• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 269- تصوير قصد المعنى لا باللفظ بل مع اللفظ في : المعاريض ، التورية ، والكفاية .

269- تصوير قصد المعنى لا باللفظ بل مع اللفظ في : المعاريض ، التورية ، والكفاية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(269)


اشتراط ثلاثة قصود في الإنشائيات:
والحاصل([1]): انه لا بد في الإنشائيات مطلقاً من أمور ثلاثة:

قصد اللفظ
أولاً: قصد اللفظ، أو مطلق ما به يتقوم الإنشاء كالفعل فيما يقبل المعاطاة، وذلك عكس الغالط أو النائم أو مطلق الساهي.

قصد المعنى
ثانياً: قصد المعنى، عكس قاصد غيره مجازاً، خلافاً للميرزا النائيني في قوله: (فإنّه بعد قصده اللفظ وعلمه بمعناه لا يعقل عدم قصده معناه)([2]) إذ سبق: (ثالثاً: انه بعد قصده اللفظ وعلمه بمعناه يعقل عدم قصده له (للمعنى) لا انه لا يعقل، وذلك كما في التجوّز باستعمال العام وإرادة بعضه فانه إذا قال: (أكرم العلماء إلا زيداً) لم يكن متجوّزاً إذ انه استعمل (العلماء) في معناه الموضوع له وهو كل العلماء ثم أخرج منه في مرحلة الإرادة الجدية زيداً، لكنه لو قال أكرم العلماء قاصداً بعضهم فانه متجوّز، ومصحّحه علاقة الجزئي والكلي نظير التجوّز بعلاقة الجزء والكل كقوله رأيت زيداً وقد رأى رقبته.
والحاصل: انه إذا قصد من العلماء بعضهم فقد قصد اللفظ وقد علم بمعناه لكنه لم يقصد معناه إذ قد قصد بعض معناه. فان القصد أمر زائد على العلم كما ان الإيمان زائد عليه وكما ان عقد القلب زائد عليه)([3]).
ومما يوضح أنّ قصد الشيء غير العلم به: ان قصد جهة الكعبة غير العلم بجهتها([4]) والعالم بان السفر موجب لقصر الصلاة غير القاصد للسفر فان مجرد علمه من غير قصد غير موجب للقصر وبعبارة أخرى: ان القصد يستدعي المقصود والعلم يستدعي المعلوم وكونه معلوماً أعم من كونه مقصوداً.

قصد المعنى بهذا اللفظ
ثالثاً: قصد المعنى بهذا اللفظ؛ فانه لا يكفي قصد اللفظ وقصد المعنى، بل يجب قصد المعنى بهذا اللفظ ليقع الـمُنشأ به.
وقد يُتوَهَّم انه لا يعقل اشتراط الثالث فانه مستدرك بعد اشتراط الأولين إذ انه إذا قصد اللفظ وقصد المعنى فانه يكون قاصداً المعنى به لا محالة.
ولكنه توهم باطل؛ إذ قد يقصد المعنى مع اللفظ وبموازاته، لا به وبسببه، وذلك مما لا ريب فيه في عناوين ثلاثة:

أولاً: المعاريض
العنوان الأول: المعاريض، فان اللفظ لا يدل على معاريض الكلام بذاته إذ هي في عرضه بل الدلالة بالانتقال لا بالاستعمال وقد ذكرنا في كتاب المعاريض والتورية (المعاريض: جمع معراض، والظاهر أنه مأخوذ من العَرْض؛ لأنّ المعنى المراد يقع في عرض المعنى الذي وضع له اللفظ من غير أنْ يوضع له كي يكون مشتركاً، وقيل: إنّه مأخوذ من العُرضة، والعرضة تعني الحجاب والحاجز...)([5]) و(تعريف دقيق للمعاريض: وقد تُعرّف المعاريض بـ (ما وقع في عرض المعنى، ولم يكن موضوعاً له ولا مستعملاً فيه، بل قُصِد من اللفظ بالتقارن، وكان اللفظ داعياً للانتقال إلى المعنى الآخر الموازي، أو محفِّزاً ومثيراً مع وجود نوع خفاء ذاتي أو عرضي شخصي أو صنفي أو نوعي، وقد دُلّ عليه بإحدى الحجج العامة على المعاريض، أو بإحدى القرائن الخاصة)، وعليه فهناك قصد انتقال لكن بدون وضع ولا استعمال)([6]).

معالجة تفسير (إِلَهَيْنِ) بـ(إمامين)
ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في الكتاب من (طرق معالجة آية: (لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ) أصولياً
ومن ذلك ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (( (وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ)([7]) يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين إنّما هو إمام واحد)). فإنّ معالجة مثل هذه الرواية يمكن أن تتم بطريقتين أصوليتين، وأخريين بلاغيتين، وخامسة تستفاد من فقه المعاريض. وهذه الطرق هي...)([8]) و(الطريقة الثالثة: معالجة الرواية بطريق فقه المعاريض، وذلك بأن يقال: إنّه بناء على فقه المعاريض فإنّ الإمام لم يقصد تفسير الآية ولا تأويلها، بل قصد معاريضها، أي: المعاني الموازية المشابهة للمعنى الأصلي. فكأنه قال: كما أنَّه (لا تتخذوا إلهين اثنين إنّما هو إله واحد) كذلك (لا تتخذوا إمامين إنّما هو إمام واحد) والدليل على ذلك ـ إضافة للاعتبار ـ الواو في الرواية، فإنّ موقعها ومعناها دقيق؛ إذ قال: «يعني بذلك ولا تتخذوا...» ولم يقل:  (يعني بذلك لا تتخذوا) فالواو العاطفة تفيد أنّ هذا معنى إضافي مقارن يستفاد من ملاحظة الآية([9]) وعبرها لا من الآية نفسها والحاصل: الانتقال من هذا إلى ذاك لا استعمال هذا في ذاك)([10])
وذكرنا أيضاً: (قوام المعاريض بالانتقال لا الاستعمال:
والحاصل: إنّ المعاريض بالمعنى الأخص يراد بها المعاني التي تقع في عرض المعنى الأول ـ الموضوع له ـ من غير أنْ يكون اللفظ موضوعاً لها ولا مستعملاً فيها،، بل هي مرادة بالتقارن بنحو الانتقال لا بنحو الاستعمال.
والانتقال يراد به الانتقال من المعنى الموضوع له إلى معنى مناظِرٍ ومشابه، بأن يكون اللفظ أو الجملة داعياً للانتقال أو محفزاً ومثيراً، دون وجود عُلقة وضعية أو استعمالية بينها)([11])

ثانياً: التورية:
العنوان الثاني: التورية، في بعض أقسامها فانه قد لا يستعمل اللفظ في المعنى (المورى عنه) وإلا كان مجازاً بل ينتقل منه إليه وقد استعمله في الموضوع له الحقيقي.
وقد ذكرنا: (وأما التورية فالظاهر أنها مأخوذة من الوراء؛ لأنّ المعنى المراد يقع في طول المعنى الذي وضع له اللفظ، فكأنّه من ورائة،  فالبطون ـ على هذا ـ هي مما وُرّي بالكلام عنها وليست من المعاريض إلا على المعنى الثاني، فإنّه أعم، فتأمل وسيأتي وجهه .
والتورية: تفعِلة مثل تكملة، تقول: ورّى يورّي تورية، وهي مأخوذة من الوراء؛ إذ ورّاه أي أخفاه وستره، أي: إنه ستر قصده الواقعي وراء ظاهر الكلام، وهذا أحد أنواعها، وسنشير لاحقاً للأنواع الأخرى، فكأن المورّي ينظر إلى ما وراء ظاهر كلامه)([12]).
ومن ذلك ما نقل ان أبا الأنبياء إبراهيم عليه وعلى الرسول وآله السلام، أجاب فرعون عندما سأله عن زوجته من هي فقال: (انها اختي) فان الأخت موضوعة للأخت النسبية لكنه قصد الأخت في الإسلام والدين، فإذا كان استعمل الأخت في الأخت في الإسلام كان مجازاً لأنه استعمال اللفظ في غير الموضوع له([13]) اما لو استعملها في معناها الموضوع له وقصد([14]) الأخت في الدين بالانتقال لا الاستعمال فهو قاصد للمعنى لكن لا باللفظ بل مع اللفظ. فتأمل

ثالثاً: الكناية
العنوان الثالث: الكناية: ولها أمثلة وأنواع ومنها: ما لو قال للقبيح ما أجملك؟ أو قال للجاهل ما أعلمك؟ مستهزءاً به مكنياً به عن جهله، فانه لم يستعمل (ما أعلمك) في ما أجهلك وإلا كان مجازاً أو غلطاً بل أراد الانتقال منه إليه فقد قصد هذا المعنى مع قوله (ما أجهلك) لا به، وقد ذكرنا في كتاب المعاريض (النوع الثاني: الكناية ومن المعاريض الكناية ـ من قسم ما قصد معناه الموازي دون معناه الظاهر ـ فإنّ الكنايات كذلك لم تستعمل في المعنى الكنائي، بل يُنتقل من المعنى الحقيقي إلى الكنائي عبرها، فإنّ قولك: فلان مهزول الفصيل أو جبان الكلب أو كثير الرماد، لا يراد به استعمال الفصيل أو المهزول في جود الشخص وكرمه، بل يراد الانتقال منه إليه، وقد استعملت تلك الثلاثة في مداليلها الحقيقية، وإن لم تكن بنفسها مرادة بالإرادة الجدية)([15]).
وقد يناقش في بعض الأمثلة كما لا يخفى.

الثمرة الفقهية للشروط الثلاثة
والثمرة الفقهية من ذلك: انه كما يجب قصد اللفظ ليقع العقد فلا عبرة بالغالط في لفظه بأن أراد ان يقول آجرت داري فقال بعت داري، وكما يجب قصد المعنى فلا يكفي قصد اللفظ (ولو آلياً) دون قصد المعنى كما في المتجوّز كما لو قال بعت داري مريداً بعضها فان قصده اللفظ وعلمه بالمعنى لا يكفي لتحقق البيع بل لا بد من قصده المعنى، والكلام في صورة ما لو أقام القرينة على إرادة البعض([16]) بل حتى لو لم يُقمها فانه ثبوتاً لا يقع بيع الكل ولا يكون بائعاً له فلو اطلع على نيته لاحقاً ظهر عدم صحة بيع ما لم يقصده، واما صورة النزاع فانه يؤخذ بظاهر كلامه وهو أجنبي عن البحث، كذلك قد يقال بانه يلزم ان يقصد هذا المعنى بهذا اللفظ، فلو قصد المعنى لا بهذا اللفظ أو قصد بهذا اللفظ معنى آخر لم يكفِ:
والثاني: كما لو قالت بعتك نفسي كناية عن النكاح فانه لا يقع أو قال: أنت حرة كناية عن الطلاق.
والأول: كما لو قصد الطلاق بالإشارة الصادرة منه المقترنة بقوله: (أنت طالق) فقد يقال انه لا يقع فانه وإن قَصَد لفظ الطلاق إذ الفرض عدم كونه غالطاً، وقَصَدَ معناه أيضاً لكنه لم يقصد تحققه بهذا اللفظ (لاعتقاده فرضاً ان الألفاظ لا يقع بها الطلاق، بل الأفعال كالإشارة فقط) بل قصد تحققه بأمر آخر (كالإشارة) فتأمل.

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


 
روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال ان الله عز وجل يقول: ((إِنِّي وَضَعْتُ الْعِلْمَ فِي الْجُوعِ وَالْجَهْدِ وَهُمْ يَطْلُبُونَهُ فِي الشِّبَعِ وَالرَّاحَةِ فَلَا يَجِدُونَهُ
وَضَعْتُ الْعِزَّ فِي طَاعَتِي وَهُمْ يَطْلُبُونَهُ فِي خِدْمَةِ السُّلْطَانِ فَلَا يَجِدُونَه
وَوَضَعْتُ الْغِنَى فِي الْقَنَاعَةِ وَهُمْ يَطْلُبُونَهُ فِي كَثْرَةِ الْمَالِ فَلَا يَجِدُونَهُ
وَوَضَعْتُ رِضَايَ فِي سَخَطِ النَّفْسِ وَهُمْ يَطْلُبُونَهُ فِي رِضَا النَّفْسِ فَلَا يَجِدُونَهُ
وَوَضَعْتُ الرَّاحَةَ فِي الْجَنَّةِ وَهُمْ يَطْلُبُونَهَا فِي الدُّنْيَا فَلَا يَجِدُونَهَا))
عوالي اللآلئ: ج4 ص61.

 

--------------------------------------------------------

([1]) وهو تتمة للجواب الثالث.
([2]) تقرير بحث الميرزا النائيني، الشيخ موسى النجفي الخوانساري، منية الطالب في شرح المكاسب، مؤسسة النشر الاسلامي - قم المشرفة، ج1 ص367.
([3]) راجع الدرس (268) بتصرف.
([4]) كما لو صلى متجهاً إلى القبلة عالماً جهتها لكنه كان غير قاصد الصلاة إليها بل إلى صنم أمامه، والعياذ بالله، مثلاً.
([5]) السيد مرتضى الشيرازي، كتاب المعاريض والتورية، منشورات دليل ما - طهران، ص27.
([6]) المصدر نفسه: ص29.
([7]) سورة النحل: آية 51.
([8]) السيد مرتضى الشيرازي، كتاب المعاريض والتورية، منشورات دليل ما - طهران، ص31-32.
([9]) أو فقل من المناط القطعي فيها.
([10]) المصدر نفسه: ص32.
([11]) المصدر نفسه: ص31.
([12]) المصدر نفسه: ص29.
([13]) إلا على دعوى وضعها للأعم، وفيه: انه لغة وعرفاً اخص، نعم الإطلاق الثاني أعم. فتدبر.
([14]) أي ثبوتاً وفي نفسه، إذ الفرض انه ورّى وأخفى.
([15]) المصدر نفسه: ص82.
([16]) بان قال (بعتك داري) قاصداً بعضها، وألحق به فوراً: وأقصد بذلك بعضها، مثلاً.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3028
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاثنين 25 جمادي الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14