• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : المكاسب المحرمة (1433-1434هـ) .
              • الموضوع : 8- قرينة (مما) في الرواية على ارادة الاعم ، والجواب ـ استدلال (الشهيدي) على التعميم ومناقشته .

8- قرينة (مما) في الرواية على ارادة الاعم ، والجواب ـ استدلال (الشهيدي) على التعميم ومناقشته

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

لازال الكلام في الأدلة التي يمكن ان يستدل بها على حرمة حفظ كتب الضلال ومختلف التقلبات فيها وكذا مختلف مسببِّاتها , ومن تلك الادلة الآيات القرانية , وقد ذكرنا الاية الاولى في مقام الاستدلال وهي : 

(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ( إلا ان المشكلة ان هذه الاية تختص بالشراء ظاهرا , والمراد في المقام هو التعميم ليشمل حرمة حفظ هذه الكتب، كما أن مشكلتها الأخرى اختصاصها ظاهراً بلهو الحديث فلا تشمل لهو الأفعال مثلاً. 

وجوه دالة على التعميم : ومن الوجوه التي سيقت كدليل على التعميم (الفحوى) وقد ذكرها المحقق اليزدي, ومن هذه الوجوه أيضاً (عموم التعليل). واما الوجه الآخر فهو: دعوى كنائية كلمة ( يشتري )عن مطلق التعامل وهو الوجه الثالث او دعوى كنائيتها عن مطلق التعاطي وهو الوجه الرابع, ودعوى كنائية لهو الحديث عن الاعم منه فيشمل لهو الفعل. 

وكان السؤال في المقام : ما هو الدليل على هذه الدعوى ؟ وقد اجبنا وقلنا : 

ان هناك ادلة ومنها الروايات إذ تعمم هذه الاية بتفسير لهو الحديث بالغناء فان الامام (ع) ذكر ان الغناء هو مما وعد الله عليه النار ثم بعد ذلك تلا الآية المزبورة وجهان للاستدلال بهذه الروايات : ان الاستشهاد بهذه الروايات للدلالة على التعميم هو باحد وجهين : 

الوجه الاول : وهو الوجه الذي ذكره الميرزا الشهيدي وسنرجع اليه بعد ذلك من جديد. واما الوجه الثاني : فهو الذي اضفناه , حيث قلنا انه يمكن الاستناد الى (من ) التبعيضية الواردة في الرواية ," مما وعد الله عليه النار " , فان هذه ( من التبعيضية ) تدل على ان هناك اشياء كثيرة في هذه الآية غير الغناء قد وعد الله عليها النار وهي حرام, وهذا قد يستدل به على عمومية الآية الشريفة. 

اشكال وتأمل : وهنا اشكال, فانه لابد من التأمل لمعرفة المعنى المراد من ( من ) التبعيضية, وان هذا التبعيض هل هو بلحاظ النسبة للقران كله ؟ ولو كان الامر كذلك فانه لا دلالة ولا قرينية لهذه الرواية على التعميم في الآية. 

اوان هذا البعيض هو بلحاظ نفس الاية الشريفة ؟ ولو كان الامر كذلك فان الدلالة متوافرة فيها على التعميم 

الوجهان في ( من ) التبعيضية : الوجه الاول في ( من ) هو ان يقال : ان الغناء هو مما وعد الله عليه النار في القران , فلا تدل الرواية على ان الآية كبرى كلية يمكن ان يتوسع من خلالها فتشمل المصاديق المختلفة. 

واما الوجه الثاني في ( من) :فهو ان يكون التبعيض بلحاظ نفس الآية, ولكن نقول: إن هذا لا يجدي نفعا لتعميم الآية لكافة الموارد ولغير الشراء حيث ان (من) تدل على ان مدخولها هو احد امرين فصاعدا . ولا تدل على انه اكثر من امرين فلا دليل على التعميم، ويدل عليه أنه لو ملك احد الاشخاص بيتين وقال :هذا البيت هو مما املكه فكلامه صحيح ؛ وذلك لصدق ( من التبعيضية ) على الاثنين والتبعيض بلحاظهما. 

وبعبارة أخرى : ان (من التبعيضية) تدل على الجامع بين الاثنين والاكثر من ذلك فلا دلالة لها على خصوص الاكثر, والقدر المتيقن هو الاقل, أي الاثنين, وعليه فلا دليل على الأكثر منها. اذاً : حتى لو قلنا ان المراد من ( من ) التبعيضية هي بلحاظ نفس الاية فان ذلك لا يدل على تعميم الآية لتشمل ما هو اكثر من الغناء المصرح به في الرواية. 

استدراك : ( اشعار في الارجاع الى الكبرى الكلية ) اللهم إلا أن يقال: ان الظاهر من هذه الرواية الواردة عن الامام ع هو الارجاع من خلالها الى كبرى كلية قد وردت في الآية , أي : ان الرواية اعتبرت الآية كبرى كلية , واعتبرت الغناء مصداقا لها , 

فتكون الرواية قد ارجعت الى كبرى كلية ارتكازية ؛ وقد ذكر الامام (ع) الرواية كصغرى لها, ثم تلا الآية باعتبارها كبرى الاستدلال , ومن خلال ذلك فانه ع قد تصرف بادخال الصغرى في تلك الكبرى الكلية أو أوضح ذلك فقط من دون تصرف. ولو تم هذا الوجه, فان ذلك مصحح لتعميم الآية وشمولها لمورد البحث وهو حرمة حفظ كتب الضلال . 

وهذا بعض الكلام في القرينة الثانية الدالة على التعميم , 

عودا على كلام الميرزا الشهيدي :لقد ذكرنا فيما سبق كلام الميرزا الشهيدي في دلالة الآية على التعميم من خلال الاعتماد على الرواية , ولكن ومن خلال التأمل والتدقيق اكثر في كلامه فانه يمكن الدفاع عنه مما ذكرناه وإن كنا سنناقشه أيضاً. 

واما نص عبارته فهي: "وبوجه أشمل يدل عليه –أي على تعميم الاشتراء إلى مطلق الاخذ والتسلط - تفسير لهو الحديث بالغناء في بعض الاخبار ". 

وتوضيحا لكلامه نقول: انه لو تعمم لهو الحديث فان الشراء سيتعمم كذلك ؛ لانه يفهم من تعميم المتعلَّق تعميم المتعلِّق, ودليل الميرزا على ذلك هو: ( فان اشتراء الغناء لاجل الاضلال ليس إلا عبارة عن تعلمه ) . ولو صح ذلك فان كلمة الشراء سوف تعمم بركة الرواية للتعلم ويتبعه تعميمها لحفظ كتب الضلال؛ لظهور (يشتري) حينئذٍ في الكنائية عن مطلق الأخذ والتسلط.ونتيجة ذلك سيكون مطلق التعاطي حراماً. 

وجه الاستدلال على كلام الميرزا الشهيدي :ونذكر وجها للاستدلال على ما ذكره الميرزا الشهيدي حيث نسأل و نقول: 

انه لماذا اعتبر اشتراء الغناء لأجل الإضلال ليس إلا تعلم الغناء؟ إذ أن هذا الدليل هو بنفسه بحاجة إلى دليل عليه. 

والجواب : ان الشراء لا يتعلق بالافعال والاقوال عقلا وعرفا وشرعا ,والغناء من الأقوال والأفعال، فليس المراد من شراء الغناء، الشراء بل التعلم. 

تأيدا لكلام الميرزا : ولتأيد كلام الميرزا في ان الشراء لا يتعلق بالافعال والاقوال نقول : اما عدم التعلق عقلا فلان المنفعة او الفعل لا يمكن فيهما القبض , والقبض شرط في صحة البيع , وان شئت فقل: ان الفعل لا يمكن استيفاؤه , وعليه فلا يعقل ان يتعلق الشراء بالفعل , نعم ان نتيجة الفعل يمكن ان تقبض كما في الثوب الذي يخيطه الخياط فانه يمكن فيه القبض. واما عدم التعلق عرفا فبدعوى ان الشراء خاص بالاعيان واما المنافع فيطلق عليها الاستئجار او شبهه فلو تعومل على المنفعة او قويضت, فان ذلك لا يطلق عليه شراء , بل يقال ان المكلف قد استأجر المنفعة مثلاً. واما عدم التعلق شرعا , فان ذلك واضح ؛ لانه يشترط في صحة البيع الشرعي تعلقه بالأعيان حسب رأي المشهور كما أشار إليه الشيخ في (البيع). 

الجواب عن الوجوه الثلاثة للاستحالة : ( العقلية , العرفية , الشرعية ) وفي مقام الجواب عن استحالة تعلق الشراء بالافعال نقول : اولاً) ان قبض كل شيء بحسبه وكذلك استيفاء كل شيء, وعلى ذلك فانه لا مشكلة عقلية في البين, فان العين تقبض من خلال المسك والقبض الحقيقي لو كانت صغيرة واما قبض الدار فيكون من خلال اخذ مفتاحها, و اما فعل الخياط فان القبض فيه من خلال قبض أثره وهو الثوب المخيط. وثانياً ) انه في العرف يطلق الشراء والبيع على ما لو كان المتعلَّق المنفعة ايضا , كما في من يشتري حق الطبع او يبيعه , وهو استخدام عرفي , وبلا علاقة مصححة , وكذلك في من باع او اشترى براءة الاختراع او باع جهده او جهوده او انجازاته او ما اشبه , فان الاطلاق في كل ذلك حقيقي وبلا تجوز وثالثاً – وهنا نكتة دقيقة ) انه من الناحية الشرعية – على حسب راي المشهور – ان البيع يتعلق بالاعيان من دون غيرها ولا يصح لو تعلق بالمنافع , 

ولكن نتساءل ونقول : هل ان الشارع باشتراطه تعلق البيع او الشراء بالاعيان قد تصرف في مفهوم البيع بنحو الحقيقة الشرعية؟ او انه تصرف في شروطه ونفوذه وصحته ؟ والظاهر : هو الثاني دون الاول , أي : ان الشارع قد تصرف في شروط وصحة العقد ونفوذه فهو يقول : ان بيعك المنفعة ليس بصحيح لا أنه ليس ببيع، أي أن هناك بيع في المقام , ولكن الشارع لم يرتب عليه الاثار , أي: ان الموضوع وهو البيع ثابت , إلا ان الحكم قد نفي من قبل الشارع. والنتيجة : انه لو تم ما بيناه هنا , لما ثبت ما قدمناه من دليل لتصحيح كلام الشهيدي ولتعميم (يشتري) لمطلق التعاطي . 

استدلال آخر على التعميم للميرزا الشهيدي :وقد ذكر الميرزا الِشهيدي استدلالا اخر للدلالة على التعميم , وهذا الاستدلال صحيح ويمكن الاعتماد عليه في المقام , وهو الاستدلال بالمورد – طبعا لو تم سند الرواية – فان الميرزا الشهيدي يقول: (كما أن الذي صدر من هذا البعض الكافر هو التعلم) انتهى. ان الآية المذكورة قد نزلت في شأن شخص كافر كان يتعلم الغناء ليلهي الناس عن القران الكريم واتباع النبي الاكرم ص, أقول هذا المورد لا مانعة جمع بينه وبين ما ذكرناه سابقا فانه يمكن ان يتعدد نزول الاية في موارد مختلفة , فتارة تنزل الآية في مورد ذلك الشخص الذي ذهب الى بلاد فارس ليشتري كتب الضلال , وتارة اخرى تنزل نفس الآية في مورد الكافر الذي تعلم الغناء من خلال جمعه المغنيات واستعمالهن في غايته الشيطانية للصد عن سبيل الحق , وهذا الوجه تام لو صحت الرواية كما ذكرها , فان الكافر كان في مقام التعلم وهو مصداق ليشتري , مما يدل على ان الكلمة قد استعملت كناية عن الأعم وهو النافع لتحصيل المراد.وللكلام تتمة وصلى الله على محمد واله الطاهرين ... 


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=30
  • تاريخ إضافة الموضوع : السبت 5 ذي القعدة 1433هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23