• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 268- الصور الست لقصد اللفظ والمعنى - مناقشة مع النائيني امكان قصد المعنى بعد قصد اللفظ ، لا خصوص قصد المعنى باللفظ .

268- الصور الست لقصد اللفظ والمعنى - مناقشة مع النائيني امكان قصد المعنى بعد قصد اللفظ ، لا خصوص قصد المعنى باللفظ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(268)


قصد المعنى لا بما هو مدلول هذا اللفظ
سبق: (5- قصد المعنى بما هو مدلول لهذا اللفظ خاصة، وهو المعهود أيضاً للعامة، وهو يقابل ان يقصد المعنى لكن لا بما هو مدلول لهذا اللفظ وذلك كما لو اجرى صيغة البيع أو الطلاق غير معتقد انهما واقعان به، بل امتثالاً لحكم القانون أو العرف مثلاً، وكان يعتقد انهما يقعان بالتصفيق مثلاً في البيع أو بمجرد نية الفراق في الطلاق، فتأمل؛ إذ هو خروج عن البحث إلى دائرة الإرادة الجدية، فالأولى التمثيل بالتورية)([1]) أو بالكناية وسيأتي التمثيل بالتورية:

(الكناية) قصد للمعنى بالانتقال لا الاستعمال
 واما الكناية فذلك بناء على ان دلالتها على المعنى الكنائي هو بالانتقال لا بالاستعمال وقد ذكرنا في كتاب المعاريض والتورية: (النوع الثاني: الكناية
ومن المعاريض الكناية ـ من قسم ما قصد معناه الموازي دون معناه الظاهر وكذا لو قصدهما معاً لكن بلحاظ ما قصده ـ فإنّ الكنايات كذلك لم تستعمل في المعنى الكنائي، بل يُنتقل من المعنى الحقيقي إلى الكنائي عبرها، فإنّ قولك: فلان مهزول الفصيل، أو جبان الكلب أو كثير الرماد، لا يراد به استعمال الفصيل أو المهزول في جود الشخص وكرمه، بل يراد الانتقال منه إليه، وقد استعملت تلك الثلاثة في مداليلها الحقيقية، وإن لم تكن بنفسها مرادة بالإرادة الجدية.

إفهام المرادات بتلاوة الآيات
ومما يوضح ذلك ويدفع الإشكال عن الرواية السابقة([2]) ملاحظة قضية فضة خادمة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء h؛ إذ كانت تتكلم بالقرآن، وعندما التقى بها أحد الزهاد في طريق الحج كانت تجيبه على كل سؤال بآية أو جزء آية، فكان مما قاله لها: «قلت لها: أسرعي لكي تبلغي القافلة، فقالت: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا))([3]) ... فقلت: اركبي خلفي، فقالت: ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا))([4])»([5])، فإنّ من الواضح أن مقصودها أن في ركوبها خلفه المفسدة، وقد أرادت الانتقال من الآية لهذا المعنى المناظِر، وليس أنها استعملت الآلهة مريدة بها نفسَها وذلك الرجل)([6])
ونضيف: انه في كثير الرماد لم يستعمل هذا اللفظ في الكرم مجازاً بل استعمل في معناه الحقيقي ولذا كان كناية لا مجازاً على المختار من انها قسيم له، وقد قصد الكرم لكن لا بما هو مدلول لهذا اللفظ بل بما هو منتقَل منه إليه، والحاصل انه قصد المعنى لكن لا باللفظ بل مع اللفظ، فهو نظير تداعي المعاني فتدبر.
وأوضح منه جواب فضّة بالآيات السابقة لينتقل السامع منها إلى مراداتها فانها لم تستعمل ((لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)) في معنى لو ركب رجل وامرأة على الناقة لفسدتا ولا ان هذا المعنى مدلول لهذا اللفظ، بل ان هذا المعنى منتقَل إليه عبر هذا اللفظ. وذلك ظاهر على مسلك ان اللفظ قالب للمعنى ومسلك انه فانٍ فيه فان الآية ليست قالباً لما قصدته (من الفساد بجلوس الرجل مع المرأة) ولا هي فانيةٌ فيه، واما على مسلك إلقاء اللفظ بالمعنى ومسلك المشيرية فسيأتي انه كذلك.
لا يقال: بين كثرة الرماد والكرم علاقة الملازمة العرفية لأن الكرم مقتضٍ لكثرة الطبخ المقتضي لكثرة إشعال النيران بإحراق الأغصان المستلزم لكثرة الرماد؟.
إذ يقال: لم ننكر الملازمة الثبوتية بين الأمرين بل أنكرنا كون هذا المعنى (الكرم) مدلولاً عليه بهذا اللفظ (كثرة الرماد) بل هو منتقَل إليه به أي لم يجعل عليه دالاً([7]) وإلا لكان مجازاً، فقد قَصَده لكن لا بما هو مدلول لهذا اللفظ.
بل لنا إنكار الملازمة حتى العرفية مع بقاء المعنى الكنائي فان التلازم العرفي إنما هو في القرى دون المدن المستغنية في الطبخ عن الخشب بالنفط أو الغاز؛ فانه لا ملازمة ولو عرفيةً حينئذٍ بين الكرم وبين كثرة الرماد، وعليه: فإفادة التعبير بكثرة الرماد للكرم ليس للملازمة بل لأجل الانتقال، وكونها من باب الملازمة في الماضي أو عند قوم (كأهل القرى) لا يستلزم كونها من باب الملازمة لدينا أيضاً، فليكن عندهم من باب اللزوم غير البين وعندنا من باب الانتقال لا اللزوم أبداً فتأمل([8]).

النائيني: لا يعقل عدم قصد المعنى بعد قصد اللفظ وعلمه بمعناه
وقال الميرزا النائيني: (والثانية: أن يكون قاصدا للمعنى باللفظ، أي بعد كونه قاصدا لصدور اللفظ كان قاصدا لمدلوله، لا بمعنى كونه قاصدا لأصل المعنى، فإنّه بعد قصده اللفظ وعلمه بمعناه لا يعقل عدم قصده معناه، فإن استعمال اللفظ عبارة عن إلقاء المعنى باللفظ، بل بمعنى كونه قاصدا للحكاية أو الإيجاد، أي كان داعيه على استعمال اللفظ في المعنى الحكاية عن وقوع هذا المدلول في موطنه من ذهنٍ أو خارجٍ أو إيجاد المنشأ بهذا اللفظ الذي هو آلة لايجاده).

الأجوبة:
أقول يرد عليه إضافة إلى ما سبق:

3- بل يعقل كما في التجوّز بالعام عن الخاص
ثالثاً: انه بعد قصده اللفظ وعلمه بمعناه يعقل عدم قصده له (للمعنى) لا انه لا يعقل، وذلك كما في التجوّز باستعمال العام وإرادة بعضه فانه إذا قال: (أكرم العلماء إلا زيداً) لم يكن متجوّزاً إذ انه استعمل (العلماء) في معناه الموضوع له وهو كل العلماء ثم أخرج منه في مرحلة الإرادة الجدية زيداً، لكنه لو قال أكرم العلماء قاصداً بعضهم فانه متجوّز ومصحّحه علاقة الجزء والكل نظير رأيت زيداً وقد رأى رقبته.
والحاصل: انه إذا قصد من العلماء بعضهم فقد قصد اللفظ وقد علم بمعناه لكنه لم يقصد معناه إذ قد قصد بعض معناه. فان القصد أمر زائد على العلم كما ان الإيمان زائد عليه وكما ان عقد القلب زائد عليه.

4- النقض بالاكتفاء بقصد اللفظ آلياً
رابعاً: انه لو صح كلامه لورد عليه النقض بعدم الحاجة لقصد المعنى باللفظ أيضاً (وهو المقوّم الثاني أو المرتبة الثانية لديه للاخبار والإنشاء) إذ يكفي حينئذٍ (قصد اللفظ آلياً) وهو شرطه الأول إذ لو قصد اللفظ آلياً إلى المعنى كما هو فرض كلامه فانه كما لا يعقل عدم قصد المعنى لا يعقل عدم قصد المعنى بهذا اللفظ لفرض انه قصد اللفظ آلياً لمعناه كما سلّم به فكيف فرّق بين الأمرين فرأى صحة الأخير وامتناع ما قبله؟ فتأمل جيداً.                                          

 

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال الإمام الصادق عليه السلام: ((مَعَ التَّثَبُّتِ تَكُونُ السَّلَامَةُ وَمَعَ الْعَجَلَةِ تَكُونُ النَّدَامَةُ، وَمَنِ ابْتَدَأَ بِعَمَلٍ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَانَ بُلُوغُهُ فِي غَيْرِ حِينِهِ)) الخصال: ج1 ص100.

----------------------------------------------------
([1]) راجع الدرس (267).
([2]) وهي: ما رواه العياشي في تفسيره 2: 261، ح 36، وفيه: عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «(وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَأحد) يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد».
([3]) سورة البقرة: 286
([4]) سورة الأنبياء: 22.
([5]) انظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة 5: 313 ـ 314، الذريعة 10: 4، المستطرف في كل فن مستظرف 1: 106 ـ 107.
([6]) السيد مرتضى الشيرازي، المعاريض والتورية، ص82.
([7]) بالمعنى الأخص المعهود للدال.
([8]) إذ قد يدعى ان ماضي الملازمة وكثرة الاستعمال أوجبت لهذا اللفظ علقة بالمعنى الكنائي؟ وفيه: انها ان بلغت حد النقل فمنقولٌ وحقيقةٌ، أو لا مع استعمالها في المعنى الآخر (الكرم) فمجاز مشهور، لكنه ليس كذلك إذ لم يستعمل في المعنى الآخر بل انتقل إليه فقط. فتأمل.
([9]) تقرير بحث الميرزا النائيني، الشيخ موسى النجفي الخوانساري، منية الطالب في شرح المكاسب، مؤسسة النشر الاسلامي - قم المشرفة، ج1 ص367.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3026
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاحد 24 جمادي الاول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14