراده ـ غير مختصة بالمجتهد، إلا أنه لا يصلح رداً للإضافة الملحقة وهي وحاصل هذا الدليل أخذ لزوم الفحص موضوعاً للحكم الظاهري أو ظرفاً له إذا أريد من الحكم الظاهري الحجية كما سبق؛ إذ بعدم الفحص ليس للعبد أن يحتج على المولى، لكن للمولى أن يحتج عليه وأن يخاطبه، فلابد من إثبات مقدورية الفحص للعامي أو سائر الأجوبة ثم فحصه لإحراز الإرادة العمقية ولإلزامه؛ إذ لولا ذلك، كيف يحتج عليه؟ فتأمل،  إذ فرق بين (الخطاب) و(الاحتجاج) والكلام في الأول ، فتأمل.
[116] وهو ما عبّرنا عنه بالإرادة المآلية أو العمقية.
[117] فلا يستحق العقاب بالمخالفة.
[118] الأولوية؛ لأن النائم – أو السكران-  غير قابل لتوجيه الخطاب إليه بالمرة، عكس العامي الملتفت، لكن غير القادر فعلاً على الفحص عن المعارض والمخصص مثلاً.
[119] وأن النائم مثلاً، له قابلية الخطاب شأناً.
[120] أي الدليل الخارجي.
[121] التأمل من جوه، منها: أنه مصادرة، ومنها أن دلالة الدليل على الاشتراك في الأحكام وإن استند لنفس أدلة الأحكام أعم من كون خطابه أيضاً للأعم  فهو كـ﴿ أقم الصلاة﴾ فإنه أمر للكل وإن كان الخطاب للبعض، ومنها: أن مآل هذا إلى الاستدلال بلزوم التالي الفاسد هكذا: لو لم يكن خطاب الأدلة عاماً لما كانت الأحكام مشتركة والتالي باطل فالمقدم مثله، والجواب بنفي التلازم لدلالة الأدلة الخارجية على الاشتراك، وفي كل الوجوه تأمل، فتأمل.
[122] تبيين الأصول : ج1 ص71-74.
[123] حاشية المحقق العراقي على فوائد الأصول للنائيني: ج3 ص139.
[124] ببناء العقلاء.
[125] المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول: ص 285.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3038
  • تاريخ إضافة الموضوع : 4 جمادى الآخرة 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28