• الموقع : مؤسسة التقى الثقافية .
        • القسم : خارج الأصول (التزاحم) .
              • الموضوع : 44- تتمة البحث السابق : وجوه الترجيـح بحق الله او الناس - مقتضى التحقيق - كلام المستند .

44- تتمة البحث السابق : وجوه الترجيـح بحق الله او الناس - مقتضى التحقيق - كلام المستند

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مباحث التزاحم
(44)


تتمات: تعدد الحاكم ليس دليلاً ولا سبباً لشدة الملاك
سبق: (وعلى أيٍ فلو تعدد الحاكم بأمرٍ ما فانه لا يكون دليلاً على شدة ملاكه واقوائيته)([1]) ونضيف: كما لا يكون سبباً لشدة الملاك؛ وذلك لأن الحاكم إنما يحكم، حسب العدلية، تبعاً لمصالح ومفاسد في المتعلَّقات، والملاك الثبوتي لا يتغير ولا يشتد أو يضعف بتعدد الحكم الصادر على طبقه أو بتعدد الحكام عليه؛ فان الحكم في رتبة المعلول، والملاك، مصلحةً كان أو مفسدة، في رتبة العِلّة، فكيف يكون ما هو في رتبة المعلول مؤثراً فيما هو مقتضٍ ومن أجزاء العِلّة؟ وذلك نظير تعدد الدليل على الحكم فانه لا يزيده ولا يزيد ملاكه قوة أو ضعفاً من حيث كونه حكماً وملاكاً وإن ضعف أو قوي من حيث الانكشاف ودرجته لكنه أجنبي عن جهة البحث.
نعم لو ضمَّ الحاكم جهة مولويته إلى جهة الملاك فحكم كان أقوى إذ مولويته جل اسمه هي أقوى الملاكات فلو تزاحم هذا الحكم مع أي حكم أو حقّ للموالي الاعتبارية فانه لا شك في أرجحيته عليها جميعاً، لكنه أيضاً أجنبي عن الفرض وعن محل البحث.
لا يقال: الكلام عن دلالة تعدد الحاكم بأمرٍ على شدة ملاكه، لا عن سببيّته له ليجاب بتأخره عنه رتبة فكيف يكون سبباً؟
إذ يقال: كلاهما محتمل؛ لذا اضفنا احتمال السببية مع جوابه، واما الدلالة فان تعدد الحاكم أعم([2])، في مرحلة الدلالة، من كونه لاقوائية الملاك ومن كونه لجهات أخرى كالتأكيد أو احتمال غفلة المكلف عن احدها([3]) أو عدم وصولها له وغير ذلك.

تعدد منشأ الحكم سبب ودليل على اقوائية الملاك
كما سبق: (فلو كان منشأ الحكم أمران كان أقوى مما كان منشؤه أمراً واحداً)([4]) وذلك لأن لكل منهما ملاكاً ومجموع الملاكين أقوى من الملاك الواحد في المزاحم الآخر؛ ألا ترى ان كونه معلماً  مثلاً ملاكُ حسنِ احترامه، وكذا كونه منعماً بأنواع النعمة، كما لو انقذه من الهلاك، وكذلك كونه والداً، فلو اجتمعت الجهات الثلاث في شخص بأن كان الوالد معلماً منعماً فلا شك ان وجوب أو حُسن إكرامه يتأكد لتقوّي الملاك بالانضمام فلو زاحمه إكرام معلم آخر رجح ذلك على هذا.

الجواب: لا إطلاق لذلك
وقد سبق الجواب عن ذلك بـ(ولا يخفى ما فيه: اما أولاً: فلأن تعدد المنشأ لا يلازم اقوائية الملاك وأهميته)([5]) إذ لا إطلاق لما ذُكر، ألا ترى انه لو زاحم إكرام النبي صلى الله عليه واله وسلم أو إنقاذه مع إكرام الوالد المعلم المنعم، فانه يرجح إنقاذ النبي، رغم ان له ملاكاً واحداً فرضاً وهو كونه نبياً فقط، على ما اجتمعت فيه عدة ملاكات؟
والحاصل: ان القلة والكثرة ليست المدار بل قوة الملاك على الآخر وعدمها فلو كان ذو الملاكات أضعف رغم انضمامها من ذي الملاك الواحد رجح ذو الملاك الواحد، نعم لو كان الملاك المعين مشتركاً بينهما وزاد أحدهما بانضمام ملاكات أخرى إليه تقدم ذو الملاكات لأنه ضم إلى ما للآخر غيره، فتدبر.

الدليل: ظواهر الأدلة النقلية، والعقل في دائرة مستقلاته
كما سبق: (انما الدليل هو ما لو كانت أهمية هذا على هذا موردَ دليلٍ لفظيٍ أو كان من المستقلات العقلية، بان كان كلا الطرفين من دائرة المستقلات مع إحراز عدم دخالة جهات موضوعية شارعية فيها، وأين لنا بذلك؟)([6]) وبعبارة أخرى:
لا طريق لنا إلى إحراز الملاكات ودرجة أهميتها وارتفاع موانعها إلّا أحد أمرين:
الأول: ان تدل الأدلة اللفظية على ان هذا هو الملاك وانه أهم من ذي الملاك الآخر، فانها الطريق الوحيد، في غير المستقلات العقلية، نحو عالم الملاكات من حيث: أ- اقتضائها أو عِلّيتها، ب- من حيث درجة أهميتها.
الثاني: ان يكون المتزاحمان من دائرة المستقلات العقلية فانه إذا كان الحاكم هو العقل كان المرجح هو العقل أيضاً من غير توقف على الأدلة النقلية؛ ألا ترى ان حرمة الظلم هو من المستقلات العقلية فإذا دار الأمر بين ظلمه بصفعه مثلاً وبين ظلمهم بقطع يده أو فقأ عينه أو شبه ذلك، حكم العقل بان الظلم الثاني أفدح وأقبح من الظلم الأول.. وهكذا.

لا إطلاق لحكم العقل بالأهم في مستقلاته
لكنّ ذلك لا إطلاق له؛ فانه إنما يتم فيما لو اتضح للعقل حدّ الملاك ودرجته كما في المثال السابق، دون ما لو استقل بالأصل دون الخصوصيات، فلو دار الأمر مثلاً بين ظلم الفقير بغصب ديناره الذي لا يملك غيره وبين ظلم الغني بغصب نصف ثروته ولنفرضها مليار دينار، فايهما الأسوأ الأفدح؟ وأيهما الأهم؟ فان ادعى شخص وضوح الرؤية لديه بأهمية هذا وأرجحيته على ذلك، فلا حاجة للمناقشة في المثال بل يكفينا تضييق الفاصل والتمثيل بما لو دار الأمر بين غصب مليون دينار هي نصف ثروة الغني الأول وبين غصب مليونين من غني آخر هي ربع ثروته؟ أو دار الأمر بين قطع الخنصر أو البنصر؟ أو شبه ذلك كدورانه بين ظلم العمة أو الخالة فايهما الأهم أو هما متساويان؟ وهكذا

كلام المولى النراقي في تزاحم الغصب وأكل الحرام
ومن النافع في تحقيق البحث ان نتوقف لننقل كلام المولى النراقي في المقام لما فيه من الفائدة والدقة قال: (لو وجد المضطرُّ، مالَ الغير والميتة ونحوها من الدم ولحم الخنزير والمسكر‌، فإن بذله المالك بغير عوض أو بعوض مقدور عاجلا أو آجلا تعيّن أكل مال الغير؛ لعدم الاضطرار ولو زاد الثمن عن ثمن المثل. إلاّ إذا كان بقدر يضرّ بحاله فلا يتعيّن؛ لأدلّة نفي الضرر.
وإن لم يبذله المالك أو من قام مقامه أو كان غائبا، فالحقّ التخيير؛ لوجوب أحد الأمرين بالاضطرار، وعدم المعيّن.
وقد يرجّح أكل الميتة بل يعيّن؛ لأنّه أبيح للمضطرّ بنصّ القرآن دون أكل مال الغير، فهو إن كان مضطرّا تباح له الميتة كالمذكّى فلا يكون مضطرّا إلى مال الغير، وإن لم يكن مضطرّا فلا يباح له شي‌ء منهما)([7]) وسيأتي توضيحه وتقويته ومناقشة بعضه بإذن الله تعالى.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين


قال أمير المؤمنين عليه السلام: ((مَا أَنْزَلَ الْمَوْتَ حَقَّ مَنْزِلَتِهِ مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أَجَلِهِ))
وَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: ((مَا أَطَالَ عَبْدٌ الْأَمَلَ إِلَّا أَسَاءَ الْعَمَلَ))
وَكَانَ يَقُولُ: ((لَوْ رَأَى الْعَبْدُ أَجَلَهُ وَسُرْعَتَهُ إِلَيْهِ لَأَبْغَضَ الْعَمَلَ مِنْ طَلَبِ الدُّنْيَا))الكافي: ج3 ص259.
---------------------------------------------------------------
([1]) راجع الدرس (43).
([2]) وكذا تعدد الحكم.
([3]) أحد الأحكام.
([4]) المصدر نفسه
([5]) المصدر نفسه.
([6]) راجع الدرس (43).
([7]) أحمد النراقي، مستند الشيعة، مؤسسة آل البيت عليه السلام لإحياء التراث ـ قم، ج15 ص29.


  • المصدر : http://www.m-alshirazi.com/subject.php?id=2983
  • تاريخ إضافة الموضوع : الاربعاء 29 ربيع الثاني 1439هـ
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15