• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : البيع (1438-1439هـ) .
              • الموضوع : 266- تتمة البحث السابق - الضابط الثبوتي والاثباتي لكون مدار الحكم هو المعنى المصدري للموضوع او الاسم مصدري .

266- تتمة البحث السابق - الضابط الثبوتي والاثباتي لكون مدار الحكم هو المعنى المصدري للموضوع او الاسم مصدري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(266)

إذا لم يقصد أمراً
الثانية: ما لو لم يقصد بالقول أو الفعل أمراً، فان القاعدة هي عدم ثبوت الأحكام التكليفية وثبوت الأحكام الوضعية كالنجاسة بلمس النجس والضمان بكسر زجاج الغير وإن لم يقصد اللمس أو الكسر بل حتى لو لم يقصد شيئاً أصلاً، اللهم إلا ما خرج بالدليل كما لو لمس زوجته وهي في العِدّة بشهوة لا بقصد الرجوع فإن ذلك يعد رجوعاً حسبما أفتى به بعض الأعلام وإن لم يقصده([1]).

لو تضاد القصدان
الثالثة: ما لو تضاد القصدان، فايهما يقع أو لا يقع شيء منهما؟ ولذلك أمثلة:
منها: ما لو قصد بيع المنفعة، كسكنى الدار، فباعها بكذا فقد قصد بما هو إجارةٌ البيعَ مع إلتفاته أو عدمه، فهل يقع بيعاً أو إجارة؟ أو يبطل العقد؟. أو الملاك المصب المحض أو الغالب؟
ومنها: ما لو جمع بين قصدين متضادين شرعاً أو عرفاً أو شرعاً وعرفاً كما لو قال: بعتك وصالحتك هذه الدار بكذا أو قالت المرأة زوجتك وبعتك نفسي وهي ترى اجتماعهما، وذلك ان كثيراً من الناس لا يعلمون الحدود بين الموضوعات ولا كونها متضادة فيتصورون اجتماعهما، فهل يبطل؟ أو يقع الغالب لديه؟ أو لا يقع إلا المحض؟.
ومنها: ما لو قال آجرتك الدار مائة سنة وهو يرى كونه بيعاً لجهله حكم الشرع مثلاً وأُنسه بأحكام البلاد الغربية إذ يرون الإجارة لأكثر من 99 عاماً بيعاً سواء القول بانها تقع بيعاً أم القول بانها تنقلب إليه.
ومنها: تعارض قصد الوكيل والموكل والنائب والمنوب عنه، ولعله يأتي بحثه لاحقاً، إلى غير ذلك من الأمثلة، ولا يخفى النقاش في بعض ما سبق منها فتدبر.
إذا عرفت ذلك فلننتقل إلى بحث الضابط الثبوتي ثم الإثباتي لكون الفعل قصدياً أو غير قصدي وكون موضوع الحكم هو المصدر أو اسمه، فنقول:

الضابط الثبوتي لكون القصدي هو الموضوع أو الأعم..
اما الضابط الثبوتي فهو واضح فان كون المصدر القصدي هو موضوع الحكم أو اسم المصدر غير القصدي هو موضوعه، تابعٌ لغرض المشرِّع وهو تابع لما يراه من قيام المصلحة أو المفسدة بالفعل مطلقاً أو به مع القصد، فلو قال: (من قَتَل قُتل) فإن كان الغرض (الردع) كان لا بد من إبتناء الحكم على المعنى المصدري والقصد معه فانه المتعقل من غائية الردع إذ لا معنى للقول بان الحكم أعم مما لو صدر منه القتل خطأً محضاً مثلاً مع عدم التقصير في المقدمات وإن كان الغرض (التعويض)([2]) ابتنى مثل (من قَتَل فعليه الدية) على المعنى الاسم مصدري وكذا (من كسر ضمن).

الضابط الإثباتي: الأصل القصدية إلا مع قوة المادة
واما الضابط الإثباتي فقد يقال: ان الأصل هي المعاني المصدرية وان العرف يفهم القصدية كلما جعلت العناوين موضوعاً للأحكام، ويستثنى من ذلك ما لو كان ظهور المادة أقوى، واما لو تعارض ظهور الهيئة مع ظهور المادة تساقطا ويكون المرجع كلما أريد إثبات حكمٍ لم يكن، العدمُ إلا في صورة القصد فانه الأقلّ والقدر المتيقن.
 
أمثلة تطبيقية
ولنمثل ببعض الأمثلة لمزيد جلاء الحال في معقد البحث فإذا ورد: ((من حاز ملك)) و((مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ))([3]) أريد بـ(حاز) المعنى المصدري حسبما ذهب إليه المشهور فلا يملك إذا لم يقصد الحيازة، واما (ملك) فانه يراد به المعنى الاسم مصدري فانه سواء أقصد التملك فملك أو لم يقصده كما لو ورث قهراً فانه يستأثر، بنحو الاقتضاء، فمع كون الموضوع فعلاً ماضياً في الجملتين إلا انه في احداهما حمل على المصدرية القصدية وفي الأخرى حمل على المعنى الاسم مصدري، وهذا وإن صح إلا انه في المثال الأول للدليل الخاص الذي استظهره الأعلام ولو كان مثل الانصراف أو القدر المتيقن أو شبه ذلك فيما ارتأوا، إلا ان العرف يحمل الأول كالثاني على الاسم مصدري ولذا نجدهم يبنون على ان من وقع في يده طير وإن لم يكن قاصداً حيازته فانه أحق به من غيره ويرون آخذه منه غاصباً.
وعليه: فالقول بان العرف يفهم المعاني القصدية مطلقاً مردود بما سبق، إلا أن يجاب بانهم خرجوا عن الأصل لاقوائية المادة من الهيئة في المثالين بنظرهم ومناسبات الحكم والموضوع أو شبه ذلك.
ولو قال (من رد دابتي فله درهم) فردها إليه أحدهم غير قاصد أو قاصداً الخلاف، كما لو عثر عليها فنوى سرقتها فوضعها في بيت صاحبها وهو جاره مخطئاً متوهماً انها داره، فإذا كان عودتها إليه هو الغرض وهو تمام الملاك شمله الحكم واستحق الأجر، وظاهر الحال ذلك، فهو كذلك واما سوء نيته فغير ضار بعد تحقق الغرض فتأمل. والكلام هو فيما لو اطلعوا على نيته، أو فيه نفسه إذ قد علم نيته فهل يحل له أخذ الجعالة؟
ولو خاط ثوب الغير متوهماً انه ثوبه، كما لو وضع ثوبه لدى الخياط على ان يرجع إليه لاحقاً ليتفق معه على العقد أو كان قد اتفق معه، ففي الصورة الثانية ظهور المادة أقوى إذ يفيد المعنى الاسم المصدري لأنه المحقق للغرض، واما في الصورة الأولى فانه لا يستحق أجرة المسمى إذ لا عقد ولا مسمى، لكن هل يستحق أجرة المثل لقاعدة ان العمل محترم الحاكمة على القصد أو لا إذ لا اتفاق ولا يعد محسناً عرفاً أو إثباتاً ان اعتبرناه هو المدار. فتأمل

التحقيق: الحالات ثلاثة
والتحقيق: ان الحالات ثلاثة:

الأصل في الأفعال القصدية
الأولى: ان يؤتى بفعل الماضي أو المضارع، وظاهره القصدية عرفاً لظهور إسناد الحدث للفاعل في ذلك ولذلك يستفاد عرفاً من قوله: باع داره، أو كسر، ذهب، خاط، دفن، أخرج، طهّر ثيابه وهكذا، كونه قاصداً والمعنى المصدري مع القصد.

ولا أصل في المصادر
الثانية: ان يؤتى بالمصدر، فقد يقال ان المصدر مجرّدٌ من النسبة للفاعل، والقصد ليس جزء الموضوع له ليدل عليه، لوضوح انه بالحمل الذاتي الأولي لم يوضع لفظ من ألفاظ الأفعال للدلالة على الفعل مع القصد كما ان المصدر حيث دلّ على نفس الحدث دون نسبته إلى فاعله ودون تحققه وصدوره فانه لا يدل على القصد بالحمل الشائع الصناعي أيضاً إذ نسبه صدور الفعل إلى الفاعل يستفاد منها عرفاً قصده له اما المصدر المجرّد فلا.
ومرجع هذا في الحقيقة إلى ردّ إطلاق ما مضى من ان المعنى المصدري قصدي، فتدبر وللبحث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((بُنِيَتِ الصَّلَاةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ مِنْهَا إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ وَسَهْمٌ مِنْهَا الرُّكُوعُ وَسَهْمٌ مِنْهَا السُّجُودُ وَسَهْمٌ مِنْهَا الْخُشُوعُ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَا الْخُشُوعُ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: التَّوَاضُعُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُقْبِلَ الْعَبْدُ بِقَلْبِهِ كُلِّهِ عَلَى رَبِّهِ فَإِذَا هُوَ أَتَمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَأَتَمَّ سِهَامَهَا صَعِدَتْ إِلَى السَّمَاءِ لَهَا نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ لَهَا وَتَقُولُ حَافَظْتَ عَلَيَّ حَفِظَكَ اللَّهُ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى صَاحِبِ هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا لَمْ يُتِمَّ سِهَامَهَا صَعِدَتْ وَلَهَا ظُلْمَةٌ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا وَتَقُولُ ضَيَّعْتَنِي ضَيَّعَكَ اللَّهُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ)) دعائم الإسلام: ج1 ص158.

--------------
([1]) قال في وسيلة النجاة: (مسألة: 2- لا يتوقف حِلّية الوطي وما دونه من التقبيل واللمس على سبق الرجوع لفظاً ولا على قصد الرجوع به؛ لما عرفت سابقاً من أن المطلقة الرجعية زوجة أو بحكم الزوجة، فيستباح منها للزوج ما يستباح منها. وهل يعتبر في كونه رجوعاً أن يقصد به الرجوع؟ قولان أقواهما العدم؛ بل يحتمل قوياً كونه رجوعاً وإن قصد العدم. نعم لا عبرة بفعل الغافل والساهي والنائم ونحوها مما لا قصد فيه للفعل؛ كما لا عبرة بالفعل المقصود به غير المطلقة، كما لو واقعها باعتقاد انها غيرها). السيد أبو الحسن الموسوي الاصفهاني، وسيلة النجاة، مطبعة مهراستوار – قم، ج3 ص260.
([2]) كما هو كذلك في المثالين في المتن.
([3]) الحسن بن شعبة الحراني، تحف العقول، مؤسسة النشر الإسلامي – قم، ص6.

 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=3017
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء 19 جمادي الأول 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14